عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 30-06-2015, 12:11 AM
الصورة الرمزية ابو وليد البحيرى
ابو وليد البحيرى ابو وليد البحيرى غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
العمر: 61
المشاركات: 4,132
معدل تقييم المستوى: 15
ابو وليد البحيرى will become famous soon enough
افتراضي

من أيام رمضان




في دولة المرابطين بالأندلس


محمود ثروت أبو الفضل





حركة محمد بن تومرت وإعلان نفسه المهدي المنتظر (رمضان 515 هـ):

كان من أكبر النكبات التي أصابت دولةَ المرابطين في م***: حركة "مهدي بن تومرت" التي بدأت في 514 هجرية، وكانت نواة دولة الموحدين التي قضت فيما بعد على الدولة المرابطية في الأندلس وحلت مكانها في الحكم والملك، ويعود أصل هذه الحركة إلى زعيم بربري يدعى "محمد بن تومرت"، بدأ دعوة إصلاحية للعودة للدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين بني قومه بالسوس الأقصى، وفي قبيلته هَرْغة، وغيرها من بطون مَصْمودة من القبائل، ثم تجرأ هذا الرجل بعد وجود مناصرين له، وقام بنصح أمير المرابطين "علي بن يوسف" نفسه على مرأى من الناس في المسجد الجامع بمراكش في أواخر سنة 514 هـ (1120م)، حيث كانت أول بادرة مؤذنة ببداية الثورة الدينية التي اضطلع بها محمد بن تومرت ضد الدولة المرابطية.




وقد أحدث ابن تومرت وأصحابه في مراكش فتنة بتغييرهم المنكرات بأيديهم، وإنكارهم على النساء سفورهن، والناس تهتكهم؛ مما اضطر الأمير علي بن يوسف لطلب قيام مناظرة بينه وبين فقهاء المدينة، انتصر فيها ابن تومرت، وازدادت مكانته بين أتباعه، فأمر الأمير بإخراجه من مراكش، وكان ذلك في أوائل سنة 515 هـ.




وقد غادر محمد بن تومرت وصحبه مدينة مراكش إلى أغمات يفد على القبائل يدعوهم إلى الله والرجوع إلى عهد السلف الصالح، فازداد أصحابه، ولما تيقن من قوَّته الجديدة نادى بالحرب على المرابطين وإخراجهم، وفي اليوم الخامس عشر من رمضان سنة 515 هـ (ديسمبر سنة 1121 م) قام ابن تومرت خطيبًا في أصحابه، وأعلن إليهم أنه المهدي المنتظر في خطبة قصيرة، ينقل إلينا نصها ابن القطان في "نظم الجمان" فيما يلي:

"الحمد لله الفعال لما يريد، القاضي بما يشاء، لا راد لأمره، ولا معقب لحكمه، وصلى الله على سيدنا رسول الله، المبشر بالإمام المهدي، الذي يملأ الأرض قسطًا وعدلاً، كما مُلئت جورًا وظلمًا، يبعثه الله إذا نُسخ الحق بالباطل، وأزيل العدل بالجور، مكانه المغرب الأقصى، منبته وزمانه آخر الزمان، واسمه اسم النبي عليه الصلاة والسلام، ونسبه نسب النبي صلى الله تعالى وملائكته الكرام المقربون عليه وسلم، وقد ظهر جور الأمراء، وامتلأت الأرض بالفساد، وهذا آخر الزمان، والاسم الاسم، والنسب النسب، والفعل الفعل".




وقد بايعه عشرة من أصحابه على السمع والطاعة والموت دونه، وكان من هؤلاء العشرة أخلص تلاميذه "عبدالمؤمن بن علي" رأس الدولة الموحدية، والذي أوصى ابن تومرت حين موته بخلافته من بعده.




يقول د. محمد عبدالله عنان عن ابن تومرت وحركته:

".. وفي فترة قصيرة تحول ابن تومرت من فقيه متواضع يدعو إلى تغيير المنكر، إلى داعية سياسي خطر، يتشح بثوب الإمامة المهدية، ويجمع تحت لوائه قوى جرارة".




وقد بدأت من ساعتها المواجهات المسلحة بين المرابطين وجيش ابن تومرت، حيث سيَّر علي بن يوسف سنة 516 هجرية/ 1122 ميلادية جيشًا للقضاء على هذه الدعوة الوليدة، وفشل هذا الجيش في اقتحام أغمات.




وبعدها بدأ ابن تومرت في التوسع هو وأصحابه من الموحدين، وأنفق محمد بن تومرت في تلك الحروب والغزوات المحلية زهاء ثلاثة أعوام، من سنة 516 إلى سنة 518 هـ (1122 - 1124م)، وبذلك استطاع أن يبسط سلطانه المطلق على منطقة السوس كلها، بل وحاول الموحدون عام 522 هجرية اقتحام مراكش نفسها، ولكنهم فشلوا في ذلك؛ لاستئساد المرابطين في الدفاع عنها.




وبهذا صار "محمد بن تومرت" هو الأب الروحي لدولة الموحدين التي تعاظم أمرها منذ ذلك الوقت، واستطاعت في عهد خلفه "عبدالمؤمن بن علي" القضاء على الدولة المرابطية وخلافتها في حكم الأندلس.




تغريب المعاهدين النصارى إلى العدوة بالمغرب جزاء خيانتهم (رمضان 521 هـ):

لم تمضِ بضعة أعوام على سقوط سرقسطة، حتى سارع الملك ألفونسو ملك أراجون بالهجوم على الإمارات والممالك الإسلامية في قلب الأندلس، في غزوة كبيرة، من حيث اتساع نطاقها، وخطورة العوامل الموجهة لها، وذلك بناء على تحريض النصارى المعاهدين بهذه الممالك الإسلامية.




وقد دعمه هؤلاء المعاهدون بالأخبار والتجسس على أحوال تلك الممالك، ووضعوا له الخطط لفتح أغلب تلك الممالك والتغلب عليها، رغم أن طوائف المعاهدين، في ظل هذه الحكومات الإسلامية، كانت تنعم بضروب الرعاية والتسامح، والتمتع بمزاولة شعائرهم وتقاليدهم، والاحتكام إلى قوانينهم وقضاتهم، والتحدث بلغتهم الخاصة، دون حيف أو ضغط متعمد يلحق بهم، ودون مطاردات دينية من أي نوع تعصف بأمنهم وسلامهم، كما أنهم كانوا يشغلون في أحيان كثيرة في القصر وفي الحكومة، مناصبَ النفوذ والثقة.




وكان أشد طوائف المعاهدين نشاطًا في تدبير هذه المؤامرة الكبرى: نصارى ولاية غرناطة، وكانوا من أكبر طوائف المعاهدين عددًا، وأغناهم مالًا، وأكثرهم ازدهارًا ومقدرة ونفوذًا، فلما أيقنوا بضعف ولاة المرابطين بعثوا إلى أمراء النصارى بكتبهم ورسلهم المتوالية، يلحون عليهم في غزو الأندلس وافتتاح غرناطة.




وبعث أولئك المعاهدون إلى ألفونسو رسالة تشتمل على أسماء اثني عشر ألفًا من أنجاد مقاتليهم، على أهبة لمعاونته، وأنه يوجد غيرهم جموع غفيرة مستترة على قدم الأهبة، وبعثوا إليه في نفس الوقت بأوصاف غرناطة، وما تشتمل عليه من الثروات والمحاصيل الجمة، فتهيأ ألفونسو لغزوها وسار مخترقًا شرقي الأندلس وجنوبه مرحلة مرحلة، ومنازلاً سائر قواعده وحصونه، مارًّا بشاطبة، وألش وأوريولة، حتى وصل إلى مرسية، ثم اجتاز منها إلى بيرة، فالمنصورة، فبرشانة، فبسطة، فوادي آش، إلى غرناطة، وفي أثناء ذلك كانت جموع المعاهدين تهرع إلى الانضمام إليه حيثما وجد، حتى اجتمعت له أعداد وفيرة، وكانوا يدلونه على الطرق والمسالك، ويكشفون له مواطن الضعف لدى المسلمين، في المدن والحصون التي يمر بها.




وقد بينت هذه الغزوة حقيقة هامة، وهي أن النصارى المعاهدين الذين يعيشون في ظل الحكومة الإسلامية، ويتمتعون برعايتها - لم يكونوا يشعرون نحوها بذرة من الولاء، بل كانوا يمثلون خطرًا داخليًّا على الأندلس، ولا يدخرون وسعًا في الكيد لها، وكان لا بد من عقاب رادع لهذا الجحود، وقد استقبل قضاة المسلمين هذا الفعل بالغضب والتحفز لنصارى الأندلس، مما حمل كبير الجماعة في قرطبة القاضي "أبا الوليد بن رشد"، على أن يعبر البحر إلى المغرب، ثم قصد إلى أمير المسلمين "علي بن يوسف" بمراكش، وشرح له أحوال الأندلس، وما منيت به على يد المعاهدين، وما جنوه عليها من استدعاء النصارى، وما يترتب على ذلك من "نقض العهد والخروج على الذمة"، وأفتى له بتغريبهم ووجوب إجلائهم عن أوطانهم، وهو أخف ما يؤخذ به في عقابهم، فأخذ أمير المسلمين بهذه الفتوى، وصدر عهده إلى جميع بلاد الأندلس بتغريب المعاهدين إلى العُدوة (المغرب)، فنفيت منهم جموع غفيرة، وسيق الكثير منهم إلى مكناسة وسلا وغيرهما من بلاد العدوة، وهلك منهم خلال العبور والسفر عدد كبير، وضم أمير المسلمين علي بن يوسف منهم عددًا إلى حرسه الخاص.




على أن هذا التغريب لم يكن شاملًا، فقد بقيت في غرناطة وفي قرطبة وفي غيرهما من القواعد - جماعات من النصارى المعاهدين، لأسباب مختلفة، لتنمو وتزدهر مرة أخرى، وقد وقع تغريب المعاهدين في شهر رمضان سنة 521 هـ (أواخر سنة 1127 م)، وكانت نكبة بالغة لم يصب المعاهدين مثلها من قبل بالأندلس.




فتح حصن السكة على يد الأمير تاشفين بن علي (رمضان 524 هـ):

قام الأمير تاشفين بن علي بعد توليته إمارة الأندلس بعدة غزوات في أراضي قشتالة، وخاض مع القشتاليين معارك عديدة، حيث عانت الدولة المرابطية من هجمات النصارى المتعددة وزيادة أطماعهم في أخذ كثير من الممالك والإمارات الإسلامية في الأندلس، وكانت بينه وبين النصارى وقعات عديدة منذ عام 522 هجرية حتى عام 524 هـ، حيث قرر في رمضان من هذا العام قتال ملك قشتالة المحارب للمسلمين؛ لكف أذاه عن إمارات الأندلس.




سار الأمير تاشفين بجيش غرناطة ومتطوعتها، واتصل به جيش قرطبة إلى حصن السكة Aceea من حصون طليطلة، وكان ملك قشتالة، قد شحنه بالمقاتلين للإغارة على أراضي المسلمين، فحاصره تاشفين، وافتتحه عنوة، و*** من كان به، وأسر قائده "تليو فرنانديث" - وكان من مشاهير فرسان قشتالة - وكذلك ضباطه، وتزيد الروايات النصرانية التاريخية على ذلك: أن ال***ى من حامية الحصن بلغوا مائة وثمانين، وأن تاشفين سار بعد ذلك إلى حصن بارجاس ف*** من رجاله خمسين، واستمر في تقدمه حتى وصل إلى "سان سرفاندو" من ضواحي طليطلة، ثم ارتد بعد ذلك بقواته جنوبًا وعاد مرة أخرى إلى غرناطة، فاستقبله الناس أفخم استقبال.




انتصار المسلمين على جيش ألفونسو المحارب في موقعة إفراغة (رمضان 528 هـ):

مع غزوة ألفونسو الكبرى على بلاد الأندلس عام 521 هجرية ازدادت أطماعه في ملك شبه الجزيرة الإيبرية وإنهاء حكم المسلمين على ممالك الأندلس، وشجعه على ذلك تخاذل أمراء المرابطين عن مواجهته مواجهة حاسمة تقضي على آماله في تمدد نفوذه في الأندلس، وقد قام ألفونسو عام 528 هـ بحملة جديدة على المسلمين من أجل الاستيلاء على القواعد الإسلامية، الواقعة في مثلث نهري سنكا وسجري، ثم محاولة الاستيلاء على طرطوشة بعدها.




وأعد ألفونسو حملة جديدة قوية للبدء في تنفيذ مشروعه، واشترك في هذه الحملة كثير من الأشراف والفرسان الفرنسيين، على غرار ما حدث في حملة سرقسطة، وبدأ ألفونسو بالزحف على مدينة مكناسة الواقعة عند ملتقى نهري سجري وإبرة، وهي قاعدة حصينة، ولكن الدفاع عنها لم يكن ميسورًا؛ لوقوعها في السهل المكشوف، فهاجمها النصارى بشدة، واضطرت إلى التسليم بعد مقاومة عنيفة، وذلك في يونيه سنة 1133م (أواخر سنة 527 هـ).




واتجه ألفونسو بعد ذلك إلى الاستيلاء على مدينتي إفراغة ولاردة، وبدأ الزحف على إفراغة، وهي تقع على الضفة اليمنى لنهر سنكا على مسافة قريبة من شمال مكناسة، وكانت مدينة إفراغة شديدة التحصين وتقع على ربوة عالية في نهاية منحدر وعر ضيق، وهرع "الزبير بن عمرو اللمتوني" من قرطبة إلى الثغر الأعلى، في ألفي فارس، ومعه مقادير وفيرة من المؤن، واشترك معه الأمير أبو زكريا يحيى بن غانية والي بلنسية ومرسية، في قوة تقدرها الرواية بخمسمائة فارس، وكان من أعظم وأشجع القادة المرابطين، وكذلك حشد "عبدالله بن عِياض" والي لاردة قواته للدفاع عن إفراغة.




وكان أهل إفراغة حينما ضيق عليهم ألفونسو الحصار، وأخذت مواردهم في النضوب، قد كتبوا إلى يحيى بن غانية باعتباره عميد القادة المرابطين، بطلب الإنجاد، وأنذروه في كتابهم، بأنه إن لم يفعل خضعوا لألفونسو، وسلموه المدينة، ولكن ابن غانية لم يكن في حاجة إلى مثل هذا النذير، وكانت مهمة إنجاد إفراغة وإنقاذها تلقى لديه ولدى سائر القادة المرابطين منذ البداية منتهى الاهتمام، ولعل رسالة أهل إفراغة كانت خوفًا من أن يلقوا نفس مصير أهل سرقسطة من التخاذل من أمراء المرابطين حتى وقعت في أيدي النصارى.




وفي تلك الأثناء كان ألفونسو قد وصل بقواته إلى إفراغة، وضرب حولها الحصار، فقاومته حاميتها وأهلها بقيادة واليها "سعد بن محمد بن مردنيش" أشد مقاومة، واضطر أن يرفع الحصار غير مرة، ثم يعود إليه، وحملته هذه المقاومة ذاتها على مضاعفة جهوده في التضييق على المدينة المحصورة، والتصميم على أخذها، وأقسم ألفونسو تحت أسوار إفراغة، أن يفتتح إفراغة أو يموت دونها، وأقسم معه عشرون من قادته كذلك، وأمر ألفونسو كذلك أن يؤتى برفات القديسين إلى المعسكر؛ إذكاء لحماسة الجند، وأن يتولى الأساقفة والرهبان قيادة الصفوف.




ونشبت بين المرابطين وبين النصارى تحت أسوار إفراغة، موقعة من أشد وأ*** ما عرف في تاريخ المعارك الحاسمة في الثغر الأعلى.




وخرج أهل إفراغة، فانقضوا على النصارى من الخلف، فاشتد الأمر على النصارى، وكثر ال*** فيهم، وهلكت منهم عدة كبيرة من القادة والأكابر، ومزقت صفوفهم تمزيقًا، وأصيبوا بهزيمة ساحقة، لم يصبهم مثلها منذ موقعتي الزلاّقة وأقليش، واستولى المسلمون على محلتهم وعتادهم وسلاحهم، وكان ذلك في اليوم السابع عشر من يوليه سنة 1134 م (23 رمضان سنة 528 هـ).




ويروي مؤرخ قطلوني في وصفه للمعركة أنه حين تمت الهزيمة الساحقة على النصارى، عمد ألفونسو إلى الفرار بصحبة فارسين فقط، ولجأ إلى دير القديس "خوان دي لابنيا" في سرقسطة، وهنالك توفي غمًّا ويأسًا، لثمانية أيام فقط من الموقعة، وذلك في 25 يوليه سنة 1134 م.




وبذلك تخلص المسلمون من خصم عنيد كان لديه أمل كبير في إنهاء الوجود الإسلامي في عهد المرابطين، والاستيلاء على جميع مدن الثغر الأعلى لجزيرة الأندلس.




وقد نظم الشاعر "أبو جعفر بن وضاح المرسي" في موقعة إفراغة، ومديح ابن غانية - قصيدة يقول فيها:




شمرتَ بُرديك لما أسبل الواني

وشب منك الأعادي نار غيانِ



دلفت في غاية الخَطِّىِّ نحوهم

كالعين يهفو عليها وطف أجفان



عقرتهم بسيوف الهند مصلتةً

كأنما شربوا منها بغدوان



هون عليك سوى نفس ***تهم

من يكسر النبع لم يعجز عن البان



وقفت والجيش عقدٌ منك منتثرًا


إلا فرائد أشياخ وشبان



والخيل تنحط من وقر الرماح بها

كأن تصهالها ترجيع ألحان









رد مع اقتباس