عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 02-09-2016, 01:59 PM
الصورة الرمزية محمد محمود بدر
محمد محمود بدر محمد محمود بدر غير متواجد حالياً
نجم العطاء
 
تاريخ التسجيل: Nov 2009
المشاركات: 23,386
معدل تقييم المستوى: 39
محمد محمود بدر is just really nice
افتراضي


العلاقات العسكرية - المدنية:

الإشكاليات "السبع" التي تواجه الجيوش بعد الثورات العربية

اللواء أ. ح محمد قشقوش





شهدت المنطقة العربية -منذ بداية عام 2011- حراكا سياسيا قويا في الشارع العربي، خاصة في بعض العواصم العربية في الشمال الإفريقي، وحواف شبه الجزيرة العربية، وبلاد الشام، فيما عرف لاحقا بالربيع العربي. فقد كانت البداية (عفوية) في تونس، ثم مصر، تعبيرا عن الغضب ضد القمع البوليسي المفرط من نظام الحكم، ضد الشاب محمد البوعزيزي في تونس، والشاب خالد سعيد في مصر. ورغم أن مثل تلك الاحتجاجات كانت قد تكررت مرارا فيما قبل، وانتهت بقمع وسيطرة الأمن على الموقف، فإن هذه المرة كانت الإرادة الشعبية أكبر وأشمل، ولذلك "استجاب القدر".

ورغم أن القوات المسلحة في كل بلاد الثورات العربية قد وجدت نفسها في مواجهة الاحتجاجات، فإن جيوشها أخذت مواقف متباينة (1). فبعض تلك المؤسسات العسكرية قد أيد الثورة، وتعهد بحمايتها من اليوم الأول (مصر)، ومنها من تردد وتدخل لحماية ثورة بلاده بعد وقت قصير (تونس)، ومنها من انقسم على نفسه بين الثورة ونظام الحكم بشكل شامل -رغم وجود بعض المحايدين- (ليبيا)، ومنها من انقسم على نفسه جزئيا لاعتبارات سياسية وقبلية، كما حدث في حالة (اليمن). ومنها من عمل بكل طاقته مع النظام ضد ثورة بدأت سلمية (سوريا)، ومنها من لم تستطع مجابهة الموقف منفردة لأسباب سياسية أو عرقية، فطلبت العون الخارجي، وهو ما حدث في حالة (البحرين)، التي تدخلت فيها قوات درع الجزيرة لمجلس التعاون الخليجي. ومن هذه الدول أيضا ما تم فرض التدخل الخارجي عليها بواسطة مجلس الأمن الدولي (ليبيا)، وفي هذه الحالة تدخلت قوات حلف شمال الأطلنطي"NATO". وهناك دول استطاعت السيطرة على الاحتجاجات في بدايتها، بتحقيق بعض المطالب، من تغيير قيادات، أو دعم مالي واجتماعي، أو الشروع في أخذ خطوات إصلاحية أو تشريعية (سلطنة عمان، الكويت، السعودية، المغرب، الأردن).

تنصرف المهمة الرئيسية للقوات المسلحة أساسا إلى حماية الدولة، برا وبحرا وجوا، ضد العدائيات الخارجية، كما تسهم في حماية الشرعية الدستورية الداخلية للدولة ومكتسبات الشعب، فيما يزيد على طاقة الشرطة المدنية، في حالة عدم وجود قوات حرس وطني (National Guard) وفي إدارة الأزمات، خاصة في حالة الكوارث الطبيعية والحوادث الكبيرة. ولكن لابد أن يعرف الجميع أن طبيعة تنظيم وتسليح القوات المسلحة -والمتناسب مع مهامها القتالية الرئيسية في ميدان القتال، برا وبحرا وجوا- لا تسمح لها بأن تقوم بالأعمال والمهام الشرطية البوليسية، أو بمهام قوات فض الشغب. وإذا اضطرت لذلك، فإنه يكون لفترات محدودة. أما في حالة زيادة هذه الفترات إلى أكثر من عام -في بعض الدول- فإنه ينتج عنه إشكاليات متعددة، سواء في الشارع، أو التأثير السلبي في جبهات القتال، أو اشتراك قياداتها في إدارة سياسية، بعيدة نسبيا عن خبراتها التراكمية النوعية الأصلية، وما لذلك من آثار وإشكاليات، داخلية وإقليمية ودولية.


ولتحليل واستكمال ما سبق من تقديم، سنتناول التحديات التي واجهت القوات المسلحة في مراحل ما بعد الثورات بشيء من التفصيل في النقاط التالية: القوات المسلحة والأمن القومي، الميزانيات العسكرية في عصر التقشف، المعونات العسكرية الخارجية، الجيوش والتنمية العسكرية والسياسية، العلاقات الخارجية بعد تغير نظم الحكم، الجيوش وحكومات التيار الديني، إعادة بناء وتأهيل الجيوش بعد صدامات الشارع.

أولا- المهمة الرئيسية بين حماية الدولة وتأمين الشرعية:
في هذا الإطار، فإن تنظيم وتسليح القوات المسلحة، برا وبحرا وجوا، يتناسب مع ويرتبط بمهمة رئيسية، تتعلق بالقدرة العسكرية على حماية كيان الدولة وإمكانياتها الاقتصادية والبشرية وحدودها ضد التهديدات المعادية، البرية والجوية والبحرية، بالإضافة إلى المعاونة في تأمين الشرعية الدستورية للدولة، وأيضا المعاونة في إدارة الأزمات، ومواجهة الكوارث الطبيعية، والحوادث الكبري كمهمة ثانوية

وبالتالي، فإنه رغم وجود بعض المهام الثانوية، فإن استخدامها كقوات شرطة أو فض شغب لا يتناسب مع تنظيمها وتسليحها الثقيل. وإذا اضطرت، فيكون ذلك بقوات خفيفة ولفترة زمنية محدودة، حتى لا تتأثر جبهات القتال، وحتى لا تتأثر تلك القوات، نتيجة البقاء في الشارع لفترة طويلة، بما يمكن أن نسميه (أمراض الشوارع) مثل (أمراض الخنادق) خلال العمليات الدفاعية الثابتة والمملة لفترات طويلة، مما يؤثر بالسلب في الكفاءة القتالية.

وعلى ذلك، فإن ما حدث بواسطة الجيوش، خلال ثورات الربيع العربي، كان من المفترض أن يندرج تحت المهام الثانوية للجيوش، لكن تلك المهام الثانوية خلقت مشكلة. فتباين مواقف الجيوش بين دعم الثورات وحمايتها في بعض الدول، والقمع في دول أخري، سوف يترك آثارا سلبية في الشارع السياسي والشعبي، يتدرج من عدم الرضا، إلى الاعتراض، إلى السخط، إلى الكراهية، مما يحتاج إلى علاج، يبدأ بالاعتراف بالخطأ، وإعطاء المثل. وسيكون ذلك العلاج أسهل في (مصر وتونس) وأصعب في (اليمن واليبيا) وأشد صعوبة في (سوريا)، هذا إضافة إلى أن الثورات عموما قد طرحت التحدي الأول أمام الجيوش العربية، وهو وضعها في النظم السياسية التالية للثورات العربية، وصياغة مهامها الرئيسية بين حماية الدولة في الأساس، والمساعدة - كما تمت الإشارة- في تأمين الشرعية الدستورية.

ثانيا- إشكاليات الميزانيات العسكرية الحدية:

وفي هذا الاتجاه، ترتبط مسألة الميزانيات العسكرية بإشكاليتين رئيسيتين، هما:

1- إشكالية السرية والشفافية والرقابة: لا تقتصر هذه الإشكالية على دول الثورات العربية، أو الدول العربية ككل، ولكنها موجودة في جميع الدول بنسب متفاوتة، ومتدرجة بين (الإفشاء والإقصاء)، فالأول في النظم الديمقراطية، والآخر في النظم الشمولية الاستبدادية. لكن المطلوب هو الشفافية المقننة والمحسوبة التي لا تخل بالسرية التي تسعي أجهزة استخبارات الدول المعادية إلى معرفة تفاصيلها، خاصة نظم التسلح. كما أن الإقصاء وعدم الشفافية يحرمان الدولة من السيطرة والرقابة على إحدي مؤسساتها، والتي تمول من موازنتها، خصما من اقتصادها.ولكن رغم أهمية رقابة الدولة على مواردها وميزانياتها العامة والفرعية لمؤسساتها، فإنه يجب أن يقتصر ذلك في الميزانيات الدفاعية على دائرة صغيرة، تشمل المعنيين بالأمن القومي داخل السلطات التشريعية والرقابية للدولة من جهة، والجهات المسئولة عن السياسات الدفاعية، حسب مسمياتها المختلفة من دولة إلى أخرى مثل (مجلس الدفاع الوطني، مجلس الأمن القومي، المجلس العسكري ... إلخ) من جهة أخرى.

2- مصادر الميزانيات العسكرية: تتمثل مصادر الميزانيات العسكرية في ثلاثة مصادر هي: (أ) من ميزانية الدولة، (ب) من الأنشطة الاقتصادية للقوات المسلحة. (ج) من المعونات العسكرية الخارجية.

وتحقق المعادلة التالية مطالب الميزانية العسكرية من موازنة الدولة، بند (أ) كالآتي:

(أ) = مطالب موازنة القوات المسلحة (ب + جـ).

وفي حالة عدم وجود معونات خارجية، تكون المعادلة (أ) = مطالب موازنة القوات المسلحة (ب). لكن الأرجح أنه في ظل الأوضاع الاقتصادية التي تشهدها دول الثورات العربية، وفي ظل ما يبدو أنه احتمال لتشكل معادلات مختلفة تؤثر نسبيا في قضية المعونات العسكرية، وما قد يتم بشأن الأنشطة الاقتصادية للمؤسسات العسكرية (مما سيتم طرحه لاحقا)، فإن مسألة الميزانية العسكرية تمثل إشكالية.

ثالثا- الأنشطة الاقتصادية للجيوش داخل الدول:

تمارس الجيوش الأنشطة الاقتصادية في الدول العربية -غير الغنية- وذات القوى البشرية الكبيرة مثل (مصر، اليمن، سوريا نسبيا) حيث يتوافر شباب في سن التجنيد الإجباري، ولائق للخدمة العسكرية (فيما يعرف بالوعاء التجنيدي)، وأكثر من احتياج الجيوش لاستغلال هذا الفائض في مجالات مختلفة، كدعم الشرطة المدنية، أو تشكيل وحدات اقتصادية تحت مسميات مختلفة، مثل (كتائب التعمير، الوحدات الاقتصادية ... إلخ). وكانت بداية ممارسة الجيش المصري للأنشطة الاقتصادية خلال ثمانينيات القرن الماضي، بهدف سد احتياجات القوات المسلحة لتحقيق الاكتفاء الذاتي (اللوجيستي). ومع تطور الإنتاج، ذهب الفائض إلى السوق، مما أسهم في دعم الاقتصاد الوطني، والتخفيف من أعباء تمويل مطالب الميزانية العسكرية عن كاهل الدولة. وقد حقق أيضا شباب الفائض التجنيدي دخولا من العملات الصعبة، وذلك بالسماح لهم بالسفر إلى الخارج -خاصة إلى الدول الخليجية- على أن يسدد مبلغ معين خلال المدة الافتراضية للتجنيد، ومن خلال روافد بنك المغتربين.

وقد نجحت تلك الوحدات الاقتصادية لسببين، الأول: رخص الأيدي العاملة (فقط رواتب العسكريين)، مما خفض سعر المنتج النهائي، وبالتالي خفض سعر بعض السلع في السوق ولصالح المستهلك، والآخر: ما تتميز به تلك الوحدات، ذات الصبغة العسكرية، من تكامل منظومة الإنتاج، من تنظيم وتخطيط وتنفيذ ومتابعة، في إطار من الالتزام والانضباط. وإذا أخذنا القوات المسلحة المصرية، كمثال لما سبق، فسنجد أنها أيضا تسهم في البنى التحتية للدولة، كالطرق والكباري والاتصالات ... إلخ. كما أن مراكز التدريب المهني تمد السوق بالمهن المهمة، مثل سائقي الأتوبيسات، والنقل الثقيل، والبرادة، والحدادة .. الخ، حيث تتراجع تلك الحرف، نتيجة السفر إلى الدول البترولية. وعند العودة، غالبا ما يتم العزوف عن تلك المهن، والاستثمار في مجالات أخرى، بما يعود بالسلب على قطاعات مهمة في الدولة، خاصة قطاع الزراعة.

ولتجاوز تلك الإشكاليات التي تتسبب في خلل لبعض قطاعات الدولة، يجب اتباع الآتي،

أولا: الرقابة على تلك الأنشطة، ومشاركة العاملين بها في الأرباح. لكن هناك حلولا متصورة أيضا، الأول: يجب تحقيق الرقابة كجزء من سيادة الدولة على تلك الأنشطة، فإما أن تذهب فوائضها إلى الدولة، ثم تعود للإسهام في ميزانيات القوات المسلحة، وإما أن تترك للقوات المسلحة، خصما من مطالب موازنتها.

ثانيا: تخصيص نسبة من الأرباح للعاملين والقائمين على تلك الأنشطة، أسوة بالقطاعات الاقتصادية في الدولة، وتشجيعا لهم، ليكونوا بعد خدمتهم العسكرية نواة جيدة لإنشاء مشروعات صغيرة، ومتدرجة، تسهم في خطط التنمية.



لمتابعة القراءة
رد مع اقتباس