عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 13-06-2015, 08:54 PM
الصورة الرمزية ابو وليد البحيرى
ابو وليد البحيرى ابو وليد البحيرى غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
العمر: 61
المشاركات: 4,132
معدل تقييم المستوى: 15
ابو وليد البحيرى will become famous soon enough
افتراضي

السيرة ووجوب معرفة أحوال الجاهلية (4)



وليد بن عبدالعظيم آل سنو



فإذا جئنا إلى ال*** فإنَّنا نستدلّ على هذا الاستيعاب بالحكم الشَّرعي المترتّب على الزّنا وهو الرجم، حيث يشمل هذا الحكم الكيان الإنساني كلَّه، وحتى لو ستر الله العبد فلم يقم عليه الحدَّ، إنَّ الدليل على استيعاب الفعل لكيان الإنسان هو أن يرفع عنه الإيمان حتَّى يصير مثل الظلة؛ لأنَّه لا مكان للإيمان في كيان الإنسان وقت الوقوع في الفاحشة، ويرد إليه الإيمان كما قال - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((والتوبة معروضة بعد))[27].

ويتضمَّن معنى الاستيعاب معنى العمق؛ حيث يمثل كل من العبادة وال*** أبعد عمق في كيان الإنسان، وأعمق بُعد هو الاطمئنان؛ لأنَّ الاطمئنان هو المستقرّ، والاطمِئْنان مقدمة العبادة؛ {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103].
والاطمئنان أثر العبادة؛ {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ} [المعارج: 19 - 22].
والاطمئنان مقدمة للمعاشرة الزوجية وأثر لها؛ {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21].

وبذلك يتم تفسير العلاقة بين العبادة وال*** كحقيقة ثنائيَّة في النفس البشرية، وهنا تدخلت الدراسة الجاهلية للنفس البشريَّة فدمَّرت خطّ العبادة الصحيحة، واستبدلت به ال*** تفسيرًا للسلوك الإنساني[28]؛ ولذلك فإنَّ "أي واقع اجتماعي تتسلَّل إليه الفوضى ال***يَّة لن يكون له بقاء صحيح ....... فالانحراف ال***ي بداية حقيقيَّة لتحوّل الأمة إلى الفساد"[29].

يقول فضيلة الشيخ عبدالحميد كشك - رحمه الله -: "ولا شكَّ أنَّ ضرر عقوبة الزنا لا توزن بالضَّرر الواقع على (الزاني وإنَّما توزن بالضَّرر الواقع على) المجتمع، من إفشاء الزّنا ورواج المنكر وإشاعة الفحش والفجور[30].

إنَّ عقوبة الزّنا إذا كان يضارُّ بها المجرم نفسه، فإنَّ في تنفيذها حفظ النفوس وصيانة الأعراض، وحماية الأسر التي هي اللَّبِنات الأولى في بناء المجتمع، وبصلاحِها يصلح وبفسادها يفسد.

إنَّ الأمم بأخلاقها الفاضلة وبآدابها العالية ونظافتها من الرجْس والتلوّث، وطهارتها من التدلي والتسفُّل"[31].

ومن ثم أصبح الضغط الجاهلي لل*** هو السَّائد؛ لأنَّه من مظاهر الجاهليَّة التي "تفترس الإيمان في كل قلب وتنهش الفطرة في كل جسد"[32].

هذا المظهر أدَّى إلى انتشار سلبية المجتمع؛ ولذلك كانت "السلبيَّة في مواجهة الانحراف تعتبر بذاتها دعوة إلى الانحراف"[33].

فالذي نراه من ضعف غيرة الرجال[34] يؤدّي إليه السلبيَّة الكاملة في مواجهة هذا الانحراف، وتلك من أهم صفات أهل الجاهليَّة، ولكنهم لا يأْبَهون ولا يهتمّون كثيرًا بانحراف زوجاتِهم وبناتهم، فيصبح المجتمع ذا صبغة منحرفة، "والمجتمع المنحرف لا يقبل بطبيعته وجود أي قيمة أخلاقيَّة فيه، فيكون الرَّفض الجاهلي للأخلاق"[35].

ولنا في قصَّة لوط - عليْه السَّلام - المثل في ذلك، فإنَّ قوم لوط مجتمع منحرف جاهلي، ولوط - عليه السلام - وبناته مجتمع عفيف إسلامي، فكان الفصْل بيْنهما هو النتيجة الحتمية؛ إذْ لا تعايُش بينهم: {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} [الأعراف: 82]، {فمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} [النمل: 56][36].

يقول الشَّيخ/ محمد قطب عن المرأة المعاصرة: "أمَّا كوْنها ألعوبةً في يد الشَّيطان يلهب بها الشَّهوات ويحرق كيانَها الذَّاتيَّ في بوتقتِها، فتخرج هي الخاسرة في النهاية رغْم كل "مكاسبها" - فأمر واضح لأصحاب العقول، وإن جادلَ فيه الغارقون والغارقاتُ في مستنقع الشَّهوات"[37].

ويقول الأستاذ/ محمَّد الغزالي: "ونحن نعرِف أنَّ المرأة في أوربَّا وأمريكا اشتغلتْ بالمصانع والحقول والشَّركات والجامعات، لكن حصاد اللّقاء البعيد عن معرفة الله واتّباع شرائعِه كان مرًّا"[38].

وتقول الكاتبة اللادى كوك: "إنَّ الاختلاط يألفه الرجال، ولهذا طمعت المرأة بما يخالف فطرتها، وعلى قدر الاختلاط تكون كثْرة أولاد الزِّنا، ولا يَخفى ما في هذا من البلاء العظيم على المرأة.

فيا أيُّها الآباء: لا يغرَّنَّكم بعض دريهمات تكسبها بناتُكم باشتغالهنَّ في المعامل ونحوها ومصيرهنَّ إلى ما ذكرنا، فعلِّموهنَّ الابتعاد عن الرجال، إذ دلَّنا الإحصاء على أنَّ البلاء الناتج عن الزنا يعظم ويتفاقم حيث يكثر الاختلاط بين الرجال والنّساء، ألم ترَوْا أنَّ أكثر أولاد الزِّنا أمهاتُهنَّ من المشتغلات في المعامل ومن الخادمات في البيوت، ومن أكثر السيِّدات المعرَّضات للأنظار.

ولولا الأطبَّاء الذين يُعْطون الأدْوية للإسقاط لرأيْنا أضعاف ما نرى الآن، ولقد أدَّت بنا الحال إلى حدٍّ من الدَّناءة لم يكن تصوُّره في الإمكان حتَّى أصبح رجال مقاطعات في بلادنا لا يقبلون البنت ما لم تكن مجرَّبة؛ أعني: عندها أولاد من الزنا، فينتفع بشغلهم؛ وهذا غاية الهبوط في المدينة، فكم قاست هذه المرأة من مرارة الحياة حتَّى قدرت على كفالتهم! والذي اتَّخذته زوجًا لها لا ينظر لهؤلاء الأطفال ولا يتعداهم بشيء يكون، ويلاه من هذه الحالة التعيسة! ترى مَن كان معينًا لها في الوحم ودواره، والحمل وأثقاله، والفصال ومرارته"[39].

ويقول ول ديورانت: "كان علماء اللاهوت قديمًا يتجادلون في مسألة لَمس يد الفتاة أيكون ذنبًا؟ أمَّا الآن فلنا أن ندهش ونقول: أليْس من الإجرام أن نرى تلك اليد ولا نقبِّلها؟! لقد فقد النَّاس الإيمان وأخذوا يتَّجهون نحو الفِرار من الحذر القديم إلى التَّجربة الطَّائشة"[40].

"إنَّ العرْيَ فطرةٌ حيوانية ولا يَميل الإنسان إليه إلاَّ وهو يرتكِس إلى مرتبة أدْنى من مرتبة الإنسان، وإنَّ رُؤية العري جمالاً هو انتِكاس في الذَّوق البشري قطعًا"[41].

وماذا تصنع الجاهليَّة الحاضرة بالنَّاس إلاَّ تعرِّيهم من اللباس، وتعرّيهم من التقوى والحياء؟! ثمَّ تدعو هذا رقيًّا وحضارة وتجديدًا، ثمَّ تعيِّر الكاسيات من الحرائر العفيفات المسلمات بأنهنَّ رجعيَّات تقليديَّات ريفيَّات"[42].

ونقل ابن الجوزي - رحمه الله - بسند صحيح إلى حسن بن صالح قال: سمعت أنَّ الشَّيطان قال للمرأة: أنت نِصْفُ جُندي، وأنت سهْمي الذي أرمي به فلا أخطئ، وأنت موضع سرِّي، وأنت رسولي في حاجتي"[43].

ولذلك قلنا: إنَّ الفوضى ال***يَّة من العلامات التي تفرّق بين كون المجتمع مجتمعًا إسلاميًّا وآخر جاهليًّا، ولذلك تركز الجاهلية تركيزًا شديدًا على وضْع المرأة باعتبارها أداة ووسيلة لها، حتَّى إنَّ تشابُه الجاهليَّة القديمة والمعاصرة والتي ستوجد في آخر الزَّمان تعود بنفس الكيفية.

فعَن أبي هُريْرة - رضِي الله عنه - قال: سمعتُ رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يقول: ((لا تقومُ السَّاعة حتى تضطرب أليات نساء دوْس على ذي الخلصة))، وذو الخلصة طاغية دوس الذي كانوا يعبدونه في الجاهلية[44] فهذه إشارة إلى عودة الصنميَّة.

قال الإمام النووي - رحمه الله -: "والمراد من الحديث: أنَّ أليات النساء يضطرِبْن من الطواف حول ذي الخلصة؛ أي: يكفرون ويرجعون إلى عبادة الأصنام وتعظيمها"[45].

فهذا الوصف النبوي الدقيق يؤكّد تشابُه الجاهليَّة وعودتها عودة المثليَّة بكلِّ ما فيها، وأنَّها ستكون كما كانت.

هذه المثليَّة وهذا التشابُه الذي بيَّنه رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يوضِّح لنا مدى ترْكيز الجاهليَّة على المرأة، وتأمَّل ذلك الاختِلاط بين الطَّلبة والطَّالبات وقصص الحب الواهية التي تشغل عليهم كيانهم، حتَّى يتخلَّل هذا العشق المحرم الفكر والمشاعر والوجدان، فلا شيءَ غير التَّفكير في لقاء أو مكالمة أو ما شابه ذلك.

هذا التدهْور والانحِطاط في عالم القِيم تظنُّ من خلاله أنَّ المجتمع لا رصيد له من القيم والفضائل؛ ولذلك كانت الجاهلية نظامًا واحدًا؛ دليلُ ذلك ما رواه البخاري - رحمه الله -: "فلمَّا بعِث محمَّد بالحق هدم نكاح الجاهلية"، فتأمَّل كيف عاد نكاح الجاهليَّة لواقع الأمَّة المسلمة: "الزَّواج العرفي - المتعة - الوهبي - زواج التيك أواي".

ومن الأحاديث الدالة على عودة الجاهلية قول رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا تقوم السَّاعة حتَّى تلحق قبائل من أمَّتي بالمشركين وحتَّى يعبدوا الأوثان))[46].

وقوله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله الله))[47].

وقوله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - عن عيسى - عليه السَّلام -: ((فيقاتل الناس على الإسلام فيدقّ الصَّليب وي*** الخنزير))[48]؛ لذلك كان رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - إذا وجد تصاليب نقضها؛ تقول أمُّنا عائشة - رضِي الله عنْها -: "ما وجد رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - تصاليب إلا نقضها"[49].

وقوله - عليه الصلاة والسَّلام - لعدي بن حاتم حين دخل عليه وفي عنُقه صليب: ((يا عدي، اطرح عنك هذا الوثن))[50].

وروى الإمام مسلم عن أبي هريرة - رضِي الله عنْه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا منعتِ العراق درهَمَها وقفيزها [مكيال أهل العراق]، ومنعت الشأم مُدْيَها [مكيال أهل الشأم] ودينارها، ومنعت مصر إردبها ودينارها، وعدتُم من حيث بدأتم، وعدتُم من حيث بدأتم، وعدتُم من حيث بدأتم)) شهِد على ذلك لحم أبي هُريرة ودمه"[51].

ويشهد لهذا الحديث قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ))؛ لأنَّ غربة الإسلام متعلِّقة بأكثريَّة أهل الجاهليَّة، وتسلّط أهل الكفر؛ كما قال - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((تقوم السَّاعة والرُّوم أكثر النَّاس عددًا))[52].

فأحاديث عودة الجاهلية والتحذير في الوقوع بشيء منها والتلبس بها - كثيرة؛ ولذلك فإنَّ أكثر من يتبع الدجَّال النساء واليهود؛ لدعوته بدعوى الجاهلية، وهذان الصنفان أحْرص الناس على عودة الجاهلية.

"إنَّ الجِنْس جزء جوهري من كيان المرء، هبة بواسطتها تنال الحياة أعمق وأدقّ خبرة جسميَّة في الحياة وأوْفاها استغراقًا"[53]، ولكن الجاهلية جعلت ال*** في ذاته هدفًا من أهداف الحياة؛ لأنَّ "ال*** منفذ غير عقلي إلى كيان الإنسان"[54].

فأخطر ما في الجاهلية التركيز على ال*** وعودة البغاء؛ لأنَّ "وجود البغاء يغري الكثيرين لسهولتِه"[55]، "فالميل ال***ي يجب أن يكون نظيفًا بريئًا موجَّهًا إلى إمداد الحياة بالأجيال الجديدة"[56].

"فالزنا أخطر مرض من أمراض المجتمعات، إذا ابتليت به أمة ضاعت كرامتها وانحلّت عراها، ودبَّ الضَّعف والخور في أبنائها"[57].

"ويجب أن يستمدَّ النَّاس في الأرض قِيَمَهم وموازينهم من اعتبارات سماوية إلهية بحتة، آتية لهم من السَّماء غير مقيَّدة بملابسات أرضية، طلقاء من قيم الأرض وموازينها المنبثقة من واقعهم كله"[58].

فيجب لنا التَّفرقة بين دعوى الإسلام ودعْوى الجاهليَّة، والنَّظر في سُنَن كليْهِما، فنعرف الفرق بينهما حتى لا نقع في شيء منها وبالتَّالي لا ندعو لها.

فلا بدَّ من أن يُوجد في ضمير المسلم عزلة شعوريَّة وجدانيَّة بين الإسلام والجاهليَّة؛ أي: انفصال عن البيئة الجاهلية.
يتبع
رد مع اقتباس