الموضوع
:
تفسير ربع ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها (الربع السابع من سورة البقرة)
عرض مشاركة واحدة
#
2
07-06-2015, 09:56 AM
ابو وليد البحيرى
عضو لامع
تاريخ التسجيل: Apr 2015
العمر: 61
المشاركات: 4,132
معدل تقييم المستوى:
15
تفسير ربع ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها
(الربع السابع من سورة البقرة)
سيد مبارك
روائع البيان والتفسير:
•
قال أبو جعفر الطبري في تفسيرها إجمالاً مامختصره:
يعني جل ثناؤه بقوله
وقالوا)، وقالت اليهود والنصارى
لن يدخل الجنة).
فإن قال قائل: وكيف جمع اليهود والنصارى في هذا الخبر مع اختلاف مقالة الفريقين؛ واليهود تدفع النصارى عن أن يكون لها في ثواب الله نصيب،
والنصارى تدفع اليهود عن مثل ذلك؟
قيل: إن معنى ذلك بخلاف الذي ذهبت إليه. وإنما عنى به: وقالت اليهود: لن يدخل الجنة إلا من كان هودا، وقالت النصارى: لن يدخل الجنة إلا النصارى. ولكن معنى الكلام لما كان مفهوما عند المخاطبين به معناه، جُمع الفريقان في الخبر عنهما، فقيل
وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى) الآية أي قالت اليهود: لن يدخل الجنة إلا من كان يهوديا، وقالت النصارى: لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانيا.
ثم قال:عن قتادة: (هاتوا برهانكم)، هاتوا بينتكم. وقال عن السدي
هاتوا برهانكم)، هاتوا حجتكم. وقال عن مجاهد
قل هاتوا برهانكم)، قال: حجتكم.
ثم قال-رحمه الله: وهذا الكلام، وإن كان ظاهره ظاهر دعاء القائلين
لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى)- إلى إحضار حجة على دعواهم ما ادعوا من ذلك، فإنه بمعنى تكذيب من الله لهم في دعواهم وقيلهم، لأنهم لم يكونوا قادرين على إحضار برهان على دعواهم تلك أبدا. وقد أبان قوله
بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ)، عن أن الذي ذكرنا من الكلام، بمعنى التكذيب لليهود والنصارى في دعواهم ما ذكر الله عنهم.اهـ[23]
• وذكرابن العثيمين في تفسيره فائدة جليلة لهذه الآية قال-رحمه الله:
إن ما ادعوه كذب؛ لقوله تعالى: ﴿
تلك أمانيهم
﴾؛ فعلى قول هؤلاء اليهود يكون النصارى والمسلمون لن يدخلوا الجنة؛ وقد سبق أن قالوا: لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة ثم تخلفوننا فيها؛ وعلى قول النصارى لا يدخل اليهود ولا المسلمون الجنة؛ أما اليهود فصحيح: فإنهم كفروا بعيسى، وبمحمد؛ ومن كفر بهما فإنه لن يدخل الجنة؛ وأما بالنسبة للمسلمين فغير صحيح؛ بل المسلمون هم أهل الجنة؛ وأما اليهود والنصارى الذين لم يتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم أهل النار؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بما أرسلت به إلا كان من أصحاب النار"[24]؛ فالحاصل أن هذا القول- وهو قولهم: لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى- كذب من الطرفين؛ ولهذا قال تعالى: ﴿
تلك أمانيهم
﴾. اهـ [25]
﴿
بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ
﴾ [البقرة: 112]
إعراب مفردات الآية [26]:
(بلى) حرف جواب لإثبات ما نفوه (من) اسم شرط جازم في محلّ رفع مبتدأ (أسلم) فعل ماض، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (وجه) مفعول به منصوب والهاء مضاف إليه (اللّه) جارّ ومجرور متعلّق ب (أسلم)، الواو حاليّة (هو) ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ (محسن) خبر مرفوع الفاء رابطة لجواب الشرط اللام حرف جرّ والهاء ضمير في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف خبر مقدّم (أجر) مبتدأ مؤخّر مرفوع والهاء مضاف إليه (عند) ظرف مكان منصوب متعلّق بمحذوف حال من أجر (ربّ) مضاف إليه مجرور والهاء مضاف إليه الواو عاطفة (لا) نافية مهملة، (خوف) مبتدأ مرفوع (على) حرف جرّ و(هم) ضمير متّصل في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف خبر الواو عاطفة (لا) زائدة لتأكيد النفي (هم) ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ (يحزنون) مضارع مرفوع.. والواو فاعل.اهـ
روائع البيان والتفسير:
•
﴿
مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ
﴾
قال ابن العثيمين في تفسيرها مانصه:
قوله تعالى: { بلى }: هذا إبطال للنفي في قولهم: { لن يدخل... } إلخ؛ وإن كان بعض المفسرين يقول: إن { بلى } هنا بمعنى "بل"؛ ولكن نقول: { بلى } هنا حرف جواب تفيد إبطال النفي؛ يعني لما قالوا: { لن يدخل الجنة... } إلخ قال الله تعالى: { بلى } أي يدخل الجنة من ليس هوداً، أو نصارى؛ وبينه بقوله تعالى: { من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره }؛ { من } شرطية؛ وهي مبتدأ؛ وجواب الشرط قوله تعالى: { فله أجره }؛ والمراد بـ "الوجه" القصد، والنية، والإرادة؛ "أسلمه لله" أي جعل اتجاهه، وقصده، وإرادته خالصاً لله عز وجل؛ وعبر بـ "الوجه" لأنه الذي يدل على قصد الإنسان؛ ولهذا يقال:
أين كان وجه فلان؟
يعني: أين كان قصده، واتجاهه..
وقوله تعالى: { وهو محسن }: الجملة في محل نصب على الحال من فاعل { أسلم }؛ يعني: أسلم والحال أنه محسن. أي متبع لشريعة الله ظاهراً، وباطناً...
قوله تعالى: { فله أجره } أي ثوابه؛ وشبَّهه بالأجر؛ لأن الله التزم به للعامل..
قوله تعالى: ﴿
عند ربه
﴾: أضاف العندية إليه لفائدتين:
الفائدة الأولى:
أنه عظيم؛ لأن المضاف إلى العظيم عظيم؛ ولهذا جاء في حديث أبي بكر الذي علمه الرسولُ صلى الله عليه وسلم إياه أنه قال: "فاغفر لي مغفرة من عندك[27] "..
والفائدة الثانية:
أن هذا محفوظ غاية الحفظ، ولن يضيع؛ لأنك لا يمكن أن تجد أحداً أحفظ من الله؛ إذاً فلن يضيع هذا العمل؛ لأنه في أمان غاية الأمان..
وأضافه إلى وصف الربوبية ليبين كمال عناية الله بالعامل، وإثابته عليه؛ فالربوبية هنا من الربوبية الخاصة. اهـ[28]
•
﴿
وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ
﴾
وفسرها السعدي-رحمه الله فقال:
فحصل لهم المرغوب، ونجوا من المرهوب. ويفهم منها، أن من ليس كذلك، فهو من أهل النار الهالكين، فلا نجاة إلا لأهل الإخلاص للمعبود، والمتابعة للرسول.اهـ[29]
•
وزاد ابن كثير في تفسيره في بيانها فقال- رحمه الله- بتصرف:
فإن للعمل المتقبل شرطين، أحدهما: أن يكون خالصًا لله وحده والآخر: أن يكون صوابًا موافقا للشريعة. فمتى كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يتقبل؛ ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد"[30].
رواه مسلم من حديث عائشة[31]، عنه، عليه السلام.
ثم قال: فعمل الرهبان ومن شابههم- وإن فرض أنهم مخلصون فيه لله-فإنه لا يتقبل منهم، حتى يكون ذلك متابعًا للرسول محمد-صلى الله عليه وسلم- المبعوث إليهم وإلى الناس كافة، وفيهم وأمثالهم، قال الله تعالى: ﴿
وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا
﴾ [الفرقان: 23]، وقال تعالى: ﴿
وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا
﴾ [النور: 39].
•
ثم قال بعد كلام:
وأما إن كان العمل موافقًا للشريعة في الصورة الظاهرة، ولكن لم يخلص عامله القصد لله فهو أيضًا مردود على فاعله وهذا حال المنافقين والمرائين، كما قال تعالى: ﴿
إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلا
﴾ [النساء: 142]، وقال تعالى: ﴿
فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ
*
الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ
*
الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ* وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ
﴾ [الماعون: 4- 7] ثم قال: وقال في هذه الآية الكريمة: ﴿
بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ
﴾.
وقوله: ﴿
فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ
﴾ ضمن لهم تعالى على ذلك تحصيل الأجور، وآمنهم مما يخافونه من المحذور فـ ﴿
لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ
﴾ فيما يستقبلونه، ﴿
وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ
﴾ على ما مضى مما يتركونه، كما قال سعيد بن جبير[32]: فـ ﴿
لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ
﴾ يعني: في الآخرة ﴿
وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ
﴾ يعني: لا يحزنون للموت.اهـ[33]
﴿
وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ
﴾ [البقرة: 113].
إعراب مفردات الآية [34]:
الواو استئنافيّة (قالت) فعل ماض.. والتاء للتأنيث (اليهود) فاعل مرفوع (ليس) فعل ماض ناقص.. والتاء للتأنيث (النصارى) اسم ليس مرفوع وعلامة رفعه الضمّة المقدّرة (على شيء) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر ليس. الواو عاطفة (قالت النصارى ليست اليهود على شيء) مثل نظيرتها المتقدّمة. الواو حاليّة (هم) ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ (يتلون) مضارع مرفوع.. والواو فاعل (الكتاب) مفعول به منصوب. الكاف حرف جرّ (ذا) اسم إشارة مبنيّ في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف مفعول مطلق أي قال الذين لا يعلمون قولا كذلك، (قال) فعل ماض (الذين) اسم موصول مبنيّ في محلّ رفع فاعل (لا) نافية (يعلمون) مضارع مرفوع.. والواو فاعل (مثل) مفعول به عامله قال، منصوب، (قول) مضاف اليه مجرور و(هم) متّصل مضاف إليه الفاء رابطة لجواب شرط مقدّر (اللّه) لفظ الجلالة مبتدأ مرفوع (يحكم) مضارع مرفوع والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (بين) ظرف مكان منصوب متعلّق ب (يحكم) بتضمينه معنى يفصل، و(هم) متّصل مضاف إليه (يوم) ظرف زمان منصوب متعلّق ب (يحكم)، (القيامة) مضاف اليه مجرور (في) حرف جرّ (ما) اسم موصول في محلّ جرّ متعلّق ب (يحكم)، (كانوا) ماض ناقص مبنيّ على الضمّ.. والواو اسم كان (في) حرف جرّ والهاء في محلّ جرّ متعلّق ب (يختلفون) وهو مضارع مرفوع.. والواو فاعل.اهـ
روائع البيان والتفسير:
•
﴿
وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ
﴾ قال ابن العثيمين-رحمه الله:
قوله تعالى: ﴿
وقالت النصارى ليست اليهود على شيء
﴾ يعني على شيء من الدين..
وإنما قالت اليهود ذلك؛ لأنهم يكفرون بعيسى، ولا يرون شريعته ديناً؛ وقالت النصارى: ﴿
ليست اليهود على شيء
﴾؛ لأنهم يرون أن الدين الحق ما كانوا عليه، واليهود قد كفروا به؛ أما عن دعوى اليهود فإنها باطلة على كل تقدير؛ لأن النصارى بلا شك على دين قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم؛ وأما دعوى النصارى في اليهود فحق؛ لأن دينهم نسخ بما جاء به عيسى؛ إذ إنهم يجب عليهم أن يؤمنوا بعيسى؛ فإذا كذبوه لم يكونوا على شيء من الدين؛ بل هم كفار..
قوله تعالى: ﴿
وهم يتلون الكتاب
﴾: الجملة هذه حالية؛ والضمير { هم } يعود على اليهود، والنصارى؛ يعني: والحال أن هؤلاء المدعين كلهم ﴿
يتلون الكتاب
﴾ يعني يقرؤونه؛ والمراد بـ﴿
الكتاب
﴾ ال***، فيشمل التوراة، والإنجيل؛ و "كتاب" فعال بمعنى مفعول؛ لأن الكتب المنزلة من السماء تكتب وتُقرأ؛ ولا سيما أن التوراة كتبها الله بيده سبحانه وتعالى.اهـ[35]
•
﴿
كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ
﴾
•
﴿
كذلك قَالَ الذين لاَ يَعْلَمُونَ
﴾
قال الشوكاني -رحمه الله في تفسيرها:
قوله: المراد بهم: كفار العرب، الذين لا كتاب لهم قالوا: مثل مقالة اليهود اقتداءً بهم؛ لأنهم جهلة لا يقدرون على غير التقليد لمن يعتقدون أنه من أهل العلم. وقيل: المراد بهم طائفة من اليهود، والنصارى، وهم الذين لا علم عندهم، ثم أخبرنا سبحانه بأنه المتولى لفصل هذه الخصومة التي وقع فيها الخلاف عند الرجوع إليه، فيعذب من يستحق ال*****، وينجي من يستحق النجاة. اهـ[36]
•
﴿
فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ
﴾
وذكر ابن العثيمين في تفسيره فائدة جليلة قال-رحمه الله-:
إثبات الحكم لله عز وجل؛ لقوله تعالى: ﴿
فالله يحكم بينهم
﴾؛ وحكم الله سبحانه وتعالى ينقسم إلى ثلاثة أقسام: شرعي، وكوني، وجزائي؛ فالشرعي: مثل قوله تعالى في سورة الممتحنة: ﴿
ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ
﴾ [الممتحنة: 10]؛ والكوني: مثل قوله تعالى عن أخي يوسف: ﴿
فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ
﴾ [يوسف: 80]؛ والجزائي: مثل هذه الآية: ﴿
فالله يحكم بينهم يوم القيامة
﴾؛ والحكم الجزائي هو ثمرة الحكم الشرعي؛ لأنه مبني عليه: إن خيراً فخير؛ وإن شراً فشر؛ هذا الحكم يوم القيامة بين الناس إما بالعدل؛ أو بالفضل؛ ولا يمكن أن يكون بالظلم؛ لقوله تعالى: ﴿
وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ
﴾ [فصلت: 46]، وقوله تعالى: ﴿
وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا
﴾ [الكهف: 49]، وقوله تعالى في الحديث القدسي: "يا عبادي إني حرَّمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً"[37]؛ هذا بالنسبة لحقوق الله؛ أما بالنسبة لحقوق الخلق فيما بينهم فيقضى بينهم بالعدل..
فإذا قال قائل: إذا كان الله تعالى يجزي المؤمنين بالفضل، فما الجواب عن قوله تعالى: ﴿
لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ
﴾ [يونس: 4].
فالجواب: أن هذا هو الذي أوجبه الله على نفسه؛ والفضل زيادة؛ والمقام مقام تحذير.. اهـ[38]
•
وفسر ابن كثير بقية الآية إجمالاً فقال:قوله تعالي: ﴿
فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ
﴾ أي: أنه تعالى يجمع بينهم يوم المعاد، ويفصل بينهم بقضائه العدل الذي لا يجور فيه ولا يظلم مثقال ذرة. وهذا كقوله تعالى في سورة الحج: ﴿
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ
﴾ [الحج: 17]، وكما قال تعالى: ﴿
قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ
﴾ [سبأ:26].اهـ[39]
﴿
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاَّ خائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ
﴾ [سورة البقرة: 114].
إعراب مفردات الآية [40]:
الواو استئنافيّة (من) اسم استفهام مبني في محلّ رفع مبتدأ (أظلم) خبر مرفوع (من) حرف جرّ (من) اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ متعلّق ب (أظلم)، (منع) فعل ماض والفاعل هو وهو العائد (مساجد) مفعول به منصوب (اللّه) لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور (أن) حرف مصدريّ ونصب (يذكر) مضارع مبنيّ للمجهول منصوب (في) حرف جرّ و(ها) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (يذكر)، (اسم) نائب فاعل مرفوع والهاء ضمير مضاف إليه.
والمصدر المؤوّل (أن يذكر...) في محلّ نصب مفعول به ثان ل (منع)، الواو عاطفة (سعى) ماض مبنيّ على الفتح المقدّر على الألف والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (في خراب) جارّ ومجرور متعلّق ب (سعى)، و(ها) ضمير مضاف إليه. (أولاء) اسم اشارة مبنيّ على الكسر في محلّ رفع مبتدأ والكاف حرف خطاب (ما) نافية (كان) فعل ماض ناقص اللام حرف جرّ و(هم) متّصل في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف خبر مقدّم (أن) مثل الأول (يدخلوا) مضارع منصوب وعلامة النصب حذف النون... والواو فاعل و(ها) ضمير مفعول به (إلا) أداة حصر (خائفين) حال منصوبة من فاعل يدخلوها، وعلامة نصبه الياء. والمصدر المؤوّل (أن يدخلوها) في محلّ رفع اسم كان مؤخّر.
اللام حرف جرّ (هم) ضمير متّصل في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف خبر مقدّم (في الدنيا) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف حال من خزي- نعت تقدّم على المنعوت-، وعلامة الجرّ الكسرة المقدّرة على الألف (خزي) مبتدأ مؤخّر مرفوع، الواو عاطفة (لهم في الآخرة عذاب) تعرب كنظيرتها... (عظيم) نعت لعذاب مرفوع مثله.اهـ
روائع البيان والتفسير:
•
﴿
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها
﴾ قال أبو جعفر الطبري بتصرف يسير:
و"المساجد" جمع مسجد: وهو كل موضع عبد الله فيه. ثم قال-رحمه الله- فمعنى"المسجد": الموضع الذي يسجد لله فيه، كما يقال للموضع الذي يجلس فيه:"المجلس"، وللموضع الذي ينزل فيه:"منزل"، ثم يجمع:"منازل ومجالس" نظير مسجد ومساجد.اهـ[41]
•
وذكر السعدي في تفسيرها- رحمه الله- مامختصره:
أي: لا أحد أظلم وأشد جرما، ممن منع مساجد الله، عن ذكر الله فيها، وإقامة الصلاة وغيرها من الطاعات.
﴿
وَسَعَى
﴾ أي: اجتهد وبذل وسعه ﴿
فِي خَرَابِهَا
﴾ الحسي والمعنوي، فالخراب الحسي: هدمها وتخريبها، وتقذيرها، والخراب المعنوي: منع الذاكرين لاسم الله فيها، وهذا عام، لكل من اتصف بهذه الصفة، فيدخل في ذلك أصحاب الفيل، وقريش، حين صدوا رسول الله عنها عام الحديبية، والنصارى حين أخربوا بيت المقدس، وغيرهم من أنواع الظلمة، الساعين في خرابها، محادة لله، ومشاقة، فجازاهم الله، بأن منعهم دخولها شرعا وقدرا.اهـ[42]
•
﴿
أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاَّ خائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ
﴾ قال ابن العثيمين- رحمه الله في تفسيرها مانصه:
قوله تعالى: ﴿
أولئك
﴾ اسم إشارة يعود إلى الذين منعوا مساجد الله أن يذكر فيها اسمه، وسعوا في خرابها؛ ﴿
ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين
﴾ يحتمل ثلاثة معان:
الأول:
ما كان ينبغي لهؤلاء أن يدخلوها إلا خائفين فضلاً عن أن يمنعوا عباد الله؛ لأنهم كافرون بالله عز وجل؛ فليس لهم حق أن يدخلوا المساجد إلا خائفين.
الثاني:
أن هذا خبر بمعنى النهي؛ يعني: لا تدعوهم يدخلوها - إذا ظهرتم عليهم- إلا خائفين.
الثالث:
أنها بشارة من الله عز وجل أن هؤلاء الذين منعوا المساجد- ومنهم المشركون الذين منعوا النبي صلى الله عليه وسلم المسجد الحرام- ستكون الدولة عليهم، ولا يدخلونها إلا وهم ترجف قلوبهم.
قوله تعالى: ﴿
لهم في الدنيا خزي
﴾ أي ذل، وعار ﴿
ولهم في الآخرة عذاب عظيم
﴾ أي عقوبة عظيمة.اهـ[43]
﴿
وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ
﴾ [البقرة: 115]
إعراب مفردات الآية [44]:
الواو استئنافيّة (للّه) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر مقدّم (المشرق) مبتدأ مؤخّر مرفوع، (المغرب) معطوف على المشرق بالواو مرفوع مثله الفاء عاطفة لربط المسبّب بالسبب (أينما) اسم شرط جازم مبنيّ في محلّ نصب على الظرفيّة المكانية متعلّق بالجواب (تولّوا) مضارع مجزوم وعلامة الجزم حذف النون.. والواو فاعل الفاء رابطة لجواب الشرط (ثمّ) ظرف مكان مبنيّ على الفتح في محلّ نصب متعلّق بمحذوف خبر مقدّم (وجه) مبتدأ مؤخّر مرفوع (اللّه) لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور. (إنّ) حرف مشبّه بالفعل (اللّه) لفظ الجلالة اسم إن منصوب (واسع) خبر مرفوع (عليم) خبر ثان مرفوع.اهـ
يتبع
ابو وليد البحيرى
مشاهدة ملفه الشخصي
البحث عن المشاركات التي كتبها ابو وليد البحيرى