المقال الاول
كيف سيهبط الدولار إلى 10 جنيهات:
عن بطولتي عامر الأولى والأخيرة
محمد سلطان
٨ نوفمبر ٢٠١٦
لأبطال أفلام الأكشن – هؤلاء الذين يملكون قدرات قتالية استثنائية – طلة متشابهة أو سلوك موحد في اللحظات التي تسبق دخولهم أول معركة في الفيلم.
قبل أن يحرر هذا البطل قدراته القتالية الاستثنائية التي تعلم أنه يمتلكها، قبل أن يحرر هذه القدرات لأول مرة أمام عينيك في معركة جدية، جرت العادة أن يبدو هادئًا، الأقل صخبًا والأقل اندفاعًا نحو المعركة، وذلك إلى أن تبدأ المعركة، ويتغير هذا كله.
المشهد الأكثر تقليدية لراعي البقر – ممن يمتلكون سرعة استثنائية في إطلاق النار – عندما يدخل حانة في بلدة غريبة لمواجهة «أعداء» لا يعرفهم، ولا يعرف إلا أنهم موجودون في هذه الحانة، يمشي بثقة عابرًا من مؤخرة الحانة وصولًا إلى البار في مقدمتها، أثناء عبوره يغمره رواد الحانة المحليون بنظرات متفحصة وعدائية، يقابل هذه النظرات العدائية بنظرات ثابتة، هادئة وغير مبالية. هدوءه مستفز أو مغر للأشرار المندفعين، تتحول النظرات العدائية تجاهه إلى كلمات عدائية ثم أفعال عدائية، ورغم هذا الصخب والأجواء المشحونة من حوله، يبدو هادئًا وقادرًا على تجاوز هذه الاستفزازات.
يبدو الأقل صخبًا واندفاعًا في المشهد إلى أن تتصاعد الاستفزازات والصخب للحد الذي لا يمكن تجاوزه فتبدأ «بوم بوم بوم طاخ»، ويقضي على أكبر عدد من الصاخبين بسرعة خاطفة.
هذه الطلة المعتادة لأصحاب القدرات الاستثنائية لا تشبه أبدًا الطلة التي دخل بها طارق عامر علينا كمحافظ جديد للبنك المركزي.
رغم أن وسائل الإعلام قدمته باعتباره البطل ذا القدرات الاستثنائية الذي جاء ليسحق السوق السوداء ويستعيد مجد الجنيه / الدولار، رغم كل هذه الأجواء البطولية، لم يحاكِ عامر هذه الطلة للأبطال الخارقين عندما طل علينا لأول مرة. وإنما طل بأكثر الطرق صخبًا، كأن راعي البقر في المشهد السابق دخل الحانة صاعقًا بابها بقدمه بطريقة مدوية، ومطلقًا الأعيرة النارية يمينًا ويسارًا، صارخًا في وجهنا جميعا «لقد جئت».. ثم ، وبعد طلته الصاخبة هذه، حدث ما تعرفه أنت جيدًا، واصل الجنيه انهياره بقوة أعنف مما كان قبل مجيئه.
أفترض أن قرار تعويم الجنيه هو طلة أخرى صاخبة لعامر، وعلى الأرجح هي طلته الأخيرة كمحافظ للبنك المركزي.
لا أستدعي هنا الطلة الأولى الهزلية لعامر لأغراض الشماتة أو لإظهار أن التعويم الحالي قد يكون إحدى طلاته الصاخبة التي لا تفضي إلى شيء غير هزيمة مضحكة، وهي على الأرجح – وللأسف – ستكون كذلك. وإنما أستدعي الظهور الأول لعامر لهدف آخر. فما بين طلتي عامر الصاخبتين كثير من المعاني والمفارقات التي قد تجيب عن أسئلة مثل «لماذا يستطيع المضاربون هزيمة المركزي المصري دائمًا؟» و«هل تستطيع السوق الحرة أو التعويم هزيمة المضاربين؟» و«هل من طريق للرجوع؟» ولكن قبل الدخول في تفاصيل الطلتين يجب التنويه أن ما أقصده عندما أقول «عامر» هو السياسات التي يمثلها، السياسات التي بدأت قبل مجيئه مشعلة فتيل الأزمة الحالية في 2012، والتي قد تستمر بعد رحيله، السياسات التي طبقها محمود أبو العينين في 2001 و2003، وفشلت في احتواء نقص الدولار في البنوك وانهيار قيمة الجنيه في السوق الموازية، هذه السياسات لم يبتدعها عامر ولم يكن أول من طبقها في مصر، وأعتقد أنه حتى لم يختر تبنيها حاليًا، وإنما هو فقط ينفذها ويدافع عنها إعلاميًا كلما اتضح فشلها للرأي العام.
الطلة الأولى
يتبع