عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 28-05-2015, 05:05 AM
الصورة الرمزية ابو وليد البحيرى
ابو وليد البحيرى ابو وليد البحيرى غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
العمر: 61
المشاركات: 4,132
معدل تقييم المستوى: 15
ابو وليد البحيرى will become famous soon enough
افتراضي

الواضح في التفسير


(الحلقة الرابعة)



أ. محمد خير رمضان يوسف

سورة البقرة

(الآيات 111 – 141)




بسم الله الرحمن الرحيم




{وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 111].



111- واغْتَرَّ أهلُ الكتابِ من اليهودِ والنصارى عندما ظنُّوا أنهم وحدَهم على الحقّ، فقالتْ كلُّ فرقةٍ منها: لن يدخلَ الجنةَ إلا من كانَ يهودياً أو نصرانياً. وهي أُمْنِيَّةٌ تَمَنَّوْهَا على اللهِ بغيرِ حقّ، وادِّعَاءٌ لا يستندُ إلى دليل، فَقُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ (صلى الله عليه وسلم): ما هي حُجَّتُكُمْ في ذلك؟ اذكروها إنْ كنتم صادقينَ فيما تدَّعونه.







{بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 112].


112- إن القاعدةَ في الأمر، هي أنَّ مَنْ أسلمَ وجهَهُ للهِ بالطاعة، واتَّبَعَ هَدْيَ النبيِّ- صلى الله عليه وسلم –، وأحسنَ في عملهِ بالإخلاص، فهذا أجْرهُ مضمونٌ عند الله، فلا يَخَافنَّ على ما يستقبله، ولا يحزننَّ على ما تركه.

وَعَبَّرَ بالوجه، لأنه أشرفُ الأعضاء، ومجمعُ المشاعر، وموضعُ السجود، ومظهرُ آثارِ الخضوع، الذي هو من أَخَصِّ خصائصِ الإخلاص، كما قال أبو السعودِ في تفسيره.


{وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [البقرة: 113].


113- ثم ادَّعَى كُلُّ طرفٍ ضَلالَ الآخَرِ وتَنَاقُضَهُ، مع بُغضهِ وعداوتهِ له، فقالتِ اليهود: إن النصارى ليستْ على حقّ، كفراً بِنُبُوَّةِ عيسى - عليه السلام – والإنجيلِ، وقالتِ النصارى: ليستِ اليهودُ على حقّ، جحداً بنبوةِ موسى -عليه السلام- وكفراً بالتوراة، كما حدثَ لوفدِ نجرانَ مع أحبارٍ لِلْيهودِ عند رسولِ الله – صلى الله عليه وسلم – في حديثٍ سندهُ حسن. بينما كُلٌّ يتلو في كتابهِ تَصديقَ مَنْ كفرَ به!وكَلٌّ منهما كان مشروعاً في وقته، ولكنهم تجاحدوا ذلك عِناداً وكفراً، ومقابلةً للتضليلِ بالتضليل. وأطرافُ وطوائفُ أخرى قالتْ ذلك.. فالله يجمعهم جميعاً في يومِ المعاد، ويفصلُ بينهم بقضائهِ العدل، ويَقْسِمُ لكلِّ فريقٍ ما يستحقُّهُ من العقاب .


{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [البقرة: 114].


114- وليس هناك أظلمُ ممنْ منعً ذكرَ الله في المساجد، وسعَى في تعطيلها أو هدمِها وخرابها، وما كان ينبغي لهؤلاءِ إلا أن يدخلوها بِخَشْيَةٍ وخضوع، فضلاً من الاجتراءِ على تخريبِها أو تعطيلِها. وقد تجرَّأَ المشركونَ فَمَنَعُوا رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم - يومَ الحُديبيةِ من دخولِ المسجدِ الحرام! فلا تُمَكِّنُوا أحداً منهم – إذا قدرتمْ على ذلك – من دخوله، إلا تحتَ الهدنةِ والجزية.

وقد مُنِعُوا حقًّا عندما نَصَر اللهُ الإسلام، كما أوصى رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم- أن تُجلى اليهودُ والنصارى من جزيرةِ العرب، فكان ذلك خزياً لهم لا يوصَف، بال***ِ والسبيِ والإذلال، ولهم عذابٌ كبيرٌ على ما انتهكوا من حرمةِ البيتِ وامتهنوه، من نَصْبِ الأصنامِ حوله، والدعاءِ إلى غيرِ اللهِ عنده، وغيرِ ذلك من أفاعيلهم المنكرة.


{وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 115].


115- الأرضُ كلًّها لله، شرقُهَا وغربُهَا، لا يختصُّ بمُلكِها والتصرُّفِ فيها إلا هو سبحانه، وإذا مُنعتم من العبادةِ في المسجدِ الأقصى، أو المسجدِ الحرام، ففي أيِّ مكانٍ أدَّيتمُ الصلاةَ وتوجهتُمْ فيه نحوَ القبلة، فهُناك الجهةُ التي أمرَ اللهُ بها، وعلمهُ محيطٌ بجميعِ المعلومات، وهو برحمتهِ يريدُ التوسعةَ على عباده، فهو العليمُ بمصالحهم وأعمالهم في الأماكنِ كلِّها.

وفي حديثٍ قد يكونُ حسناً بشواهده، أن طائفةً من الصحابةِ كانوا في سريَّة، فاختلفوا في اتجاهِ القبلةِ ليلاً، فلما أصبحوا تبيَّنَ أنهم اتَّجهوا إلى غيرِ القبلةِ في صلاتهم، فنزلتِ الآيةُ الكريمة.

وقال ابنُ الجوزي في ((نواسخ القرآن)): هذا الحكمُ باقٍ عندنا، وإن من اشتبهتْ عليه القبلةُ فصلى بالاجتهاد، فصلاتهُ مجزيَّةٌ صحيحة.


{وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ} [البقرة: 116].


116- وقالتِ النصارى ومن أشْبَهَهُمْ من اليهود، وبعضُ مشركي العرب، قالوا: اتَّخذَ اللهُ ولداً!! تَقَدَّسَ وَتَنَزَّهَ عن ذلك علوّاً كبيراً. لقد كذَبوا واقْتَرَفُوا إثماً كبيراً بهذا القول، فله تعالى ملكُ السماواتِ والأرض، وهو المتصرِّفُ في أحيائها وجماداتها، وهو خالقُهم ورازقُهم، ومقدِّرُهم ومسيِّرُهم كما يشاء، فالجميعُ عبيدٌ له وملكٌ له، فكيف يكونُ له ولدٌ منهم، والولدُ يكونُ مُتَوَلِّداً من شيئينِ متناسبين، واللهُ ليس له مثيلٌ ولا نظير، ولا صاحبةَ له، فكيف يكونُ له ولد؟ فهو الربُّ، والكلُّ مربوبٌ تحت مشيئته.


{بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ} [البقرة: 117].


117- إنه خالقُ السماواتِ والأرضِ على غيرِ مثالٍ سَبَق، في وحدةٍ وتناسقٍ كونيٍّ رائع، وهندسةٍ ونظامٍ فائق، وتوازنٍ بيئيٍّ وحيوانيِّ موافق، يشهدُ جميعُها بدلالتها على الواحدِ الأحد، فهو بارئها ومُوجِدُها من غير أصل، وعلى غيرِ مثال، فإنما أمرهُ – جَلَّتْ عَظَمَتُهُ – إذا قدَّرَ أمراً وأرادَ إيجادَهُ قال: ((كُنْ))، فيوجدُ على وفْقِ ما أراد. وكذا كان أمرُ عيسى عليه السلام.. {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [آل عمران: 59].


{وَقَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا اللّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [البقرة: 118].


118- وقال المشركونَ الأُمِّيُّونَ لمحمَّدٍ رسولِ الله – صلى الله عليه وسلم – في تَحَدٍّ وعناد: لِيُكَلِّمْنَا الله، أو لِيَنْزِلْ علينا أمرٌ خارقٌ، كذلك كان اليهودُ وغيرُهم، عندما طلبوا من أنبيائهم أموراً خارقة، في استكبارٍ وتعنُّت، كما طلبَ قومُ موسى -عليه السلام- أن يروا اللهَ جهرة، فقد تشابهتْ قلوبهم في الكفرِ والضلال. وقد وَضَّحْنَا بالأدلةِ صِدْقَ الرسلِ بما لا يحتاجُ إلى أمورٍ خارقة، وَهِيَ كَافِيَةٌ لمن أرادَ الإيمانَ والطاعة. أما المعاندُ المستكبر، فلا تفيدهُ الأدلةُ ولا الخوارق.


{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ} [البقرة: 119].


119- أيها النبي، لقد أرسلناكَ بالصدقِ وَمَعَكَ القرآنُ، تُبَلِّغُ الدِّينَ وَتُؤَدِّي الأمانةَ، تُبَشِّرُ الطائعينَ بالجنة، وَتُنْذِرُ العاصينَ بالنارِ يومَ القيامة، ولن تُسْأَلَ عن كُفْرِ مَنْ كَفَرَ بِك، فإِنَّما تَبِعَتُهُمْ على أنفسهم.


{وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ} [البقرة: 120].


120- وليستِ اليهودُ ولا النصارى براضينَ عنك أبداً يا محمَّدُ (صلى الله عليه وسلم) ولو قدَّمتَ إليهمُ الأدلةَ تِلْوَ الأدلة، أو تَوَدَّدْتَ لهم ما تودَّدَت، فلا يَنْقُصُهُمُ الاقتناع بأنكَ على الحقّ، إنما هي العقيدةُ والتعصُّبُ والتقليد، فَلَنْ يَرْضَوْا عنكَ حتى تعتنقَ دينَهُم، وتَتَّبِعَ أَقْوَالَهُمْ وَأَهْوَاءَهُمْ، وتتركَ ما معكَ من الحقّ! فَدَعْ طَلَبَ ما يُرْضِيهِمْ ويوافِقُهم، وأقبِلْ على طَلَبِ رضا الله بدعوتهم إلى الحقّ، فإن الدينَ المستقيمَ الصحيحَ الكاملَ هو ما بعثكَ الله به، وما عداهُ فليس بِهُدًى، ولا مساومةَ على الإيمانِ الحقّ، في صغيرٍ منه أو كبير، فمن شاءَ فليؤمنْ بذلك، ومن أرادَ غيرَ ذلك فهو حرّ. فإذا تابعتَهُم في آرائهم الزائفة، ومقولاتِهُم الفاسدة، وطرائقِهُم الملتوية، بعد ما نزلَ عليكَ الوحْيُ، وعلمتَ أن دينكَ هو الصحيح، فقد ملتَ عن الهدى، ولن يكونَ اللهُ والياً أمرَك، ولا ناصرَكَ ومؤيِّدَك، ولن يدفعَ عنكَ عقابه.

وهذا من بابِ التهيِيجِ والإلهاب، ولا يُتَوَهَّمُ إمكانُ اتِّباعهِ – صلى الله عليه وسلم – لهم، ولكنه تنبيهٌ لأمَّتهِ على الحذرِ من أهلِ الكتاب، الذين لا يفيدهم أيُّ تنازلٍ بالحوارِ وغيره، ولن يَرْضَوْا إلا بالانضواءِ تحت مظلَّةِ دينهم.


{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [البقرة: 121].


121- إن الذين أنزلنا علَيْهِمُ الكُتُبَ من المتقدِّمين، فأقاموها حَقَّ إقامتها، وآمنوا بها حقَّ الإيمان، دون تَحْرِيفٍ ولا تَعْطِيلٍ ولا تَأْوِيل، وَصَدَّقُوا ما فيها مِنَ الأخبار، من ذلك مبعثُ محمَّدٍ رسولِ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – وفيها صفتهُ والأمرُ باتِّباعهِ ونُصْرَتِه؛ قادَهُمْ هذا الالتزامُ إلى الحقِّ واتِّباعِ الخير، ومن لم يلتزمْ بذلك وكفرَ كان أمرهم إلى خُسْرَانٍ ظَاهِر، حيث اشْتَرَوُا الكفرَ بالإيمان.


{يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} [البقرة: 122].


122- يا بني إسرائيل، اذكروا النعمَ التي أنعمتُها عليكم، منها تفضيلكم على العالمينَ - في وقتِ ما - فلا تحسدوا بني عمِّكمْ من العربِ على ما رَزَقَهُمُ الله من إرسالِ الرسولِ الخاتمِ منهم ولا يَحْمِلَنَّكُمُ الحسدُ على مخالفتهِ وتكذيبه – صلى الله عليه وسلم.


{وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} [البقرة: 123].


123- واحذروا حسابَ ذلك اليومِ، الذي لا تقضي نفسٌ عن نفسٍ شيئاً من الحقوقِ والجزاء، ولا يُقْبَلُ منها فديةٌ، ولا يُفِيدها واسطةُ أحد، ولا يُنْتَصَرُ لهم فيُمْنَعُوا من العذاب.


{وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [البقرة: 124].


124- واذكرْ أيها النبيُّ لهؤلاءِ المشركينَ وأهلِ الكتابين، الذين يدَّعُونَ أنهم على ملَّةِ النبيِّ إبراهيمَ وليسوا عليها، اذْكُرْ لهم شأنَ هذا النبيِّ العظيم، الَّذي اخْتَبَرَهُ اللهُ بِأَوَامِرَ وَشَرَائِعَ وَنَوَاهٍ، فقامَ بها كُلَّهَا، فجزاهُ اللهُ خيراً على ما فعل، وقالَ له: سأجعلُكَ قدوةً وإماماً للناسِ يقتدونَ بكَ في التوحيد، ويحذونَ حذوك، فسألَ عليه السلامُ أنٍْ تكونَ هذه الإمامةُ في ذُرِّيَّتِهِ أيضاً، فأجيب: سيكونُ منهم من لا يفي بالأوامرِ والتكاليف، بل يظلمُ ويفسق، ولن يكونَ عهدُ الإمامةِ لأمثالِ هؤلاء، فشأنُها عظيم، بل لمن يختارُهُمُ اللهُ من أهلِ الإيمانِ والصلاح.


{وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: 125].


125- واذكرْ أيضاً -أيها النبيُّ- أننا جعلنا البيتَ الحرامَ مثوًى ومرجعاً للناسِ ومهوًى لهم، يأتونَ إليه من كلِّ مكانٍ بشوق، ويعودونَ إلى أهليهم وهم لا يرونَ أنهم قَضَوا منه حاجتَهم. وجعلناهُ أمناً لهم، فلا يعتدي عليهم أحدٌ وهم هناك، بل إنه حتى الحيواناتُ في أمانٍ هناكَ فلا تُصاد.

واجعلوا من مقامِ إبراهيمَ مكاناً تصلُّونَ فيه، وهو الحَجَرُ الذي كانَ يقومُ عليه لبناءِ الكعبة.

وفي حديثِ عمرَ الصحيحِ عند البُخَارِيِّ قولُهُ – رضي الله عنه-: ((وافقتُ ربِّي في ثلاث، فقلت: يا رسولَ الله، لو اتَّخذنا من مقامِ إبراهيم مُصَلًّى، فنزلت: {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}...

وأمرنا إبراهيمَ وإسماعيلَ -عليهما السلام- بأنْ يطهِّرا البيتَ من الأذى والنَّجَس، وإعدادهِ للحجَّاجِ والطائفينَ حوله، والمجاورينَ المقيمينَ عنده، والقائمينَ في الصلاة، الراكعينَ الساجدين.


{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [البقرة: 126].


126- واذكرْ أيضاً عندما دعا إبراهيمُ -عليه السلام- فقال: ربِّ اجعلْ هذا البلدَ آمناً من الخوف، لا يَرْعَبُ أهلُهُ، وارْزُقِ المؤمنينَ منهم أنواعَ الثمرات. فاستجابَ اللهُ له، وقال: وأرزقُ مَنْ كَفَرَ منهم وأَمْهِلُهُمْ، فالرزقُ شاملٌ للبَرِّ والفاجر، وهذا مِنْ مَتَاعِ الدنيا في زمانٍ قليل، ثم أدْفَعُهُ إلى عذابِ النارِ وبئسَ المكان، جَزَاءَ كُفْرِهِ وَتَضْيِيعِهِ ما مُتِّعَ به من النِّعَم.


{وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 127].


127- واذكرْ لقومِكَ أيها النبيُّ بناءَ إبراهيمَ وابنهِ إسماعيلَ البيتَ، ورفعَهُما الأسسَ منه، وهما يدعوان: ربَّنا تقبَّلْ منّا القُرَبَ والطاعاتِ ومنها هذا البناءُ، فأنتَ تسمعُ الدعاءَ وتعلمُ النيَّةَ في جميعِ الأعمال.


{رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 128].


128- ربَّنا واجعلنا مُسْتَسْلِمَيْنِ لأمرِك، خَاضِعَيْنِ لطاعتك، مُخْلِصَيْنِ لَك، لا نُشْرِكُ في عبادتِنا لكَ أحداً، وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا كذلك. وَبَصِّرْنَا عِبَادَاتِنَا وعَلِّمْنَا مَناسِكَنَا ومُتَعَبَّدَاتِنَا، وَتُبْ عَلَيْنَا، إنَّك كثيرُ قَبُولِ التوبةِ مِنْ عبادِك، رحيمٌ بهم.


{رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ} [البقرة: 129].


129- ربَّنَا وابعثْ لأهلِ الحَرَمِ من أنفُسِهِمْ رسولاً منهم، من ذُرِّيَّةِ إبراهيم، يقرأُ عليهم ويبلِّغهم ما يُوحَى إليه من البيِّنات، ويعلِّمهمُ القرآنَ والسنَّة، والطاعةَ والإخلاص، ويطهِّرهم من دنسِ الشرك، فأنتَ العزيزُ الذي لا يُقهَرُ ولا يُغْلَبُ على ما يريد، الحكيمُ الذي لا يفعلُ إِلا ما تقتضيهِ الحكمةُ والمصلحةُ، فيضعُ الأشياءَ في مكانِهَا كما يَجِبُ أن تكون.


{وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} [البقرة: 130].


130- ولا يبعدُ عن طريقةِ إبراهيمَ ومنهجهِ إلا الشخصُ المُذِلُّ لنفسه، المُستخفُّ بها، الذي يفضِّلُ الضلالَ على الحقّ. فَهُوَ إمامُ الحُنَفَاء، وَمَنْ خَالَفَهُ فَقَد جَانَبَ الحقَّ الصريح، والدِّيَن الصحيح، والهدايةَ والرشاد، وهو ما اصْطُفِيَ عليه إبراهيمُ في الدنيا، وهو الذي اخْتِيرَ بالنبوةِ والحكمةِ من بين سائرِ الخلق، وهو في الآخرةِ من المشهودِ لهم بالثباتِ على الاستقامة، والصلاحِ والسعادة.

وهو ردٌّ على الكفارِ فيما ابتدعوهُ وأحدثوهُ من الشركِ وعبادةِ الأصنامِ المخالفِ لِمِلَّةِ إبراهيمَ عليه السلام، فَأَيُّ ضَلالٍ أَكبرُ مِنْ هَذَا، وأيُّ سَفَهٍ أعظمُ مِنْ عَدَمِ اتِّباعِ ملَّتِهِ القائمةِ على التوحيدِ الخالصِ البيِّن؟


{إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [البقرة: 131].


131- فقد أمرَهُ اللهُ بالإخلاصِ له والاستسلام، والانقيادِ لأوامره، فأجابَ إلى ذلك، وأطاعَ وأخلصَ على أحسنِ ما يكون، مُفَوِّضاً أمرَهُ كلَّهُ إلى الله.


{وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [البقرة: 132].


132- وقد أوصى خليلُ اللهِ إبراهيمُ -عليه الصلاةُ والسلام- بَنِيه، وكذا وصَّى يعقوبُ بنيه، بهذه الملَّة، وهي الإسلامُ لله، فقالا: يا بَنِيَّ، إنَّ الدِّينَ الذي رضِيَهُ اللهُ لكم هو صفوةُ الأديان، لا دينَ غيرُهُ عند الله، فاثْبُتُوا عليه ولا تفارقوهُ أبداً، واحرِصُوا على ذلك وحافظوا عليه حتى الموت، بإحسانِكم في الحياة، ومتابعتِكم لطاعةِ اللهِ والعملِ الصالح، فإن المرءَ يموتُ غالباً على ما كانَ عليه، كما يُبْعَثُ على ما ماتَ عليه، وإِنَّ مَنْ قَصَدَ الخيرَ وُفِّقَ له ويُسِّرَ عليه – والذي نَوَى الصلاحَ وَعَزَمَ عليه ثَبَّتَهُ الله.


{أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 133].


133- أم كنتُمْ حاضرين، أيها المشركون، ويا أهلَ الكتاب، ما قالَهُ يعقوبُ -عليه السلام- لبنيهِ حين حضرتْهُ الوفاةُ: أيَّ شيءٍ تعبدونَهُ بعد موتي؟ وهو يريدُ بذلك تقريرَ بَنيهِ على التوحيدِ والإسلام، وأخْذَ ميثاقِهِمْ على الثباتِ عليهما.

فقالوا حسبَمَا كان مُرادَ أبيهم: نعبدُ الإلهَ المتفقَ على وجودهِ وإلهيتهِ ووجوبِ عبادته، الذي عبدتَهُ أنتَ وآباؤك إبراهيمُ وإسماعيلُ وإسحاقُ، إلهاً واحداً، نوحِّدهُ ولا نشركُ به شيئاً، ونحن مطيعونَ له خاضعون.

والإسلامُ هو ملَّةُ الأنبياءِ كلهم، وإن تَنَوَّعَتْ شرائعُهُمْ واختلفتْ.

وَعَدُّ إسماعيلَ من آبائهِ من بابِ التَّغْلِيب، فهو عَمُّ يعقوب، عليهمُ الصلاةُ والسلام.


{تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [البقرة: 134].


134- كانتْ تلك جماعةً مَضَتْ، لها أعمالُها التي عَمِلَتْهَا، ولكمْ أعمالُكُمُ التي كَسَبْتُمُوهَا، لا يَنْفَعُكُمُ انتِسَابُكُمْ إلى صالحيهم إذا لم تفعلوا مثلَهُمُ الأعمالَ الصالحة، كما أنكمْ لا تُؤَاخَذونَ بسيِّئاتهم التي عملوها.


{وَقَالُواْ كُونُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [البقرة: 135].


135- وجاءَ بعضُ اليهودِ والنصارى إلى رسولِ الله – صلى الله عليه وسلم – فَذَكَرَ كُلٌّ أنهُ على حقّ، وَطَلَبُوا منه اتِّبَاعَهُمْ ليكونَ من المهتدين. في حديثٍ حسن، فقل لهم يا محمَّدُ (صلى الله عليه وسلم): بَلْ نَرْجِعُ جميعاً، نحن وأنتم، إلى طريقةِ إبراهيمَ ومنهجه، فهو أبونا وأبوكم، وأصلُ ملَّتهِ الإسلام المستقيمُ، وما كانَ من المشركين، بينما أنتم تشركون.


{قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 136].


136- قولوا جميعاً أيها المؤمنون: آمنَّا بالله، وبما أُنْزِلَ إلى إبراهيم، وإسماعيلَ، وإسحاقَ، ويعقوبَ، والأسباطِ، وموسى، وعيسى، وسائرِ الأنبياءِ عليهمُ الصلاةُ والسلام، من الكتبِ السماوية، والآياتِ البيِّنات، والمعجزاتِ الباهرات، ولا نفرِّقُ بينهم، كَدَأْبِ اليهودِ والنصارى، الذين آمنوا ببعضٍ وكفروا ببعض، ونسلِّمُ أمرَنَا جميعاً إلى الله، مُخلصينَ له ومُذعنين.


{فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 137].


137- فإنْ آمنَ أهلُ الكتابِ والمشركونَ بمثلِ ما آمنتمْ به أيها المؤمنون، من الإيمانِ بجميعِ كتبِ اللهِ ورُسله، ولم يُفَرِّقُوا بينهم، فقد أصابوا الحقّ، وكانوا من المهتدين، وإنْ أعرضوا عن الإيمانِ بالوجهِ المذكورِ فقدِ استقرُّوا في خلافٍ عظيمٍ بعيدٍ من الحقّ، ولا قرارَ لهم على أصلٍ ثابت، وسوفَ يكفيكَ اللهُ شِقَاقَهُمْ هذا عندَ النصْرِ عليهم. والله يسمعُ ما يقولونه، ويعلمُ ما يضمرونهُ في قلوبهم، وهو مُعَاقِبُهُمْ عليه.


{صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ} [البقرة: 138].


138- إنه دين الله الواضحُ المبين، والعلامةُ التي وضعها على عباده المؤمنين المتقين، فطَهَّرَهُمْ بالإيمان من أَوْضَارِ الكفر، وَزَيَّنَ قلوبَهُمْ بآثاره الجميلة، فلا أفضل من هذه السمة الجليلة، والعلامة المباركة. وَنَحْنُ شاكرون لله عابدون له على هذه النعمة الكبيرة، وسائِرِ نِعَمِهِ.


{قُلْ أَتُحَآجُّونَنَا فِي اللّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ} [البقرة: 139].


139- قلْ لليهودِ والنصارى أيها النبيُّ محمَّد – صلى الله عليه وسلم – أَتُنَاظِرُونَنا في توحيدِ اللهِ والإخلاصِ له واتِّبَاع أوامِرِهِ، وهو ربُّنَا وربُّكُم، المتصرِّفُ فينا وفيكم، المستحقُّ لإخلاصِ العبادةِ له، لا شريكَ له؟ فلنا أعمالُنَا الحسنةُ في السمعِ والطاعة، وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمُ المخالفةُ في الشركِ والضلال، ونَحْنُ مَخْلِصُونَ في تلك الأعمال، لا نَبْتَغِي بها إلا وَجْهَهُ، فكَيْفَ تُنَاظِرُونَنا وَتَدَّعُونَ أنكمْ على حقٍّ وَتَطْمَعُونَ في دخولِ الجنَّةِ بسببهِ ودعوةِ الناسِ إليه؟!


{أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطَ كَانُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة: 140].


140- أم تقولونَ – يا أهلَ الكتابِ – إن إبراهيمَ وإسماعيلَ وإسحاقَ ويعقوبَ والأسباطَ كانوا يهوداً أو نصارى؟ أأنتم أعلمُ بذلك أم الله؟ بَلِ اللهُ أعلمُ. إنهم كانوا على مِلَّةِ التوحيدِ الخالص، وأنتم تقرؤونَ في كُتُبِكُمْ أنهم كانوا على الحنيفيةِ الأولى التي لا شركَ فيها، كما تقرؤونَ أَنَّ محمَّداً – صلى الله عليه وسلم – سيُبْعَثُ في آخرِ الزمانِ على ملَّةِ إبراهيمَ حنيفاً، والأنبياءُ المذكورونَ -عليهم الصلاةُ والسلامُ- ما كانوا يهوداً ولا نصارى، لأنهم كانوا قبل موسى وعيسى عليهما السلام، ولكنَّكم تكتُمُونَ الحقّ، وتكتُمُونَ هذه الشهادةَ الثابتةَ العظيمةَ، اخترتمُ الضلال، وعِلْمُ الله محيطٌ بعلمكم، وسوف يَجْزِيكُمْ بما تستحقونَهُ منِ افْتِرائكُمْ على الأنبياء.


{تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [البقرة: 141].


141- لَقَدْ مَضَتْ تلكَ الأمَّة، فَلَها أعمالُهَا، ولكم أعمالُكُمُ التي اكتسبتُموها، ولن يُغْنِيَ عنكم انتسابُكُمْ إليهم واتّْكَالُكُمْ عَلَى أعمالهمْ من غَيْرِ مُتَابَعَةٍ لهم في أعمالهم الطيِّبَة، فلا تَغُرَّنَّكُمُ النسبةُ إليهم، حتى تكونوا مثلَهُم في الطَّاعَةِ واتِّباعِ الرسل.
رد مع اقتباس