المهدي المنتظر بين الروايات التاريخية والأحاديث النبوية الصحيحة
مولاي المصطفى البرجاوي
المهدي المنتظر عند الشيعة:
ظاهرة خرافية: أما المهدي المجمع عليه عند الشيعة الاثنا عشرية، فهم يعتقدون أنه محمد بن الحسن العسكري الذي غاب في سرداب "سامراء" وعمره خمس سنوات سنة (260هـ)، وهم ينتظرون خروجه إلى هذا اليوم، ليظهر ال*** في أهل السنة فيكون ***اً ذريعاً لا مثيل له، ويهدم البيت الحرام والمسجد النبوي، وينبش قبري أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ويصلبهما ويحرقهما، وأنه يحكم بشريعة داود عليه السلام، وهذا من الأدلة على جذورهم اليهودية -الذين هم ليسوا على دين داود- وقد أسس مذهبهم عبدالله بن سبأ اليهودي الذي أظهر حب أهل البيت نفاقًا، حتى يتمكن من هدم الإسلام عن طريق تقديس الأئمة.. والغريب في الأمر انتظارهم له على باب السرداب، وهم يصيحون به أن يخرج إليهم قائلين: "اخرج يا مولانا"، ثم يرجعون بالخيبة والحرمان فهذا دأبهم. ولقد أحسن من قال:
ما آن للسرداب أن يلد الذي كلمتموه بجهلكم ما آنا
فعلى عقولكم العفاء فإنكم ثلثتم العنقاء والغيلانا
ولقد أصبح هؤلاء عاراً على بني آدم وضحكة يسخر منها كل عاقل، وسببا للنيل من الإسلام!!
.. وأصبحت نظرية المهدي تمثل جزءًا هاما من الممارسات العملية في الفكر الشيعي المعاصر، وما دعوة ولاية الفقيه التي ينادي بها فريق من الشيعة إلا جزء من هذه الممارسة، حيث يقوم الفقيه العالم، مقام المهدي الغائب، إلى أن يؤذن له بالظهور. وبسبب الاجتهاد المفتوح عند الشيعة، فقد تعددت وجهات النظر في موضوع المهدي والمهدوية، لدرجة أن أحد الكتاب من الشيعة المعاصرين وهو أحمد الكاتب أنكر تماما ولادة محمد بن الحسن العسكري (المهدي)، وقد أصدر في ذلك كتابا بعنوان (تطور الفكر السياسي الشيعي.. من الشورى.. إلى ولاية الفقيه).. تناول فيه قضايا مثيرة للجدل في موضوع (المهدي المنتظر)[9].
المهدي المنتظر من الناحية الشرعية والأحاديث النبوية المتواترة:
وكعادة أي دراسة؛ يذيل المقال بالطرح الصائب بعد ذكر الشبه والعورات والثغرات التي ميزت قضية معينة، ولكنني آثرت في هذا المقال التمهيد بالسليم من الأحاديث المتواترة باعتبارها ضوابط لدفع تحريفات وتخريفات ميزت التاريخ العقدي والسياسي للغرب الإسلامي، وما زالت تميز الساحة الدولية بدءًا من الشيعة الروافض إلى العقيدة الصوفية المخذلة والمخدرة، إلى المسيح المنتظر الذي يعتقد فيه اليهود ومن ورائهم الرئيس الأمريكي (خدعة "هرمجدون" الحرب النووية التي يتزعمها مسيحهم الدجال لإبادة الأغيار؛ ومن ثم ينعم اليهود بالراحة التامة، ولا يبقى في الوجود غيرهم!).
فعقيدة المهدي المنتظر عقيدة سنية صحيحة، ثبتت بشارتها عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في أحاديث متواترة صحيحة مع كثرة الأحاديث الضعيفة والموضوعة في هذا الباب..
ولندع المراجع الشيعية -بثغراتها العقدية- جانبا لنقف أمام المصادر السنية، الحافلة بأخبار المهدي المنتظر.. فأهل السنة والجماعة يؤمنون: أن الله يؤيد دينه وعباده في آخر الزمان برجل من أهل البيت يملأ الأرض عدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً، يواطئ اسمه اسم النبي صلى الله عليه وسلم واسم أبيه، أي (محمد بن عبدالله)، ويؤمنون أنه يولد في آخر الزمان وليس في أول الزمان، وتتزامن بداية دعوته مع نزول المسيح عليه السلام. وقال الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى عن هذه الأحاديث: الأحاديث في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر التي أمكن الوقوف عليها منها خمسون حديثاً، فيها الصحيح والحسن والضعيف المنجبر، وهي متواترة بلا شك أو شُبهة.
أولا: ثبوت ظهور المهدي في آخر الزمان:
في آخر الزمان يخرج رجل من أهل البيت يؤيد الله به الدين، ويملك سبع سنين، يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورًا وظلما، تنعم الأمة في عهده نعمة لم تنعمها قط، تخرج الأرض نباتها، وتمطر السماء مطرها، ويعطى المال بغير عدد، ومن الأدلة على إثبات ظهور المهدي أخر الزمان ما يلي:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "في آخر أمتي المهدي يسقيه الله الغيث، وتخرج الأرض نباتها، ويعطى المال صحاحا، وتكثر الماشية وتعظم الأمة، يعيش سبعا أو ثمانيا يعني حججا"[10].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم"[11].
كما جاء في المسند قول النبي صلى الله عليه وسلم: "المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة"، وفيه: "المهدي منّي، أجلى الجبهة، أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ويملك سبع سنين"[12].
وعند مسلم تنبيه على المهدي من قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة فينزل عيسى ابن مريم فيقول أميرهم: تعال صل لنا، فيقول: لا، بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة"[13].
وقد ذكر أهل العلم أن هذا الرجل الذي يتقدم ويصلي بعيسى هو المهدي ثم يتولى بعد ذلك عيسى ابن مريم -صلوات الله وسلامه عليه- زمام الأمور، وفي رواية ذكر ابن القيم أن إسنادها جيد: "فيقول أميرهم المهدي".
قال ابن كثير رحمه الله: في زمانه تكون الثمار كثيرة، والزروع غزيرة، والمال وافر، والسلطان قاهر، والدين قائم، والعدو راغم، والخير في أيامه دائم.
1- اسمه: روى الإمام أحمد عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى يلي رجل من أهل بيتي يواطئ [أي يطابق] اسمه اسمي[14].
فهذا الرجل اسمه كاسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، واسم أبيه كاسم أبي النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون اسمه محمدَ أو أحمد بن عبدالله، وهو من ذرية فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم من ولد الحسن بن علي رضي الله عنهم، فعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو لم يبق من الدنيا إلا يوم، لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجل مني أو من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي"، وفي رواية: "يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً" أخرجه أبو داود في باب ذكر المهدي (4281) وقال الألباني: صحيح، انظر صحيح الجامع الصغير (5180) .
قال ابن كثير رحمه الله في المهدي: (وهو محمد بن عبدالله العلوي الفاطمي الحسني رضي الله عنه) [النهاية في الفتن والملاحم (1/55)].
2- وصفته الواردة: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المهدي مني -أي من نسلي-، أجلى الجبهة -أي منحسر الشعر من مقدمة رأسه، أو واسع الجبهة-، أقنى الأنف -أي طويل الأنف مع دقة أرنبته وحدب في وسطه-، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً، ويملك سبع سنين)[15].
3- مكان خروجه: يكون ظهور المهدي من قبل المشرق، فقد جاء في الحديث عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقتتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة، ثم لا يصير إلى واحد منهم، ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق في***ونكم ***ا لم ي***ه قوم"، ثم ذكر شيئا لا أحفظه فقال: "فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبوًا على الثلج، فإنه خليفة الله المهدي" أخرجه ابن ماجه والحاكم وقال حديث صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي. وقال ابن كثير: والمراد بالكنز المذكور في هذا السياق كنز الكعبة.
موقف المؤرخين من فكرة المهدي المنتظر:
كانت المهدوية مختلطة بالصراعات والمساجلات بين مختلف المؤرخين؛ منهم من أنكر ظهوره ومنهم من بالغ في إضفاء صفة المهدي المنتظر على بعض سلاطين الدولة المغربية، ومنهم من شكك فيه:
- الموقف الرافض: ويمثله أحمد أمين (الذي اهتم بتاريخ الإسلام مع افتقاره لآليات الجرح والتعديل والصناعة الحديثية! التي تمكنه من جمع الأحاديث والتمييز بين صحيحها وحسنها وغريبها..) فقد ربط قضية المهدي بالأسباب السياسية التي أدت إلى وضع الأحاديث، وأضاف أن أكثر الأطروحات شيوعا -من وجهة نظره- هي الأطروحة القائلة بأن المهدي إن هو إلا عيسى الذي سيظهر في آخر الزمان لمقاتلة المسيح الدجال، وإعادة النظام والعدل إلى العالم[16]، انطلاقا من الحديث الذي احتج به: "لا مهدي إلا عيسى ابن مريم" رواه ابن ماجه، وهذا الحديث كما قال علماء الحديث ضعيف، وقال فيه الذهبي منكر، وقال أبو الحاكم في أحد رجاله مجهول.. واستطرد بعض العلماء المعاصرين بتفسير افتراضي -على حد قوله- من أن المقصود: أي لا مهدي كاملا ومعصوما إلا عيسى عليه الصلاة والسلام.
- الموقف المشكك: ويمثله ابن خلدون الذي لم يجزم بنفي عقيدة المهدي المنتظر، ولكنه استبعدها وناقش عددًا من أحاديثها، فقد اعتبر العلماء ذلك منه شذوذاً لعقيدة إسلامية استفاضت أحاديثها وتواترت، وانتقدوه بأنه مؤرخ وليس من أهل الاختصاص في الحديث حتى يحق له الجرح والتعديل والاجتهاد.. قال في مقدمته: "اعلم أن المشهور بين الكافة من أهل الإسلام على ممر الأعصار أنه لا بد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت يؤيد الدين ويظهر العدل، ويتبعه المسلمون ويستولي على الممالك الإسلامية، ويسمى بالمهدي، ويكون خروج الدجال وما بعده من أشراط الساعة الثابتة في الصحيح على أثره، وأن عيسى ينزل من بعده في*** الدجال، أو ينزل معه فيساعده على ***ه ويأتم بالمهدي في صلاته"[17].
ثم استعرض ابن خلدون ثمانية وعشرين حديثاً وردت في المهدي وناقش في بعض رجال أسانيدها، وختم مناقشاته بقوله: "فهذه جملة الأحاديث التي خرجها الأئمة في شأن المهدي وخروجه في آخر الزمان، وهي كما رأيت لم يخلص منها من النقد إلا القليل والأقل منه"[18].
ثم استعرض بعض آراء المتصوفة في المهدي المنتظر، وختم مناقشته لها بقوله: "والحق الذي ينبغي أن يتقرب لديك أنه لا تتم دعوة من الدين والملك إلا بوجود شوكة عصبية تظهره وتدافع عنه من يدفعه حتى يظهر أمر الله فيه، وقد قررنا ذلك من قبل بالبراهين القطعية التي أريناك هناك، وعصبية الفاطميين بل وقريش أجمع قد تلاشت من جميع الآفاق، ووجد أمم آخرون قد استعلت عصبيتهم على عصبية قريش إلا ما بقي بالحجاز في مكة وينبع بالمدينة من الطالبيين من بني حسن وبني حسين وبني جعفر، وهم منتشرون في تلك البلاد وغالبون عليها، وهم عصائب متفرقون في مواطنهم وإماراتهم وآرائهم يبلغون آلافاً من الكثرة. فإن صح ظهور هذا المهدي فلا وجه لظهوره ودعوته إلا بأن يكون منهم ويؤلف الله بين قلوبهم في أتباعه حتى تتم له شوكة وعصبية وافية بإظهار كلمته وحمل الناس عليها. وأما على غير هذا الوجه مثل أن يدعو فاطمي منهم إلى مثل هذا الأمر في أفق من الآفاق من غير عصبية ولا شوكة إلا مجرد نسبه في أهل البيت..إلخ"[19].
- الموقف المغالي: يمثله كل من مؤرخي الشيعة -خلافا لأهل السنة- وعلمائهم؛ الذين يعتقدون بأنه هو الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري المولود سنة 255هـ الغائب المنتظر -وهو شخصية موهومة لا حقيقة لها لأن الحسن العسكري لم يكن له عقب- ذهبت به أمه إلى سامراء فدخل سردابًا ولم يخرج منه؛ ومد الله تعالى في عمره كما مد في عمر الخضر عليه السلام فهو حيٌّ غائب حتى يأذن الله له بالظهور.
كما يمثله مؤرخو العصور الوسطى في المغرب الذين تأصلت فيهم العقيدة الشيعية في أقات متقطعة (الشيعة العبيدية، والعقيدة التومرتية..)، وأبرز هؤلاء أبو بكر بن علي الصنهاجي المكني بالبيذق، وهو من التلاميذ المنبهرين بشخصية ابن تومرت إلى حد القداسة[20] في كتابه "أخبار المهدي بن تومرت وبداية دولة الموحدين" دار المنصور للطباعة والوراقة، الرباط 1971م، فهو لا يذكر اسمه إلا ويعقبه برضي الله عنه، أو أنه يكتفي فقط بنعته بالمعصوم أو سيدنا المعصوم رضي الله عنه[21]، كما يصفه في مواضع أخرى من كتابه بالإمام والمهدي المنتظر مرفوقة ببعض الخوارق العجيبة![22].. والقائمة طويلة، لكن يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق!
وللموضوع تتمة