
09-10-2015, 09:50 PM
|
 |
نجم العطاء
|
|
تاريخ التسجيل: Dec 2006
العمر: 68
المشاركات: 8,134
معدل تقييم المستوى: 0
|
|
طفولة وصبا البنا
ثمة مثل شائع يقول : من شب على شئ شاب عليه، وفى طفولة حسن البنا مشاهد تستدعى التأمل، وتومئ إلى ما سيئول إليه فى شبابه ورجولته.
مثل كل الأطفال، كانت لحسن البنا ألعابه المفضلة، وقد كان مولعا بلعبة شعبية شهيرة، ينقسم فيها الأطفال اللاعبون إلى فريقين متصارعين: عسكر وحرامية، ولكن الطفل حسن البنا أثر أن يحولها إلى مؤمنون وكافرون.
وكان هو دائما ما يقود فريق المؤمنين، ممسكا بسيف خشبى، ومندمجاً إلى درجة ينسى فيها أنه يلعب، فينهال بخشبة اللعب الخشبية على أقرانه، وكأنها حرب حقيقية جادة لا هزل فيها.
قد تكون الحكاية بسيطة، لكنها تشير إلى ثلاثة ملامح مهمة، نمت مع الطفل ولازمته طوال حياته:
الملمح الأول هو الاختيار الحاسم للمعسكر الذى يراه معبرا عن الإيمان من وجهة نظره، فى مواجهة الآخرين الذين يراهم معبرين عن الكفر والشر والضلال.
الملمح الثانى هو الجدية المفرطة، فهو يندمج فى اللعب متناسيا أنه هزل وتمثيل، ومخالفا بذلك للأعراف التى تحكم عالم الصغار.
أما الملمح الثالث فهو الميل المبكر إلى القيادة، والقدرة على فرض رؤيته ورؤاه على من يلعبون معه. هو الذى يقرر نوع اللعب، وهو الذى يقود المعسكر الذى ينحاز إليه.
لقد قرر حسن البنا، فى مرحلة مبكرة من عمره، ان ينحاز إلى معسكر المؤمنين ضد الكفار، وثمة حكاية أخرى، تنتمى إلى المرحلة نفسها، تكشف عن الاتجاه المبكر للإنتقال من اللعب إلى الجد، ومن القناعات النظرية والفكرية إلى العمل والسلوك.
مما يرويه البنا فى مذكراته، ولم يكن قد تجاوز الثامنة من عمره بعد، أنه مر ذات يوم على شاطئ النيل، فلاحظ أن أحد أصحاب السفن قد علق فى ساريتها تمثالا خشبيا عاريا، يتنافى مع التقاليد والآداب، وبخاصة أن هذا الجزء من الشاطئ تتردد عليه السيدات والفتيات لجلب الماء.
هل يقنع الطفل حسن البنا بالاستنكار القلبى؟
هل يتجه إلى صاحب المركب لمناقشته ونصحه؟
هل يشكو إلى أبيه أو أحد الكبار القادرين على التصرف؟
لم يفعل البنا شيئا من هذا كله، فقد ذهب غاضباً إلى ضابط النقطة محتجا معترضاً، واستجاب الضابط له فتوجه إلى صاحب السفينة ونهره، فأنزل التمثال.
وطبقاً لرواية البنا، فقد ذهب الضابط فى صباح اليوم التالى إلى المدرسة، وأخبر الناظر بما حدث فى إعجاب وسرور، سر الناظر بدوره وأذاع الخبر على التلاميذ فى طابور الصباح!.
قد لا تخلو القصة من بعض مواطن الخلل والضعف، فكيف لطفل فى الثامنة أن ينتبه إلى ما يجسده التمثال الخشبى من تهديد للآداب، واى ضابط هذا الذى يستجيب لشكوى طفل فى الثامنة، ويتحرك معه بمثل هذه السرعة، ثم يتوجه بنفسه إلى المدرسة لإشاعة الخبر وإذاعته؟!.
المسألة ليست فى تماسك القصة ومصداقيتها، لكنها فى الدلالات المستمدة منها: الثقة المبكرة بالنفس، المبادرة السريعة إلى الحركة، الولع بالدعاية والسرور بما يترتب عليها.
هذا هو حسن البنا.
ضاق الطفل حسن بنظام التعليم فى الكتاتيب، وصارح والده بأنه لم يعد يطيق الاستمرار، ولابد له من الذهاب إلى المدرسة الإعدادية. وعارض الأب الحريص على أن يحفظ ولده كتاب الله، لكنه وافق بعد أن تعهد الأبن بان يتم حفظ القرآن الكريم.
وهكذا صار الغلام طالبا بالمدرسة الإعدادية وهى الشهادة المعادلة للابتدائية الآن، يدرس فيها نهارا، ويتعلم صناعة الساعات بعد الانصراف منها، ويذاكر دروسه من بعد صلاة العشاء إلى النوم.
كان انصراف الشيخ محمد زهران عن الاهتمام بمدرسة الرشاد الدينية، أهم الأسباب التى دفعت الطفل حسن إلى الزهد فيها، ولم يكن من عهد إليهم بالإشراف على المدرسة فى مثل علمه وأدبه، ولم يصبر البنا على صحبتهم التى لم ترق له.
من الثامنة إلى الثانية عشرة من عمره، أى بين عامى 1914 إلى 1918، ارتبط حسن البنا بالمدرسة التى اسهمت فى تشكيل شخصيته، وخلال الفترة نفسها، اشتعلت الحرب العالمية الأولى، التى تركت أعظم الأثر على خريطة العالم، وعلى مصر بالضرورة.
الحرب العالمية الاولى:
مع اشتعال الحرب، فرضت انجلترا الحماية على مصر، وحالت بين الخديو عباس حلمى الثانى والعودة، وأصبح السلطان حسين كمال بديلا له، دفع المصريون ثمنا فادحا لحرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
مشاعر المصريين مع التحالف الألمانى التركى، ومراهنتهم أن يؤدى الانتصار الألمانى إلى إزاحة الاحتلال الانجليزي، وعودة الخلافة الإسلامية إلى سابق عهدها.
أزمات اقتصادية طاحنة، وقلق اجتماعى عاصف، وركود سياسى دام طوال سنوات الحرب، ولا جديد إلا وفاة السلطان حسين وصعود الأمير أحمد فؤاد مكانه.
انتهت الحرب بما خيب الآمال المعقودة عليها: هزيمة الأتراك، وترسيخ النفوذ الإنجليزيى، ودعوة الرئيس الأمريكي ويلسون إلى مبادئ جديدة تحكم العالم، ومؤتمر للصلح أعاد ترتيب الخريطة الدولية، بمعزل عن مشاركة مصر.
بعد إعلان الهدنة، وفى الثالث عشر من نوفمبر سنه 1918، توجه سعد زغلول وعلى شعراوى وعبد العزيز فهمى، وكلهم أعضاء فى الجمعية التشريعية، لمقابلة المندوب السامى الإنجليزي، ومطالبته بالسماح لوفد مصرى بالمشاركة فى مؤتمر الصلح.
من هنا بدأ تشكيل الوفد، وجاء الاعتقال والنفى لتشتعل الثورة الشعبية فى مارس سنه 1919.
وتبدأ مرحلة جديدة فى تاريخ مصر.
عندما تحرك سعد زغلول وزميلاه لتحريك القضية المصرية، كان حسن البنا يبدأ رحلته مع التعليم الإعدادى. وإذا كان الشيخ محمد زهران هو الأستاذ المؤثر فى المرحلة السابقة، فقد التقى البنا فى مدرسته الجديدة بأستاذه الثانى، محمد أفندى عبد الخالق، وشرع معه فى تشكيل أول جماعة وهى “,”جماعة السلوك الاجتماعى“,”، التى تهدف إلى إلزام التلاميذ بالأخلاق الحميدة فى سلوكهم اليومى، والتعفف عن الشتائم ومخالفة تعاليم الدين.
سرعان ما تولى حسن البنا رئاسة الجماعة، وانطلق منها إلى تأسيس جماعة جديدة للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، هدفها فرض الالتزام بتعاليم الدين، وتوجيه خطابات تهديد إلى سكان المدينة، الذين لا يلتزمون بهذه التعاليم.
يتبع
|