عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 09-12-2016, 02:30 PM
الصورة الرمزية محمد محمود بدر
محمد محمود بدر محمد محمود بدر غير متواجد حالياً
نجم العطاء
 
تاريخ التسجيل: Nov 2009
المشاركات: 23,386
معدل تقييم المستوى: 39
محمد محمود بدر is just really nice
افتراضي



تابع

كيف يهزم المضاربون البنك المركزي المصري؟




المضاربون من أكثر الفاعلين الاقتصاديين امتلاكًا للأسماء والأوصاف.
تحب السلطات السياسية مثلًا أن تنعتهم بأسماء وأوصاف عدائية ترتبط بالجشع وعدم الوطنية، والغباء أحيانًا.

ورغم العدد الهائل من التوصيفات والأسماء التي يكتسبها المضاربون في معاركهم مع السلطات السياسية والإدارات الاقتصادية، إلا أن جزءًا كبيرًا من هويتهم يبقى غير معروف في هذه المعارك.

متى ينشط المضاربون؟
لماذا ينشطون؟
لماذا يظهرون في أوقات بعينها ويختفون في أوقات أخرى؟
كيف تمكن هزيمتهم؟
هل يمكن حذفهم من الأسواق بإجراءات أمنية أو تشريعية مثل إغلاق مكاتب الصرافة؟
أم أن السوق الحرة هي الوحيدة القادرة على هزيمتهم؟
يبقى سؤال «من هم المضاربون» معلقًا برغم كل التوصيفات السياسية لهم.

في الأدبيات المالية هناك تسمية أقل عدائية للمضاربين– الذين تقصدهم السلطات كسبب لأزماتها – تسمية أكثر إيضاحًا لطبيعتهم، وتحديدًا لسلوكهم. تسميهم هذه الأدبيات «تجار الضوضاء».

من الشائع بين المؤمنين الموحدين بقوى العرض والطلب تصور أن طبيعة العرض والطلب وطبيعة التفاعل بينهما هي طبيعة ثابتة كالجاذبية الأرضية والقوانين الفيزيائية.

المؤمنون بالعرض والطلب لا يقلقون – ويرون أنه لا يجدر بك أيضًا أن تقلق – بشأن تحركات الأسعار أيًا كان عنفها.
فعندما يرتفع سعر سلعة، مهما كان عنف هذا الارتفاع، لا تقلق، فالكميات المطلوبة من هذه السلعة ستقل نتيجة زيادة سعرها وستزداد كميات عرضها، وعندما يزداد عرض سلعة ويقل الطلب عليها، سيرتد السعر مرة أخرى إلى مستوياته التوازنية.

هكذا تكتشف السوق الحرة السعر العادل، أو هكذا تنتج قوانين العرض والطلب ما يسمى بـ«الأسعار التوازنية». ولكن هذا التصور الغيبي عن قدرة العرض والطلب على تحقيق التوازن لا يعمل دائمًا كقوانين الجاذبية، ففي أحيان كثيرة لا توجد هذه العلاقة أو توجد بصورة معكوسة.
سأحاول الاستعانة بجزء قصير من مقال سابق كنت أحاول فيه توضيح أن أسعار صرف الدولار في السوق السوداء مرشحة للزيادة نتيجة هيمنة تجار الضوضاء على هذه السوق:

«في الأسواق المالية – أو أي سوق تشترى فيها السلع بهدف إعادة بيعها كالعقارات – ليس مهما «هتشتري بكام؟» الأهم هو «هتبيع بكام؟» هذا المبدأ يجعل الطلب والعرض في الأسواق المالية مختلفًا كثيرًا عن الأسواق الاعتيادية. فسهم سعره 10 جنيهات ومتوقع أن يصل إلى 15 جنيهًا سيكون الطلب عليه أكبر من نفس السهم عندما كان بـ5 جنيهات ومتوقع أن يصل إلى 6. والذي يجعل الأشخاص في هذه السوق يتوقعون زيادات أو انخفاضات في الأسعار المستقبلية هو – بشكل أساسي– الحركات السعرية الحالية والسابقة». هذا سلوك دائم لتجار الضوضاء رصده لاري سامرز وآخرون سنة 1990 و سانتانا وودواني سنة 1992 بالإضافة لسيل متدفق إلى الآن من الدراسات التطبيقية. فتجار الضوضاء يميلون إلى الاعتقاد بأن اتجاه الحركات السعرية السابقة والحالية سيستمر في المستقبل، ولهذا فعندما يرتفع سعر الدولار مثلًا يتوقع تجار الضوضاء أن يظل هذا الارتفاع مستمرًا، فيزيد طلبهم على الدولار ويقل عرضهم له – على عكس ما تفترض فيزياء العرض والطلب – وعندما يرتفع الطلب على سلعة ويقل عرضها يزداد سعرها مرة أخرى. فيتأكد تجار الضوضاء من أن توقعهم السابق كان صحيحًا ويستمرون في الاعتقاد بأن هذا الصعود سيستمر فيقل عرضهم ويزداد طلبهم فترتفع الأسعار مرة أخرى، وعندما ترتفع الأسعار يقل عرضهم ويزداد الطلب، وتستمر هذه الدائرة في خلق زيادات سعرية متتالية أو فقاعات سعرية مثل التي رأيتها أنت مع كل المصريين على مدار الأربع سنوات السابقة في السوق السوداء للعملة المصرية.

يعرف فيشير بلاك كلمة «ضوضاء» في نموذجه للأسواق المالية باعتبارها مضاد كلمة «معلومات». فتجار الضوضاء لا تعتمد تداولاتهم على القيم الفعلية للأصول أو المعلومات المتعلقة بها، فإذا افترضنا أن هناك تجار ضوضاء في سوق الصرف المصرية، فهم لا يبيعون أو يشترون الدولار بناء على المعلومات الجديدة الواردة عن ميزان المدفوعات المصري أو توقعاتهم عن العجز والفائض المستقبلي بميزان المدفوعات.
هم لا يستطيعون أصلًا قراءة ميزان المدفوعات.
لا تعتمد تداولات تجار الضوضاء على هذا النوع من المعلومات، بقدر ما تعتمد على ضوضاء التحركات السعرية، خالقين من تحركات سعرية طفيفة تحركات أعنف تغذي نفسها بنفسها. يمكنك ببسهولة وبنظرة خاطفة على ميزان المدفوعات المصري أن تلاحظ كيف يتصرف تجار الضوضاء. في الفترة من 2005 إلى 2011 تصاعد العجز في ميزان السلع والخدمات من 3.7 مليار دولار إلى 19.2 مليار دولار، أي أن العجز زاد بنسبة خمسة أضعاف تقريبًا.
كل هذا التدهور في الأساسيات الاقتصادية لم يلفت انتباه تجار الضوضاء.
لم يقل عرضهم للدولار ولم يزدد طلبهم عليه في هذه الفترة، طالما أن سعر الدولار كان ثابتًا نسبيًا خلال هذه الفترة بين 5.70 و 6.20 جنيهًا. أما عندما قررت السلطة المصرية بداية من 2012، تحريك سعر الجنيه / دولار حركات طفيفة لأعلى، انتبه تجار الضوضاء لهذا الحدث وبدأ عرضهم وطلبهم على الدولار يختلف كثيرًا، وبدأت خريطة تدفقات الدولار إلى الجهاز المصرفي تتغير بشكل كامل.

المصريون العاملون بالخارج هم «تجار ضوضاء» كما يقول الكتاب، أو تنطبق عليهم كل صفات تجار الضوضاء النظرية. هم ليسوا تجارًا ماليين بالأساس، وبالتالي فإن قراراتهم بشأن الاحتفاظ بالدولار أو بيعه يصعب أن تكون مرتبطة بفهمهم أو حتى بمتابعتهم لتطور الأساسيات الاقتصادية للدولة أو تطور سياساتها النقدية تجاه سعر الصرف. على الأرجح، فـ99% من المصريين العاملين بالخارج لا يعرفون نسبة العجز أو الفائض في ميزان المدفوعات المصري لهذه السنة أو لأي سنة مالية، ومع ذلك فهم يمتلكون ويتاجرون بكمية دولارات تساوي قيمتها السنوية مجموع ما تتحصل عليه الدولة سنويًا من دخل قناة السويس والسياحة والاستثمارات الأجنبية المباشرة مجتمعين، أو تزيد عليه أحيانًا. هذا التدفق النقدي الضخم الذي بلغ 19.2 مليارًا السنة الماضية فقط تفقده السلطة المصرية تمامًا، أو يفقده الجهاز المصرفي ككل.

عندما يتحرك سعر الدولار، يسهل أن تنخفض نسبة تنازل المصريين العاملين بالخارج عن دولاراتهم مقابل الجنيه للبنوك المصرية من 75% في الظروف العادية، وفقًا لتصريحات محافظ المركزي السابق، إلى نسبة 5% أو حتي صفر %. يسهل أن تختفي هذه الدولارات من البنوك فجأة إذا تحرك سعر الدولار بشكل ملفت لانتباههم، إذا أحدث المركزي بسياساته الحمقاء ضوضاء سعرية.


غالبًا ما تبدأ الحكاية هكذا:



يتبع

رد مع اقتباس