عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 10-06-2015, 02:46 PM
الصورة الرمزية ابو وليد البحيرى
ابو وليد البحيرى ابو وليد البحيرى غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
العمر: 61
المشاركات: 4,132
معدل تقييم المستوى: 15
ابو وليد البحيرى will become famous soon enough
افتراضي

من مشاهد الإيمان في شهر رمضان
الشيخ عادل يوسف العزازي


الأمر بمحاسبة النفس، وأنواع المحاسبة


ورد الأمر بمحاسبة النفس في القرآن الكريم:
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الحشر: 18].
قال الحافظ ابن كثير: "قوله: ﴿ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ﴾؛ أي حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا، وانظروا ماذا ادَّخرتُم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم معادكم وعَرْضكم على ربكم"[1].
وقال تعالى: ﴿ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ﴾ [التكاثر: 8].
قال محمد بن جرير الطبري: "ثم ليَسألنكم الله - عز وجل - عن النعيم الذي كنتم فيه في الدنيا ماذا عمِلتم فيه؟ ومن أين وصلتم إليه؟ وفيمَ أصبتموه؟ وماذا عمِلتم به؟".
قال ابن القيم: "فإذا كان العبد مسؤولاً ومحاسبًا على كل شيء حتى على سَمْعه وبصره وقلبه، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا ﴾ [الإسراء: 36]، فهو حقيق أن يُحاسِب نفسه قبل أن يُناقَش الحساب"[2].
أنواع المحاسبة:
قال ابن القيم - رحمه الله -[3]: "ومحاسبة النفس نوعان: نوع قبل العمل، ونوع بعده:
فأما النوع الأول: فهو أن يقف عند أول همِّه وإرادته، ولا يُبادِر بالعمل حتى يتبيَّن له رُجحانه على ترْكه.
قال الحسن - رحمه الله -: "رحِم الله عبدًا وقف عند همِّه، فإن كان لله مضى، وإن كان لغيره تأخَّر.
النوع الثاني:
محاسبة النفس بعد العمل، وهو ثلاثة أنواع:
أحدها: محاسبتها على طاعة قصَّرت فيها من حقِّ الله، فلم توقعها على الوجه الذي ينبغي.
وحقُّ الله تعالى في الطاعة ست أمور، وهي: الإخلاص في العمل، والنصيحة لله فيه، ومتابعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيه، وشهود مشهد الإحسان فيه، وشهود منَّة الله عليه، وشهود تقصيره فيه بعد ذلك كله.
فيُحاسِب نفسه هل وفَّى هذه المقامات حقَّها، وهل أتى بها في هذه الطاعة؟


الثاني: أن يُحاسِب نفسه على كلَّ عمل كان ترْكه خيرًا له من فِعله.
الثالث: أن يُحاسِب نفسه على أمر مباح أو معتاد، لِمَ فعَله؟ وهل أراد به اللهَ والدار الآخرة فيكون رابحًا، أو أراد به الدنيا وعاجِلها فيَخسِر ذلك الربح ويفوته الظَّفَر به.
وجماع ذلك: أن يُحاسب نفسه أولاً على الفرائض، فإن تذكَّر فيها نقصًا تَدارَكه إما بقضاء أو إصلاح.
ثم يُحاسبها على المناهي، فإن عرف أنه ارتكب منها شيئًا تَدارَكه بالتوبة والاستغفار والحسنات الماحية.
ثم يُحاسِب نفسه على الغفلة، فإن كان قد غفل عما خُلِق له تَدارَكه بالذِّكر والإقبال على الله تعالى.
ثم يحاسبها بما تكلَّم به أو مشت إليه رجلاه أو بطشت يداه أو سمعته أذناه، ماذا أردت بهذا؟ ولمن فعلته؟ وعلى أي وجه فعلته، فالأول سؤال عن الإخلاص، والثاني سؤال عن المتابعة، قال تعالى: ﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [الحجر: 92]، وقال تعالى: ﴿ فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [الأعراف: 6]، وقال تعالى: ﴿ لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ ﴾ [الأحزاب: 8].
فإذا سئل الصادقون وحُوسِبوا فما الظن بالكاذبين؟!


[1] تفسير ابن كثير (4: 342).
[2] إغاثة اللهفان (1: 101).
[3] إغاثة اللهفان (1: 81 - 83).
رد مع اقتباس