تابع
لكن مبارك لم يلبث أن عزل أبو غزالة في عام 1989 من منصب وزير الدفاع لحرص مبارك على إبعاد كل منافسيه عن السلطة، وكان (أبو غزالة) يعتبر الرجل الأقوى بعد الرئيس، وخصوصا بعد تزايد شعبيته من جهة ولانتشار رائحة الفساد في إمبراطورية الجيش الاقتصادية التي يشرف عليها من جهة أخرى. وقد جلب أبو غزالة، كما يورد التقرير، الثروة للجيش، وكان العديد من كبار العسكريين، في وقته، شركاء صامتين في المنتجعات السياحية ومرافق الترفيه المربحة.
وبرى الكاتب أن وزير الدفاع الجديد، يوسف صبري أبو طالب، كان مختلفاً عن أبو غزالة، حيث سعى لإبعاد الجيش عن أي مشروعات اقتصادية غير مرتبطة بالدفاع وتنافس القطاع الخاص، وأعلن أبو طالب أنه سيتخذ موقفا حازما ضد الفساد يحارب الفساد في المؤسسة العسكرية، لكن هذا لم يحدث، حيث أُقيل في مايو 1991 وعُين محمد حسين طنطاوي بدلاً منه.
وخلال عقدين من الزمن، مكن طنطاوي من إفشال جميع المحاولات الرامية إلى حل الإمبراطورية التجارية للجيش، بل على العكس من ذلك فقد قام الجيش في العشر سنوات الأخيرة بالسيطرة على خصخصت العديد من الشركات الحكومية أو تعاون مع مالكيها الجدد.
شركة الأهرام للمشروبات (abc)، على سبيل المثال، وهي إحدى الشركات الاحتكارية تم خصخصتها عام 1997 واستولت عليها مجموعة "هاينكن" الهولندية في العام 2002، وبعد ذلك بعام واحد حصلت الشركة على حق توزيع مياه "صافي" المعدنية التي ينتجها الجيش من واحة سيوة (جنوب غرب القاهرة)، ووراء ذلك مغزى كبير يشرحه المدير السابق لشركة الأهرام للمشروبات السابق أحمد الزيات، حيث يقول: "عندما نقوم بتوزيع منتجاتنا (بيرة وخمور) مع منتجات ينتجها الجيش كمياه "صافي" المعدنية، تتضاعف حماية الشرطة المحلية لشاحناتنا، كما إن الشرطة ستفكر مرتين قبل أن تضايقنا".
مثال آخر هو الشركة العربية الأمريكية للسيارات، والتي يديرها الجيش بالتعاون مع شركة كرايسلر الأمريكية لصناعة السيارات، فهذه الشركة لا تنتج المعدات والمركبات العسكرية، وفقط، ولكن تنتج أيضاً سيارات الجيب شيروكي ورانجلر للسوق المدنية.
والأمثلة عديدة، لكن أغلب البيانات عن إمبراطورية الجيش العسكرية لا تزال سرية، لكنها ليست سرية على الإتحاد الفيدرالي العلمي الأمريكي، والذي أفاد بأن مصنع 54 الحربي على سبيل المثال، ويتم التمويه عن اسمه باستخدام اسم بديل هو "شركة المعادي للصناعات الهندسية"، كما هو معروف، لم يعد ينتج بنادق قتالية أو مدافع رشاشة، بل بات ينتج سكاكين مطبخ وشوك ومشارط ومقصات.
مصنع آخر هو مصنع 63 الحربي أو حلوان للصناعات غير الحديدية، ما عاد لديه أي طلبات شراء خراطيش أسلحة، فاتجه إلى صناعة الكابلات وحنفيات بلاستيكية لري الحدائق وأكواب الشاي البلاستيكية.
أما مصنع رقم 100 أو "أبو زعبل"، فما عاد ينتج الديناميت وقذائف الدبابات فقط، بل أصبح ينتج أيضا الأسمدة ومستحضرات التجميل، بينما لم يكتف مصنع رقم 360 أو شركة حلوان للأجهزة المعدنية بصناعة أغطية الألغام، بل بدأ في تصنيع الثلاجات والمكيفات أيضا.
وتشير بعض الأرقام إلى أن مصانع الجيش توظف 40 ألف مدنيا، إلا أن الرقم الحقيقي، كما يقول التقرير، أعلى من ذلك بكثير. ووفقا لتقديرات الخبراء الاقتصاديين، فإن "ما يقرب من 100 ألف مجند يعملون في شركات الجيش"، إلى جانب الامتيازات التي لا تنافس للمنتفعين العسكريين كالإعفاء من دفع الضرائب والتراخيص والرسوم ومنع المساءلة العامة .
ويقدر الخبير الاقتصادي بول سوليفان، باحث لفترة طويلة في القاهرة، ويعمل حاليا في جامعة الدفاع الوطني في واشنطن، نسبة الاقتصاد العسكري من الناتج المحلي الإجمالي بين 5 و15 في المائة، أي حوالي 138 مليار يورو، ويعترف "سوليفان" أن لا أحد لديه بيانات موثوقة، لأن الأرقام الحقيقية تفوق ما هو متداول.