فردوس الإيمان (2)
محمود بن أحمد أبو مسلّم
7- ذكر ما يدلّ على أن من الإيمان أن يؤمن بالبعث بعد الموت.
♦ حديث جبريل المتقدّم.
(شرح) وهذا من لفظ الحديث السابق، وبالطبع الإيمان باليوم الآخر من لوازمه الإيمان بالبعث بعد الموت.
8- ذكر ما يدلّ على أن من الإيمان أن يؤمن العبد بأن لله جنة ونارًا.
♦ حديث جبريل المتقدّم.
(شرح) وهذا من لفظ آخر للحديث " أن تؤمن بالله وملائكته والجنة والنار والبعث بعد الموت والقدر كلّه "[4]، وأيضا من لوازم الإيمان باليوم الآخر أن تؤمن بالجنّة والنار.
نذكر هنا ما جاء في الباب رقم (57) لتعلقها بهذه الأبواب أكثر وهي:
ذكر الْخِصَالِ الَّتِي سَأَلَ جِبْرِيلُ الْمُصْطَفَى صلّى الله عليه وسلّم مِمَّا تَقَدَّمَ وَزِيَادَةُ الأَلْفَاظِ الَّتِي أَورَدَهَا النَّاقِلُونَ لَهَا.
وأورد المصنف فيها بعض زيادات حديث جبريل من حديث عمر بن الخطاب المتقدّم، وحديث أبي هريرة الآتي وهي:
♦ " وَيُؤْمِنُ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ ".
♦ " وَيُؤْمِنُ بِالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَالْمِيزَانِ وَالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ ".
♦ " الإِسْلامُ أَنْ تُسْلِمَ وَجْهَكَ لِلَّهِ وَذكرا فِيهِ وَتُؤْمِنُ بِالْحِسَابِ ".
♦ ومن حديث أبي هريرة الآتي رقم (2) " وَتُؤْمِنُ بِالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ".
ثمّ قال المصنف بعدها " وَهَذِهِ الْخِصَالُ تَقَدَّمَ ذكرهَا، وَيُسْتَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ا.هـ.
9- ذكر ما يدلّ على أن من الإيمان أن يعتقد العبد لقاء ربّه عزّ وجلّ (2) (خ 50، م 13) عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن أبي هريرة[5] قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم لأَصْحَابِهِ: " سَلُونِي "، فَهَابُوا أَنْ يَسْأَلُوهُ فَجَاءَ رَجُلٌ فَجَلَسَ عِنْدَ رُكْبَتَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا الإِسْلامُ؟ قَالَ: "لا تُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ "، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا الإِيمَانُ؟ قَالَ: " أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ، وَمَلائِكَتِهِ، وَكِتَابِهِ، وَلِقَائِهِ، وَرُسُلِهِ، وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ كُلِّهِ "، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا الإِحْسَانُ؟ قَالَ: " أَنْ تَخْشَى اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ "، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: " مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ، وَسَأُحَدِّثُكَ عَنْ أَشْرَاطِهَا، إِذَا رَأَيْتَ الْمَرْأَةَ تَلِدُ رَبَّهَا فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا، وَإِذَا رَأَيْتَ الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الصُّمَّ الْبُكْمَ مُلُوكَ الأَرْضِ فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا، وَإِذَا رَأَيْتَ رُعَاةَ الْبَهْمِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا فِي خَمْسٍ مِنَ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهُنَّ إِلا اللَّهُ "، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ﴾ (لقمان 34)، ثُمَّ قَامَ الرَّجُلُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: "رُدُّوهُ عَلَيَّ"، فَالْتَمَسُوهُ فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: " هَذَا جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ أَرَادَ أَنْ تَعْلَمُوا إِذْ لَمْ تَسْأَلُوا ".
(شرح) وهذا الاعتقاد إنما هو للمسلم الموحّد الذي سيلقى ربّه ويراه في الآخرة كما هو معتقد أهل السنة والجماعة، وليس ذلك للكافر، ومما يدلّ على ذلك من السنة ما جاء في الصحيحين (خ 2441، م 2771) عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ الْمَازِنِيِّ، قَالَ: " بَيْنَمَا أَنَا أَمْشِي مَعَ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، آخِذٌ بِيَدِهِ إِذْ عَرَضَ رَجُلٌ، فَقَالَ: كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم يَقُولُ فِي النَّجْوَى، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم يَقُولُ: " إِنَّ اللَّهَ يُدْنِي الْمُؤْمِنَ، فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ، فَيَقُولُ: أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا، أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا، فَيَقُولُ: نَعَمْ، أَيْ رَبِّ حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ، وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ، قَالَ: سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ، فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُونَ، فَيَقُولُ: الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ، أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ "، وسيأتي فيما بعد أبواب تتعلق برؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة.
10- ذكر وجوب النيّة للإسلام والإيمان بالله وحده لا شريك له.
(3) (خ 1، م 1910) عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ[6]، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: " إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ وَإِنَّمَا لامْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ ".
(شرح) قد يشكل هذا، فالإسلام، كعمل للجوارح، لا شكّ أنه يفتقر للنية وهي محلّها القلب، أما الإيمان فمحله القلب أصلا فكيف يفتقر إلى نية، والجواب أن النيّة للإيمان بالله وملائكته ورسله.. نية احتساب الثواب والجزاء لا نية التوجه والقصد والتوحيد، فهذا لازم للإيمان، ويدلّ على هذا أن الإمام البخاري رحمه الله تعالى ذكر مثل هذه الترجمة في صحيحه ولكن بشكل أوضح وأحسن فقال في كتاب الإيمان، باب رقم 41: ما جاء إن الأعمال بالنية والحسبة، ولكلّ أمرئ ما نوى. فدخل فيه الإيمان والوضوء والصلاة والزكاة والحجّ والصوم والأحكام. وقال الله تعالى ﴿ قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ ﴾ [الإسراء: 84]: على نيته، ونفقة الرجل - يحتسبها- صدقة. وقال: ولكن جهاد ونية؛ ا. هـ.
فدل قول البخاري "إن الأعمال بالنية والحسبة" أي يحتسب أجر ما يؤمن به، وأجر ما يعمل به من أجل إيمانه، كأعمال الصلاة، والزكاة، والصوم، وغيرها.
11- ذكر ما يدل على أنّ أعلا الإيمان التي دعا إليها وأوّلها شهادة أن لا إله إلا الله.
(4) (خ 53، م 18) عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، قَالَ: كُنْتُ أَقْعُدُ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ[7] يُجْلِسُنِي عَلَى سَرِيرِهِ، فَقَالَ: أَقِمْ عِنْدِي حَتَّى أَجْعَلَ لَكَ سَهْمًا مِنْ مَالِي فَأَقَمْتُ مَعَهُ شَهْرَيْنِ، قَالَ: إِنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ لَمَّا أَتُوا النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: " مَنِ الْقَوْمُ؟ " أَوْ قَالَ: " مَنِ الْوَفْدُ؟ " قَالُوا: رَبِيعَةُ، قَالَ: " مَرْحَبًا بِالْقَوْمِ "، أَوْ قَالَ: " بِالْوَفْدِ غَيْرَ خَزَايَا وَلا نَدَامَى "، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّا لا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَأْتِيَكَ إِلا فِي الأَشْهُرِ الْحَرَامِ وَبَيْنَنَا وَبَيْنَكَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ كُفَّارِ مُضَرَ، فَمُرْنَا بِأَمْرٍ فَصْلٍ نُخْبِرُ بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا، وَنَدْخُلُ بِهِ الْجَنَّةَ، " فَأَمَرَهُمْ بِأَرْبَعٍ، وَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعِ: أَمَرَهُمْ بِالإِيمَانِ بِاللَّهِ وَحْدَهُ، أَتَدْرُونَ مَا الإِيمَانُ بِاللَّهِ وَحْدَهُ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: شَهَادَةُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامُ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصِيَامُ رَمَضَانَ، وَأَنْ يُعْطُوا الْخُمُسَ مِنَ الْمَغْنَمِ "، وَسَأَلُوهُ عَنِ الأَشْرِبَةِ، فَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنِ الْحَنْتَمِ[8]، وَالدُّبَّاءِ[9]، وَالْمُزَفَّتِ[10]، وَرُبَّمَا قَالَ: النَّقِيرِ[11] أَوِ الْمُقَيَّرِ، وَقَالَ: " احْفَظُوهُنَّ وَأَخْبِرُوا بِهِنَّ مَنْ وَرَاءَكُمْ ".
وفي رواية " قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنَّ أَرْضَنَا أَرْضٌ كَثِيرَةُ الْجِرْذَانِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا وَلا تَبْقَى بِهَا الأَسْقِيَةُ، قَالَ: " وَإِنْ أَكَلَهَا الْجِرْذَانُ ثَلاثًا "، وَأُتِيَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم بِأَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ، قَالَ: " إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ: الْحِلْمُ، وَالأَنَاةُ ".
وفي رواية " قَالُوا: فَفِيمَ الشَّرَابُ؟ قَالَ: عَلَيْكُمْ بِالأَسْقِيَةِ الأُدُمِ الَّتِي يُلاثُ عَلَى أَفْوَاهِهَا ".
(شرح) هذا استدلال من المصنف بالاستنباط ولم يُذكر صريحا في الرواية أنه أعلا الإيمان، إذ لما فسر النبي صلّى الله عليه وسلّم الإيمان بالله بدأ بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فدل على أنه أعلا وأرفع الإيمان، وأصرح منه حديث أبي هريرة في الصحيح " قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: " الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ، بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ "، ولفظ أعلاها جاء صريحا في رواية أحمد في المسند[12].
ومن فوائد الرواية الفقهية أن الجرذان والفئران لا تنجس الأوعية والأسقية إن أكلتها.
وقوله عليه الصلاة والسلام "وأن يعطوا الخمس من المغنم" يعني إن قاتلوا أحدا من أحياء الكفر، وكان مثل ذلك معتادا بين قبائل العرب، أن يبعثوا للنبي صلّى الله عليه وسلّم بخمس الغنيمة لقول الله تعالى ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ﴾ [الأنفال: 41].
ومن الفوائد أيضا، حب ربنا سبحانه لخصلتي الحلم والأناة، وهو التريث والتمهل، وجاء في رواية (د 5225) " يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا أَتَخَلَّقُ بِهِمَا أَمْ اللَّهُ جَبَلَنِي عَلَيْهِمَا؟ قَالَ: بَلِ اللَّهُ جَبَلَكَ عَلَيْهِمَا، قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَبَلَنِي عَلَى خَلَّتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ ".
والحلم، والأناة، إما أن يكون جبلي، يعني جبل عليها الشخص، كما جبل عليهما أشجّ في هذا الحديث، أو أن يتمرن ويعود المؤمن نفسه عليهما برياضة النفس وإرغامها عليهما، وكذا ينبغي أن يفعل المؤمن مع كل خلق حسن جاء الشرع بتحسينه، أن يدرب نفسه ويروضها عليها إن لم تكن فيه، فحسن الخلق أثقل ما في ميزان المؤمن يوم القيامة، فلزم له أن يحرص على ما ينفعه، ويعود نفسه عليه وإن كرهت نفسه ذلك.
12- ذكر قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لوفد عبد القيس أتدرون ما الإيمان؟
ثم فسّرها لهم فقال شهادة أن لا إله إلا الله.
♦ حديث ابن عباس المتقدّم.
(شرح) هذا الحديث وهذه الترجمة من أدلة المصنف على أن اسم الإيمان يطلق على الإسلام والعكس، إذ أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسّر الإيمان بالشهادة، وإقام الصلاة.. إلخ.
13- ذكر ما بعث الله عزّ وجلّ به رسوله عليه السلام إلى عباده ليدعوهم إليه وهي شهادة أن لا إله إلا الله وأنّ محمدًا عبده ورسوله صلّى الله عليه وسلّم.
(5) (خ 1400، م21) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنَ الْعَرَبِ، قَالَ عُمَرُ لأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: " أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، فَمَنْ قَالَهَا عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلا بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ؟ " فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالا[13] كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ، قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلا أَنْ رَأَيْتُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ.
(6) (خ 25، م25) عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: " أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلا بِحَقِّ الإِسْلامِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ عزّ وجلّ ".
(7) (م 24) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ[14]، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: " أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ عزّ وجلّ ثُمَّ تَلا: ﴿ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ * إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ ﴾ [الغاشية: 22، 23]".
14- ذكر بيان حق الله عز وجلّ على عباده بعد شهادة أن لا إله إلا الله (8) (خ 393) َعنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ[15]، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: " أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيَسْتَقْبِلُوا قِبْلَتَنَا، وَأَكَلُوا ذَبِيحَتَنَا، وَصَلُّوا صَلاتَنَا حُرِّمَتْ عَلَيْنَا دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ إِلا بِحَقِّهَا، لَهُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَيْهِمْ "، وفي رواية " أمرت أن أقاتل المشركين ".
(شرح) يستنكر بعض "المثقفين" أو من يعرفون "بالمفكرين" هذه الأحاديث، وقد ضعفها بعضهم جهلا أو لهوى، وهي أحاديث معناها قد يصل لدرجة التواتر، ظنا منهم أنها تتعارض مع سماحة الدين ورحمته بالناس، وأنها تنافي مقاصد الشريعة في حرية الناس في اختيار عقائدهم، والرد على هذا الكلام من وجوه:
الأول: أن الأنبياء صلوات الله عليهم بعثوا رحمة للناس، بعثوا بالإسلام والتوحيد، فكان منهم من أمر بالقتال ومنهم من لم يؤمر بذلك، وكان محمد صلّى الله عليه وسلّم، ممن أمروا بقتال المشركين وسمي قتاله "جهاد في سبيل الله" لأنه ينفق الغالي والنفيس من الأموال والأنفس في سبيل تحقيق الغاية منه وهي "الدعوة"، والفهم المغلوط لقضية الجهاد عند البعض هي التي دفعت هؤلاء المفكرين ومن قبلهم المستشرقين لإنكار أحاديث القتال وتأويل آيات السيف بما لا يناسب معناها، أو باختزالهما في طائفة معينة وهي "مشركو العرب"، وكأن ما فعله الخلفاء ومن بعدهم من قتال للكافرين في أنحاء الأرض كان فهما خاطئًا لمراد الله ورسوله في هذا الباب!!.
والحق.. كما ذكرت، أنهم أساءوا الفهم، فأساءوا الحكم، لأن الجهاد الذي بعث به النبي صلّى الله عليه وسلّم، وهذا الوجه.
الثاني: ليس ال*** والسبي هو المقصود منه، وإنما يأتي ذلك تبعًا، لا قصدًا، والقصد من الجهاد هو الدعوة، وإعلاء كلمة الله وحكم شريعته، على أي حكم آخر، ولو كان "ال***" هو المقصود، ل*** المسلمون كل كافر في المعركة، بعد أن يهزموهم، ولفعلوا ما يسمى في الدولة الحديثة الآن "جرائم حرب" و*** جماعي للأسرى، وهذا شيء لم يحدث قط في التاريخ الإسلامي، بل لم يعرف التاريخ فتوحات وقتال أقل إهراقا للدماء كفتوحات المسلمين لبلاد غير المسلمين، فالمسلمون إنما يدعون الناس قبل القتال للإسلام، فإن أبوا، طالبوهم بالجزية وأقروهم على ما هم عليه من ديانة، خاصة لو كانوا هودا أو نصارى، فإن أبوا قاتلوهم، ولهم في ذلك خلق، فلا يقربوا طفلا ولا غلاما غير مقاتل، ولا يقربوا امرأة، ولا شيخا، ولا راهب في صومعته، ولا يحرقوا خيرات البلاد من زرع ونحوه، فإن انتصروا عليهم أخضعوهم لحكم الإسلام، ولم يستأصلوا شأفتهم، بل يأسرون منهم فإما منا بعد وإما فداء، ولا ت*** الأسرى إلا إن *** أسارى المسلمين، ويسبون، الذرية والأموال، وهذه هي المرحلة الأخيرة، بعد رفض الدعوة، ورفض الجزية، والمشاهد للواقع الآن يجد دولة كأمريكا، تسبي وت*** الأطفال، وتغتصب النساء، وتسيطر على مقدرات الناس، من بترول ومناجم وزراعات وغيرها، بل قد تبيد الآلاف بدعوى نشر الديموقراطية، ومع ذلك لا يحرك هؤلاء المفكرين ساكنًا تجاه ما يحدث!
يتبع