دراسة بحثية تكشف أسباب عزوف المصانع عن التصدير
صادرات المملكة ترتبط بتعزيز القوة التفاوضية وتنسيق السياسة الصناعية مع دول المجلس
د. زيد بن محمد الرماني
ثانيًا: معوقات في جانب الطلب:
بعدما تناول أ. الغامدي الحديث عن المعوقات في جانب العرض، انتقل بنا إلى الحديث عن المعوقات في جانب الطلب؛ حيث أكد في هذا الجانب أن الأسواق العالمية تتطلب مواصفات قد لا تتوفر في المنتج المحلي، نتيجة فروقات التقنية في بعض السلع، كما أن الاتفاقيات والتكتُّلات الاقتصادية تحد من دخول المنتجات السعودية إلى بعض الأسواق العالمية على قرار السوق الأوروبية المشترك، والتي تضع شروطًا قاسية في مواجهة المنتجات من خارج نطاق السوق، إضافة إلى تغيُّر أذواق المستهلكين السريع، نتيجة قدرة المنتجين في الدول الصناعية على تطوير منتجاتهم خلال فترة وجيزة؛ مما يجعل المنتج المحلي غير مرغوب فيه في أسواق الدول المتقدمة.
نتيجة لقوة الاقتصاد السعودي، فقد حافظ الريال السعودي على سعر صرف مرتفع وثابت، مقابل العملات العالمية، وهذا مما يجعل قيمة السلعة السعودية غالية الثمن مقارنة بالسلع الأخرى، خصوصًا في أسواق الدول النامية، وبيَّن الغامدي أن هناك سببًا رئيسًا وراء عدم معرفة المستهلك الأجنبي بالمنتج السعودي، وضَعف بروزه في الأسواق، وذلك نتيجة لعدم وجود الدعاية الكافية له.
رؤية مستقبلية:
ويرى د. القحطاني أن هذه العوامل وإن كانت مهمة، فإنها لم تشكِّل الهاجس الأساسي للمصانع السعودية، وهذا دليل واضح على وجود فرص ثمينة للمصانع السعودية؛ لتكتشف ذاتها، وتعمل على وضع الآلية السليمة لتصدير منتجاتها.
أما المرحلة القادمة، فقال د. القحطاني: إنها ستشهد دعمًا وتشجيعًا لقطاع التصدير في المملكة؛ حتى يعود ذلك بالنفع على البلاد، ويحقِّق أهداف وتطلُّعات ولاة الأمر - يَحفظهم الله جميعًا.
التوجه نحو العالم:
وبيَّن د. الرماني أن سبب تجاوز الصناعات المحلية والعربية للحدود الوطنية، وتوجُّهها نحو التصدير إلى الأسواق العالمية - خصوصًا إلى دول الاتحاد الأوروبي - هو ضيق وضَعف السوق أمام الصناعات.
ومن جانبه أيضًا ذكر أن هناك حجتين رئيسيتين استند إليهما نموذج التصنيع الموجَّه نحو الخارج؛ أولهما: أن إقامة صناعات موجهة للتصدير يُجبرها على زيادة مقدرتها التنافسية في السوق العالمية، والاستفادة من وفورات الحجم الكبير في تحسين الكفاءة الاقتصادية للصناعات التصديرية.
ثانيهما: تحسين التوازن الخارجي، وذلك من خلال الحصول على موارد جديدة من العملة الأجنبية؛ حتى تستخدم حصيلتها في تحويل الواردات.
واستشهد بذلك على تقديرات بعض الباحثين الذين أَوْصَوْا بضرورة أن تطوِّر المملكة العربية السعودية عددًا من الصناعات التصديرية القادرة على الوفاء بحاجة الواردات من العملة الأجنبية.
اتجاهات جديدة للصناعات:
أما بالنسبة للاتجاهات الجديدة التي تزكِّي هذا التوجه التصديري للصناعات السعودية، فقد حدَّدها د. الرماني في النقاط التالية:
أ- الاهتمام المتزايد بالصناعات التصديرية بدلاً من التركيز المفرط على بدائل الواردات.
ب- التحول المستمر نحو الصناعات الثقيلة والأساسية، بدلاً من الاكتفاء بالتركيز على الصناعات الخفيفة والاستهلاكية.
ج- إيجاد بنية أساسية لتصدير المنتجات الوطنية، والتوسع في نظام الحوافز الموجهة لتنشيط صادرات الصناعة المحلية.
حقيقة ثروتنا:
وقدَّم د. الرماني صورة حقيقية عن ثروتنا المعدنية المتوافرة، وكذلك ثروتنا البترولية، وأن لها ميزة إضافية؛ حيث إن العديد من صناعاتنا قامت على مواد خام، وعلى ميزات نسبية عالية جدًّا في السعودية، رغم كل المعوقات، ورغم كل التشكيك في قدرة مصانعنا على القيام بصناعات متقدمة جدًّا تنافس الصناعات الأخرى.
وأعطى على ذلك أمثلة كمنتجات الحديد في المملكة التي وصلت إلى أمريكا، أو منتجات الزهور التي وصلت إلى بولندا، وكذلك منتجاتنا البتروكيميائية التي وصلت إلى أكثر من 70 بلدًا في العالم، كما تجاوزت مبيعات الصناعة الوطنية في عام واحد أكثر من 50 بليون ريال سعودي.
وأضاف أن الصناعة في دول شرق آسيا أصبحت تمثِّل 30% من الدخل الوطني لتلك الدول، وفي السعودية أصبحت الصناعة تمثل 13% بالرغم من كل الدعم الذي قُدِّم لها؛ لذا ذكر رجال الصناعة بأن لديهم علامة استفهام؟
وسأل د. الرماني: ما السبيل لتنمية الاستثمار وتنمية الصادرات السعودية؟
ومما لا شك فيه أن القطاعين الحكومي والخاص، قد خَطَوَا خطوات كبيرة في مجال الصناعة السعودية غير النفطية، وأن المنتج السعودي أصبح يَلقى قبولاً معقولاً في السوق العالمية، لكن ما زال الأمر يتطلب خطوات أكثر وعملاً دؤوبًا للوصول إلى المكان المرغوب فيه في مصاف الدول المتقدمة، ولعل كوريا الجنوبية وبقية دول شرق آسيا الصناعية، مثالٌ قائم على نجاح التخطيط والعمل المستمر، حتى وصلوا للمكانة التي وصلوا لها.
من هنا كانت نظرة أ. الغامدي بأن الصناعات السعودية غير النفطية تنقصها أو تفتقد بعض الأمور التي تستطيع من خلالها تحقيق الأهداف المنشودة، وهي:
1- التعليم: وهو المرتكز الضروري لأي تقدُّم منشود في أي مجال، وباعتقادي أن التعليم العام والجامعي عندنا لا يخدم الجانب المهني والعملي، ففي التعليم العام لا توجد مواد تعلِّم مهارات بعض المهن، أو مبادئها الأساسية، والتعليم الجامعي يعتمد على الكليات النظرية التي تُخرج سَيْلاً من العاطلين، أو شبه العاطلين؛ لذا فإن أي تخطيط لتنمية الصناعة المحلية، لا يأخذ بعين الاعتبار التعليمَ، فإنه محكوم بالفشل قطعًا.
2- الإسراع بإنشاء المراكز التدريبية للخريجين الحاليين لتأهيلهم للعمل في مختلف الصناعات كحل مؤقت، لحين تطوير شامل لمختلف مراحل التعليم، وأن يُسهم الصناعيون في إنشاء تلك المركز لمعرفتهم باحتياجاتهم، وجعل رسوم التدريب في متناول الجميع، والحرص على توظيف الخريجين.
3- دعم المراكز البحثية في مختلف الجوانب التي تخدم الصادرات السعودية، وأخص بالحديث هنا الصناعيين والتجار، فدورهم في هذا المجال ضعيف جدًّا إن لم يكن معدومًا.
4- تحسين مواصفات الإنتاج بما يتوافق ومتطلبات الأسواق الدولية.
5- أنصح الشركات متشابهة الإنتاج بالاندماج، للاستفادة من وفورات الحجم؛ لتستطيع الصمود أمام الشركات العالمية العملاقة.
6- السعي لفتح أسواق جديدة بالتنسيق مع الجانب الحكومي، والاستفادة من العلاقات الممتازة للمملكة بمعظم دول العالم، وأرى أن الصين والهند ودول آسيا أسواق مهمة لم تأخذ المنتجات السعودية نصيبها فيها.
7- الاهتمام بالجانب الإعلاني في السوق المتوقع أن يلقى المنتج السعودي فيه رَواجًا.
8- إبرام عقود التدريب والتطوير مع الشركات العالمية المتخصصة، والاستفادة من خبراتها، والحرص على توطين تلك الخبرات من خلال الاستفادة من الشباب السعودي.
9- دعم الحلقات الأمامية والخلفية لكل صناعة، الأمر الذي يُخفض تكاليف المنتج النهائي، والابتعاد قدر الإمكان عن الصناعات التي تتطلب مواد أولية ووسيطة مستوردة بتكاليف عالية، وأُؤكد هنا على المواد الوسيطة التي صُنِعت في الدول الصناعية المتقدمة؛ لأنها ستكون مرتفعة التكاليف؛ مما يجعل المنتج النهائي غالي الثمن مقارنة بمثيلاتها في السوق الخارجية، والتركيز على الصناعات التي للمملكة فيها ميزة نسبية، مثل الصناعات البتروكيمياوية، والصناعات الأمامية لها مثل المنتجات البلاستيكية، وباعتقادي أننا تطوَّرنا في هذا المجال بشكل كبير.
10- أن يُراعى في تلك الصناعات الاستهلاك المحلي.
11- التركيز على الصناعات كثيفة رأس المال لتفادي جلْب العمالة غير السعودية.
12- منع المنتجات الأجنبية منخفضة الجودة والقيمة من الدخول إلى السوق السعودية، لتأثيرها الكبير على الصناعة المحلية، ووضْع مواصفات عالية للمستوردات، وتطبيق تلك المواصفات بصرامة.
13- تحديد أيهما أَوْلَى: التوجه للتصدير، أو إحلال الواردات، بناءً على أيهما أكثر فائدة للاقتصاد السعودي، ويتم هذا الأمر من خلال الدراسات العلمية الدقيقة.
مزايا دعم الصناعات:
قال أ. الغامدي: إن المملكة العربية السعودية تتمتع بمزايا تمكِّنها من النجاح في مختلف الصناعات، ومن تلك المزايا:
1- البنية التحتية المكتملة تقريبًا، ومن ذلك المدن الصناعية المجهزة بكافة المستلزمات العامة لأي صناعة، والموانئ الحديثة، ووسائل الاتصال، والطرق إلى غير ذلك.
2- توفر المواد الأولية للعديد من الصناعات كالبتروكيماويات.
3- وجود سوق استهلاكي من أكبر الأسواق في المنطقة الإقليمية.
4- الموقع الجغرافي المميز للمملكة وقُربها من جميع الأسواق العالمية الشرقية والغربية.
5- قوة الاقتصاد السعودي بشكل عام، والذي يدعم نشوء أي صناعة حديثة، أو تطوير ما هو موجود.
6- طبيعة النظام الاقتصادي للمملكة الذي يعتمد على حرية السوق بما يتوافق مع الشريعة الإسلامية.
7- العلاقات الممتازة للمملكة العربية السعودية مع معظم دول العالم، والصناعية على وجه الخصوص، وهذا الأمر يسهم بشكل كبير في دعم أي اقتصاد.
8- توفر رأس المال النقدي مع وجود سوق نقدية مستقرة يُمكنها تمويل المشاريع المتوسطة، والمساهمة بفعالية في تمويل المشاريع الكبيرة.
ويرى د. الرماني ضرورة النظر إلى مختلف الصناعات لتقييم أمور كثيرة؛ منها:
• مدى استعداد الشركات الأجنبية لنقل التقنية.
• مدى إمكانية السعودة.
• مدى أهمية صناعة معينة من الناحية الاقتصادية، أو الإستراتيجية، أو الطاقة البشرية.
وقبل أن يختتم د. الرماني حديثه لـ (اليوم)، أشار إلى أن هناك آفاقًا مفتوحة أمام الصادرات الصناعية السعودية، ليس فقط في الأسواق الأوروبية، وإنما في اليابان ودول شرق آسيا حديثة التصنيع، إلا أن ذلك يتوقف على مدى تعزيز القوى التفاوضية للمملكة، وتنسيق سياستها الصناعية مع دول مجلس التعاون.