عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 15-06-2015, 07:25 PM
الصورة الرمزية ابو وليد البحيرى
ابو وليد البحيرى ابو وليد البحيرى غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
العمر: 61
المشاركات: 4,132
معدل تقييم المستوى: 15
ابو وليد البحيرى will become famous soon enough
افتراضي

توجيهات وتحقيقات في الأحاديث النبوية (10)


د. عمر بن محمد عمر عبدالرحمن

الحدث العاشر




عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الدين يُسرٌ، ولن يُشادَّ الدين أحدٌ إلا غلبَه، فسدِّدوا وقارِبوا، وأبشِروا، واستعينُوا بالغَدْوةِ والرَّوْحة وشيءٍ من الدُّلْجة))[1].

توجيهات وتحقيقات الحديث:
((يُسْر)): اليسر ضدُّ العسر؛ أي: سهلٌ لا شدَّةَ فيه.

((إنَّ الدِّين يُسر))؛ فهو دينٌ ميسور لكلِّ من اعتنقَه، وعرف شرائعَه وعباداتِه، والمناهجَ والسنن التي أبدعها اللهُ تعالى، وأنزلها لعبادِه الذين خلقَهم وعرف قدراتهم، قال تعالى: ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾ [الحج: 78]؛ ولذا كانت هناك معايِيرُ لمن أراد أن يستكمِلَ دينه ويَعمل بكلِّ ما أُمر به؛ وهو أن تكون لديه القُدرةُ والاستطاعة أولاً، ثمَّ يعمل بها ما يُريد من تكاليفَ وسُننٍ في نفسِه دون أن يُرغِم أحدًا على عمَلِها أو يَنسِب إليه التقصيرَ في أداء العبادات وعمل الصالحات.

ففي الطهارة مثلاً يُستخدم الماء في غَسل الأعضاء؛ لكن إذا فُقد الماءُ أو تعذَّر استعماله يُستبدل به التيمُّم؛ ﴿ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا ﴾ [النساء: 43].

ومِن هنا كان على المسلم ألاَّ يُشدِّد على نفسه ويَقْسوَ عليها في أداءِ الأعمال؛ حتى يظلَّ مقبلاً على الله دائمًا، ولا يصيبَه الملَل والسأمُ الذي يتحوَّل إلى كراهية وفتنةٍ في الدِّين.

ولذلك قال النبي صلوات الله وسلامه عليه للصحابي الجليل معاذ بن جبل رضي الله عنه حين أطال القراءةَ في الصلاة: ((يا معاذ، أَفتَّانٌ أنت؟!)) - أو ((أفاتنٌ؟!)) - ثلاث مرارٍ: ((فلولا صلَّيت بسبِّح اسم ربِّك، والشَّمس وضُحاها، واللَّيل إذا يغشى؛ فإنه يُصلِّي وراءك الكبيرُ والضَّعيفُ وذُو الحاجة))[2].

فعلى المسلم إذًا أن يعمل ما عليه من الفرائض وأن يسدِّد ويَقْرب من الكمَال، ثُمَّ بعد ذلك يستبشر ويتفاءَل بما أعدَّه الله ربُّ العالمين له؛ ﴿ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ * الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [آل عمران: 171، 172].

((ولن يُشادَّ الدينَ)) المشادَّة: المغالبة، وتكون بالتعمُّق في الدِّين.

((فسدِّدوا)) المقصود: الزَموا الصوابَ والقصدَ في العمل من غير تفريطٍ ولا إفراطٍ.
وتسديد العمل يكون بسلوكِ القصدِ فيه من غير مَيلٍ إلى الإفراطِ أو التفريط، وإنما هو قَوَامٌ بين ذلك.

((وقَارِبوا)): اعملوا الأقربَ مِن العمل الكامل؛ ومَن لم يبلغ التمامَ قارَبَه.
فإن لم يستطع المكلَّف التسديدَ في العمل لعجزٍ - كمرضٍ أو عذرٍ طارئ قاهرٍ أو نحوِه - فعليه أن يُقارِب الكمالَ بقدرِ ما يستطيع، وهناك البشارة لهم إن كانوا مسدِّدين أو مقارِبين بالفوز العظيم.

((وأبْشِروا)): أمرٌ من البِشارة بالثواب على صالح العمل، والبشارةُ تكون فيما يُحَبُّ ويَسرُّ، وقد تكون للتوبيخِ؛ كقوله تعالى في شأن الكافرين: ﴿ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [آل عمران: 21].

((واسْتَعينوا بالغَدْوَة))؛ البُكرة، فيُقال: بَكَّر المسافرُ وأبكَر وابتَكر وتبكَّر.
وفي الحديث: ((بكِّروا بالإفطارِ، وأخِّروا السحورَ))[3].

((والرَّوْحة))؛ السير بعد الزوال.

((وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ)) - بضمِّ الدال وفتحها، وإسكان اللام، على وزن فُعْلَة -: سير الليلِ كلِّه، وأدلَجوا؛ أي: ساروا في آخر الليل.

((واستعينُوا بالغَدْوةِ والرَّوْحة وشيءٍ من الدُّلْجة))؛ أي: استعينوا على مداومةِ العبادة بإيقاعها في الأوقات المنشِّطة؛ كأول النهارِ وبعد الزوالِ وآخر الليل.

فيَطلب من المسلم تنظيمَ العمل وأداءَه بكيفيَّة مقبولة؛ وذلك في التسديد والمقارَبة، ثُمَّ إلى تنظيم الوقت، فيكون هناك وقت الرَّاحة للاستعانة به على أداء العمل؛ وذلك يكون بالليل الذي هو لباس للناشطِ العامل ﴿ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا ﴾ [النبأ: 10]، أمَّا الأوقات التي ذكرَت في الغدوةِ والرَّوحة وشيءٍ من الدُّلجة فهي أوقات النشاطِ والحيويَّة، وتكون فيها العبادة والقرب إلى الله تعالى، ويؤدِّي فيها المسلمُ عبادته على أكملِ وجهٍ.

وقد ورد في حديثٍ آخر عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لن يُنجِّي أحدًا منكم عملُه))، قالوا: ولا أنت يا رسولَ الله؟ قال: ((ولا أنا، إلاَّ أن يتغمَّدني اللهُ برحمةٍ، سدِّدُوا وقارِبوا، واغدُوا ورُوحُوا، وشيءٌ من الدُّلجة، والقصدَ القصدَ تبلُغُوا))[4].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لن يُدخِل أحدًا عملُه الجنَّة))، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ((لا، ولا أنا، إلاَّ أن يتغمَّدني اللهُ بفضلٍ ورحمةٍ، فسدِّدُوا وقارِبوا، ولا يتمنَّينَّ أحدُكم الموتَ: إمَّا مُحسنًا فلعلَّه أن يزداد خيرًا، وإمَّا مُسيئًا فلعلَّه أن يَسْتَعْتب))[5].

فالعمل القليل الدائم الذي يَحوطه الإخلاص والإتقان جزاؤه عظيمٌ عند الله.

فالرِّفق في أداء العبادات مطلوبٌ؛ حتى لا يملَّ المرءُ وتهبطَ عزيمته، فيصيبه الفتور، فعلى المسلمِ أن يَطلب الكمالَ إذا كان قويًّا قادرًا عليه، أمَّا إذا كان غير قادرٍ فليُقارِب العمل، ولعلَّه يصل إلى الكمال أو يقاربه، وعليه أن يستغلَّ الأوقات التي يكون فيها نشاطُه موفورًا، يهيِّئه للعمل الصالح فيها، فالإسلام لا يريد القسوةَ للمسلمين، وأحسن الأعمال أدومُها وإن قلَّ.


[1] رواه البخاري (39).

[2] رواه البخاري (705)، ونحوه مسلم (465).

[3] حديث حسن لغيره، أخرجه ابن عدي (6/ 323).

[4] رواه البخاري (6463)، ومسلم (2816).

[5] رواه البخاري (5673).








رد مع اقتباس