
03-06-2015, 11:14 PM
|
 |
عضو لامع
|
|
تاريخ التسجيل: Apr 2015
العمر: 61
المشاركات: 4,132
معدل تقييم المستوى: 15
|
|
صفحات منسية من تاريخ الإسلام في المياه البحرية الإيطالية (2)
شبكة الالوكة
صفحات مَنْسِيَّة من تاريخ الإسلام في إيطالِيَّة (33)
صفحات مَنْسِيَّة من تاريخ الإسلام في المِياه البَحْرِيَّة الإيطالية (2)
النَّشاط البَحْري الإسلامي في مياه البَحْر الأدرياتي
يقول هنري بيرين: لقد كانت البُنْدقِيَّة آنذاك قوة بحرية عَظْمى، ونجحت قبل عام 1100 م، واستطاعت أن تُطَهِّر الجزء الدِّلماشي - البَلْقانِي - من الأدرياتيك من قَراصِنة البحر، الذين كانوا منتشرين هناك، وأن تُحْكِم قَبْضَتها على كل ساحل البحر الشرقي، ذلك الجزء الذي اعتبرته ضِمْن نِطاقها، وظَلَّ كذلك لعِدَّة قُرون، ولكي تُحافظ على السيطرة على مَداخلها إلى البحر المتوسط، ساعدت سنة 1002 م الأُسطول البيزنطي في طَرْد المسلمين من جزيرة باري،انتهى.[1]
والظاهر أنه يقصد إخراج الكَلْبِيِّين من باري؛ لأن المعروف عن إخراج البيزنطيين وحُلفائهم من البَنادقة، وغيرهم للمسلمين من باري أنه كان مُتقدمًا على ذلك التاريخ بمُدَّة كبيرة؛ حيث كان في تاريخ 876 م[2]، لكن القول بتَحالًف البنَادِقة مع البيزنطيين، لإخراج المسلمين من باري للمرة الثانية يحتاج إلى إثبات تاريخي، ولعله قَصَد إخراجهم من قاعدة بحرية بإزاء مدينة باري؛ حيث عَبَّر عنها بالجزيرة، وهو تعبير لا يستخدمه المؤرخون الأوربيون - وكذلك غيرهم - المعاصرون سوى في حَقِّ الأرض التي تُحيط بها المياه من جميع جوانبها.
ومن وجهة نَظَر أرشيبالد لويس؛ فإن المسلمين قد أَحْرَزوا في البَحْرَيْن: الأدرياتي، والأيوني من النجاح ما لم يُحْرِوزا مَثيله في البحر التيراني[3]، وهذا بخلاف رؤية هنري بيرين[4]، الذي بَلَغ من رَغْبَته في إظهار مدى تَحَكُّم المسلمين في مياه البحر التيراني في فترة من الفترات إلى أن وَصَفه ببُحَيْرَة إسلامية، وكَرَّر هذا الوَصْف في موضع آخر[5]، ورأى - على النقيض من رَأْي أرشبيالد - أن الأساطيل البحرية البيزنطية قد استطاعت بمُعاونة حُلَفائها صَدِّ الهجوم الإسلامي على مياه البحر الأدرياتي.[6]
والظاهر أن كلام أرشيبالد هو الصحيح، وقد بَرَّهَن على ذلك بقوله[7]: كان من نتائج انهزام البُنْدقِيَّة[8]، وتأسيس حكومة إسلامية جديدة في باري - وهي مُطِلَّة على البحر الأدرياتي - واستيلاء مُسٍلمي كريت على طارنت حوالي ذلك الوقت - أي ما بين عامي 838 -841 م - أن تَعَرَّض البحر الأدرياتي لغارات الأساطيل العربية؛ ففي سنة 841 م ذاتها بدأت هذه الأساطيل غَزواتها بالاستيلاء على مدينتي أنكونا، وأوزيرو بجزيرة كرسو، وإحراقها، كما استولت في طريق عودتها إلى بلادها على عدد من سفن البُنْدِقِيَّة التجارية العائدة من صِقِلِّيَّة، ثم عاودوا الكَرَّة في العام التالي على شمال البحر الأدرياتي، وهزموا أسطولًا بحريًا للبُنْدقية في مياه خليج كوارنيرو.
وقد أقام المسلمون في مدينة باري، وغيرها من مدن شاطئ البحر الأدرياتي قواعد بحريةقوية، مَكَّنَتْهم من القيام بغارات على وسط إيطاليا، وجنوبها، حيث كانوا يُوْغِلون بعيدًا في غاراتهم الداخلية، مُنْطَلِقين من تلك المَواقِع الحَصينة على الشواطئ[9].
ولم تستطع البُنْدقية والقسطنطينية أن تَعْملا في البحار الإيطالية بعد ذلك إلا في عام 867 م؛ حيث انتصرت البُنْدقِيَّة على المسلمين في البحر تجاه مدينة طارنت، المُطِلَّة على البحر الأيوني، والذي يُمَثِّل حَلَقة وَصْل بين البَحْرَيْن[10].
ولا شك أن استيلاء البيزنطيين وحلفائهم من البَنادِقة، وغيرهم على أوترانتو عام 873، وباري عام 876 م قد مَنَحَهم السيطرة على مياه البحر الأدرياتي، إلا أنه لم يُوْقِف التَّحَرُّك البحري الإسلامي فيه بصورة كاملة؛ فقد حدثت غارة إسلامية كبيرة على شمال البحر الأدرياتي، تُعَدُّ الأخيرة من نوعها، وذلك حين أَغار أُسْطول إسلامي على البُنْدقية في عام 875 م، وأَحْرَق ميناء كوماتشو، الواقع على مَصَبِّ نهر البو.
وكان انطلاق هذا الأُسْطول على الأرجح من القاعدة البحرية الإسلامية المُحَصَّنة بمدينة طارنت، وهو ما يُمَثِّل صورة من صور السيطرة الإسلامية على مياه البحر الأيوني، ويُظْهِر تأثير تلك السيطرة على مَسار الأمور في البحر الأدرياتي[11].
وأما في العصر العثماني؛ فقد كان لاستيلاء العثمانيين على أكثر بلاد البَلْقان، الواقعة شرق البحر الأدرياتي دورًا بارزًا في تَمْكين أَساطيلهم من مُزاحمة أساطيل جمهورية البندقية البحرية الكبرى بمياهه، وتَبادُل الصَّوْلة عليه.
فُتُور بين نَشاطَيْن:
شهدت حركة المسلمين في البحرين: التيراني، والأدرياتي فترة فُتُور، لم يتحرك فيها المسلمون ضد جيرانهم النصارى إلا حركات طفيفة جدًا، عَقِب الحَمْلة التي أرسلها البيزنطيون في صِقِلِّيَّة قرب بَلِرم عام 848 م، ولعل هذا يرجع إلى ما وقع من صراع بحري بين مُسْلِمي جزيرة كريت من الرَّبَضِيِّين، ومُسْلِمي جزيرة صِقِلِّيَّة من الأغالبة، ثم انتهت فترة الهدوء النِّسْبي المذكورة عندما حاقَت الهزيمة بأسطول بيزنطي، مُكَوَّن من أربعين سفينة تجاه ساحل إقليم أبوليا، وسقطت مدينة شلفودة بصِقِلِّيَّة في يد بَلِرم بعد مهاجمتها بَرَّا، وبحرًا[12].
[1] تاريخ أوروبا في العصور الوسطى الحياة الاقتصادية والاجتماعية لهنري بيرين، ترجمة الدكتور عطية القوصي (ص26).
[2] انظر: القوى البحرية والتجارية لأرشيبالد لويس (ص219،218).
[3] انظر: المرجع السابق (ص215).
[4] انظر: تاريخ أوروبا في العصور الوسطى (ص23).
[5] انظر: المرجع السابق (ص34).
[6] غالى هنري بيرين في (ص10) في دور البيزنطيين في التصدي البحري للمسلمين، فقال: وإذا كانت الإمبراطورية البيزنطية بسبب أسطولها الحربي قد نجحت في دفع اللطمة الإسلامية عن بحر إيجه، والأدرياتيك، وعن سواحل إيطاليا الجنوبية، وعن البحر التيراني؛ ثأرًا من المسلمين، وكل ما استطاع أن يستخلصه منهم، إلا أنها بالنسبة لإفريقية وإسبانيا؛ فإنها اكتفت بتطويقها من الجنوب والغرب، وفي نفس الوقت وضعت يدها على جزر البليار، وكورسيكا، وسردينيا، وصقلية، وجعلتهم قواعد لأسطولها في هذا البحر، الأمر الذي أعاد إليها سيادتها عليه، ومع مطلع القرن الثامن الميلادي، عادت التجارة الأوروبية إلى هذا المربع البحري الكبير، وبقيت الحركة الاقتصادية باتجاه بغداد حركة شرقية، ولقد قال ابن خلدون عن ذلك متأثرًا: لم يعد في استطاعة لوح خشب واحد للمسلمين أن يطفو على مياه هذا البحر،انتهى.
وزعمه أن بيزنطة وضعت يدها على كل هذه الجزر التي ذكرها غير صحيح، بل سيطر الحلف البيزي الجنوي على سردينيا، وكورسيكا، وسيطرت ملكة أراجون على جزر البليار، وسيطر النورمان على صقلية.
[7] القوى البحرية والتجارية (ص216،215).
[8] كانت البندقية قد انهزمت أمام أسطول إسلامي في فترة مبكرة في حوالي عام 840 م، ولم تستطع أن تنتقم من هزيمتها إلا بعد ما يزيد على ربع القرن بمعاونة البيزنطيين في الهجوم على باري.
[9] انظر المرجع السابق (ص218).
[10]الموضع السابق.
[11] انظر: المرجع السابق (ص219،218).
[12] انظر: المرجع السابق (ص216 ،217).
|