عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 02-09-2016, 07:59 PM
الصورة الرمزية محمد محمود بدر
محمد محمود بدر محمد محمود بدر غير متواجد حالياً
نجم العطاء
 
تاريخ التسجيل: Nov 2009
المشاركات: 23,386
معدل تقييم المستوى: 39
محمد محمود بدر is just really nice
افتراضي

إدارة الجيش لبعض القطاعات المدنية لماذا.. وهل هى ظاهرة مصرية؟

10/01/2016

السفير د. عزمي خليفة

مستشار أكاديمي لشئون العلاقات الاقليمية





أثارت حركة التعيينات الأخيرة للمحافظين لغطا فى المجتمع المصرى إثر تولى عدد جديد من العسكريين منصب المحافظ، خاصة أنه قد تداولت معلومات عن اعتذار عدد من المدنيين لهذه المناصب فهل فكرة تولى بعض العسكريين لقطاعات مدنية هى فكرة حديثة مرتبطة بثورة ٢٥ يناير؟ أم أنها فكرة لها جذورها فى المجتمع المصرى الحديث وتحديدا منذ قيام ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢؟




بداية يمكن القول بأن هذه القضية مثارة فى العالم أجمع وليس فى مصر فقط وهو ما سبق وتعارف علية "العلاقات المدنية العسكرية" وهى مسالة تدرس فى علم الاجتماع السياسى وفى نظم الحكم تحديدا وقد سبق للكاتب أن أعد رسالة دكتوراه فى العلوم السياسية عن العلاقات المدنية العسكرية وتأثيرها على اتخاذ القرار السياسى فى الاتحاد السوفيتى وتبعه فى ذلك عدد من الباحثين فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية.

كذلك فإن مسألة العلاقات المدنية العسكرية كذلك لا ينبغى أن ننسى خطاب الوداع للرئيس الأمريكى الأسبق أيزنهاور - وكان جنرالا بالجيش قبيل توليه الرئاسة - حينما حذّر من مخاطر قيام ما أسماه بـ "المجمع العسكرى الصناعي" على مستقبل الولايات المتحدة، وهذا المجمع يمثل بعدا من أبعاد العلاقات المدنية العسكرية وقد تطور الآن إلى مجمع ثلاثى بإضافة الأكاديميين الى العسكريين ورجال الصناعة وهى مسألة بدأت بوضوح فى الولايات المتحدة الأمريكية مؤخراً وظهرت فى المجتمع الأمريكى بعض مخاطر هذا التحالف.

كذلك فإن دور القوات المسلحة فى التنمية نال قدرا هائلا من الاهتمام فى الدراسات السياسية فى عقدة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضى إثر حدوث سلسلة من الانقلابات العسكرية فى الدول النامية وتحديدا فى إفريقيا وأمريكا، وقد أكدت هذه الدراسات على أن هذا الدور نتاج الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التى تمر بها الدولة التى تعرضت لعملية الانقلاب، ومن ثم فهذا الدور يتراوح بين أربعة ادوار وفقا لهذه الظروف على النحو التالى :-

الدور الأول تحديثى وكان يسود الدول الإفريقية بعد جيل اباء الاستقلال مثل الانقلابات التى تعرض لها مليون اوبوتى فى أوغندا والانقلاب الذى تعرض له أحمد نكروما فى غانا والانقلابات التى سادت غرب إفريقيا، وتفسير ذلك أن هذه الانقلابات جاءت بعد تولى جيل اباء الاستقلال السلطة لفترة زمنية ممتدة بدأت خلالها قوة الدفع التى اكتسبها اقتصاد الدولة فى التباطؤ فتولى الجيش السلطة ليعيد للاقتصاد حيويته وقوته.

الدور الثانى هو الانقلابات التى كانت تستهدف دول أمريكا اللاتينية وكانت تستهدف مقاومة التغيير بقدر ما كانت تستهدف الإبقاء على الأوضاع الراهنة فى البلاد ذلك أن القوات المسلحة اللاتينية فى ذلك الوقت كانت مصالحها قد ارتبطت ارتباطا قويا بمصالح الديكتاتوريات من مهادنة لبارونات المخدرات ومن فساد ومن ارتباط قوى بالمصالح الإقليمية للولايات المتحدة الأمريكية.

أما الدور الثالث السياسى للقوات المسلحة فقد كان ممثلا فى آسيا، إنه دور تحريرى لأن الجبهة القومية التى استطاعت إنجاز الاستقلال فى نهاية الأربعينيات تحولت بعد ذلك إلى جيش، وتولى كبار قادتها المناصب السياسية مع تطعيم القطاع المدنى ببعض الشخصيات ذات التعليم المدنى من هذه الجبهات لإحكام سيطرتها على اقتصاديات البلاد وضمان إخضاعه للتوجهات الجديدة للدولة.

أما الدور الرابع والأخير فقد انفردت به منطقة الشرق الأوسط التى يعد تدخل الجيش فى الحياة السياسية فيها تقليدا تاريخيا مقبولا بوصف القطاع العسكرى أكثر قطاعات الدولة تحديثا، كما أنه امتداد لمفهوم أن الجيش هو جيش محترف لا يقوم على المرتزقة، وإنما على أبناء الدولة الحديثة فى هذه المنطقة من العالم.

والجدير بالذكر أن هذا التقسيم لأدوار الجيوش فى العالم قد طرأ عليه تحولات أدت إلى تبادل الأدوار بين المنطقة الإفريقية والمنطقة اللاتينية، فأضحت الجيوش الإفريقية محافظة ومعوقة للتنمية الاقتصادية لافتقاد الخبرات العلمية والجمود الفكرى الذى ساد المؤسسة العسكرية الإفريقية اكتفاء بما يمكن تحقيقه من مكاسب نتيجة السيطرة على مقاليد البلاد لفترة طويلة نسبيا ودون مساءلة بينما أضحت جيوش أمريكا اللاتينية تحديثية نظرا لصحوة الدول واعتبارها تجارة المخدرات مهددا للأمن القومى ولابتعادها عن السياسة الامريكية بعض الشىء

ومن ثم فالظاهرة - أى تداخل العامل العسكرى فى القطاع المدنى - لا تمس مصر وحدها فقط عن مختلف دول العالم، كما أنها ليست ظاهرة حديثة فكيف يمكن تقييم التجربة المصرية فى هذا الإطار؟

فهم دور العسكريين فى مصر يتطلب الرجوع إلى بدايات تكوين الجيش المصرى فى مصر الحديثة أى فى عهد محمد علي، وتحديدا منذ مطلع عشرينيات القرن التاسع عشر، فقد أنشأ محمد على الجيش مانحا لقياداته المصرية امتيازات عديدة فكان أساسا لبناء طبقة وسطى متماسكة إلى جانب عمال وموظفين وإدارة الصناعات التى ارتبطت بالجيش مثل صناعة الذخيرة والمدفعية وإصلاح وبناء السفن، وحتى يضمن محمد على ولاء المصريين منح قيادات الجيش من المصريين مساحات من الأراضى الزراعية فظهرت الصورة الأولى فى مصر من تداخل العوامل العسكرية فى الحياة المدنية فى هذا الوقت المبكر وارتبط الجيش بالشعب نتيجة لذلك ونتيجة تشكيل الجيش من المصريين رغم سيطرة الأتراك عليه بوصفهم ما كانوا يمثلونه من رتب عليا فى الجيش.

إلا أنه بمرور وقيام الثورة العربية ظهر أن جيش الشعب المصرى لم يكن منفصلا عن بدايات وطلائع الحركة الوطنية المصرية فى ذلك الوقت المبكر، ويتضح ذلك من مطالب عرابى من الخديو والتى شملت إنشاء برلمان تمثيلى يناقش الميزانية ويراقب الحكومة وفتح باب الترقى للرتب العليا أمام المصريين وعدم امتهان كرامة المصريين، وهى مطالب تعكس الوعى المصري، وتعكس بدايات الحركة الوطنية فى عصر محمد على إلى جانب بعض المطالب الفئوية الضرورية مثل رفع المرتبات واستخدام المواصلات بنصف الأجر كما يتندر بعض الصائدين فى المياه العكرة.


يتبع

رد مع اقتباس