عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 04-06-2015, 02:22 PM
الصورة الرمزية ابو وليد البحيرى
ابو وليد البحيرى ابو وليد البحيرى غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
العمر: 61
المشاركات: 4,132
معدل تقييم المستوى: 15
ابو وليد البحيرى will become famous soon enough
افتراضي

الفائزون في رمضان



الشيخ إبراهيم الدويش


الصورة السابعة:
رأيته وسلمتُ عليه، فأجْهَش في البكاء، وفاضت عيناه بالدَّمع، أوجست في نفسي خيفة، قلت: ابتلي بموت قريب، أو حبيب له أصيب، فقال بصوت كئيب: جبر الله مصيبتك خروج رمضان، انكسر قلبه، وهطل دمعه، وانتحب صوته، وقلت: سبحان الله لكل محب حبيب، ورمضان حبيب الصالحين.

يَا شهر رمضان ترفق، دموع المحبين تدفق، قلوبهم مِن ألم الفراق تشقق، رحل رمضان، ورحيله مَرَّ على الصالحين، بين الجوانح في الأعمال سكناه، فكيف أنسى ومَن في الناس ينساه، في كل عام لنا لقيًا محببة، يهتز كل كياني حين ألقاه.


بالعين والقلب بالآذان أرقبه، وكيف لا؟ وأنا بالروح أحياه، ألقاه شهرًا ولكن في نهايته، يمضي كطيف خيال قد لمحناه، في موسم الطهر في رمضان الخير تجمعنا، محبة الله لا مال ولا جاه.


من كل ذي خشية لله ذي ولع، بالخير تعرفه دومًا بسيماه، قد قدروا موسم الخيرات فاستبقوا، والاستباق هنا المحمود عقباه، صاموه قاموه إيمانًا ومحتسبًا، أحبوه طوعًا، وما في الخير إكراه، فالآذان سامعة والعين دامعة، والروح خاشعة، والقلب أَوَّاه، وكلهم بات بالقرآن مندمجًا، كأنه الدم يسري في خلاياه، فوداعًا يا رمضان، وإلى أن نلقاكَ في عام قادم - إن شاء الله - اللهم تقبل منا رمضان، واجعلنا منَ الفائزين بِرَمضان.


هذه بعض صور ومواقف للفائزين برمضان، سلكوها على سبيل المثال، والحصر يصعب، وهي غيض من فيض، ومحبوا الخير كثير، وأبواب الخير كثيرة، ولكنها مشاهد ومواقف لبعض الصالحين والصالحات، ذكرناها لأسباب سبقت.


فيا باغي الخير أقبل، فرمضان فرصة لا تَتَكَرَّر وموسم قد لا يعوض، فالبدار البدار قبل فجأة موت، أو مصيبة مرض، وعندها لا ينفع الندم.


قال تعالى: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد: 21]، فالسَّعيد مَن أدرك رمضان فغفر له، قال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 133، 134].


وسائل الفوز برمضان:

وعند الختام نذكر بعض المسائل التي تعين على الفوز برمضان، وتُساعد على استغلال أيامه ولياليه، وسوف نسردها للذِّكرى، فإن الذِّكرى تنفع المُؤمنين.

أولاً: المجاهدة:

قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69]، فمَن أراد الهداية وأراد الاستقامة، فليجاهد هذه النفس وليقبل على الأسباب، فإن أقبلنا أقبل الله - عز وجل - علينا، أمَّا التَّمَني فهو رأس مال المفاليس، نعوذ بالله من حالهم وحال إبليس.

ثانيًا: الهمة والعزيمة[23]:

قال ابن الجوزي: مِن علامة كمال العقل عُلُو الهمة، والرَّاضي بالدُّون دَنِيء:
وَلَمَ أَرَ فِي عُيُوبِ النَّاسِ عَيْبًا كَنَقْصِ القَادِرِينَ عَلَى التَّمَامِ

ثالثا: معرفة فضائل الشَّهر ومزاياه:
فإنَّ من عرف شيئًا اهتم به وحرص عليه، ولو لم يكن فيه سوى ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، لَكَفَى.

رابعا: قلة أيامه، وسرعة ذهابه:

وصَدَق الله - عز وجل - إذ قال: {أَيَّامًا مَعْدُودَات} [سورة البقرة: 184].

بالأمس القريب يهنئ بعضنا بعضًا بِقُدُوم الشهر، واليوم نُعَزي بعضنا بعضًا بخروجه، وهكذا الأيام تعمل فينا ولا نعمل فيها، وهكذا العمر يمضي كأنه أيام.


خامسًا: التَّنَافُس:

الصالحون تنافسوا في الخيرات، ففازوا بالحسنات، وأنت أيها المسكين، ما زلت أسيرًا للشهوات وعبدًا للذَّات، وصدق الله يوم أن قال: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} [فاطر: 32].

سادسًا: تذكر الموت، والحذر من فجأته: فقد لا تدرك رمضان آخر، فانْتَبه لنفسك.


خاتـمة:

هذه مناجاة مُتَهجد، ونفثات صدر، وأشجان قلب، وخلجات نفس، وكلمات ناصح، ودمعات محب، وهي حديث أنس، وصدقة قائم، ومشاعر صائم.

بل هي - والله - آهات متوجع، وأنات مذنب، وزفرات مقصر.


سبحانك خالقي، فأنا تائب إليك فاقبل توبتي، واستجب دعائي، وارحم شبابي وأقل عثراتي، ولا تفضحني بالذي قد كان مني، اللهم استر عيوبنا، يا حي يا قيوم، اللهم ارحمنا برحمتك، اللهم اجعلنا منَ الفائزينَ برمضان.


اللهم اجعلنا ممن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا، فغفرت له ما تَقَدَّمَ من ذنبه، اللهم اجعلنا ممن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا، فغفرت له ما تَقَدَّمَ من ذنبه، اللهم اجعلنا من الفائزين برمضان.


سبحانك الله وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.


وصل اللهم وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

ـــــــــــــــــــــــــ
[1] ذلك لِقَوْله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدم من ذنبه))؛ رواه البخاري (4/99)، ومسلم (759)، عن أبي هريرة - رضي الله عنه.
[2] دُهْمٍ بُهْمٍ؛ أي: سود لم يخالط لونها آخر.
[3] وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ؛ أي: متقدمهم إليه.
[4] ألا هلم؛ أي: تعالوا.
[5] "سحقًا سحقًا"؛ أي بعدًا بعدًا، والمكان السَّحيق البعيد.
[6] أخرجه مسلم في "صحيحه" (249)، كتاب "الطهارة" باب: استحباب إطالة الغرة والتَّحجيل في الوضوء.
[7] يهادي بين الرَّجُلين: أي يمسكه رجلان من جانبيه بعضديه، يعتمد عليهما.
[8] رواه الإمام مسلم رقم (654)، كتاب"المساجد ومواضع الصلاة"، باب: صلاة الجماعة من سنن الهدي.
[9] في قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((سبعة يُظِلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمسجد، إذا خرج منه حتى يعود إليه، ورجلان تحابَّا في الله، فاجتمعا على ذلك، وافترقا عليه، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه، ورجل دعتْه امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله رب العالمين، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)).
- رواه البخاري (2/ 119 - 124)، في "الجماعة"، باب: مَن جلس في المسجد ينتظر الصلاة وفضل المساجد، ومسلم (1031)، في "الزكاة"، باب: فضل إخفاء الصدقة، عن أبي هريرة - رضي الله عنه.
[10] صحيح: انظر"صحيح الترمذي" للألباني رقم (2441)، و"صحيح الجامع الصغير" (3024).
[11] رواه البخاري (3/ 238) في "الزكاة"، باب: التحريض على الصدقة، والشَّفاعة فيها، ومسلم رقم (1029)، في "الزكاة"، باب: الحث في الإنفاق وكراهة الإحصاء بلفظ، "أنفقي ولا تحصي، فيحصي الله عليك))... الحديث.
[12] رواه البخاري (3/ 241) في "الزكاة باب قوله - تعالى -: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} [الليل: 5، 6]، ومسلم رقم (2383) في "الزكاة" باب: المنفق والممسك.
[13] رواه البخاري (8/265)، في تفسير سورة هود، باب: قوله: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود: 7]، ومسلم (993) في "الزكاة" باب: الحث على النفقة، وتبشير المنفق بالخلف.
[14] رواه الطَّبَراني في "الكبير" عن ابن مسعود، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (1512).
[15] رواه الترمذي (1633)، في "فضائل الجهاد"، باب: ما جاء في فضل الغبار في سبيل الله، والنسائي (6/12)، في "الجهاد"، باب: فضل من عمل في سبيل الله على قدمه، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (7778).
[16] رواه البخاري (1/ 175)، في "العلم"، باب: هل يجعل للنساء يومًا على حدة في العلم، ومسلم (2633)، في "البر والصلة" باب: فضل مَن يموت له ولد، فيحتسبه.
[17] أخرجه ابن حِبَّان في صَحِيحه.
[18] أي: ظهر.
[19] رواه البخاري (4/ 26) في "الزكاة"، باب: ((اتقوا النار ولو بشق تمرة))، ومسلم (2629)، في "البر والصلة" باب: فضل الإحسان إلى البَنَات.
[20] رواه الترمذي (2672)، في "العلم" باب ما جاء في أن الدال على الخير كفاعله، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (3399).
[21] رواه البخاري كتاب "فضائل الصحابة" (3701)، باب: مناقب علي بن أبي طالب، ومسلم (2406) كتاب: "فضائل الصحابة" باب: من فضائل علي بن أبي طالب.
[22] رواه مسلم (1027)، في "الزكاة" باب: الحث على الصدقة، ولو بشق تمرة أو كلمة طيبة، والنسائي (5/ 75)، في "الزكاة" باب: التحريض على الصدقة عن جرير - رضي الله عنه.
[23] احرص على سماع درس سابق بعنوان: "الرَّجل الصِّفر".

رد مع اقتباس