46- غسل أحد الزوجين الآخر
اتفق الفقهاء على جواز غسل المرأة زوجها ، قالت عائشة : لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسل النبي صلى الله عليه وسلم إلا نساؤه . رواه أحمد وأبو داود والحاكم وصححه . واختلفوا في جواز غسل الزوج امرأته فأجازه الجمهور . لما روي من غسل علي فاطمة رضي الله عنها . رواه الدارقطني والبيهقي ، ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها : " لو مت قبلي لغسلتك وكفنتك " . رواه ابن ماجه . وقال الاحناف : لا يجوز للزوج غسل زوجته ، فإن لم يكن إلا الزوج يممها ، والاحاديث حجة عليهم .
47- غسل المرأة الصبي
قال ابن المنذر : أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن المرأة تغسل الصبي الصغير .
48- الكفن
حكمه :
تكفين الميت بما يستره ولو كان ثوبا واحدا فرض كفاية . روى البخاري عن خباب رضي الله عنه قال : هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، نلتمس وجه الله ، فوقع أجرنا على الله ، فمنا من مات لم يأكل من أجره شيئا ، منهم مصعب بن عمير ، *** يوم أحد ، فلم نجد ما نكفنه إلابردة ، إذا غطينا بها رأسه خرجت رجلاه ، وإذا غطينا رجليه خرج رأسه ، فأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نغطي رأسه وأن نجعل على رجليه من الاذخر
( 2 ) ما يستحب فيه :
يستحب في الكفن ما يأتي :
1 - أن يكون حسنا ، نظيفا ، ساترا للبدن . لما رواه ابن ماجة والترمذي وحسنه عن أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا ولي أحدكم أخاه فليحسن كفنه " .
2 - وأن يكون أبيض ، لما رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه عن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " البسوا من ثيابكم البيض فإنها من خير ثيابكم ، وكفنوا فيها موتاكم " .
3 - وأن يجمر ، ويبخر ، ويطيب ، لما رواه أحمد والحاكم وصححه عن جابر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا أجمرتم الميت فأجمروه ثلاثا " . وأوصى أبو سعيد وابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم : أن تجمر أكفانهم بالعود .
4 - أن يكون ثلاث لفائف للرجل ، وخمس لفائف للمرأة ، لما رواه الجماعة عن عائشة ، قالت : كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية جدد ليس فيها قميص ولاعمامة . قال الترمذي : والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم . قال :
وقال سفيان الثوري : يكفن الرجل في ثلاثة أثواب ، إن شئت في قميص ولفافتين ، وإن شئت في ثلاث لفائف . ويجزئ ثوب واحد إن لم يجدوا ثوبين . والثوبان يجزيان ، والثلاثة لمن وجد أحب إليهم ، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحق . وقالوا : تكفن المرأة في خمسة أثواب .
( 1 ) الاذخر : حشيشة طيبة الرائحة ، تسقف بها البيوت فوق الخشب .
وعن أم عطية أن النبي صلى الله عليه وسلم ناولها إزارا ، ودرعا (: القميص) ، وخمارا (غطاء الرأس) وثوبين () تلف فيهما) . وقال ابن المنذر : أكثر من نحفظ عنه من أهل العلم يرى أن تكفن المرأة في خمسة أثواب .
( 3 ) تكفين المحرم :
إذا مات المحرم غسل كما يغسل غيره ممن ليس محرما وكفن في ثياب إحرامه ، ولا تغطى رأسه ولا يطيب لبقاء حكم الاحرام ، لما رواه الجماعة عن ابن عباس قال : بينما رجل واقف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرفه إذ وقع عن راحلته فوقصته (أي دقت عنقه) فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : " اغسلوه بماء وسدر ، وكفنوه في ثوبيه (في ثوبيه : إزاره ورداءه) ، ولا تحنطوه () تحنطوه : تطيبوه بالحنوط : وهو الطيب الذي يوضع الميت) ولا تخمروا (تخمروه : تستروه) رأسه فإن الله تعالى يبعثه يوم القيامة ملبيا " . وذهبت الحنفية والمالكية إلى أن المحرم إذا مات انقطع إحرامه ، وبانقطاع إحرامه يكفن كالحلال ، فيخاط كفنه ويغطى رأسه ويطيب . وقالوا : إن قصة هذا الرجل واقعة عين لا عموم لها فتختص به ، ولكن التعليل بأنه يبعث يوم القيامة ملبيا ظاهر أن هذا عام في كل محرم . والاصل أن ما ثبت لاحد الافراد من الاحكام يثبت لغيره ، ما لم يقم دليل على التخصيص .
( 4 ) كراهة المغالاة في الكفن :
ينبغي أن يكون الكفن حسنا دون مغالاة في ثمنه ، أو أن يتكلف الانسان في ذلك ما ليس من عادته . قال الشافعي : إن عليا كرم الله وجهه قال : لاتغال لي في كفن وعن حذيفة ، قال : لاتغالوا في الكفن ، اشتروا لي ثوبين نقيين . وقال أبو بكر : اغسلوا ثوبي هذا وزيدوا عليه ثوبين فكفنوني فيهم . قالت عائشة : إن هذا خلق (غير الجديد) . قال : إن الحي أولى بالجديد من الميت . إنما هو للمهلة (القيح السائل من الميت) .
( 5 ) الكفن من الحرير :
لا يحل للرجل أن يكفن في الحرير ويحل للمرأة ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحرير والذهب : " إنهما حرام على ذكور ، أمتي حل لاناثها
وكره كثير من أهل العلم للمرأة أن تكفن في الحرير لما فيه من السرف ، وإضاعة المال ، والمغالاة المنهي عنها ، وفرقوا بين كونه زينة لها في حياتها ، وكونه كفنا لها بعد موتها . قال أحمد : لا يعجبني أن تكفن المرأة في شئ من الحرير . وكره ذلك الحسن وابن المبارك وإسحق . قال ابن المنذر : ولا أحفظ عن غيرهم خلافهم .
( 6 ) الكفن من رأس المال :
إذا مات الميت وترك مالا ، فتكفينه من ماله ، فإن لم يكن له مال فعلى من تلزمه نفقته ، فإن لم يكن له من ينفق عليه ، فكفنه من بيت مال المسلمين ، وإلا فعلى المسلمين أنفسهم . والمرأة مثل الرجل في ذلك .
وقال ابن حزم : وكفن المرأة وحفر قبرها من رأس مالها ، ولا يلزم ذلك زوجها ، لان أموال المسلمين محظورة إلا بنص قرآن أو سنة . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام " ، وإنما أوجب الله تعالى على الزوج النفقة والكسوة والاسكان ، ولا يسمى في اللغة التي خاطبنا الله تعالى بها الكفن كسوة ، ولا القبر إسكانا .
49- الصلاة على الميت حكمها :
من المتفق عليه بين أئمة الفقه ، أن الصلاة على الميت ، فرض كفاية ، لامر رسول الله صلى الله عليه وسلم بها ، ولمحافظة المسلمين عليها .
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالرجل المتوفى عليه الدين فيسأل هل ترك لدينه فضلا ؟ فإن حدث أنه ترك وفاء صلى ، وإلا ، قال للمسلمين : " صلوا على صاحبكم " .
( 2 ) فضلها :
1 - روى الجماعة عن أبي هريرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من تبع جنازة وصلى عليها ، فله قيراط () القيراط 16 / 1 من الدرهم . وقيل في معناه : إن العمل يتجسم على قدر جرم الجبل المذكور تثقيلا للميزان) . ومن تبعها حتى يفرغ منها فله قيراطان ، أصغرهما مثل أحد " أو (أو : للشك) " أحدهما مثل أحد " .
2 - وروى مسلم عن خباب رضي الله عنه ، قال : يا عبد الله بن عمر ، ألا تسمع ما يقول أبو هريرة ؟ إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من خرج مع جنازة من بيتها وصلى عليها ثم تبعها حتى تدفن كان له قيراطان من أجر ، كل قيراط مثل أحد . ومن صلى عليها ثم رجع (في هذا دليل على أنه لا استئذان عند الانصراف من صاحب الجنازة) كان له مثل أحد . " فأرسل ابن عمر رضي الله عنهما خبابا إلى عائشة يسألها عن قول أبي هريرة ثم يرجع إليه فيخبره ما قالت ، فقال : قالت عائشة : صدق أبو هريرة فقال ابن عمر رضي الله عنهما : لقد فرطنا في قراريط كثيرة .
( 3 ) شروطها :
صلاة الجنازة يتناولها لفظ الصلاة ، فيشترط فيها الشروط التي تفر ض في سائر الصلوات المكتوبة من الطهارة الحقيقية والطهارة من الحدث الاكبر والاصغر واستقبال القبلة وستر العورة .
روى مالك عن نافع : أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يقول : لا يصلي الرجل على الجنازة إلا وهو طاهر . وتختلف عن سائر الصلوات المفروضة ، في أنه لا يشترط فيها الوقت ، بل تؤدى في جميع الاوقات متى حضرت ، ولو في أوقات النهي .
عند الاحناف والشافعية . وكره أحمد وابن المبارك وإسحاق الصلاة على الجنازة وقت الطلوع والاستواء والغروب ، إلا إن خيف عليها التغير .
( 4 ) أركانها :
صلاة الجنازة لها أركان تتركب منها حقيقتها ولو ترك منها ركن بطلت ووقعت غير معتد بها شرعا ، نذكرها فيما يلي :
1 - النية لقول الله تعالى : ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ) وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنما الاعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى " . وتقدم حقيقة النية وأن محلها القلب وأن التلفظ بها غير مشروع .
2 - القيام للقادر عليه : وهو ركن عند جمهور العلماء ، فلا تصح الصلاة على الميت لمن صلى عليه راكبا أو قاعدا من غير عذر . قال في المغني : لا يجوز أن يصلي على الجنائز وهو راكب لانه يفوت القيام الواجب ، وهذا قول أبي حنيفة والشافعي وأبي ثور : ولا أعلم فيه خلافا ، ويستحب أن يقبض بيمينه على شماله أثناء القيام كما يفعل في الصلاة ، وقيل : لا . والاول أولى .
3 - التكبيرات الاربع . لما رواه البخاري ومسلم عن جابر : أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على النجاشي فكبر أربعا . قال الترمذي : والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم يرون التكبير على الجنازة أربع تكبيرات ، وهو قول سفيان ومالك وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق . رفع اليدين عند التكبير : والسنة عدم رفع اليدين في صلاة الجنازة ، إلا في أول تكبيرة فقط ، لانه
لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رفع في شئ من تكبيرات الجنازة إلا في أول تكبيرة فقط .
قال الشوكاني : بعد ذكر الخلاف ومناقشة أدلة كل : والحاصل أنه لم يثبت في غير التكبيرة الاولى شئ يصلح للاحتجاج به عن النبي صلى الله عليه وسلم . وأفعال الصحابة وأقوالهم لاحجة فيها ، فينبغي أن يقتصر على الرفع عند تكبيرة الاحرام لانه لم يشرع في غيرها ، إلا عند الانتقال من ركن إلى ركن كما في سائر الصلوات ، ولا انتقال في صلاة الجنازة .
4 و 5 - قراءة الفاتحة سرا والصلاة والسلام على الرسول (مذهب أبي حنيفة ومالك أنها لها ركنين وسيأتي كلام الترمذي في ذلك) ، لما رواه الشافعي في مسنده عن أبي أمامة بن سهل أنه أخبره رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الامام ، ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الاولى سرا في نفسه ، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ، ويخلص الدعاء في الجنازة في التكبيرات ، ولا يقرأ في شئ منهن ، ثم يسلم سرا في نفسه (رأي الجمهور أن القراءة والصلاة على النبي والدعاء والسلام يسن الاسرار بها إلا بالنسبة للامام فانه يسن له الجهر بالتكبير والتسليم للاعلام) . قال في الفتح : وإسناده صحيح .
وروى البخاري عن طلحة بن عبد الله قال : صليت مع ابن عباس على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب ، فقال : إنها من السنة . ورواه الترمذي وقال : والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من الصحابة وغيرهم يختارون أن يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الاولى . وهو قول الشافعي وأحمد وإسحق .
وقال بعضهم : لايقرأ في الصلاة على الجنازة ، إنما هو الثناء على الله تعالى ، والصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم ، والدعاء للميت ، وهو قول الثوري وغيره من أهل الكوفة . ومن حجج القائلين بفرضية القراءة : أن الرسول صلى الله عليه وسلم سماها صلاة بقوله : " صلوا على صاحبكم " ، وقال : " لاصلاة لمن لايقرأ بأم القرآن " .
50- صيغة الصلاة والسلام على رسول الله وموضعها :
وتؤدى الصلاة والسلام على رسول الله بأي صيغة ، ولو قال اللهم صل
على محمد ، لكفى . واتباع المأثور أفضل مثل : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كمال باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد . ويؤتى بها بعد التكبيرة الثانية كما هو الظاهر ، وإن لم يرد ما يدل على تعيين موضعها .
51- - الدعاء :
وهو ركن باتفاق الفقهاء ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء " . رواه أبو داود والبيهقي وابن حبان وصححه .
ويتحقق بأي دعاء مهما قل ، والمستحب فيه أن يدعو بأية دعوة من الدعوات المأثورة الآتية :
1 - قال أبو هريرة : دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة على الجنازة فقال : " اللهم أنت ربها ، وأنت خلقتها ، وأنت رزقتها ، وأنت هديتها للاسلام ، وأنت قبضت روحها ، وأنت أعلم بسرها وعلانيتها ، جئنا شفعاء له ، فاغفر له ذنبه " .
2 - وعن وائلة بن الاسقع قال : صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم على رجل من المسلمين فسمعته يقول : " اللهم إن فلان بن فلان في ذمتك ، وحبل (الذمة : الحفظ ، والحبل : العهد) جوارك . فقه من فتنة القبر وعذاب النار ، وأنت أهل الوفاء والحق . اللهم فاغفر له وارحمه فإنك أنت الغفور الرحيم " . رواهما أحمد وأبو داود .
3 - عن عوف بن مالك قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم - وقد صلى على جنازة - يقول : " اللهم اغفر له وارحمه واعف عنه وعافه وأكرم نزله ، ووسع مدخله ، واغسله بماء وثلج وبرد ، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الابيض من الدنس ، وأبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله وزوجا خيرا من زوجه ، وقه فتنة القبر وعذاب النار " . رواه مسلم .
4 - عن أبي هريرة قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة
فقال : " اللهم اغفر لحينا وميتنا ، وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا وشاهدنا وغائبنا ، اللهم من أحييته منا فأحيه على الاسلام ، ومن توفيته منا فتوفه على الايمان ، اللهم لا تحرمنا أجره ، ولا تضلنا بعده " . رواه أحمد وأصحاب السنن .
فإذا كان المصلى عليه طفلا
استحب أن يقول المصلي : اللهم اجعله لنا سلفا وفرطا وذخرا . رواه البخاري والبيهقي من كلام الحسن .
قال النووي : وإن كان صبيا أو صبية اقتصر على ما في حديث : " اللهم اغفر لحينا وميتنا . . الخ " ، وضم اليه : " اللهم اجعله فرطا لابويه وسلفا وذخرا وعظة واعتبارا وشفيعا وثقل به موازينهما وأفرغ الصبر على قلوبهما ولا تفتنهما بعده ، ولاتحرمهما أجره "
52-. موضع هذه الادعية :
قال الشوكاني : وأعلم أنه لم يرد تعيين موضع هذه الادعية فإذا شاء المصلي جاء بما يختار منها دفعة ، إما بعد فراغه من التكبير أو بعد التكبيرة الاولى أو الثانية أو الثالثة ، أو يفرقه بين كل تكبيرتين ، أو يدعو بين كل تكبيرتين بواحد من هذه الادعية ، ليكون مؤديا لجميع ما روي عنه صلى الله عليه وسلم . قال : والظاهر أنه يدعو بهذه الالفاظ الواردة في هذه الاحاديث ، سواء كان الميت ذكرا ، أو أنثى ، ولا يحول الضمائر المذكرة إلى صيغة التأنيث ، إذا كان الميت أنثى ، لان مرجعها الميت ، وهو يقال عن الذكر والانثى .
( 53 ) الدعاء بعد التكبيرة الرابعة :
يستحب الدعاء بعد التكبيرة الرابعة ، وإن كان المصلي دعا بعد التكبيرة الثالثة ، لما رواه أحمد عن عبد الله بن أبي أوفى أنه ماتت له ابنة فكبر عليها أربعا ، ثم قام بعد الرابعة قدر ما بين التكبيرتين يدعو . ثم قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع في الجنازة هكذا .
وقال الشافعي : يقول بعدها : اللهم لا تحرمنا أجره ، ولاتفتنا بعده . وقال ابن أبي هريرة : كان المتقدمون يقولون بعد الرابعة : اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .
54- السلام :
وهو متفق على فرضيته بين الفقهاء ما عدا أبا حنيفة القائل بأن التسليمتين يمينا وشمالا واجبتان وليستا ركنين ، استدلوا على الفرضية بأن صلاة الجنازة صلاة ، وتحليل الصلاة التسليم .
وقال ابن مسعود : التسليم على الجنازة مثل التسليم في الصلاة . وأقله : السلام عليكم ، أو سلام عليكم . وذهب أحمد إلى أن التسليمة الواحدة هي السنة ، يسلمها عن يمينه ، ولا بأس إن سلم تلقاء وجهه ، استدلالا بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وبفعل الاصحاب الذين كانون يسلمون تسليمة واحدة ، ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم . واستحب الشافعي تسليمتين ، يبدأ بالاولى ملتفتا إلى يمينه ويختم بالاخرى ملتفتا إلى يساره ، قال ابن حزم : والتسليمة الثانية ذكر وفعل خير
55-كيفية الصلاة على الجنازة
أن يقف المصلي بعد استكمال شروط الصلاة ناويا الصلاة على من حضر من الموتى رافعا يديه مع تكبيرة الاحرام ، ثم يضع يده اليمنى على اليسرى ويشرع في قراءة الفاتحة ، ثم يكبر و يصلي على النبي ، ثم يكبر ويدعو للميت ، ثم يكبر ويدعو ، ثم يسلم . موقف الامام من الرجل والمرأة من السنة أن يقوم الامام حذاء رأس الرجل ، ووسط المرأة لحديث أنس ، أنه صلى على جنازة رجل ، فقام عند رأسه فلما رفعت ، أتي بجنازة امرأة ، فصلى عليها فقام وسطها (روي أنه كان يقوم عند عجيزتها ولا منافاة بين الروايتين لان العجيزة يصدق عليه أنها وسط) ، فسئل عن ذلك وقيل له : هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم من الرجل حيث قمت ، ومن المرأة حيث قمت ؟ قال : نعم . رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وحسنه .
قال الطحاوي وهذا أحب إلينا فقد قوته الآثار التي رويناها عن النبي صلى الله عليه وسلم .
56-الصلاة على أكثر من واحد
إذا اجتمع أكثر من ميت وكانوا ذكورا أو إناثا صفوا واحدا بعد واحد بين الامام والقبلة ليكونوا جميعا بين يدي الامام ووضع الافضل مما يلي الامام ، وصلى عليهم جميعا صلاة واحدة . وإن كانوا رجالا ونساء جاز أن يصلي على الرجال وحدهم والنساء وحدهن ، وجاز أن يصلي عليهم جميعا ، وصفت الرجال أمام الامام ، وجعلت النساء مما يلي القبلة .
وعن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه صلى على تسع جنائز رجال ونساء فجعل الرجال مما يلي الامام ، وجعل النساء مما يلي القبلة ، وصفهم صفا واحدا . ووضعت جنازة أم كلثوم بنت علي امرأة عمر ، وابن لها - يقال له زيد - والامام يومئذ سعيد بن العاص ، وفي الناس يومئذ ابن عباس وأبو هريرة وأبو سعيد وأبو قتادة . فوضع الغلام مما يلي الامام قال رجل : فأنكرت ذلك ، فنظرت إلى ابن عباس وأبي هريرة ، وأبي سعيد وأبي قتادة . فقلت : ما هذا ؟ . قالوا : هي السنة . رواه النسائي والبيهقي . قال الحافظ : وإسناده صحيح .
وفي الحديث : أن الصبي إذا صلي عليه مع امرأة كان الصبي مما يلي الامام ، والمرأة مما يلي القبلة . وإن كان فيه رجال ونساء وصبيان كان الصبيان مما يلي الرجال .
57- استحباب الصفوف الثلاثة وتسويتها
يستحب أن يصف المصلون على الجنازة ثلاثة صفوف (أقل صف اثنان) وأن تكون مستوية ، لما رواه مالك بن هبيرة قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من مؤمن يموت فيصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون أن يكونوا ثلاثة صفوف إلا غفر له " فكان مالك ابن هبيرة يتحرى إذا قل أهل الجنازة أن يجعلهم ثلاثة صفوف . رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وحسنه ، والحاكم وصححه .
قال أحمد : أحب إذا كان فيهم قلة أن يجعلهم ثلاثة صفوف . قالوا : فإن كان وراءه أربعة كيف يجعلهم ؟ قال : يجعلهم صفين ، في كل صف رجلين ، وكره أن يكونوا ثلاثة فيكون في صف رجل واحد .
استحباب الجمع الكثير ويستحب تكثير جماعة الجنازة لما جاء عن عائشة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما من ميت يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة . كلهم يشفعون (يخلصون له الدعاء ويسألون له المغفرة) له إلا شفعوا " (قبلت شفاعتهم) رواه أحمد ومسلم والترمذي .
وعن ابن عباس قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا ، لا يشركون بالله شيئا إلا شفعهم الله فيه . " رواه أحمد ومسلم
. المسبوق في صلاة الجنازة من سبق في صلاة الجنازة بشئ من التكبير استحب له أن يقضيه متتابعا فإن لم يقض فلا بأس . وقال ابن عمر والحسن وأيوب السختياني والاوزاعي : لا يقضي ما فات من تكبير الجنازة ، ويسلم مع الامام
. وقال أحمد : إذا لم يقض لم يبال . ورجح صاحب المغني هذا المذهب فقال : ولنا قول ابن عمر ، ولم يعرف له في الصحابة مخالف . وقد روي عن عائشة أنها قالت : " يا رسول الله إني أصلي على الجنازة ويخفى علي بعض التكبير . قال : " ما سمعت فكبري ، وما فاتك فلا قضاء عليك " وهذا صريح . ولانها تكبيرات متواليات فلا يجب ما فاته منها كتكبيرات العيدين . من يصلى عليهم ومن لا يصلى عليهم اتفق الفقهاء على أن يصلى على المسلم ذكرا كان أم أنثى ، صغيرا كان أم كبيرا قال ابن المنذر :
أجمع أهل العلم على أن الطفل إذا عرفت حياته
واستهل يصل عليه (الصياح أو العطاس أو حركة يعلم بها حياة الطفل) . فعن المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الراكب خلف الجنازة ، والماشي أمامها قريبا منها عن يمينها أو عن يسارها ، والسقط يصلى عليه ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة " رواه أحمد وأبو داود . وقال فيه : " والماشي يمشي خلفها وأمامها ، وعن يمينها ويسارها قريبا منها . " وفي رواية : " الراكب خلف الجنازة والماشي حيث شاء منها ، والطفل يصلى عليه " رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه .
58- الصلاة على السقط
(السقط : الولد ينزل من بطن أمه قبل مدة الحمل وبعد تبين خلقه .) السقط إذا لم يأت عليه أربعة أشهر فإنه لا يغسل . ولا يصلى عليه ، ويلف في خرقة ، ويدفن من غير خلاف بين جمهور الفقهاء . فإن أتى عليه أربعة أشهر فصاعدا واستهل غسل وصلي عليه باتفاق . فإذا لم يستهل فإنه لا يصلى عليه عند الاحناف ومالك والاوزاعي والحسن ، لما رواه الترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه والبيهقي عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا استهل السقط صلي عليه وورث " ففي الحديث اشتراط الاستهلال في الصلاة عليه .
وذهب أحمد وسعيد وابن سيرين وإسحاق إلى أنه يغسل ويصلى عليه للحديث المتقدم . وفيه : " والسقط يصلى عليه " ولانه نسمة نفخ فيه الروح ، فيصلى عليه كالمستهل . فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه ينفخ فيه الروح لاربعة أشهر ، وأجابوا عما استدل به الاولون بأن الحديث مضطرب . وبأنه معارض بما هو أقوى منه ، فلا يصلح للاحتجاج به . الصلاة على الشهيد الشهيد هو الذي *** في المعركة بأيدي الكفار . وقد جاءت الاحاديث الصحيحة المصرحة بأنه لا يصلى عليه .
1 - روى البخاري عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بدفن شهداء أحد في دمائهم ، ولم يغسلهم ولم يصل عليهم .
2 - وروى أحمد وأبو داود والترمذي عن أنس : أن شهداء أحد لم يغسلوا ، ودفنوا بدمائهم ، ولم يصل عليهم . وجاءت أحاديث أخرى صحيحة مصرحة بأنه يصلى عليه :
1 - روى البخاري عن عقبة بن عامر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت بعد ثمان سنين كالمودع للاحياء والاموات .
وقد اختلفت آراء الفقهاء تبعا لاختلاف هذه الاحاديث ، فأخذ بعضهم بها جميعا ، ورجح بعضهم بعض الروايات على بعض . فممن ذهب مذهب الاخذ بها كلها " ابن حزم " فجوز الفعل والترك قال : فإن صلي عليه فحسن . وإن لم يصل عليه فحسن . وهو إحدى الروايات عن أحمد ، واستصوب هذا الرأي ابن القيم فقال : والصواب في المسألة انه مخير بين الصلاة عليهم وتركها لمجئ الآثار بكل واحد من الامرين ، وهذه إحدى الروايات عن أحمد ، وهو الاليق بأصول مذهبه . قال : والذي يظهر من أمر شهداء أحد : أنه لم يصل عليهم عند الدفن .
وقد *** معه بأحد سبعون نفسا ، فلا يجوز أن تخفى الصلاة عليهم . وحديث جابر بن عبد الله في ترك الصلاة عليهم صحيح صريح وأبوه عبد الله أحد ال***ى يومئذ . فله من الخبرة ما ليس لغيره ، ويرجح أبو حنيفة والثوري والحسن وابن المسيب روايات الفعل . فقالوا بوجوب الصلاة على الشهيد .
ورجح مالك والشافعي وإسحاق وإحدى الروايات عن أحمد العكس وقالوا بأنه لا يصلى عليه .
قال الشافعي في " الام " مرجحا ما ذهب إليه : جاءت الاخبار كأنها عيان من وجوه متواترة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على ***ى أحد ، وما روي أنه صلى عليهم وكبر على حمزة سبعين تكبيرة لا يصح ، وقد كان ينبغي لمن عارض بذلك هذه الاحاديث الصحيحة أن يستحي على نفسه .
قال : وأما حديث عقبة بن عامر فقد وقع في نفس الحديث : أن ذلك كان بعد ثمان ستين . قال : وكأنه صلى الله عليه وسلم دعا لهم واستغفر لهم حين علم قرب أجله مودعا لهم ، بذلك ، ولا يدل على نسخ الحكم الثابت . من جرح في المعركة وعاش حياة مستقرة من جرح في المعركة وعاش حياة مستقرة ثم مات ، يغسل ويصلى عليه . وإن كان يعتبر شهيدا ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم غسل سعد بن معاذ ، وصلى عليه بعد أن مات بسبب إصابته بسهم قطع أكحله (عرق في اليد) فحمل إلى المسجد فلبث فيه أياما ثم انفتح جرحه فمات شهيدا رحمه الله .
فإن عاش عيشة غير مستقرة فتكلم أو شرب ثم مات ، فإنه لا يغسل ولا يصلى عليه . قال في المغني . وفي فتوح الشام : إن رجلا قال : أخذت ماء لعلي أسقي به ابن عمي إن وجدت به حياة . فوجدت الحارث بن هشام . فأردت أن أسقيه . فإذا رجل ينظر إليه ، فأومأ لي أن أسقيه ، فذهبت إليه لاسقيه ، فإذا رجل ينظر إليه ، فأومأ لي أن أسقيه ، فذهبت إليه لاسقيه ، فإذا آخر ينظر إليه . فأومأ لي أن أسقيه حتى ماتوا كلهم . ولم يفرد أحد منهم بغسل ولا صلاة ، وقد ماتوا بعد انقضاء الحرب .
|