عرض مشاركة واحدة
  #50  
قديم 21-08-2016, 03:22 PM
Mr. Ali 1 Mr. Ali 1 غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Jun 2008
المشاركات: 15,341
معدل تقييم المستوى: 0
Mr. Ali 1 is an unknown quantity at this point
افتراضي












خالد داود






نشأ الرئيس عبد الفتاح السيسي وترقى في عهد الرئيس المخلوع مبارك الذي امتد ثلاثين عاما. فهو انضم للثانوية الحربية في منتصف السبعينات من القرن الماضي، وبدأ حياته المهنية كضابط في القوات المسلحة مع تولي الرئيس السابق لمنصبه في 1981. وعلى الرغم من ذلك، فإنه لا يبدو أن الرئيس السيسي قد تعلم من خطايا المخلوع، ويصر على القراءة من نفس الكتاب.


ثلاثة عقود والرئيس المخلوع كان يخرج كل عام ليقرأ علينا خطابات مطولة يعدد فيها إنجازاته في مجالات الطرق والكباري وبناء المساكن واستصلاح الأراضي وزيادة معدلات استهلاك الكهرباء، وفي نفس الوقت يبكت ويكاد يصيح في وجه المصريين أنهم السبب في كل المصائب بسبب الزيادة السكانية المتواصلة، والنهم في الاستهلاك. ولعل البعض يذكر نصائح المخلوع بالتقليل من عدد معالق السكر في كباية الشاي، وعدم ضرورة أكل الخيار إذا كان قد ثمنه قد ارتفع وأصبح من الصعب الحصول عليه!


الكل يعرف طبعا أنه في ما عدا المصفقاتية والمطبلاتية من المستمعين، لم يكن مواطن مصري واحد يصدق ما يقوله المخلوع، حيث أن الواقع الذي كنا نعيشه يتناقض تماما مع حجم الإنجازات التي كان يتحدث عنها. وتراجعت بشكل حاد معدلات توزيع الصحف في السنوات الأخيرة للمخلوع لأن النفاق كان قد ازداد لدرجة تصيب بالغثيان.


كما أن الاقتصاديين في عهد مبارك كانوا يتحدثون عن ضرورة أن يزداد الأغنياء غنى، وتتوسع طبقة رجال الأعمال وذلك لكي تتساقط على بقية المصريين ثمار التنمية ويتحسن مستوى معيشتهم. وعلى هذا الأساس، وقبل شهور من إجباره على التنحي، وبعد أسوأ عملية تزوير للانتخابات في عهد المخلوع، خرج علينا كتبته والمستفيدين من مشروع التوريث، ومنهم أحمد عز ورئيس مجلس إدارة أكبر الصحف القومية، لكي يثبتوا بالأرقام أن أحوال المصريين تحسنت وذلك قياسا على عدد من يستخدمون الإنترنت والهواتف المحمولة ويركبون السيارات ويشترون أجهزة التكييف.


وفي محاولة لتبرير الحجم الواسع من السلب والنهب رغم معدلات النمو الرسمية التي كانت تتحقق من دون أي ثمار تتساقط على غالبية المصريين، كان المخلوع يزعم أن المشاريع التي يقوم بها لا تهدف لخدمة من يعيشون حاليا على أرض مصر، ولكن لكي يستفيد منها "الأبناء والأحفاد".


ولذلك كانت صدمتي كبيرة عندما سمعت الرئيس السيسي في خطابه الأخير لدى افتتاح مصر للبتروكيماويات في الإسكندرية، والذي طالب فيه المصريين كالمعتاد بالصبر والتحمل، قائلا أن المشاريع الضخمة التي يقوم بها الآن، سواء تفريعة قناة السويس أو العاصمة الإدارية الجديدة ومحطة الضبعة النووية واستصلاح مليون ونصف المليون فدان، هي ليست لنا نحن التسعين مليون الذين نعيش على أرض الكنانة الآن، ولكنها من أجل "الأبناء والأحفاد".


لا أحد أعز على المرء في الدنيا من أبناءه "زينة الحياة الدنيا"، وطبعا أعز الولد ولد الولد، أي الأحفاد. ولكن إلى متى سيبقى من المطلوب لأجيال متوالية من المصريين تحمل شظف العيش وصعوبته لكي يبنوا لأولادهم وأحفادهم من دون أن يستفيدوا هم ولو بالنذر اليسير من أي إصلاح يتحقق؟ وأتمنى لو أن الرئيس يتفهم أن رد فعل قطاع واسع من المصريين على هذه المطالبة المستمرة بالتحمل والنظر للمستقبل هو "يا مين يعيش!."


ومن ناحية أخرى، ولو أريد لي أن أعمل بالفعل من أجل أولادي وأحفادي، ألا يجب أن أتمتع ولو بالحد الأدنى من الخدمات الأساسية لكي أكون قادرا على العمل والعطاء؟ لو لم تكن هناك خدمات صحية مناسبة، وطرق ممهدة ليست بالضرورة دائما جديدة وسط الصحراء، ومدارس لا تتساقط على رؤوس التلاميذ أو مكتظة حتى آخرها لدرجة لا يتلقى معها ولو طفل واحد أي نوع من التعليم، أين هو الاستثمار في المستقبل أذن؟



هل استمع الرئيس للمداخلة التي قامت بها مواطنة في البرنامج الذي يقدمه وائل الإبراشي وقالت فيها أنها كيميائية متخصصة تعمل 12 ساعة في اليوم منذ نحو عقدين، ورغم ذلك لا يتجاوز دخلها الآن 1800 جنيه، تدفع منهم 1700 جنيه تكاليف علاج والدتها المريضة وسط زيادة متواصلة في أسعار الدواء؟ كانت السيدة تبكي بحرقة وهي تنتمي بحكم الوظيفة والتعليم إلى الطبقة المتوسطة، بينما هذا هو حالها. ما الذي تملكه هذه السيدة وغيرها من ملايين المواطنين المصريين لكي يضحوا ويتجاهلوا مطالبهم العاجلة من أجل الأبناء والأحفاد؟



وسواء في حالة المخلوع، أو الخطابات التي يكررها الرئيس السيسي، أليس من المنطقي أن يتساءل المواطن عن سبب هذه التذكرة المتواصلة بحجم ما تحقق من إنجازات؟ هل حكومتنا هي الحكومة الوحيدة في العالم التي تعمل على تنفيذ مشاريع وبناء طرق وتحسين البنية التحتية والاستثمار من أجل المستقبل؟ أليس هذا هو ما يدفع من أجله المواطنين الضرائب و"ينتخبون" من أجله المسئولين؟ إذا أحسن المسئول أداء عمله، يكافأه المواطنون بإعادة انتخابه. أما إذا فشل في أداء مهامه وتراجعت احوال المعيشة "الآن"، فإنه يلفظونه ويختارون مسئولا آخر لكي يتولى إدارة شئونهم.



نحن في مصر لا نخترع العجلة يا سيادة الرئيس، وأتمنى لو يدرك سيادته ذلك. نعم سعداء لأنك تفكر وتخطط للمستقبل، ولكن هل من الممكن التوجه لحل بعض المشاكل العاجلة للمواطنين الآن، بدءا من توفير الحد الأدنى من الحياة الكريمة ومرورا بخلق الوظائف والتعامل مع الجنون المتواصل في الأسعار؟ لو لم يتم التعامل مع بعض هذه المشاكل، فلن نرى لا أولاد ولا أحفاد، بل إن الأجيال المقبلة ستكون أوضاعها أكثر سوءا، خاصة أنهم سيكونوا المسئولين عن سداد كل ما نستدينه الآن من قروض. قليل من الرأفة بالمصريين في 2016، ولا احنا مش "نور عينيك" ولا إيه يا ريس؟







رد مع اقتباس