فردوس الإيمان (2)
محمود بن أحمد أبو مسلّم
الوجه الثالث: فكان الجهاد أصلا، مثله كمثل تأديب الولد، وتربيته، وإلزامه بما ينفعه، لأن الإسلام دين الحق، ومن مات على غير ملة الإسلام، لم يقبل منه في الآخرة، وليس له إلا النار خالدا فيها، فكان التقويم للناس بالدعوة، باللسان، وبالمال، لمن قد يتألف قلبه بالمال لينطق كلمة التوحيد، وبالنصيحة، فإن أبت دولة هذه الدعوة، أقررناهم على ما هم عليهم، شريطة أن يدفعوا لنا جزية، مقابل الحفاظ على أرواحهم، والخضوع لحكم الله، لإعلاء كلمته سبحانه، لأنهم رفضوا العيش في عز الإسلام، وأبوا إلا أن يكونوا كفرة بالله الذي خلقهم ورزقهم، فكان تأديب الله لهم، أن يدفعوا الجزية وهم صاغرون، فربما يرجعون إلى رشدهم وهم في هذه الحالة من الشعور بالصغار، وتكون فرصة لإعادة التفكير في موقفهم، وحالهم الحقيقي، فإن أبوا إلا الكبر، وأرادوا كسر شوكة المسلمين، وإعلاء كلمتهم فوق كلمة رب العالمين، لم يكن لهم إلا السيف رادعا، والسبي والأسر عقابا، فالقصد من الجهاد أو القتال في هذه الأحاديث إذا، هو نشر التوحيد، وإدخال الناس في دين الإسلام، لإنقاذهم من النار، وإن كان ذلك بالقوة، ألا ترى أبا يضرب ولده لتأديبه، خوفا عليه من التمادي في خطئه، الذي قد يسبب له ما لا يحتمل من تبعات هذا الخطأ؟ فالذي يؤمن بهذا الدين يحب لغيره من غير المسلمين الدخول فيه، ويحب أن ينقذهم من النار، وهذا معنى أنه صلّى الله عليه وسلّم بعث "رحمة" للعالمين، يعني يرحم الله به أهل الأرض، بإدخالهم في الإسلام، لينجيهم من النار، فإقحام العقل في مثل هذه النصوص، على أنها تخالف رحمة دين الإسلام، قلنا له بل إن فهمك أنت قاصر عن إدراك الحكمة من هذه المعاني، وأن الرحمة تتحقق بأي وسيلة، فيها صلاح المرحوم، حتى وإن كانت قاسية، وهذا معلوم مشاهد بين الناس، كل يوم، فترى الأم وهي تضرب أو توبخ ولدها بكلّ قسوة، رحمة به من إقحام نفسه في شجار قد يودي بحياته، أو سفر قد يهلك فيه، بل إن الوحش من الحيوان يقسو على ولده فلا يطعمه وقد لا يتركه يأكل من صيده، ويتركه يتعلم الصيد بنفسه، رحمة به، كي يستطيع يطعم نفسه ليتعلم كيف يعيش وسط الأحراش، وقد قيل: ومن يك حازمًا فليقس أحيانًا على من يرحم.
الوجه الرابع: أن فهم الجهاد على وجه ال*** والقتال وإذلال الكافرين إنما هو وجه من وجوهه، حين يكون الجهاد جهاد دفع، أو حين يكون الكافرين المقاتلين ممن عرفوا بالشدة على الإسلام والمسلمين، فها هنا يطلب ***هم وإذلالهم، كما قال تعالى في سورة التوبة ﴿ أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 13، 15]، فكذا، وأما جهاد الطلب فالنية فيه ما جاء في حديث معاذ المشهور:
♦ كما في (خ 1458) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْيَمَنِ، قَالَ: إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللَّهِ، فَإِذَا عَرَفُوا اللَّهَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ، فَإِذَا فَعَلُوا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِذَا أَطَاعُوا بِهَا فَخُذْ مِنْهُمْ وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِ النَّاسِ".
♦ وفي (م 1733) عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم " إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، ثُمَّ قَالَ: اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ اغْزُوا، وَلَا تَغُلُّوا وَلَا تَغْدِرُوا وَلَا تَمْثُلُوا وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا، وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ أَوْ خِلَالٍ فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوكَ، فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنْ أَجَابُوكَ، فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ، فَلَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ، فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَتَحَوَّلُوا مِنْهَا، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللَّهِ الَّذِي يَجْرِي عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَلَا يَكُونُ لَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ شَيْءٌ إِلَّا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَسَلْهُمُ الْجِزْيَةَ، فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ، فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا، فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ، وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ، فَأَرَادُوكَ أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ، فَلَا تَجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَلَا ذِمَّةَ نَبِيِّهِ وَلَكِنْ اجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّتَكَ وَذِمَّةَ أَصْحَابِكَ، فَإِنَّكُمْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَمَكُمْ وَذِمَمَ أَصْحَابِكُمْ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ رَسُولِهِ، وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ، فَلَا تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِكَ، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَتُصِيبُ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِمْ أَمْ لَا؟ "، فالناظر في أمر الله عباده بالجهاد في سبيله يجده أمرا عجبا، فهو إصلاح للطالب والمطلوب، فالمجاهد يبذل ماله ونفسه في مرضاة ربه، فإما أن يلقى ربّه شهيدا، حيا عنده يرزق، وإما أن تتهذب نفسه وتسمو وترقى بالإيمان، فالجهاد مثله مثل الصلاة والإنفاق وشرائع الدين التي تزيد من إيمان المسلم وتحافظ عليه، وكلما ازداد حبا لأدائها ازداد إيمانا وقربا من الله، والمطلوب في المقابل حين يسلم ويدخل في التوحيد، ينقذه الله من النار، ويجعله من أهل الكرامة، بعد أن كان من أهل الندامة، فسبحان الذي يسخر عباده في مرضاته لهداية عباده، فيدفع بعضهم ببعض، ويبتلي بعضهم ببعض، فيرحم من يشاء ويعذب من يشاء ويهدي من يشاء ويضل من يشاء ويفعل ما شاء.. لا إله إلا هو، له الحكم وإليه يرجعون.
الوجه الخامس: وهو فيما يتعلق بقولهم أن الإنسان "إذا شاء فليؤمن وإذا شاء فليكفر"، وأنه "لا إكراه في الدين"، والجواب، أن هذا خلط للأحكام وسوء فهم، لأن الجهاد ليس الغرض منه "إكراه" الناس على قول لا إله إلا الله، بل الدعوة، وقد تقدم الكلام على ذلك، والدعوة ليس معناها الإكراه، كما هو مفهوم، وقد بينا أن المسلمين بعد أن يعرضوا الإسلام، فيأبي المشركون. فإما الجزية وإما القتال بعد ذلك! فلا وجه للكلام على الإكراه أصلا، اما مسألة من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، فالأمر مختلف بعض الشيء، لأن هذا الخطاب، في آية الكهف، ليس هو للمسلمين ابتداء إنما هو موجه للكافرين، وهو خطاب على سبيل التهديد والوعيد الشديدين، وليس على سبيل التخيير، بدليل ما بعدها ﴿ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا ﴾ [الكهف: 29]، فالكافر المفترض أن يدخل الإسلام عن قناعة، فإذا دخل التزم بأحكام الإسلام وعلم أنه إن كفر وارتد ***.
فالإسلام لا يكره أحدا على الدخول فيه، لكنه لا يسمح لأحد بالخروج منه كيف شاء، بل يستتاب، وإلا ***، وسنعرض لمسألة الردة وما فيها إن شاء الله فيما بعد.
15- ذكر قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم " من علم أن لا إله إلا الله دخل الجنّة "
(9) (م 28) عن حمران، قال سَمِعْتُ عُثْمَانَ[16]، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم يَقُولُ: " مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ ".
(شرح) سيأتي أن هذا العلم، وقول لا إله إلا الله محمد رسول الله، لابد أن يصحبه العمل المفروض "الصلاة، والصيام، والزكاة، والحج والعمرة"، فهو من لازم الشهادتين، ومن لم يأت بالعمل لم يصح إيمانه.
16- ذكر قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: " من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله "
(10) (م 25) عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ سَعْدِ بْنِ طَارِقٍ، عَنْ أَبِيهِ[17]، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم يَقُولُ: " مَنْ وَحَّدَ اللَّهَ، وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ حُرِّمَ مَالُهُ وَدَمُهُ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ عزّ وجلّ "، وفي لفظ " مَنْ قَالَ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ".
(شرح) وهذا من لوازم شهادة التوحيد، أن تكفر بما يُعبد من دون الله عز وجلّ، ولا يقتصر معنى الكفر بما يُعبد من دون الله على الأصنام والنجوم والحيوانات كما يظن كثير من الناس في هذا العصر، ومعنى العبادة أوسع من السجود للصنم والحيوان، بل عبادة غير الله سبحانه تتمثل في كل طاعة "لمخلوق" سحب على نفسه صفة من صفات الألوهية (كالطاعة في الباطل، السجود له، الالتزام بتقديم أموال له...) أو "حكم" (دستور، قانون، ميثاق، عرف، معاهدة... إلخ) يصطدم ويخالف شريعة الله عزّ وجلّ، والأدلة على ذلك كثيرة، قال تعالى ﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [الشورى: 21].
وقال سبحانه ﴿ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 256] وقال سبحانه في سورة المائدة ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ * وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ * أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [المائدة: 48 - 50].
وقال إبراهيم لقومه ﴿ قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [الأنبياء: 66، 67].
والآيات كثيرة، والمطلوب، أنه وجب على المؤمن أن يخضع لخالقه في كلّ أمره، ومن الخضوع للخالق الالتزام بحكمه، وعدم مخالفة أمره، وحب شريعته، والرضا بها، وبحكمها، وبنفاذها فيه، وإن خالفت هواه، إذ كيف يعبد الإنسان من خلقه، دون أن يطيع أمره ويجتنب نهيه، ويحب ما أنزل من شرع، فالعبادة تقتضي كل ذلك، وأي تقصير فيما سبق فهو تقصير في عبادة الخالق سبحانه، والله تعالى أعلم، ويهدي من يشاء إلى سواء الصراط.
يتبع..
[1] هو عبدالله بن عمر بن الخطاب بن نفيل القرشي العدوي، أبو عبد الرحمن، أسلم وهو صغير لم يبلغ الحلم، وكان من أهل العلم والورع، وشديد التحري والإتباع لآثار النبي صلّى الله عليه وسلّم، عاش في الإسلام ستين سنة ورث فيها علما نافعا جما، توفي سنة 73 من الهجرة رضي الله عنه وعن أبيه
[2] أحطنا به وجلسنا بجانبه.
[3] أي مستأنف مبتدأ لم يسبقه علم الله، تعالى الله عن ذلك، وهو قول غلاة القدرية وبعض الروافض.
[4] زيادة صحيحة.
[5] أبو هريرة الدوسي، اختلف في اسمه اختلافًا كبيرًا، وقيل اسمه في الجاهلية عبد شمس، وفي الإسلام عبد الله أو عبد الرحمن، فالله أعلم، أسلم عام خيبر وشهدها مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثم لزم رسول الله رغبة في العلم والسماع منه راضيًا بشبع بطنه فقط، فكان يدور معه حيث دار، فكان من أحفظ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لحديثه، فكان الصحابة يشتغلون بالتجارة والزراعة، وكان أبو هريرة لازما لرسول الله، فشهد له النبي أنه كان حريصا على العلم والحديث، وقال له: يا رسول الله، إني قد سمعت منك حديثًا كثيرًا وأنا أخشى أن أنسى، فقال: "ابسط رداءك"، قال فبسطته فغرف بيده ثم قال: ضمه، فضممته فما نسيت شيئًا بعده، لذلك هو راوية الإسلام، وأكثر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم رواية للحديث، توفي بالمدينة سنة 57 أو 58 أو 59 هجرية، رضي الله عنه وأرضاه.
[6] عمر بن الخطاب، أمير المؤمنين، وثاني الخلفاء، وهو بن نفيل بن عبد العزى القرشي العدوي، أبو حفص، أسلم بعد أربعين رجلا وإحدى عشرة امرأة، فكان إسلامه عز أظهر الله به الإسلام بدعوة النبي صلّى الله عليه وسلّم له، وتوفي رسول الله وهو عنه راض، وهو من المبشرين بالجنة، بويع له بالخلافة يوم مات أبو بكر سنة 13 هجري، فسار بأحسن سيرة، وأنزل نفسه من مال الله بمنزلة رجل من الناس، وفتح الله له الفتوح بالشام والعراق ومصر، وهو أول من تسمى بأمير المؤمنين، نزل القرآن بموافقة رأيه في مواضع، فقد كان من محدثي الأمة الذي أجرى الله الحق على لسانهم، مناقبه ومواقفه كثيرة جدا، وقد كان الصحابة يرون أن عمر ذهب بتسعة أعشار العلم، *** شهيدا على يد أبي لؤلؤة فيروز غلام المغيرة بن شعبة سنة 23 هـ.
[7] هو عبد الله بن العباس بن عبد المطلب ابن هاشم بن عبد مناف، القرشي الهاشمي، أبو العباس، ولد قبل الهجرة بثلاث سنين، وكان ابن ثلاث عشرة سنة إذ توفي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، دعا له النبي صلّى الله عليه وسلّم بالحكمة وكان عمر بن الخطاب، يحبه، ويدنيه، ويشاور، مع أجلة الصحابة، وكان عمر يقول: ابن عباس فتى الكهول، له لسان سؤول، وقلب عقول، وكان من أعلم الناس بكتاب الله وتفسيره، فكان يلقب بترجمان القرآن، عمي في آخر عمره، توفي سنة 68 هـ، وهو في السبعين، فرضي الله عنه وعن أبيه.
[8] نوع من الجرار يصنع من الفخار أو الزجاج يطلى ليصنع فيه الخمر.
[9] معروف وهو القرع كانوا يصنعون فيه الخمر أيضًا.
[10] ما طلي من الأوعية بالزفت ليسرع عملية التخمير.
[11] ما حفر في جذع الشجر ثم يطلى بالقار ليغلي فيه التمر والزبيب ليكون خمرًا.
[12] المسند حديث 8913
[13] الحبل الذي تشد به وتعقل الناقة أو الشاة، وفي رواية "عناقا" وهي الشاة الصغيرة.
[14] جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري، من بني سلمة، شهد بيعة العقبة الثانية، وشهد تسع عشرة غزوة مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان من المكثرين الحفاظ للسنن، وكف بصره في آخر عمره، وتفي سنة 74 أو 77 أو 78 وهو ابن أربع وتسعين سنة، رضي الله عنه وأرضاه.
[15] هو أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد الأنصاري، خادم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قدم رسول الله المدينة وهو ابن عشر سنين، وتوفي وهو ابن عشرين سنة، دعا له النبي صلى الله عليه وسلّم بالبركة في العمر والمال والولد، فمات وهو من أكثر الأنصار مالا وولدا يقال قدم مئة من الولد والأحفاد قبل أن يموت، ومات وقيل عاش مئة وسبع سنين، وقيل أقل من ذلك، توفي سنة 91 أو 92 أو 93 من الهجرة، رضي الله عنه وأرضاه.
[16] ذو النورين، أمير المؤمنين، عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس القرشي الأموي، يكنى أبا عبد الله وأبا عمرو، هاجر إلى الحبشة، ولم يشهد بدرا ليمرض زوجته رقية بنت رسول الله، وقيل كان مريضا به الجدري، وضرب له رسول الله سهما من سهام بدر، مناقبه كثيرة، حاصره الخوارج سنة خمس وثلاثين من الهجرة، وأبى أن يقاتل عنه أحد، وصبر رضي الله عنه على الظلم، وعلى حصار الخوارج له، كما أمره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فرضي الله عنه وأرضاه.
[17] هو طارق بن أشيم بن مسعود الأشجعي، كوفي، ذكر في الصحابة.