عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 09-10-2015, 09:42 PM
الصورة الرمزية صوت الحق
صوت الحق صوت الحق غير متواجد حالياً
نجم العطاء
 
تاريخ التسجيل: Dec 2006
العمر: 68
المشاركات: 8,134
معدل تقييم المستوى: 0
صوت الحق is an unknown quantity at this point
افتراضي

مصرعلى مشارف القرن العشرين...اسرة البنا




والد البنا

ولد الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا سنة 1882 ميلادية، التى توافق سنه 1300 هجرية، وكان مولده فى قرية “,”شمشيرة“,”، التابعة لمركز “,”فوة“,”، بمديرية الغربية. قرية عادية صغيرة لا تختلف عن مئات القرى فى الدلتا، لكنها تتميز بالوقوع على ضفة النيل مباشرة، كما أن المركز الذى تتبعه: “,”فوة“,”، ذو تاريخ عريق حافل.
فى العام نفسه، كان الزعيم الوطنى أحمد عرابى قد تعرض لهزيمة قاسية، أفضت إلى الاحتلال الانجليزي لمصر، وتعرض عرابى للمحاكمة بتهمة الخيانة العظمى، و حُكم عليه بالإعدام، قبل أن يستبدل الحكم بالنفى ومصادرة الأملاك.
هزيمة عرابى كانت نتيجة منطقية لمواجهة قوى لا قبل له بها: الإمبراطورية التى لا تغيب عنها الشمس، الخديو محمد توفيق الذى أعلن عصيانه، والسلطان العثمانى الذى أفتى بتمرده، والخونة الذين باعوه بالثمن البخس.
لم تكن أسرة الشيخ أحمد البنا فى القاع، فهى تملك فدادين قليلة، يزرعها الأخ الأكبر محمد، الفلاح الماهر الذى يحسن الزراعة، ويجيد التعامل مع الأراضى البور.
لماذا تحمل الأسرة الزراعية لقب “,”البنا“,” ؟!.
هل كان الجد الأكبر يعمل بصناعة البناء؟
سؤال منطقى مبرر، لكن الإجابة الحاسمة عنه ليست متاحة، وإن كان الأبن الأصغر جمال البنا يرجح اشتغال أحد الجدود الأوائل للأسرة بصنعة البناء.
حلم غير مسار أحمد البنا!.
رأت أمه فى منامها، وهى حامل به، أنها ستلد ذكرا أسمه أحمد، وأن هذا الطفل سيحفظ القرآن الكريم.
من هنا جاء إصرارها على أن يتعلم فى كتاب القرية، بدلا من مساعدة أخيه الأكبر محمد فى أعمال الزراعة، ووافق الأب.
فى الرابعة من عمره، ذهب الطفل أحمد البنا إلى “,”سيدنا“,” فى الكتاب، وتلقى دروسه الأولى على يد الشيخ الكفيف محمد أبو رفاعى.
ما المهنة التى تناسبه بعد أن ابتعد عن عالم الزراعة، الذى يمثل النشاط الرئيسى فى القرى المصرية؟
لقد تحولت هواية أحمد البنا فى إصلاح الساعات إلى مهنة، وساعده إمام مسجد القرية، الشيخ أحمد الجارم، الذى أرشده إلى محل كبير للساعات فى الإسكندرية، يملكه الحاج محمد سلطان.
هناك، فى الإسكندرية، يستطيع أن يعمل، وأن يستكمل فى الوقت نفسه دراسته الدينية فى جامع الشيخ إبراهيم باشا، وهو مثل الأزهر فى القاهرة.
توجه احمد البنا إلى الإسكندرية، والتقى بالحاج محمد سلطان، وأبلغه تحيات الشيخ الجارم وتوصيته. بعدها اندمج أحمد فى مجالين: إتقان إصلاح الساعات، ومواصلة الدروس الدينية فى جامع إبراهيم باشا.
وهو على مشارف العشرين، عاد الشيخ أحمد إلى قريته، وسرعان ما ادى امتحان القرعة العسكرية، وتم إعفاؤه من التجنيد لأنه من حفظة القرآن الكريم.
ولأن القرى الصغيرة لا متسع فيها لمهنة مثل إصلاح الساعات، فقد اتجهت أنظار الشيخ الشاب إلى المحمودية والتى زارها مع احد أصدقائه زيارة خاطفة فاعجب بها أيما إعجاب.
المحطة التالية فى حياة الشيخ أحمد البنا هى الزواج، وهو ما تم فى الخامس والعشرين من إبريل سنه 1904.



أم السعد.. والدة حسن البنا.
عروس فى الخامسة عشر من عمرها، هى الأبنة الصغرى لتاجر مواشى القرية إبراهيم صقر.
جميلة، بيضاء البشرة، متناسبة الملامح، ذكية مدبرة واعية عنيدة، ولعل هذه الصفات جميعا قد انتقلت إلى ابنها البكر، حسن البنا.
المحمودية..
أخذت اسمها من اسم السلطان محمود، سلطان تركيا، عندما شق محمد على باشا ترعة تبدأ منها، وأطلق عليها ترعة المحمودية، وهى الترعة التى تزود الإسكندرية بالماء العذب.
لم تكن المحمودية قرية صغيرة، فهى بندر نشط ملئ بالحركة والحيوية. حيث كان للبنادر شأن وتأثير آنذاك، وكانت الحياة الاجتماعية نشيطة بفضل الطبقة الوسطى، ووقودها من صغار الملاك والتجار والموظفين.
اشترى الشيخ أحمد البنا بيتا صغيراً فى المحمودية، واشترى دكانا لإصلاح وبيع الساعات، واتسع نشاطه أيضاً ليشمل بيع أجهزة الجراموفون والأسطوانات.
الحياة الأسرية وتجارة الساعات والأسطوانات، لم تحل دون الشيخ الشاب ومواصلة القراءة والإطلاع وتحصيل العلوم الإسلامية، وهنا يبرز اسم الشيخ محمد زهران. شيخ كفيف موفور النشاط، يصدر مجلة عنوانها “,”الإسعاد“,”، يقوم بإدارتها وتحرير معظم مادتها العلمية.
علاقة الأستاذ بالتلميذ، انتهت إلى صداقة حميمة. أتت أكلها مع الطفل حسن البنا
12 أكتوبر سنه 1906م
25 شعبان 1324هـ.
ميلاد حسن البنا.. الأبن الأكبر للشيخ أحمد.
كيف كانت مصر فى ذلك الوقت؟
كان حاكم مصر الرسمى آنذاك هو الخديو عباس حلمى الثانى، و لكن القوة الحقيقية كانت بيد اللورد كرومر، ممثل دولة الاحتلال الانجليزي، والشعب غائب عن الساحة، الساحة كانت مهيأة لظهور الأحزاب بعد عام واحد من ميلاد حسن البنا.
زعيم وطنى شاب يتسم بالرومانسية، اسمه مصطفى كامل، واتجاه أخر عقلانى يرفض الانفعال العاطفى، يمثله أحمد لطفى السيد، وثمة اتجاه ثالث يدين بالولاء للجالس على العرش.
أغلبية طاغية من الفقراء، وأقلية ضئيلة فاحشة الثراء. النشاط الزراعى هو المهيمن، وكبار ملاك الأراضى هم أصحاب المصلحة الحقيقية والتحكم الاقتصادى، والمرأة محجوبة غائبة عن الحياة الاجتماعية، والتعليم متدهور، والأمية متفشية، والثقافة تنحصر فى الشعر، الذى يحمل رايته شاعر الأمير: أحمد شوقى، ويزاحمه شاعر النيل: حافظ إبراهيم.
الفن الغنائى هو الأكثر انتشارا، والمسرح الغنائى يحمله الشوام المهاجرون، ونجوم المرحلة منيرة المهدية وسلامة حجازى.
المعاناة تشتد وتزداد حدتها كل يوم، وقبل شهور قليلة من ميلاد حسن البنا كانت مأساة دنشواى، تعبيرا عن الهوان الذى يعانيه المصريون فى ظل الاحتلال والقهر.
كانت مصر تتهيأ للاستيقاظ من السبات الطويل الذى حل بها بعد صدمة الاحتلال، وكانت الجامعة الإسلامية حلما يراود الكثيرين، لكن معطيات الواقع تصدمهم فدولة الخلافة الإسلامية أضحت أشبه بالرجل المريض، الذى لا حول له ولا قوة فى مواجهة الغرب الاستعمارى، الذى ينهش فى جسد الإمبراطورية العثمانية ولا يبقى لها شيئاً.
قبل عامين من ميلاد حسن البنا، رحل الإمام المجدد الشيخ محمد عبده، الرجل الذى حاول أن يبعث الحيوية والشباب فى الأزهر، لكن جحافل التقليديين والمحافظين من الشيوخ لم تتح له فرصة النجاح، ومات الإمام وهو يردد فى أسى:
“,”ولكنه دين أردت صلاحه
أحاذر أن تقضى عليه العمائم“,”
كان الأزهر مؤسسة تقليدية محافظة، تقاوم التجديد فى شراسة، وتتحصن بالموروث والمحفوظ، وتتباعد كل يوم عن إيقاع الحياة المتجددة التى لا تعرف الركود.
هكذا كانت مصر عند ميلاد حسن البنا.
حسن البنا هو الأبن الأكبر للشيخ أحمد البنا، الذى توالى بعده قدوم الأخوة والأخوات تباعا: عبد الرحمن فى الثامن والعشرين من سبتمبر سنه 1908، وفاطمة فى الثالث من فبراير سنه 1911، ومحمد فى العاشر من فبراير سنه 1913، وعبد الباسط فى الخامس عشر من أغسطس سنه 1915، وزينب فى السادس عشر من يناير سنه 1919، وأحمد جمال الدين فى الخامس عشر من ديسمبر سنه 1920، واخيراً فوزية فى العاشر من مارس سنه 1923.
وباستثناء زينب، التى ماتت قبل أن تتم العام، ترعرع الأبناء السبعة وشقوا طريقهم فى الحياة، وتباينت أقدارهم ومصائرهم.
فى غضون ذلك، كان الشيخ أحمد البنا يواصل رحلته مع القراءة والكتابة الدينية، ويصلح الساعات، ويبيع الأسطوانات، ويعمل إماما وخطيباً لأحد مساجد المحمودية، وفضلاً عن ذلك كله عين الشيخ مأذونا للبلدة اعتبارا من عام 1913.
فى المحمودية، أقام الشيخ أحمد البنا صداقات وثيقة مع كثير من أبنائها: الشيخ أحمد الطباخ، والشيخ محمود دريدة، وعوض الباسوس، وغيرهم. ولم تقتصر صداقات الشيخ على المحمودية، فقد امتدت إلى أماكن أبعد، وصولا إلى القاهرة والإسكندرية، ولعل أشهر وأهم هؤلاء الأصدقاء هو الكاتب والمفكر الإسلامى المعروف محمد فريد وجدى.
فى القرن الثالث الهجرى، وضع الإمام أحمد بن حنبل الشيبانى مسنده، وقد طبع الكتاب فى ستة مجلدات كبيرة. الإنجاز الأهم للشيخ أحمد البنا يتمثل فى تصنيفه لكتاب “,”الفتح الربانى فى ترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيبانى“,”، وهو عمل ضخم اشتغرق من الشيخ عمرا كاملا، وينم عن البيئة الدينية التى وُلد فى أحضانها حسن البنا.
إذا كان الشيخ محمد زهران هو الأستاذ الأول لأحمد البنا، فقد كان – أيضاً – الأستاذ الأول لابنه حسن، وفى مدرسة الرشاد الدينية، تلقى حسن البنا دروسه الدينية الأولى، وحفظ القرآن الكريم، وتهيأ لمواصلة طريق التعليم.



يتبع

آخر تعديل بواسطة صوت الحق ، 09-10-2015 الساعة 09:45 PM
رد مع اقتباس