والآن فليبدأ المرح !!
مـــن أيـــن أتـــى حِـــسـُّــنــَـا الـــدارج الــعــام الــمــألــوف ؟
نحن نعلم الآن حقيقة أن تكون حركتك بالنسبة لي أو بالنسبة لأي مراقب أخر في حالة حركة منتظمة لا تمثل أي فارق على الإطلاق. لماذا ؟ لأننا إتفقنا على أن قوانين الفيزياء هي نفسها لا تتغير في جميع الأطر المرجعية المتحركة بسرعة منتظمة. وأن أحد التبعيات لقوانين الفيزياء هذه تحتم وجود موجات كهرومغناطيسية ووجود هذه الموجات يحتم تحركها بسرعة الضوء "c". وما الضوء إلا موجة كهرومغناطيسية ، وبالتالي ، كلنا يجب أن نحصل على نفس قيمة سرعة الضوء.
ولكن كيف يعقل هذا ؟ كيف يعقل أنك حتى لو تحركت بالنسبة لي بنصف سرعة الضوء ، وقمنا سوياً بقياس سرعة شعاع الضوء الأتي إلينا من مصدر ما ، سوف نحصل سوياً على نفس الإجابة بنفس القيمة لسرعة الضوء على الرغم من كونك تمر بجانبي بسرعة كبيرة جداً مثل هذه ؟
هذا ينافي كل شئ نعرفه من حسنا الدارج العام المألوف لدينا. كيف يعقل هذا ؟
في الحقيقة ، الأمر يبدو سخيفاً جداً ومنافياً للعقل ، لسبب واحد فقط ، لأنه ينافي حسنا الدارج العام !!
لقد قضينا وأمضينا أوقاتنا كلها في الأساس ونحن نزحف حولنا بسرعات نسبية بطيئة جداً. إن أسرع سرعة إختبرتها أنت ونحن ومعظم الناس هي ٩٠٠ كيلومتراً في الساعة في طائرة الركاب النَفَّاثَة. من الممكن أن يكون القليل منكم جداً تعدى سرعة الصوت ووصل إلى ٢١٨٠ كيلومتراً في الساعة في طائرة الركاب الفرنسية - البريطانية المسماة الكونكورد ، أو وصل إلى سرعة ٣٠٠٠ كيلومتراً في الساعة في طائرة حربية مقاتلة مثل طائرات إف ١٥ المعدلة أو ميج ٣١. إن أسرع وأكبر سرعة إختبرها الإنسان بالنسبة للأرض هي ٣٩,٦٠٠ كيلومتر في الساعة في مركبة الفضاء أبوللو ١٠ خلال عودتها إلى الأرض في مايو عام ١٩٦٩م.
إذاً نحن فعلاً تقريباً لا توجد لدينا أي خبرة على الإطلاق بالتحرك بسرعات عالية جداً بالنسبة لأي شئ قد يبدو مهماً في حياتنا اليومية. نحن نملك خبرة أقليمية محدودة ضيقة الأفق جداً في مجال النشاطات المُحتملة المنتشرة في هذا الكون ، بما فيها الحركة بسرعات عالية جداً بالنسبة للأشياء المهمة لك ولحياتك اليومية.
والآن وقبل أن نسترسل ، يجب وضع ملاحظة بين قوسين. أنت في الحقيقة تتحرك بسرعة قريبة من سرعة الضوء بالنسبة لأشياء كثيرة. ولكنها مجرد أشياء ليست بالضرورة مهمة ولا تلعب دوراً في حياتك.
على سبيل المثال ، هناك بعض المجرات البعيدة جداً والتي تبتعد عنَّا بسرعة كبيرة جداً تصل أحياناً إلى٨٠٪ من سرعة الضوء بسبب تمدد الكون وتوسعه. بالنسبة لهذه المجرات ، أنت أيضاً تتحرك مبتعداً عنها بسرعة ٨٠٪ من سرعة الضوء. هذه المجرات لا تلعب دوراً كبيراً في حياتك. أنت بالكاد تعلم بوجودهم. ولكن إذا كنت فلكياً متخصصاً من الذين يدرسون هذه المجرات بالتفصيل ، سيتوجب عليك الأخذ في الإعتبار النظرية النسبية الخاصة وستكون النسبية أكثر بداهة بالنسبة إليك.
هناك مثال آخر ، أنت تتحرك تقريباً بسرعة الضوء بالنسبة للأشعة الكونية والتي تأتي بإتجاه الأرض بسرعات تصل إلى ٩٩,٩٩٩٪ من سرعة الضوء قادمة من أنحاء الكون. بالنسبة لهذه الأشعة الكونية أنت تتحرك باتجاهها بسرعة ٩٩,٩٩٩٪ من سرعة الضوء هذه الأشعة الكونية لا تلعب دوراً كبيراً في حياتك. أنت بالكاد تعلم بوجودهم. ولكن إذا كنت فيزيائياً متخصصاً من الذين يدرسون هذه الأشعة بالتفصيل ، سيتوجب عليك الأخذ في الإعتبار النظرية النسبية الخاصة وستكون النسبية أكثر بداهة بالنسبة إليك.
هناك مثال أخير ، عندما تكون جالساً وتشاهد التلفزيون ، فإن الإلكترونات التي ترسم الصورة على شاشة التلفزيون ، تأتي إليك من خلف أنبوب التلفزيون باتجاهك بسرعة ٣٠٪ من سرعة الضوء. بالنسبة لهذه الإلكترونات أنت تتحرك باتجاهها بسرعة ٣٠٪ من سرعة الضوء. هذه ليست سرعة كبيرة جداً بالنسبة للضوء ، ولكنها سرعة كبيرة جداً ومؤثرة بالنسبة إلينا. إنها لا تؤثر عليك أو تخطر على بالك لأنك لا تفكر في هذه الإلكترونات أثناء مشاهدتك للتلفزيون ، أو لا تعلم حتى بوجودها. ولكن بالنسبة للمهندس الذي صمم التلفزيون وصمم أنبوب صورة التلفزيون ، بالتأكيد سيتوجب عليه الأخذ في الإعتبار النظرية النسبية الخاصة وإلا ستكون صورة التلفزيون غير واضحة ومهتزة.
بالنسبة لهذا المهندس ستكون النسبية أكثر بداهة بالنسبة إليه.
إذاً هناك أشخاص في هذا العالم بالنسبة إليهم تعتبر الحركة بسرعة تقارب سرعة الضوء هامة جداً. فكما قلنا من قبل ، عالم الفلك أو الفيزياء الفلكية الذي يدرس هذه المجرات البعيدة جداً عنَّا بالتأكيد سيتوجب عليه الأخذ في الإعتبار النظرية النسبية الخاصة ، وستكون النسبية أكثر بداهة بالنسبة إليه. المهندس الذي صمم التلفزيون وصمم أنبوب صورة التلفزيون بالتأكيد سيتوجب عليه الأخذ في الإعتبار النظرية النسبية الخاصة ، وستكون النسبية أكثر بداهة بالنسبة إليه. عالم الفيزياء المتخصص في دراسة الأشعة الكونية بالتأكيد سيتوجب عليه الأخذ في الإعتبار النظرية النسبية الخاصة ، وستكون النسبية أكثر بداهة بالنسبة إليه.
والآن يجب أن نسأل السؤال ، من أين أتى حِسُّنَا الدارج العام المألوف لدينا ؟
ومن أين أتى حِسُّنَا بالفضاء ؟
ومن أين أتى حِسُّنَا بالزمن ؟
فكر الآن كيف تطورت لدينا مفاهيم الفضاء والزمن. في البداية عندما كنت طفلاً صغيراً تحبو على الأرض في أنحاء الغرفة ، لقد بدأت تتعلم وتطور حس ماذا يعني الفضاء الذي حولك ، ماذا يعني أن تصل من مكان إلى مكان آخر.
بعد ذلك عندما كنت طفلاً كبيراً وكنت تجلس في السيارة في رحلة طويلة مع عائلتك ، ومرت ساعات وبدأت تسأل والدك : هل وصلنا بعد ؟ بابا متى نصل ؟ كم من الوقت متبقي ؟ لقد بدأت تتعلم وتطور حس ماذا يعني الزمن. وهذا الحس الخاص بالفضاء والزمن الذي بدأت تحس به وتطوره كان أتياً من هذه الخبرة الإقليمية المحدودة جداً ضيقة الأفق جداً الأتية من الزحف ببطء شديد جداً على هذه الأرض ، كما ذكرنا من قبل. ونحن نذكر كلمة الزحف هنا لكي نعني أننا نتحرك ببطء شديد جداً بالنسبة لسرعة الضوء. حتى ٢٠٠٠ و ٣٠٠٠ و ٣٩,٦٠٠ كيلومتر في الساعة ، يعتبر أبطأ بكثير ، بكثير ، بكثير من سرعة الضوء.
نحن نزحف هنا على الأرض ، وهذه هي خبرتنا المحدودة.
نحن نؤكد لك أننا لو نشأنا ، ونحن في إستطاعتنا أن نتحرك بسرعة ٩٠٪ من سرعة الضوء ، فإن النسبية كانت ستكون بديهية بالنسبة لنا. ولما كنّا نحتاج إلى قراءة كل هذه المقالات التي كتبناها عن النسبية الخاصة. ولن يكون هناك أي إحتياج لأي شخص للذهاب للجامعة لتعلم النظرية النسبية أبداً. وكانت ستصبح شيئاً حدسياً بالنسبة لنا. وكانت ستصبح هي الحس الدارج العام المألوف لدينا. لو كنّا مخلوقات فضائية تعيش في الفضاء وتتحرك بين النجوم بسرعة تقارب سرعة الضوء طوال الوقت في كل لحظة ، إذاً مرةً أخرى ، كانت النسبية ستصبح شيئاً حدسياً بالنسبة لنا. وكانت ستصبح هي الحس الدارج العام المألوف لدينا. السبب الوحيد في أن النسبية لا تعتبر هي الحس الدارج العام لنا ولا تعتبر بديهية لنا هو أنها ليست في تجاربنا وخبراتنا اليومية.
ولكي نستطيع تقدير النسبية حق تقديرها ، ولكي نستطيع تقدير مدى غناء الكون الذي يكون فيه مبدأ النسبية يعمل وفعال ، سيكون علينا الطلب منك أن توقف العمل بالحس الدارج العام. أنه شئ يصعب جداً فعله. ولذلك فإننا لن نطلب منك التخلي عن هذا الحس الدارج العام كليةً ، على الرغم من أننا سنطلب منك توسيعه وزيادة مداركه وتقبل المزيد من الإحتمالات.
هـــل حِـــسـُّــنــَـا الـــدارج الــعــام المــألـــوف خــطــأ ؟
كـــلا لـــيـــس خــطــأً ، ولــكــن ....
يتبع