
05-04-2016, 02:29 PM
|
 |
رئيس مجلس الادارة
|
|
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,986
معدل تقييم المستوى: 10
|
|
السقوط في شرك لعبة خطرة
أدى غزو العراق إلى خروج دولة عربية كبرى من موازين القوى الإقليمية، في حين تراجعت أدوار الفاعلين العرب الآخرين (مصر والسعودية بعد أن انفرط عقد تحالفهما مع سورية). كما أدى الحصار الذي تعرضت له سورية بسبب موقفها من غزو العراق، وإخراجها من لبنان إلى زيادة اعتمادها على إيران، حتى تحولت إلى شريك أصغر في علاقة ظلت تحمل في مجملها طابع الندية لنحو ربع قرن (1979 – 2005 ) أدت هذه التغييرات إلى صعود دور الفاعلين الإقليميين (تركيا – إيران)، في مقابل تراجع الأدوار العربية وانكفائها. تنامي النفوذ الإيراني في سورية بعد السيطرة على العراق كان مصدر قلق للأطراف الأخرى في المنطقة، وهما السعودية وتركيا. وقد حاولت السعودية، بعد غياب عن المشهد تلا غزو العراق ومقاطعتها لنظام الأسد بسبب اغتيال الحريري، الدخول على خط التنافس التركي - الإيراني على سورية منذ مطلع العام 2009 ، عندما أطلق الملك عبد الله بن عبد العزيز دعوة إلى المصالحة في القمة العربية الاقتصادية الأولى بالكويت في كانون الثاني / يناير 2009 و نتيجة لهذه المصالحة غدا لدى النظام السوري لاعب جديد، دخل حساباته في لعبة التوازنات الإقليمية، وأصبح يستغل التناقض التركي – الإيراني – السعودي، وتنافسهم في كسبه إلى جانب كل منهم. وقد استفاد النظام من هذا المناخ، لإطلاق ما أصبح يعرف بمشروع ربط البحار الخمس عبر سورية (بحر قزوين – البحر الأسود – الخليج العربي – البحر الأحمر- البحر المتوسط)
في العام 2010 ، بلغ التنافس على سورية داخل المثلث التركي – السعودي - الإيراني ذروته، حتى أنّ دمشق كانت العاصمة الإقليمية الوحيدة التي كان يمكن أن تستقبل زعماء الدول الثلاث في الأسبوع نفسه. وقد أدرك النظام حينها معنى قدرته على جمع هذه التناقضات وأهميته بالنسبة إلى هذه الأطراف، فجعل يستغلها إلى أبعد الحدود . لكن هذه اللعبة كان لها شروطها وسياقاتها التي ما إن تغيرت، حتى بدأت تؤدي نتائج عكسية وخطيرة.
كان النظام قادرًا على إدارة علاقاته الإقليمية بطريقة معقولة ومتوازنة، في ظل وجود قوة أميركية، كانت تفرض قواعد اللعبة من منطلق كونها قوة عظمى أولًا، وقوة شرق أوسطية مقيمة في العراق ثانيًا، وتشكل حائط صد أمام طموحات الدول الإقليمية. لم يدرك النظام أنّ الخروج الأميركي من المنطقة سوف يكون له تأثير عميق في استقراره واستمراره، فقد حرك انسحاب الأميركيين مكامن الطموح الموجودة لدى الأتراك والإيرانيين لوراثة النفوذ الأميركي في المنطقة، وملء الفراغ الناجم عن رحيله. وأصبحت سورية الواقعة على خط الاندفاع الإيراني القادم من الشرق نحو المتوسط أفقيًا (محور شرق - غرب)، وعلى خط الاعتراض التركي القادم في اتجاه شبه الجزيرة العربية عموديًا (محور شمال جنوب)، نقطة التقاء المتنافسين الإيراني والتركي لملء فراغ الانكفاء الأميركي، فتحولت ساحة صراع بينهما، بعد أن كانت بيضة القبان التي يحاول كل طرف استمالتها.
لذلك، ومع الخروج الأميركي من العراق، واستلام إيران المواقع الأميركية فيه، ثمّ انصرافها إلى محاولة ربط مناطق نفوذها في لبنان عبر سورية، كان لا بد من توقع ردة فعل إقليمي من جيران سورية الآخرين (العرب والأتراك)، إذ بدا وكأن المنطقة مقدمة على تحول إستراتيجي غير مسبوق فيما لو تُركت إيران تستأثر بالنفوذ في العراق وسورية ولبنان، لأنّ هذا سوف يفصل تركيا عن العالم العربي والأخير عن أوروبا. ومن ثمّ فإنّ ما لم تتمكن الولايات المتحدة من فعله بعد غزوها العراق، وهو تقويض أركان النظام في سورية، تكفل به انسحابها كنتيجة جانبية (Collateral Damage)
تحفز القوى الإقليمية المترقبة خروج القوة الأميركية للتنافس على وراثتها، تزامن مع اختمار عوامل التفجر داخل بنية المجتمع السوري الذي كان يمر هو الآخر بحالة من تغير موازين القوى ظلت سائدة بين النظام وقوى المجتمع لأكثر من أربعة عقود. وهكذا، فإنّ لعبة إدارة التوازنات التي استعملها النظام بمهارة للتعامل مع تداعيات سقوط العراق عام 2004 ، انهارت مع الخروج الأميركي وتفجر الوضع الداخلي، وذلك في سياق ثورات "الربيع العربي"، وانطلقت حرب وكالة إقليمية كانت أطرافها الرئيسة هي إيران وتركيا، قبل أن تنضم اليها السعودية التي قررت عدم تكرار خطأ ترك العراق يقع في يد إيران بعد أن سقط بالغزو الأميركي .
يتبع
|