عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 07-06-2015, 03:19 PM
الصورة الرمزية sheeps hunter
sheeps hunter sheeps hunter غير متواجد حالياً
عضو خبير
 
تاريخ التسجيل: Jun 2014
المشاركات: 724
معدل تقييم المستوى: 12
sheeps hunter is on a distinguished road
افتراضي

لماذا كانت جنازة ناصر

الأعظم في التاريخ؟

قررت صحيفة الجارديان البريطانية نشر تقرير عن جنازة الرئيس جمال عبدالناصر تحت عنوان

«جنازة ناصر اكتظت بالحشود الباكية».

التقرير وصف الجنازة بأنها مذهلة بل الأكثر إثارة في العصر الحديث لأنها جمعت حشود من
القادة وزعماء العالم إلي جانب ملايين المصريين البسطاء الذين خرجوا يومها لتوديع زعيمهم.
ما الذي يجعل صحيفة مثل الجارديان تتذكر جنازة عبدالناصر رغم مرور كل هذه السنوات؟
سؤال لا تزال إجابته تشغل الجميع حتي يومنا هذا لأنه يجيب عن سؤال أهم.. ما الذي يميز
هذه الجنازة تحديدا؟ ما الذي يجعل ملايين المصريين يخرجون إلي الشوارع ليشيعوا الموكب
وكلهم يهتفون بلا أي ترتيب مسبق «يا جمال يا حبيب الملايين»؟ لم تحتج تلك الأغنية إلي
مؤلف أو ملحن لأنها خرجت من كل هؤلاء البسطاء الذين ساروا وراء الجثمان دون أن يوقفهم
شيء لا الأرصفة ولا أعمدة النور التي تقوست يومها من شدة الزحام.



صحيح أن جنازات الزعماء كثيرة في العالم كله لكن جنازة جمال عبدالناصر كانت وستظل
مختلفة، فقد توافد المصريون من كل المحافظات وجاء العرب من دولهم ليلقوا عليه النظرة
الأخيرة. كل هذا في الوقت الذي خرجت فيه مواكب مماثلة تحمل نعشا رمزيا في باقي
العواصم العربية تهتف باسم الزعيم الراحل. كل هؤلاء لم يبكوا شخص جمال عبدالناصر
الرئيس والزعيم فقط لكنهم بكوا فيه كل المعاني التي مثّلها لهم. واستغرب العالم كله وهو
يشاهد النساء وقد اتشحن بالسواد وكأنهن يبكين الأب والأخ والزوج، استغربوا هؤلاء المصريين
الذين خرجوا يبكون رجلا رحل بعد أن تسبب لهم في نكسة!



كانت جنازة عبدالناصر تاريخية بكل المقاييس وكانت ظاهرة لم ولن تتكرر في الوطن العربي
وربما في العالم كله. فلم يكن عبدالناصر بالنسبة لكل هؤلاء رئيسا وإنما كان حلما وبطلا
حتي بعد أن تسبب في هزيمة تاريخية، نسي الشعب الهزيمة وفكروا في شجاعته في
مواجهتها.. لم يبحثوا عن أسباب النكسة لكنهم توقفوا كثيرا أمام موقف جمال الشجاع ورغبته
في مقاومة الاحتلال، توقفوا عند كلامه الذي أعاد لهم الكرامة التي فقدوها ورأوا فيه بطلا لا
ينهزم ولا يستسلم، ورمزا يمنحهم الأمل والثقة في النصر.


لذلك خرج الملايين دون وعي منهم ليشاركوا في جنازة زعيم الثورة، لأن عبدالناصر عندما كان
يتحدث فهو يتحدث بلسان رجل الشارع، يعرف أحلامه ويعبر عنها. والأحلام هنا لم تكن محدودة
وإنما كانت أحلام ملايين المصريين والعرب بل ملايين المظلومين في العالم كله الذين رأوا فيه
شخصا يقف إلي جانب الضعيف ولا يهمه من الأقوياء، رأوا فيه رمزا لكل المعاني الجيدة، وبطلا
طالما بحثوا عنه ولم يجدوه، وحلما التف حوله كل هؤلاء الملايين.


ظهرت جنازة عبدالناصر بهذا الشكل المهيب، لأن عبدالناصر لم يخذل محبيه، حتي وهو في
أضعف حالاته وقبل الوفاة مباشرة استطاع أن يوقف حربا عربية بين الأردن ومنظمة التحرير
الفلسطينية، وهو الأمر الذي لم يكن غيره ليستطيع أن يفعله لكنها كاريزما البطل وشخصية
الزعيم التي منحته القدرة علي القيادة وجعلت الجميع يسلمون أنفسهم له. وهكذا حصل
عبدالناصر علي موافقة الملك حسين وياسر عرفات علي وقف إطلاق النار ولم يستطع القادة
العرب كلهم أن يمنعوا اندلاع الحرب بين العراق والكويت فيما بعد.


صورة جمال عبدالناصر في أعين الناس كانت ثابتة لا يهزها شيء، لم تكن مقدسة لأن
الرجل له أخطاء كثيرة عرفها هذا الشعب وناقشوه فيها ورفضوها لكنهم كانوا علي استعداد
دائم للمغفرة حتي يتسني لهم الاحتفاظ بذلك الزعيم الذي استطاع أن يتمتع بوهج خاص
يقنع الملايين ويقربه أكثر وأكثر من رجل الشارع العادي البسيط.



الكاتب الهندي «ديوان برندرانات» يقول في كتاب «ناصر.. الرجل والمعجزة» إن «التاريخ
المعاصر للعالم العربي خاصة مصر، وتاريخ حياة ناصر لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر؛ فدراسة
الواحدة لا تكتمل إلا إذا أبقينا الأخري نصب أعيننا».. إلي هذه الدرجة استطاع عبدالناصر أن
يؤثر في شعبه وإلي هذه الدرجة كانت زعامته التي تجلت حتي بعد وفاته. وهو ما يعبر عنه
الدكتور «أنيس صايغ» - الأستاذ في جامعة كامبريدج البريطانية والعميد السابق لمعهد
البحوث والدراسات العربية التابع للجامعة العربية- في كتابه «في مفهوم الزعامة السياسية
من فيصل الأول إلي جمال عبدالناصر» بقوله «استطاع عبدالناصر أن يمثل أغلبية الشعب
تمثيلا صادقا، وأن يدافع عن الأماني القومية دفاعا حقيقيا، واستطاع بواسطة ذلك أن يتحول
إلي رمز للحركة الوطنية المعاصرة فتبايعه عبر هذه الحركة أغلبية الشعوب بزعامة لم يحصل
عليها من قبل أي زعيم آخر لا من حيث اتساع أفقها وشمولها من المحيط إلي الخليج ولا من
حيث نوعيتها. إن زعامة عبدالناصر تختلف من حيث المادة التي تتركب منها، إنها تنبثق عن
الشعب، عن مجموع طبقاته وفئاته وأفكاره. وهي تنبثق عن أماني الشعب، عن مطالبه التي
نادي بها منذ قرن علي الأقل وعن شعاراته التي رفعها منذ أن عرف العمل السياسي الحديث
، وعن أحلامه التي أخذت تتراءي له منذ أن أقلقت باله كوابيس التخلف والاستعمار والتفرقة
والفاقة وعن تراثه وكيانه القومي ومصالحه العامة. إنها باختصار، تمثل أغلبية العرب».


زعامة عبدالناصر لم تأتِ فقط من أعماله وإنما صورته نفسها هي التي خلدته ووضعته في
قلوب الملايين. انتهت الاشتراكية والقطاع العام وتاهت القومية العربية لكن جمال عبدالناصر
لا يزال موجودا حتي يومنا هذا في وجدان من عشقوه. وهو ما يؤكده «سامي شرف» سكرتير
الرئيس جمال عبدالناصر للمعلومات ووزير شئون رئاسة الجمهورية الأسبق بقوله «لقد كان
لجمال عبدالناصر صورة جماهيرية طبيعية وغير مصطنعة، نفذت إلي قلوب الجماهير العربية
ووجدانها في أقطار لم يكن لعبد الناصر سلطان عليها، بل لقد كانت بعض حكوماتها تسعي
للقضاء عليه وعلي صورته في وجدان الشارع والناس».



لذا كان طبيعيا أن تظل أفكاره باقية، وأن تكون جنازته خالدة لأنها وحدت الجميع خلفه حتي
أعداؤه مشوا في جنازته غير مصدقين أن هذا الرجل الذي حاولت أجهزة المخابرات اغتياله
عدة مرات قد توفي بهذه البساطة. أما عشاقه فلم يستوعبوا الأمر جيدا، ساروا في الجنازة
يشيعونه بالدموع وهم يتساءلون: كيف تركهم وحدهم فجأة بعد أن وجدوا فيه الأب والأخ والزوج
والزعيم؟!


لهذا لم يكن غريبا أن تخرج جريدة التايمز البريطانية يوم 2 أكتوبر 1970 بمانشيت ضخم
«إنه أضخم تجمع بشري في التاريخ» أما مجلة النيوزويك فوصفت الجنازة قائلة «لم يشهد
العالم جنازة تماثل في ضخامتها جنازة عبدالناصر، وسط مشاهد من عويل المصريين والعرب
عليه، بلغت حد التخلي عن الموكب الجنائزي، عندما ضغطت الألوف المؤلفة علي الموكب
في محاولة لإلقاء نظرة أخيرة علي النعش، الذي يحمل جثمان بطلهم الراحل. إن جنازات
كينيدي وستالين وكمال أتاتورك، تبدو كصور فوتوغرافية إذا ما قورنت بجنازة عبدالناصر، لقد
أحس العرب أنهم فقدوا الأب والحامي لهم».



أما «جان لاكوتير» الكاتب والمؤرخ والأديب الفرنسي فقد وصف أحداث تشييع جنازة
جمال عبدالناصر في كتابه «ناصر» بقوله «إن هذه الجموع الغفيرة في تدافعها الهائل
نحو الجثمان إلي مثواه الأخير لم تكن تشارك في تشييع الجثمان إلي مثواه الأخير، لكنها
كانت في الحقيقة تسعي في تدفقها المتلاطم للاتصال بجمال عبدالناصر الذي كانت صورته
هي التجسيد المطلق لكينونتها ذاتها. لقد قفلت الآن الدائرة ولكن ماذا تحوي في داخلها؟
انقلاب 23 يوليو.. باندونج.. السويس.. السد العالي.. دمشق.. الجزائر.. قوانين 1961.
إن كل ذلك قد أصبح الآن تاريخا، لقد مضت فترة الانتقال من عهد الملك الدمية إلي
الجمهورية والعروبة والاشتراكية، لكن ما هو باق هو صورة عبدالناصر وما أصبحت ترمز
إليه من الإحساس بالكرامة وروح التحديث والشعور بالأهمية الدولية»..
هل عرفت الآن لماذا كانت جنازة عبدالناصر هي الأعظم في التاريخ الحديث؟
__________________
almstba.com_1340675421_132
رد مع اقتباس