عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 09-12-2016, 02:34 PM
الصورة الرمزية محمد محمود بدر
محمد محمود بدر محمد محمود بدر غير متواجد حالياً
نجم العطاء
 
تاريخ التسجيل: Nov 2009
المشاركات: 23,386
معدل تقييم المستوى: 39
محمد محمود بدر is just really nice
افتراضي

تابع


غالبًا ما تبدأ الحكاية هكذا:



تواجه الإدارة الاقتصادية انخفاضًا طارئًا – وكان يمكن أن يكون عابرًا لولا غباء سياستها – في التدفقات الدولارية. قد يكون بسبب انخفاض إيرادات السياحة والاستثمارات الأجنبية كما حدث في الأزمة الحالية، أو انخفاض إيرادات الصادرات والسياحة كما في أزمة 2001 – 2005. وبالتالي، ونتيجة هذه الانخفاضات، تواجه الدولة نقصًا في احتياطياتها النقدية الأجنبية، فتقرر تبني سياسة محافظة في استخدام احتياطياتها النقدية.
هذه السياسات تقوم غالبًا على شقين؛ الأول هو تحريك سعر الصرف قليلًا، مثل رفع سعر الدولار مقابل الجنيه من ثمانية جنيهات إلى 8.20 في البنوك، والشق الثاني هو تقليل كمية الدولارات التي يضخها المركزي للبنوك التجارية، فهو لن يبيع حتى بالسعر الجديد 8.20، الذي حدده هو بنفسه.

البنوك التجارية في ظل تقليل ضخ المركزي للدولارات ستقلل هي أيضًا ضخ الدولارات للمستوردين، فيذهب المستوردون للسوق الموازية مكونين الطلب الأساسي بها. تواجه السوق الموازية طلبًا استثنائيًا على الدولار، يحاول تجار السوق الموازية جذب جمهور جديد من بائعي الدولار – المصريين بالخارج بشكل أساسي – فيرفعون سعر شرائهم للدولار أعلى قليلًا من البنوك، حتى يستطيعوا تلبية الطلب الاستثنائي الجديد من المستوردين.

الآن لدى المصريين العاملين بالخارج «تجار الضوضاء» كل ما يلفت انتباههم. السعر يرتفع في البنوك ويرتفع في السوق الموازية، لابد أنه سيواصل الارتفاع.
يتحول عرض المصريين بالخارج للدولارات بالكامل إلى السوق الموازية صاحبة السعر الأعلى، ولأنهم يتوقعون زيادات سعرية مستقبلية في السوق الموازية يقللون عرضهم الدولار بشكل عام، يرفع تجار السوق الموازية السعر مرة أخرى لإقناعهم بمزيد من عرض الدولار، تتأكد توقعاتهم بمزيد من الارتفاعات المستقبلية، يقل عرضهم للدولار، تزداد الأسعار في السوق الموازية، تزداد الفجوة بين السوق الرسمية والموازية، يحاول المركزي تقليل الفجوة بتحريك الأسعار في السوق الرسمية، يثير هذا التحريك مزيدًا من الضوضاء تلفت انتباه المزيد من تجار الضوضاء الجدد، تظهر جحافل من طالبي الدولار لأنهم يتوقعون ارتفاع سعره، وبالطبع يقل عرض المصريين بالخارج أكثر، ترتفع الأسعار في السوق الموازية، يضطر المركزي لرفع السعر الرسمي لتقليل الفجوة بين السوقين في محاولة لإعادة تحويلات العاملين بالخارج مرة أخرى إلى البنوك، ترتفع الأسعار في السوق الرسمية والموازية في سباقهم نحو دولارات العاملين بالخارج، تزداد الضوضاء وتغذي نفسها بنفسها. وهكذا يستطيع أحمق، أو مجموعة من الحمقى، قرر تحريك أسعار الصرف إلى نقاط جديدة دون الدفاع عنها، أن يستدعي جيوشًا من تجار الضوضاء ستضارب ضده – أو ضدنا جميعًا – لأنه أحدث ضوضاء لا يستطيع إخمادها. ويظل المركزي يلهث وراء الأسعار في السوق السوداء التي تتحرك للأعلى كلما تحرك هو لأعلى، لأنها معتمدة على الضوضاء التي يحدثها تحركه، يظل يلهث وكأنه طفل أو شخص أبله يحاول أن يسبق ظله.

يفسر سلوكُ تجار الضوضاء وهيمنتهم على عرض وطلب الدولار في السوق الموازية الصعودَ العنيف في السوق الموازية، هذا الصعود الذي يبدو جليًا أنه غير مرتبط بتطور الأساسيات الاقتصادية. لأنه يصعب تصور أن الأساسيات التي تحدد سعر الدولار في مصر تنهار بمعدل 30% في ثلاثة أيام فقط، حتى تفسر ارتفاع الدولار بنسبة 30% في ثلاثة أيام في هذه الأسواق.

هذه التحركات السعرية العنيفة في السوق الموازية تؤكد أن هناك شيئًا غير التطور في ميزان المدفوعات أو حجم الاحتياطيات النقدية الأجنبية هو ما يدفع الأسعار صعودًا وهبوطًا، شيئًا أعنف وأقل ارتباطًا بالاقتصاد العيني، شيئًا يسميه أوبستفيلد– قبل أن يصبح كبير اقتصاديي صندوق النقد الدولي – و مرويس وشين – ولا يزالون يسمونه إلى الآن – «هجمات العملة المتحققة ذاتيًا» أو «هجمات العملة التي تغذي نفسها بنفسها»

هذه الدائرة التي يمكنها تحريك الأسعار في السوق الموازية بعنف، بمعزل عن الأساسيات الاقتصادية للدولة، ليست هي الأثر السلبي الوحيد لسياسات تحريك الأسعار أو التخلي عن دعم الجنيه مقابل الدولار، فهناك دائرة أعمق تحدث في الاقتصاد العيني بسبب هذه السياسات، دائرة يمكنها تفسير سبب بقاء أزمات العملة في مصر وقتًا طويلًا – حتى بعد التعويم – دون حل. فمنذ بداية الألفينيات إلى الآن، وقعت أزمتان للعملة المصرية واستغرقتا ثماني سنوات مرشحة للزيادة.

في الـ16 سنة التي مرت علينا منذ بداية الألفينات، عشنا نصف وقتنا تحت وطأة أزمات عملة لا يستطيع المركزي حلها.


لماذا تبقى أزمات العملة في مصر طويلًا؟
يتبع

رد مع اقتباس