قصيدة الحِكَم والأمثال لأبي العتاهية
يا عاشِقَ الدُنيا تَسَلَّ عَنها *** وَيلي عَلى الدُنيا وَ وَيلي مِنها ( 42 )
ما أَسرَعَ الساعاتِ في الأَيّامِ *** وَ أَسرَعَ الأَيّامَ في الأَعوامِ
لِلمَوتِ بي جِدٌّ وَ أَيُّ جِدِّ *** وَ لَستُ لِلمَوتِ بِمُستَعِدِّ
هَل أُذُنٌ تَسمَعُ ما تُسَمِّعُ*** قَوارِعُ الدَهرِ الَّتي تُقَرِّع ( 43 )
ما طابَ فَرعٌ لا يَطيبُ أَصلُه *** اِحذَر مُؤاخاةَ اللَئيمِ فِعلُه
انظُرْ إِذا آخَيتَ مَنْ تُؤاخي *** ما كُلُّ مَنْ آخَيتَ بِالمُؤاخي
الحَمدُ لِلَّهِ الكَثيرِ خَيرُه *** لَم يَسَعِ الخَلقَ جَميعاً غَيرُه
مَن يَشتَكِ الدَهرَ يَطُل في الشَكوى *** الدَهرُ ما لَيسَ عَلَيهِ عَدوى ( 44 )
لَم نَرَ مَنْ دامَ لَهُ سُرورُ *** وَ صاحِبُ الدُنيا بِها مَغرورُ
نَعوذُ بِاللَهِ مِنَ الشَقاءِ *** ما أَطمَعَ الإِنسانَ في البَقاءِ
لَم يَخلُ مِن حُسنِ يَدٍ مَكانُهُ *** وَالمَرءُ لَم يُسلِمَهُ إِحسانُهُ ( 45 )
مَنْ يَأمَنُ المَوتَ وَ لَيسَ يُؤْمَن *** نَحنُ لَهُ في كُلِّ يَومٍ نُؤذَن ( 46 )
يا رُبَّ ذي خَوفٍ أَتى مِن مَأمَنِه *** كَم مُبتَلىً مِنْ يَأسِهِ في أَمَنِه
اِستَغْنِ بِاللَهِ تَكُنْ غَنِيّا *** اِرْضَ عَنِ اللَهِ تَعِشْ رَضِيّا
يا رَبِّ إِنّا بِكَ يا عَظيمُ *** إِنَّكَ أَنتَ الواسِعُ الحَكيمُ
يَكونُ ما لا بُدَّ أَن يَكونا *** وَ كُلُّ راجٍ رَجَّمَ الظُنونا ( 47 )
سُبحانَ مَن لا يَنقَضي عَجائِبُه *** سُبحانَ مَن لَيسَ يَخيبُ طالِبُه
لَم يَعدَمِ اللَهُ وَ لِلَّهِ القِدَم *** وَ السابِقُ اللَهُ إِلى كُلِّ كَرَم
ما كُلُّ شَيءٍ يُبتَغى يُنالُ *** وَ طَالِبُ الحَقِّ لَهُ مَقالُ
أَفَلحَ مَنْ كانَ لَهُ تَفَكُّر *** ما كُلُّ ذي عَيشٍ يَرى ما يُبصِر
وَ كُلُّ نَفسٍ فَلَها تَعَلُّل *** وَ إِنَّما النَفسُ عَلى ما تُحمَل ( 48 )
وَ عادَةُ الشَرِّ فَشَرُّ عادَة *** وَ المَرءُ بَينَ النَقصِ وَ الزِيادَة
لِكُلِّ ناعٍ ذاتَ يَومٍ ناعِ *** وَ إِنَّما النَعيُ بِقَدرِ الناعي ( 49 )
وَ كُلُّ نَفسٍ فَلَها دَواعِ
ما أَكرَهَ الإِنسانَ لِلتَفَضُّلِ *** وَ إِنَّما الفَضلُ لِكُلِّ مُفضِلِ
رَبِّ لَكَ الحَمدُ وَ أَنتَ أَهلُه *** مَن لَزِمَ التَقوى أَنارَ عَقلُه
ما غايَةُ المُؤمِنِ إِلّا الجَنَّة *** تَبارَكَ اللَهُ العَظيمُ المِنَّة ( 50 )
يا عَجَباً لِلَّيلِ وَ النَهارِ *** لا بَل لِساعاتِهِما القِصارِ
ما أَطحَنَ الأَيّامَ لِلقُرونِ *** كَم لِاِمرِئٍ مِن مَأمَنٍ خَؤونِ ( 51 )
يا رُبَّ حُلوٍ سَيَعودُ سُمّا *** وَ رُبَّ حَمدٍ سَيَعودُ ذَمّا
وَ رُبَّ سِلمٍ سَيَعودُ حَربا *** وَ رُبَّ إِحسانٍ يَعودُ ذَنبا
المَوتُ لا يُفلِتُ حَيٌّ مِنهُ *** كَم ذائِقٍ لِلمَوتِ لاهٍ عَنهُ
ما أَسرَعَ البَغيَ لِكُلِّ باغِ *** وَ رُبَّ ذي بَغيٍ مِنَ الفَراغِ
لِكُلِّ جَنبٍ ذاتَ يَومٍ مَصرَع *** وَ الحَقُّ ذو نورٍ عَلَيهِ يَسطَع
لا تَطلُبُ المَعروفَ إِلّا مِن أَخِ *** يَسومُكَ الوِدَّ بِهِ سَومَ السَخي
الزُهدُ في الدُنيا هُوَ العَيشُ الرَخي
يا رُبَّ شُؤمٍ صارَ لِلبَخيلِ *** أَكرِم بِأَهلِ العِلمِ بِالجَميلِ
مَن كانَ في الدُنيا لَهُ زَهادَة *** فَعِندَها طابَت لَهُ العِبادَة
أَصلِح وَ مَن يُصلِح فَماذا يَربَح *** وَ الشَيءُ لا يَصلُحُ إِن لَم يُصلَح
كُلُّ جَديدٍ سَيَعودُ مُخلِقاً *** وَ مَن أَصابَ مَرَفِقا
ما اِنتَفَعَ المَرءُ بِمِثلِ عَقلِه *** وَ خَيرُ ذُخرِ المَرءِ حَسنُ فِعلِه ( 52 )
لَم يَزَلِ اللَهُ عَلَينا مُنعِما *** وَ مَن طَغى عاشَ فَقيراً مُعدَما
اليُبسُ وَ البَأسِ لأَهلِ الباسِ *** وَ سادَةُ الناسِ خِيارُ الناسِ
أَيُّ بِناءٍ لَيسَ لِلخَرابِ *** وَ أَيُّ آتٍ لَيسَ لِلذَهابِ
كَأَنَّ شَيئاً لَم يَكُنْ إِذا اِنقَضى *** وَ ما مَضى مِمّا مَضى فَقَد مَضى
ما أَزيَنَ العَقلَ لِكُلِّ عاقِلِ *** ما أَشيَنَ الجَهلَ لِكُلِّ جاهِلِ ( 53 )
بُؤسى لِمَن قالَ بِما لا يَعلَمُ *** وَ صاحِبُ الحَقِّ فَلَيسَ يَندَمُ
الخَيرُ أَهلٌ أَن يُحِبَّ أَهلُه *** وَ الحَقُّ ذو خِفٍّ ثَقيلٍ حَملُه
وَالحَينُ خَتّالٌ لَطيفٌ خَتلُه ( 54 )
أَينَ يَفِرُّ المَرءُ أَينَ أَينا *** كُلُّ جَميعٍ سَيُلاقي بَينا ( 55 )
إِلَيكِ يا دُنيا إِلَيكِ عَنّي *** ماذا تُريدينَ تَخَلّي مِنّي
يا دارُ دارَ الهَمِّ وَ المَعاصي *** هَل فيكِ لي بابٌ إِلى الخَلاصِ
نَطلُبُ أَنْ نَبقى وَ لَيسَ نَبقى *** كُلٌّ سَيَلقى اللَهَ حَقّا حَقّا
لِكُلِّ عَينٍ عِبرَةٌ فيما تَرى *** وَ الحَقُّ مَحفوفٌ بِأَعلامِ الهُدى ( 56 )
يَقبَلُهُ العَقلُ وَ يَنفيهِ الهَوى
------------------------------------------------------------------------------------------
(42) تسل من السلو : وهو نسيان الشيء والذهول عنه
(43) جمع قارعة وهي الداهية
(44) العدوى : طلبك إلى وال ليعديك على من ظلمك, والعدوى النصرة والمعونة ومنه :استعداه : نصره وأعانه
(45) يسلمه :أسلم فلان فُلاناً إذا ألْقاه إلى التهلَكة ولم يَحْمه من عدُوِّه ومنه الحديث : «المُسْلم أخو المسلم لا يظلِمُه ولا يُسلمه».
(46) من أذِنَ بالشيء، إِذْناً، بالكسر ويُحَرَّكُ، وأذاناً وأذانَةً: عَلِمَ به.
(47) الرجم القول بالظن والحدس والقذف بالغيب والظن وكلام مرجم غير يقين ولا ثابت
(48) تعلل بالأمر واعتل : تشاغل
(49) النعي : خبر الموت , والناعي : الذي يأتي به
(50) غاية كل شيء منتهاه , المنة : الإحسان والنعمة
(51) الخؤون : أي خائن : وهوالذي يؤتمن فلا ينصح
(52) ذخر الشيء ذخرا واذخره اذخارا : اختاره, وقيل اتخذه
(53) الشين : العيب والقبح ضد الزين
(54) الختل : التخادع عن غفلة و المخاتلة : مشي اصياد قليلا قليلا في خفية لئلا يسمع الصيد حسه, كل خدع خاتل وختول
(55) جميع بمعنى مجتمع , البَيْن : الفراق والتشتت
(56) محفوف :من أحف بالشيء أحاط به وأحدق به واستدار