عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 05-07-2016, 12:54 PM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,687
معدل تقييم المستوى: 29
abomokhtar is just really nice
New

*
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبفضله تدرك الهبات، وبعفوه تقال العثرات، بارئ الكائنات، وفاطر السموات، وأشهد ألا إله إلا الله رفيع الدرجات، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أوفى الخلق في طاعة وإخبات، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه ذوي اليمن والمكرمات.
*
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر ما أجل إحسانه، الله أكبر ما أعظم سلطانه، الله أكبر ما أكثر أفضاله، الله أكبر ما أجزل نواله، الله أكبر ما أقربه ممن دعاه، الله أكبر ما أرأفه بمن رجاه، الله أكبر ما أحلمه على من عصاه، الله أكبر ما أفرحه بمن تاب إليه وأتاه، الله أكبر ما أحكم أمره، الله أكبر ما أنفذ قدَره، الله أكبر ما أبلغ حجته، الله أكبر ما أبهر حكمته، الله أكبر ما صام صائم، الله أكبر ما قام قائم، الله أكبر ما تلا تالٍ وخشع، الله أكبر ما فاضت عين بدمع، الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
*
أيها الصائمون!
هنيئاً لكم بلوغ التمام وإدراك العيد السعيد، ورزقتم قبولاً موصلاً لرضاً لا سخط بعده، وهديتم لحال رشدٍ مستقيم، فقد خلّفتم موسم خير أودعتم في خزائنه ما ترونه يوم القيامة في كتابكم مسطوراً؛ فيا حظوة من كان خلاقه من رمضان القبولَ والغفران! ويا بؤس من كان نصيبه الخيبة والحرمان!
*
أيها المؤمنون!
في العيد تتجلى معانٍ كبرى ذات أثر في تصحيح مسار الأمة وترشيد سيرها. ومن أبرز تلك المعاني التي يحملها العيد ويكررها تقوية آصرة رباط المجتمع الإسلامي، والذي تأتي آصرة الرحم في مقدَّم عِقدها. آصرة اشتق اسمها من اسم الرحمن؛ فهي رحمة لمن راعاها، ولا تنزع الرحمة إلا من شقي. وخلع المولى - جل جلاله - عليها من العهد والجزاء ما جعلها حقيقة بالرعاية والصلة. فحبل الخير موصول بوصلها مقطوع بقطعها، يقول النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله خلق الخلق، حتى إذا فرغ من خلقه، قالت الرحم: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى يا رب، قال: فهو لك " رواه البخاري. وأعظم قطعية يُمنى بها قاطع الرحم حرمان دخول الجنة كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " لا يدخل الجنة قاطع " رواه البخاري. ولا عجب في ذلك؛ إذ قطعية الرحم سبب لحلول لعنة الجبار على القاطع، يقول الله تعالى: ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ﴾ [محمد: 22، 23]. وكذلك فإن ذنب القطعية معجل في الدنيا مع بقاء عذاب الآخرة؛ لسوء أثره وقبح جرمه، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرحم " رواه ابن حبان وصححه الألباني. وهذا ما نراه واقعاً في حياة القاطعين؛ نكد، وتفرق شمل، وعقوق، وقضايا، وحنق وشتائم.
*
معشر المؤمنين!
إن الأسى ليبلغ بالفؤاد مبلغه حين ترى من يعلم هذه الزواجر وغيرها ثم يصر على غيه! ابن يهجر أباه! وأخ يهجر أخاه! وقريب يصرم حبل قريبه سنين عدداً! لأجل ماذا؟! ما السبب الحامل لتقحم دركات القطعية وتحمل تبعاتها الخطيرة في الدنيا مع ما يُنتظر من نكال الآخرة؟! لو كان سبب القطعية الدنيا بما حوت لكان القاطع مغبوناً بحلول اللعنة عليه ووعيده بحرمان الجنة! كيف إذا كان سبب القطعية نزاعاً في عقار أو لعاعة من مال أو موقفاً شخصياً أو نزقاً صبيانياً.
*
معشر الكرام!
إن لحظ النفس هوى يهوي بصاحبه إلى حضيض السفاسف وحفر المخاطر. وغالباً ما يكون ذلك حاضراً مع الأرحام. وهذا ما يوجب على الحصيف كبح جماح نفسه، وأطرها على الحق أطراً؛ فلئن تقاد للحق راغمة خير من ندامة التفريط وحسرة الفوت! وإن أنسى لا أنسى عبرة رجل اشتكى أمه المقعدة ذات التسعين عاماً في المحكمة، ولم يرعو لنصح القاضي، فجاءه في الجلسة القضائية الثانية باكياً حين ماتت أمه وهي عليه غضبى! فكن شجاعاً، وكن أنت المبادر بقطع القطيعة؛ فخيرهما الذي يبدأ بالسلام! في يوم العيد المبارك هاتف من كانت بينك وبينه قطيعة من الرحم أو راسله، وأعلن طوي صفحة الماضي، وقل: عفا الله عما سلف! وعش بطمأنينة السماحة والصفاء!
وإن الذي بيني وبين بني أبي
وبين بني عمي لمختلف جداً
فإن أكلوا لحمي وفرت لحومهم
وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا
وإن ضيعوا غيبي حفظت غيوبهم
وإن هم هووا غيي هويت لهم رشدا
ولا أحمل الحقد القديم عليهم
وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا
وإن أجمعوا صرمي معاً وقطعيتي
جمعت لهم مني مع الصلة الودا
لهم جل ما لي إن تتابع لي غنى
وإن قل مالي لم أكلفهم رفدا
*
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
*
الخطبة الثانية
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
*
أيها المؤمنون!
إن من البادي للناظر حجمَ المكر الكبّار الذي يحيكه أعداء الإسلام ضده، حين أدركوا يقيناً أنه الخطر الداهم الذي لا يمكن القضاء عليه؛ فسعوا بكل قوة في تأخير يقظة أهله بصدهم عن التمسك به. وكان من أخطر أساليبهم الخبيثة التي أفصحت عنه مراكز بحثهم ودراساتهم هذه الأيام والتي فاقت وحشية الحرب العسكرية أثراً - تشويهُ صورة الإسلام بتفريغه عن مضمونه الحق والضرب على أصوله والطعن في أئمته عبر كتابات صحفية وحوارات إعلامية ذات غطاء ديني، يستضاف فيها زائغون ذلقو الألسن، قد تكسو اللحى وجوههم، يبثون الشبه للعامة، ويقدحون في حملة العلم الراسخين، ويقدمون إسلاماً عصرياً مائعاً لا يبني أمة ولا يحفظ مهابة ولا يرد عدواً، وهل هذا دين الله المنزل؟!
*
إن واجب الجهاد بالكلمة لا يقل عن واجب جهاد السنان؛ وذاك يوجب على أهل العلم القيام بواجبهم، وبيان الحق للناس بوضوح وإقناع، ودحض الشبه المضللة. كما أن ذلك يوجب إعادةَ النظر في البرامج العلمية التي تبني الرسوخَ العلميَّ لطلاب العلم والمناعةَ الفكريةَ للمجتمع، وإعادةَ النظر في الخطاب الدعوي للارتقاء به لمواكبة ما تستدعيه ظروف المرحلة. وذاك - بإذن الله - مما يتحقق به حفظ الدين وتجدد ما اندرس من معالمه. يقول شيخ الإسلام: " ومن سنة الله: أنه إذا أراد إظهار دينه أقام من يعارضه، فيحق الحق بكلماته ويقذف بالحق على الباطل، فيدمغه؛ فإذا هو زاهق ".
*
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

د. محمد بن عبدالله بن إبراهيم السحيم
__________________
رد مع اقتباس