عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 04-06-2015, 02:20 PM
الصورة الرمزية ابو وليد البحيرى
ابو وليد البحيرى ابو وليد البحيرى غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
العمر: 61
المشاركات: 4,132
معدل تقييم المستوى: 15
ابو وليد البحيرى will become famous soon enough
افتراضي

الفائزون في رمضان



الشيخ إبراهيم الدويش

الصورة الثالثة:

تُصَلي التراويح والقِيام فتسمع آيات القرآن، وتسمع الخنين والبكاء ينبعث من جنبات المسجد، فيسجد المصلون، فإذا بأزيز كأزيز المرجل ينبعث من الصدور، وقد غلبهم خوف الله وخشيته، فوجلت القلوب وذرفت العيون، عندها ذكرت قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يلج النار رجل بكى من خشية الله، حتى يعود اللَّبن في الضرع))[15].

في صلاة القيام وفي ثُلُث الليل الأخير، يركعون ويسجدون، ويدعون ويتضرعون، يبكون ويَتَأَثَّرون، منكسرة قلوبهم، دامِعة عيونهم، شاحبة وجوههم، هجروا الفراش ولَذَّة النوم من أجل أي شيء، طلبًا لِمَرْضاة الله، طلبًا لِرَحْمة الله: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 16، 17].

القَانِتُونَ المُخْبِتُونَ لِرَبِّهِمْ النَّاطِقُونَ بِأَصْدَقِ الأَقْوَالِ
يُحْيُونَ لَيْلَهُمُ بِطَاعَةِ رَبِّهِمْ بِتِلاَوَةٍ وَتَضَرُّعٍ وَسُؤَالِ
وَعُيُونُهُمْ تَجْرِي بِفَيْضِ دُمُوعِهِمْ مِثْلَ انْهِمَالِ الوَابِلِ الهَطَّالِ
فِي وَجْهِهِمْ أَثَرُ السُّجُودِ لِرَبِّهِمْ وَبِها أَشِعَّةُ نُورِهِ المُتَلاَلِي

إن لم يكن هؤلاءِ منَ الفائزين بِرَمضان، فمَن؟ هل هم الذين ينامون أو يذهبون ويجيئون؟ أو أولئك الذين يلعبون ويلهون؟

اللهم لا تَحْرِمنا أجر الصِّيام والقِيام، واجْعَلْنا ممَّن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، اللهُمَّ اجْعَلْنا منَ الفائزين المقبولينَ، يا رحمن يا رحيم.


الصُّورة الرَّابعة:

رأينا وسَمِعْنا حرص بعض النِّساء على الصَّدَقة، ورمضان الخير يشهد للنِّساء بِحُسن السَّخاء والبَذْل والعَطَاء، سمعتُ عن تلك التي جمعت رواتبها فتَصَدَّقَت بها دفعةً واحدةً.

وسمعتُ عن تلك التي كفلت يتيمًا، وأعطت مسكينًا، ووزعت شريطًا، وفطرت صائمًا حتى قلتُ في نفسي، ماذا بقيَ لها؟ فأجابت بلسان حالها: {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [القصص: 60].


فذكرت قول الرَّسول - صلى الله عليه وسلم -: ((يا معشر النساء تصدقن، فإنِّي رأيتكنَّ أكثر أهل النار))[16].


فقلتُ: أبشرن أيتها الصالحات، فإن هذا لا يكون لمن أكثرت السَّبَّ واللَّعن، ونسيت نعمة الله - عَزَّ وجَلَّ - عليها، أمَّا أنتِ، فإني أحسبك - إن شاء الله - منَ الفائزين بِرَمضان، ثلة من الفتيات عرفتُ فيهنَّ الخير كله، الهاجس في نفوسهنَّ إصلاح الأخريات ودعوتهن، يسألن وبِكَثْرة عنِ المواضيع والمسائل الرَّمضانية المناسبة للطَّرح في مثل هذا الشهر، يسألن وبإلحاح عن الأشرطة والرسائل المناسبة للإهداء والتوزيع، انتهت المكافأة الشهرية اقترضن حتى لا ينقطع هذا الخبر، تركن اللباس والموديلات، وآخر الصيحات، وأدوات الزينة، لا لعدم الرغبة - فهي جبلة في المرأة - بل لأنَّ هَمَّ الإصلاح والغيرة على الدِّين كان أكبر من ذلك، وكأن لسان حالهن يقول: رمضان فرصة لا تُعَوَّض، فالقلوب مُنكَسِرة، والشياطين مُصَفدة، والإيمان يزيد.


وعلمتُ أنَّهنَّ يجتمعن لقراءة القرآن، وبحث بعض مسائل الصِّيام، ويحرصْنَ على النوافل والسنن الرواتب، وصلاة القيام، ويقمْنَ بِبِرّ الوالدين، وصِلة الأرحام، وخدمة الأهل والإخوان، وإعداد الطَّعام.


هذا كله بعد صلاة الفرض في وقتها، والقيام بِحَقّ زوجها، فنالتْ رضا ربها، وفازتْ بِشَهْرها فهنيئًا لها، ثم هنيئًا لها.


الحياة يبنيها صُنَّاع، كلٌّ منهم يُؤَثِّر في جانب منها، فمَن جَدَّ وَجَد، وإما أنا وإما الفاسق، فإن الفاسق يصنع الحياة على طريقتِه، وكل منا له موهبة يحبها، فيجب أن ينميها، ويبرع فيه ويبتكر لها؛ لكي يستطيع أن يجمعَ الناس حوله في تَخَصُّصه.


رمضان كل عام، ترى إقبال الشَّباب والفتيات مِن صُنَّاع الحياة، ودلال الخير، ودعاة الهدى، وكل منهم على خير، فهم يصلون ويجولون من حي إلى حي، من مسجد إلى مسجد لإرشاد الناس وتذكيرهم، حرموا أنفسهم من لَذَّة العبادة، خلف إمام واحد، تذهب أنفسهم حسرات لختم القرآن مرات ومرات؛ ولكن هيهات هيهات، فالوقت ينصرف للبحث عن تفسير آية أو شرح حديث، أو بحث مسألة.


فلسان حالهم يقول: رمضان فرصة للتوبة، وموسم للإقبال على الله، والنَّدَم على ما فات، فكم من ضالٍّ فرح بكلمته، وكم من جاهل اهتدى بعبارته، وكم من تائب نَوَّر الله به بصيرته.


وهؤلاء قاموا على تفطير الصائمين في مسجدهم، حرموا أنفسهم فرحة الإفطار مع أهلهم وأزواجهم، ضاعت اللغات، وتلاشت ال***يات، لا كفيل ولا مكفول: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10]، إخوة في توادِّهم، إخوة في تَرَاحمهم وتعاطُفهم.


وكذلك، فهم يجمعون المال لشراء الأشرطة والمطويات، وتوزيعها على المُصَلِّين والمُصليات.

وَقُلْ سَاعِدِي يَا نَفْسُ بِالصَّبْرِ سَاعَةً فَعِنْدَ اللُّقَا ذُو الكَدِّ يُصْبِحُ زَائِلاَ
فَمَا هِيَ إِلاَّ سَاعَةً ثُمَّ تَنْقَضِي وَيُصْبِحُ ذُو الأَحْزَانِ فَرْحَانَ جَاذِلاَ

وآخرون حملوا الطَّعام والأرزاق، وقطعوا الفيافي والمسافات وهم صيام، تحت حرارة الشمس المُحْرِقة، والرِّمال المُلْتهبة ليقفوا مع المُحتاجين والمساكين والأرامل واليتامى، فيطعموا الطعام، ويلبسوا اللِّباس مع كلمةٍ طيبة، وشريطٍ نافع.
مَنْ كَانَ حِينَ تُصِيبُ الشَّمْسُ جَبْهَتَهُ أَوِ الغُبَارُ يَخَافُ الشَّيْنَ وَالشَّعَثَا
وَيَأْلَفُ الظِّلَّ كَيْ تَبْقَى بَشَاشَتُهُ فَسَوْفَ يَسْكُنُ يَوْمًا رَاغِمًا جَدَثَا
فِي ظِلِّ مُكْفرَةٍ غَبْرَاءَ مُظْلِمَة يُطِيلُ تَحْتَ الثَّرَى فِي غَيِّهَا اللبثَ
تَجَهَّزِي بِجَهَازٍ تَبْلُغِينَ بِهِ يَا نَفْسُ قَبْلَ الرّدَى لَمْ تُخْلَقِي عَبَثَا

أما حُرَّاس الفضيلة، وأعداء الرَّذيلة - رجال الحسبة الآمرون بالمعروف، والناهون عنِ المنكر - فحَدِّث ولا حرج، فنحن بصلاة وقيام وتدبُّر للقرآن، أما هم ففي أعظم الأيام تبرج وسفور، مشكلات ومعاكسات، ومنكرات وسيئات، وكأنِّي بهم والألم يعصر قلوبهم على ليالي رمضان، ولكن أبشر أيها الأب الحبيب، فأنت على خير عظيم.
إِنْ لَمْ تَكُنْ تَلْحَقُ أَنْتَ فَمَنْ يَكُون والنَّاسُ فِي مِحْرَابِ لَذَّاتِ الدَّنَايَا عَاكِفُونَا

أَبْشِر - أيها الأخ الحبيب - فأنتَ على خير، ولن يضيعَ الله جهدك أبدًا، فإن شاء الله أنت منَ الفائزين برمضان.

ذكرت بعد هذه الصور حديث أبي ذر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم -قال: ((ليس من نَفْس ابن آدم إلاَّ عليها صدقة، في كل يوم طَلَعت فيه الشمس))، قيل: يا رسول الله، ومِن أين لنا بِصَدقة نَتَصَدَّق بها؟ قال: ((إن أبواب الخير لكثيرة، التسبيح والتَّحميد، والتَّهليل، والأمر بالمعروف، والنَّهْي عنِ المنكر، وتميط الأذى عنِ الطريق، وتسمع الأصم، وتهدي الأعمى، وتدل على حاجته، وتسعى بشدة ساقيك مع اللهفان المستغيث، وتحمل بِشِدَّة ذراعيك مع الضَّعيف)) [17].


فهذا كله صَدَقة منك على نفسك، فأبواب الخير كثيرة فَلِله در شبابنا وفتياتنا، فلسان حالهم يردد في كل لحظة:

أنا مسلم، أنا مسلمة، فلمَ لا أكون محور حق، ومركز إشعاع ومشعل هداية؟ عندها قلت: إن لم يكن أمثال هؤلاء من الفائزين برمضان، فمَن إذًا؟ أهو ذلك الذي لا يفكر إلا في نفسه ووظيفته وماله وولده؟ لا شك أنَّ الفرق بينهما كبير، والبون بعيد: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء: 90].
يتبع


رد مع اقتباس