موضوع يهم كل المدرسين
شباب وتعليم
44437 السنة 132-العدد 2008 اغسطس 5 4 من شعبان 1429 هـ الثلاثاء
بعد الثانوية العامة ومشكلاتها وتوابعها
نحو استراتيجية حديثة ومستقرة للتعليم في مصر
حتي تعود مؤسسة المدرسة إلي دورها الغائب ؟
بعد أن انتهت الثانوية العامة وتوابعها من مشكلات.. يظل السؤال المطروح قائما وهو إلي أين يسير التعليم في مصر في ظل غياب استراتيجية مستقرة وفي دراسة شاملة اتسعت لها صفحات كتاب بأكمله وتحت عنوان نحو استراتيجية حديثة للتعليم في مصر يطرح الدكتور زكي البحيري الأستاذ بكلية التربية بجامعة المنصورة برنامجا متكاملا هدفه إعادة مؤسسة المدرسة إلي دورها التعليمي والتربوي في الثانوي العام والفني.. والتي يري أنها تمثل واحدة من أكبر مشكلات التعليم ويطرح سؤالا هاما هو كيفية عودة مؤسسة المدرسة خاصة الثانوية منها إلي سابق عهدها بعد أن انفض الطلاب عنها وبعد أن انهارت العملية التعليمية فيها وحلت محلها مراكز التقوية والمجموعات الدراسية والدروس الخصوصية مما أدي إلي افتقاد الطلاب لمؤسسة دورها الطبيعي ليس فقط أن تعلم بل وأن تربي الأجيال الصاعدة والحق أن غياب دور المدرسة الآن يشكل خللا كبيرا وواضحا في العملية التعليمية وفي التربية والسلوك العام في المدرسة والجامعة والشارع والمواصلات والمقهي وأماكن العمل والإنتاج.. الخ.
والبرنامج المطروح كما يقول الدكتور البحيري إذا طبق بكامله ودون انقاص يحل مشكلة التعليم في مصر ويمهد الطريق ويكلل الصعوبات لعودة المدرسة الثانوية بالذات لسابق دورها التعليمي والتربوي لكي يمكنها أن تخرج لنا طلابا مؤهلين تأهيلا فعليا بالعلم النظري والتطبيقي واللغات والتكنولوجيا والكمبيوتر.. الخ وقادرين علي مواصلة الدراسة الجامعية أو الانضمام لسوق العمل وهذا البرنامج يقوم علي الأسس الآتية:
أولا: توفير ميزانية كافية للتعليم فإذا كان من المتكرر أن نقول إن ميزانية الدولة والوزارة لا تسمح بأي تغيير أو إصلاح لنظمنا التقليدية والسيئة في التعليم المصري لذلك فنحن نطرح في هذا المجال بنودا ومصادر مالية يمكنـها_ إذا نفذت_ أن تدعم ميزانية التعليم وتجعلها قادرة علي تحمل مسئوليتها في تطوير العملية التعليمية كما يحدث في بلدان العالم المتقدم والنامي ومن هذه البنود تخصيص ضريبة للتعليم مقدارها2% علي الأرباح التجارية والصناعية وفرض ضريبة مقدارها2% علي السلع الترفيهية ومنها السيارات مثلا وتخصيص2% من دخل قناة السويس وتحميل القادرين من أولياء أمور الطلاب قدر من تكاليف تعليم أبنائهم في المدارس العامة طالما سوف نقضي علي الدروس الخصوصية وتشجيع مؤسسات المجتمع المدني ورجال الأعمال للمساهمة في صندوق التعليم الحكومي ورفع الدعم عن الـ40 مصنعا الأكبر في مصر التي أشار إليها وزير الصناعة والتجارة المهندس رشيد محمد رشيد مما يوفر15 مليار جنيه مصري يتم تخصيصها للتعليم مما أوصي به وزير الصناعة نفسه.
ثانيا: وضع نظم إدارية جديدة تبدأ من الوزارة وتنتهي بالمدرسة, نظم تستفيد من أية خبرات أجنبية دون تدخل الأخيرة في تسيير نظم تعليمنا التي تخصنا نحن فقط نظم تقوم علي اللامركزية بحيث تقسم مصر كلها إلي ثمانية قطاعات تعليميــة_ كل قطاع أشبه بوزارة تعليمية متكاملة مع الخضوع للاستراتيجية العامة التي ترسمها وزارة التربية والتعليم_ لكل قطاع منها إدارته وميزانيته وحريته في اتخاذ القرارات التي تخص المدارس ومؤسسات التعليم الفرعية التابعة له وفي توفير مدارس متميزة المبني والأفنية والمعامل والمكتبات تتوافر بها كافة متطلبات المدرسة الحديثة وبحيث تسعي هذه القطاعات لخفض عدد طلاب الفصل الدراسي الواحد إلي ما بين25 و30 طالبا فقط وهذا بالطبع لا يتم بين يوم وليله ولكن يمكن إتمامه خلال ثلاث أو أربع سنوات إذا تولي مسئولية التعليم أشخاص مشغولون ومهمومون بشئون هذا الوطن وإذا ما أحسنت ورشدت عملية استخدام الميزانيات والأموال المتاحة وإذا ما أصبحت هناك رقابة فعلية.
ثالثا: عودة المدرسة للقيام بدورها بأن يصبح التعليم داخل المدرسة وليس خارجها متاحا ومجانا لمن يستحق وأن يتحمل القادرون من أولياء الأمور قدرا من المسئولية المالية لكي ندعم المؤسسات التعليمية التي تبني لنا رجال المستقبل بدلا من إضاعة الأموال المهولة في الإنفاق علي الدروس الخصوصية ونهدم بأيدينا مؤسسة المدرسة بل نهدم مصر كلها فمستقبل هذا البلد ومستقبل أبنائه مرتبط ارتباطا وثيقا بعودة المدرسة إلي دورها الطبيعي في التعليم والتربية.
رابعا: رفع راتب المعلم ويحتم البرنامج الذي نطرحه هنا ضرورة رفع راتب المعلم بمستوي عال يجعله قادرا علي تغطية حاجاته المعيشية بصـورة محترمة_ ونقترح هنا أن يبدأ راتب أي معلم من المدرسة الابتدائية وحتي المرحلة الثانوية بـ1000 جنيه مصري حسب مستوي أسعار آخر أبريل2008 عند أول تعيين وهو مبلغ قابل للزيادة بالعلاوات الدورية والاستثنائية والمكافآت وهو أيضا قابل للتغيير بتغير مستوي الأسعار ـ لأن المعلم هو الذي يربي الأجيال ويعلمها والحقيقة أن رفع راتب المعلم بشكل حقيقي يجعله متفرغا لخدمة أبنائنا ويجعله مقدرا ومحترما من الطالب والمجتمع وهذا وضعه الطبيعي والراتب الذي نطرحه يتعدي بكثير' كادر المعلم الخاص' الذي طرحته وزارة التربية والتعليم التي عملت علي تسكين آلام المعلم المادية وليس إزالة أو معالجة هذه الآلام.
خامسا: منع وتجريم الدروس الخصوصية وذلك بأن يصدر قانون تجريم لازم وحاكم يعاقب كل من يعطي دروسا أو مجموعات دراسية خارج مؤسسة المدرسة بالرفد من العمل والغرامة إذا كان من هيئة التدريس بوزارة التربية والتعلـــيم.
ويعاقب بالسجن والغرامة إذا كان من الذين يمتهنون التدريس من خارج مدرسي الوزارة حتي تعود العملية التعليمية والتربوية إلي مكانها الطبيعي كما هو الحال في كل بلدان العالم وبدون عودة دور المدرسة لا أمل في إصلاح التعليم في هذا البلد بل ولا أمل في إصلاح مصر كلها.
سادسا: وضع مناهج مدرسية عصرية متقدمة تأخذ في اعتبارها الإنجازات التكنولوجية والعلمية الحديثة تقوم علي العرض والتطبيق والمناقشة والبحث والإطلاع واستخدام النت والرحلات والزيارات الميدانية لا علي الحفظ والتلقين وطبع كتب المناهج الدراسية العامة( في اللغة العربية واللغة الإنجليزية والتاريخ والتربية الدينية) وكتب المواد التخصصية بحيث تكون ذات إخراج وغلاف وصور بيانية وورق رفيع المستوي كما هو الحال في البلدان الأجنبية حتي نجير الطلاب علي تداولها واحترامها بدلا من أن يرموا بها في منازلهم ويستعيضوا عنها بالكتب الخارجية مع ملاحظة أنه من الضروري تقليص عدد الكتب الدراسية التي يتم طباعتها, فالمواد الاختيارية ومواد المستوي الرفيع التي نقترحها في برنامجنا الموسع في كتابنا' إستراتيجية حديثة للتعليم في مصر' لا ينبغي طباعة كتب مدرسية لها_ ويتم فقط تحديد موضوعاتها الأساسية- بحيث تعتمد علي البحث والإبداع العلمي واستخدام الوسائل الحديثة في الدراسة كذلك لا ينبغي طبع كتب المهارات والمماراسات والأنشطة التي يجب أن يحدد لها النقاط والموضوعات الأساسية أيضا فقط ويقوم الطلاب مع أساتذتهم بممارستها ودراستها وذلك يفيد في جعل الطلاب يعتمدون علي أنفسهم ويدفعهم للإبداع كما أن ذلك يؤدي إلي توفير مبالغ كبيرة ـ تضيع في طباعة كتب قد لا تكــون لازمة ـ يمكن تخصيصها للإنفاق علي نواحي التعليم الأخري التي ما أحوجها إلي المال.
سابعا: توفير العدد الكافي من المدرسين وتأهيلهم التأهيل العصري المناسب بقدر يغير من شكل التعليم والتربية خاصة في العلوم الأساسية ويجعلها أكثر تناسبا مع تطورات العلم الحديثة ووضع البرامج المستمرة والمعاصرة لتدريب المعلمين علي أحدث العلوم والدراسات والثقافات وطرح التعلم والتدريس.
ثامنا: جعل مادة الكمبيوتر والتكنولوجيا أساسية لأي دراسات ومناهج جديدة وتوفير معامل كمبيوتر متقدمة يشرف عليها متخصصون بالمدارس يقضي فيها الطالب وقتا كافيا للعلم والمعرفة وحتي الرفاهية_ أيضا_ بدلا من أن يقضي وقته في مقاهي الـ' النت' في الحواري والشوارع مختلطا مع زملاء السوء.
تاسعا: جعل العام الدراسي10 شهور كاملة وجعل شرط دخول الطالب للامتحانات أن يحقق نسبة حضور لا تقل عن80% وأن يصبح اليوم الدراسي طويلا كما هو الحال في البلدان المتقدمة كاليابان وألمانيا والولايات المتحدة وغيرها يبدأ من الساعة الثامنة والنصف صباحا حتي الساعة الثالثة والنصف بعد الظهر لكي تكون هناك فرصة سانحة للتعلم والترفيه من خلال فسحة غذاء طويلة تسمح أيضا بممارسة الرياضة والفنون والنشاطات المختلفة_ وتشجيع المدارس المختلطة_ مما يخلق جو المدرسة الفعلية جو يساعد علي تكوين الطالب علميا ونفسيا وثقافيا لكي يكون قادرا علي مواجهة مشكلات المستقبل.
عاشرا: إيجاد مناهج مشتركة لكافة طلاب التعليم الثانوي علي كافة أشكاله حيث نطرح في برنامجنا ـ الصادر في كتاب استراتيجية حديثة للتعليم في مصر ـ مناهج أو مقررات مشتركة بين التعليم العام والفني من الصعوبة عرضها هنا تفصيليا وهذه المناهج تجعل كل خريجي المدارس الثانوية مؤهلين بقدر كاف ومتساو في المعارف والثقافات وفي العلوم والدراسات الفنية والأكاديمية ـ مع الحفاظ علي التخصصات العلمية ـ حتي يكون الخريج قادرا علي الالتحاق بالجامعة أو التوجه لسوق العمل بل ويمكنه الانتقال من التعليم الفني إلي العام والعكس صحيح والانتقال ما بين العمل والجامعة والعكس أيضا كما يشاء بعد حصوله علي الشهادة الثانوية ويزيل في نفس الوقت الإحساس الذي ينتاب طلاب الثانوي الفني بلا مبرر علي الاطلاق.
حادي عشر: أعمال السنة شرط أساسي لعودة المدرسة لدورها الطبيعي ونقترح في برنامجنا ضرورة وجود أعمال سنة ودرجات في جميع السنـــوات الدراسية وجميع المواد التي يتم تدريسها أو ممارستها حتي القدرات والنشاطات علي أن تكون هناك مواد مؤهلة لدخول الجامعات والمعاهد العليا وطرق جديدة للامتحانات وأساليب حديثة لتنسيق الطلاب والتحاقهم بالتعليم العالي مع وجود اختبارات قبول لهذه الجامعات والمعاهد ولن نخشي عملية الربط ما بين الدرجات والدروس إذا ما تغير المناخ التعليمي وإذا ما تحسنت حالة المعلم المادية وإذا ما صدر قانون تحريم وتجريم الدروس الخصوصية وطالما شعرنا جميعا أن عملية التربية الحديثة والمتقدمة هي طريق مصر الوحيد لأن تحسب ضمن القوي الموجودة في العالم خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار أن أحداث نقله نوعية حقيقية في التعليم سوف تنعكس آثارها علي المنطقة العربية كلها وتعمق الاتجاهات القومية والوحدوية العربية التي هي السبيل لأن تكون مصر مع الدول العربية كتلة لها مكانتها الاقتصادية والسياسية في العالم.
ثاني عشر: تغيير طرق الامتحانات بحيث تأخذ بمنجزات وأساليب التعلم والاختبار الحديثة ومنجزات بنوك الأسئلة في المركز القومي للتقويم والامتحانات وغير ذلك وبحيث تتعدد طرق التقييم ما بين الشفوي والعملي والتحريري وتتعدد أيضا الامتحانات بحيث تكون شهرية علي الأقل لتحديد مستوي الطالب خلال السنة الدراسية لأنه منطقيا لا يمكن تقييم طالب ما علي أساس امتحان واحد كذلك يجب أن يكون هناك ملف إنجاز يدلل علي مستوي الطالب وأعماله وأبحاثه ملف لا يحتوي إلا علي ما يقوم به الطالب فعليا وليس ما يقوم به والداه ومكاتب الخدمات الطلابية من صور ومجلات وخرائط وحتي موضوعات.
وبالنسبة للثانوية العامة أو الفنية يجب أخذ نسبة من مجموع الصفين الأول والثاني الثانوي وليكن15% تضاف إلي مجموع السنة الثالثة ـ والغرض من ذلك تحقيق التقويم الشامل وإرغام الطالب ليس فقط علي الانتظام والحضور وإنما أيضا علي الجد والاجتهاد عندما يعلم أن جهده في الصفين الأول والثاني سوف يصب في تحديد مستقبلة التعليمي واتجاهاته وتخصصاته ـ كذلك يجب أخذ نسبة أخري من درجات المواد في السنة الثالثة الثانوية كأعمال سنة لإرغام الطالب علي الانتظام والحضور والاجتهاد ولتكن هذه النسبة أيضا15% من درجات مواد السنة الثالثة الثانوية وبذلك يشكل الامتحان النهائي70% من المجموع الدال علي الشهادة الثانوية عامة أو فنية وبدون هذا البرنامج لا أمل في عودة المدرسة الثانوية بل نحو مزيد من الانهيار.
ثالث عشر: إعادة هيكلة كليات التربية بحيث تقتصر علي الدراسات العليا وعلي تخريج مدرسين علي مستوي عال من العلم والتدريب وطرق التدريس خلال حصولهم علي دبلومات ومؤهلات عالية.
ويختتم الدكتور زكي البحيري دراسته مؤكدا أهمية تكامل تطبيق كافة جوانب هذا البرنامج بصورة شاملة حتي تستعيد المدرسة دورها المفقود.