الأحداث المهمة بين يدي غزوة بدر الكبرى
د. أمين بن عبدالله الشقاوي
قال ابن اسحاق:
"ثم خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غازياً في صفر على رأس اثني عشر شهراً من مقدمه المدينة حتى بلغ ودان، وهي غزوة الأبواء، يريد قريشاً وبني ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، فوادعته فيها بنو ضمرة، وكان الذي وادعهم منهم عليه مخشي بن عمرو الضمري، وكان سيدهم في زمانه ذلك، ثم رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة، ولم يلق كيداً، فأقام بها بقية صفر، وصدراً من شهر ربيع الأول.
قال ابن هشام: وهي أول غزوة غزاها[29].
قال ابن حجر:
"ووقع في مغازي الأموي: حدثني أبي عن ابن إسحاق قال: خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - بنفسه حتى انتهى إلى ودان وهي الأبواء، وقال موسى بن عقبة: أول غزوة غزاها النبي - صلى الله عليه وسلم - يعني بنفسه - الأبواء[30].
روى الطبراني من طريق عمرو بن عوف المزني قال: أول غزوة غزوناها مع النبي - صلى الله عليه وسلم - الأبواء[31]
5- غزوة بواط، في شهر ربيع الأول سنة 2هـ:
قال ابن إسحاق: ثم غزا في شهر ربيع الأول، يعني في السنة الثانية، يريد قريشاً[32].
قال ابن هشام: واستعمل على المدينة السائب بن عثمان بن مظعون[33].
وقال الواقدي:
استخلف عليها سعد بن معاذ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مائتي راكب، وكان لواؤه مع سعد بن أبي وقاص، وكان مقصده أن يعترض لعير قريش، وكان فيهم أمية بن خلف ومائة رجل، وألفان وخمسمائة بعير[34].
قال ابن إسحاق:
حتى بلغ بواط من ناحية رضوى[35] ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيداً، فلبث فيها بقية شهر ربيع الآخر، وبعض جماد الأولى[36].
6- غزوة العُشيرة[37]:
في جمادى الأولى، وجمادى الآخرة، سنة (2هـ).
قال ابن إسحاق:
فلبث - أي بالمدينة - بقية شهر ربيع الآخر، وبعض جمادى الأولى، ثم غزا قريشاً، واستعمل على المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد، فيما قال ابن هشام[38].
قال الواقدي:
و كان لواؤه مع حمزة بن عبد المطلب، قال: وخرج - رضي الله عنه - يعترض لعيرات قريش ذاهبة إلى الشام[39].
قال ابن إسحاق:
بعدما ذكر الطريق الذي سلكه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى العشيرة، حتى نزل العشيرة من بطن ينبع، فأقام بها جمادى الأولى، وليالي من جمادى الآخرة، ووادع فيها بني مدلج، وحلفاءهم من بني ضمرة، ثم رجع إلى المدينة، ولم يلق كيداً[40].
قال ابن كثير - رحمه الله -:
وحديث زيد بن أرقم السابق في صحيح البخاري[41] ظاهر في أن أول الغزوات العشيرة، ويقال بالسين، وبها مع حذف التاء، وبها مع المد، اللهم إلا أن يكون المراد أول غزاة شهدها مع النبي - صلى الله عليه وسلم - زيد بن أرقم، العشيرة، وحينئذ لا ينفي أن يكون قبلها غيرها لم يشهدها زيد بن أرقم، وبهذا يحصل الجمع بين ما ذكره محمد بن إسحاق، وبين هذا الحديث، والله أعلم[42]اهـ.
7- غزوة بدر الأولى، في شهر ربيع الأول سنة 2هـ:
قال ابن إسحاق:
ثم لم يقم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة حين رجع من العشيرة إلا ليالي قلائل لا تبلغ العشرة، حتى أغار كرز بن جابر الفهري على سرح[43] المدينة، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في طلبه حتى بلغ وادياً يقال له سَفَوَان، من ناحية. بدر، وهي غزوة بدر الأولى، وفاته كرز فلم يدركه[44].
وقال الواقدي: وكان لواؤه مع علي بن أبي طالب[45].
قال ابن هشام: وكان قد استخلف على المدينة[46] زيد بن حارثة.
قال ابن إسحاق:
فرجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأقام بها جمادى ورجباً وشعبان وقد كان بعث بين ذلك سعداً في ثمانية رهط من المهاجرين، فخرج حتى بلغ الخرار من أرض الحجاز، قال ابن هشام: ذكر بعض أهل العلم أن بعث سعد هذا كان بعد حمزة - ثم رجع ولم يلق كيداً - هكذا ذكره ابن إسحاق مختصراً، وقد تقدم ذكر الواقدي لهذه البعوث الثلاثة: أعني بعث حمزة في رمضان، وبعث عبيدة في شوال، وبعث سعد في ذي القعدة كلها في السنة الأولى[47].
روى الإمام أحمد في مسنده من حديث سعد بن أبي وقاص، قال: لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة جاءته جهينة، فقالوا: إنك قد نزلت بين أظهرنا، فأوثق لنا حتى نأتيك وتؤمنا، فأوثق لهم، فأسلموا. قال: فبعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رجب، ولا نكون مائة، وأمرنا أن نغير على حي من بني كنانة إلى جنب جهينة، فأغرنا عليهم، وكانوا كثيراً، فلجأنا إلى جهينة فمنعونا، وقالوا: لم تقاتلون في الشهر الحرام؟ فقلنا: إنما نقاتل من أخرجنا من البلد الحرام في الشهر الحرام، فقال بعضنا لبعض: ما ترون؟ فقال بعضنا: نأتي نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فنخبره، وقال قوم: لا، بل نقيم ههنا، وقلت أنا في أناس معي: لا بل نأتي عير قريش فنقتطعها، فانطلقنا إلى العير، وكان الفيء إذ ذاك من أخذ شيئاً فهو له، فانطلقنا إلى العير، وانطلق أصحابنا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأخبروه الخبر، فقام غضبان محمر الوجه، فقال: "أذهبتم من عندي جميعاً، وجئتم متفرقين؟ إنما أهلك من كان قبلكم الفرقة، لأبعثن عليكم رجلاً ليس بخيركم، أصبركم على الجوع والعطش"، فبعث علينا عبد الله بن جحش الأسدي، فكان أول أمير أُ مّر في الإسلام[48].
8- سرية عبد الله بن جحش، في رجب سنة 2هـ:
بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها عبد الله بن جحش الأسدي في رهط من المهاجرين، وكتب له كتاباً، وأمره أن لا ينظر فيه إلا بعد يومين من مسيره.
فإذا نظر فيه، ووعى ما كلفه الرسول به مضى في تنفيذه غير مستكره أحداً من أصحابه، فسار عبد الله، ثم قرأ الكتاب بعد يومين، فإذا فيه: "امض حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف، فترصد بها قريشاً، وتعلم لنا من أخبارهم"، فقال عبد الله: سمعاً وطاعة، وأطلع أصحابه على كتاب الرسول قائلاً: إنه نهاني أن أستكره أحداً منكم، فمن كان يريد الشهادة، ويرغب فيها فلينطلق معي، ومن كره شيئاً من ذلك فليرجع... فلم يتخلف منهم أحد، غير أن البعير الذي كان يعتقبه "سعد بن أبي وقاص" و "عتبة بن غزوان" ندَّ[49] منهما فشغلا بطلبه، ومضى عبد الله برفاقه حتى نزل أرض نخلة، فمرت عير قريش فهاجمها عبد الله ومن معه، ف*** في هذه المعركة "عمرو بن الحضرمي" وأسر اثنان من المشركين، وعاد عبد الله بالقافلة، والأسيرين إلى المدينة، ووجد المشركون فيما حدث فرصة لاتهام المسلمين بأنهم قد أحلوا ما حرم الله، وكثر في ذلك القيل والقال، حتى نزل الوحي حاسماً هذه الأقاويل، ومؤيداً مسلك عبد الله تجاه المشركين قال تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنْ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنْ الْقَتْلِ ﴾ [البقرة: 217].
فقد صرح هذا الوحي بأن الضجة التي افتعلها المشركون لإثارة الريبة في سيرة المقاتلين المسلمين لا مسوغ لها، فإن الحرمات المقدسة قد انتهكت كلها في محاربة الإسلام، واضطهاد أهله، ألم يكن المسلمون مقيمين بالبلد الحرام حين تقرر سلب أموالهم، و*** نبيهم؟ فما الذي أعاد لهذه الحرمات قداستها فجأة؟ فأصبح انتهاكها معرة وشناعة، لكن بعض الناس يرفع القوانين إلى السماء عندما تكون في مصلحته. فإذا رأى هذه المصلحة مهددة بما ينتقضها، هدم القوانين والدساتير جميعاً. فالقانون المرعي عنده في الحقيقة هو مقتضيات هذه المصلحة الخاصة فحسب.
وقد أوضح الله عز وجل أن المشركين لن يحجزهم شهر حرام، أو بلد حرام عن المضي في خطتهم الأصلية، وهي سحق المسلمين، حتى لا تقوم لدينهم قائمة، فقال: ﴿ وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا ﴾ [البقرة: 217]، ثم حذر المسلمين من الهزيمة أمام هذه القوى الباغية، والتفريط في الإيمان الذي شرفهم الله به، وناط سعادتهم في الدنيا والآخرة بالبقاء عليه، فقال: ﴿ وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [لبقرة: 217]، وزكى القرآن عمل (عبدالله) وصحبه، فقد نفذوا أوامر الرسول بأمانة وشجاعة، وتوغلوا في أرض العدو مسافات شاسعة متعرضين لل*** في سبيل الله، متطوعين لذلك من غير مكره أو محرج، فكيف يجزون على هذا بالتقريع والتخويف؟ قال الله فيهم: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرؤة: 218][50].
يتبع