( 76- ) تفضيل اللحد على الشق
: اللحد هو الشق في جانب القبر جهة القبلة ، ينصب عليه اللبن ( 1 ) فيكون كالبيت المسقف . والشق حفرة في وسط القبر تبنى جوانبها باللبن يوضع فيه الميت ويسقف عليه بشئ ، وكلاهما جائز ، إلا أن اللحد أولى
، لما رواه أحمد وابن ماجه عن أنس قال : " لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم كان رجل يلحد ، وآخر يضرح ، فقالوا : نستخير ربنا ونبعث إليهما ، فأيما سبق تركناه ، فأرسلوا إليهما ، فسبق صاحب اللحد ، فلحدوا له " .
وهذا يدل على الجواز . أما ما يدل على أولوية اللحد ، فما رواه أحمد وأصحاب السنن وحسنه الترمذي عن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " اللحد لنا ، والشق لغيرنا " .
( 77- ) صفة إدخال الميت القبر :
من السنة في إدخال الميت القبران يدخل من مؤخره إذا تيسر
، لما رواه أبو داود وابن أبي شيبة والبيهقي من حديث عبد الله بن زيد : أنه أدخل ميتا من قبل رجليه القبر وقال : هذا من السنة . فان لم يتسر فكيفما أمكن . قال ابن حزم : ويدخل الميت القبر كيف أمكن ، إما من القبلة ، وامامن دبر القبلة ، واما من قبل رأسه . واما من قبل رجليه ، إذ لانص في شئ من ذلك .
( 78- ) استحباب توجيه الميت في قبره الى القبلة والدعاء له وحل أربطة الكفن :
السنة التي جرى عليها العلم ، ان يجعل الميت في قبره على جنبه الايمن ووجهه تجاه القبلة . ويقول واضعه : " بسم الله وعلى ملة رسول الله ، أو وعلى سنة رسول الله " ويحل أربطة الكفن . فعن ابن عمر - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : كان إذا وضع الميت في القبر ، قال : " بسم الله وعلى ملة رسول الله ، أو ، وعلى سنة رسول الله " رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه ،
ورواه النسائي مسندا وموقوفا .
( 79- ) كراهة الثوب في القبر :
كره جمهور الفقهاء وضع ثوب أو وسادة أو نحو ذلك للميت في القبر . ويرى ابن حزم أنه لا بأس ببسط ثوب في القبر تحت الميت ، لما رواه مسلم عن ابن عباس ، قال : بسط في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم قطيفة حمراء ، قال وقد ترك الله هذا العمل في دفن رسوله المعصوم من الناس ولم يمنع منه ، وفعله خيرة أهل الارض في ذلك الوقت باجماع منهم ، لم ينكره احد منهم . واستحب العلماء أن يوسد رأس الميت بلبنة أو حجر أو تراب ، ويفضى بخده الايمن إلى اللبنة ونحوها ، بعد ان ينحى الكفن عن خده ، ويوضع على التراب ،
قال عمر : إذا انزلتموني الى اللحد فأفضوا بخدي الى التراب . واوصى الضحاك ان تحل عنه العقد ويبرز خده من الكفن ، واستحبوا ان يوضع شئ خلفه من لبن أو تراب يسنده ، لا يستلقى على قفاه . واستحب أبو حنيفة ومالك واحمد ، أن يمد ثوب على المرأة عند إدخالها في القبر دون الرجل ، واستحب الشافعية ذلك في الرجل والمرأة على السواء .
( 80- ) استحباب ثلاث حثيات على القبر :
ويستحب أن يحثو من شهد الدفن ثلاث حثيات بيديه على القبر من جهة رأس الميت ، لما رواه ابن ماجه : " ان النبي صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة ، ثم أتى قبر الميت فحثى عليه من قبل رأسه ثلاثا " واستحب الائمة الثلاثة أن يقول في الحثية الاولى : " منها خلقناكم " وفي الثانية : " وفيها نعيدكم " وفي الثالثة : " ومنها نخرجكم تارة أخرى " لما روي : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك لما وضعت أم كلثوم بنته في القبر . وقال أحمد : لا يطلب قراءة شئ عند حثو التراب لضعف الحديث .
( 81- ) استحباب الدعاء للميت بعد الفراغ من الدفن :
يستحب الاستغفار للميت عند الفراغ من دفنه وسؤال التثبيت له ، لانه يسأل في هذه الحالة . فعن عثمان قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه ، فقال : " استغفر والاخيكم وسلواله التثبيت فانه الآن يسأل " رواه أبو داود والحاكم وصححه ، والبزار وقال : لا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه . وروى رزين عن علي : أنه كان إذا فرغ من دفن الميت قال : اللهم هذا عبدك نزل بك واتت خير منزول به فاغفر له ووسع مدخله . واستحب ابن عمر قراءة أول سورة البقرة و خاتمتها على القبر بعد الدفن . رواه البيهقي بسند حسن .
"82- تحريم المساجد والسرج على المقابر
جاءت الاحاديث الصحيحة الصريحة بتحريم بناء المساجد في المقابر واتخاذ السرج عليها .
1 - روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة : ان النبي صلى الله عليه وسلم قال : " قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد "
2 - روى أحمد واصحاب السنن إلا ابن ماجه ، وحسنه الترمذي ، عن ابن عباس قال : لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج
. 3 - وفي صحيح مسلم عن عبد الله البجلي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس ، وهو يقول : " إني أبرأ إلى الله أن يكون
( 1 ) السبتية : أي النعال المدبوغة بالقرظ . ( 2 ) " النمط " ضرب من البسط له خمل رقيق .
لي منكم خليل ، فان الله عزوجل قد اتخذني خليلا ، كما اتخذ إبراهيم خليلا ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ، وان من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور انبيائهم وصالحيهم مساجد ، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد ، إني أنهاكم عن ذلك . "
4 - وفيه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " .
5 - وروى البخاري ومسلم عن عائشة ، أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة - رأتاها بالحبشة فيها تصاوير - لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور ، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة "
. قال صاحب المغني : ولايجوز اتخاذ المساجد على القبور لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لعن الله زوارات القبور والمتخذات عليهن المساجد والسرج " رواه أبو داود والنسائي ولفظه : " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم . . . الخ " ولو أبيح لم يلعن النبي صلى الله عليه وسلم من فعله ، ولان فيه تضييعا للمال في غير فائدة وافراطا في تعظيم القبور اشبه تعظيم الاصنام ، ولايجوز اتخاذ المساجد على القبور لهذا الخبر ، ولان النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " يحذر مثل ما صنعوا . متفق عليه .
وقالت عائشة : إنما لم يبرز قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم لئلا يتخذ مسجدا ، ولان تخصيص القبور بالصلاة عندها يشبه تعظيم الاصنام لها والتقرب إليها ، وقد روينا أن ابتداء عبادة الاصنام تعظيم الاموات باتخاذ صورهم ومسحها والصلاة عليها (قال معلقه : يشير إلى ما رواه البخاري عن ابن عباس من سبب اتخاذ قوم نوح للاصنام : ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر ، وحاصله أن هذه أسماء رجال صالحين اتخذ الناس لهم صورا بعد موتهم ليتذكروا بها فيقتدوابهم ، فلما ذهب العلم زين لهم الشيطان عبادة صورهم وتماثيلهم بتعظيمها والتمسح بها والتقرب إليها ، ومسحها : إمرار اليد عليها تبركا وتوسلا بها ، وكذلك فعل الناس بقبور الصالحين ، وسرى ذلك من الوثنيين إلى أهل الكتاب فالمسلمين ، فالاصنام في ذلك سواء) .
83- كراهية ال*** عند القبر
نهى الشارع عن ال*** عند القبر تجنبا لما كانت تفعله الجاهلية ، وبعدا عن التفاخر والمباهاة .
فقد روى أبو داود عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لاعقر في الاسلام "
قال عبد الرزاق : كانوا يعقرون عند القبر بقرة أو شاة .
قال الخطابي : كان أهل الجاهلية يعقرون الابل على قبر الرجل الجواد ، يقولون : نجازيه على فعله ، لانه كان يعقرها في حياته ، فيطعمها الاضياف ، فنحن نعقرها عند قبره لتأكلها السباع والطير : فيكون مطعما بعد مماته كما كان مطعما في حياته قال الشاعر : عقرت على قبر النجاشي ناقتي بأبيض عضب أخلصته صياقله على قبر من لو أنني مت قبله لهانت عليه عند قبري رواحله ومنهم من كان يذهب في ذلك إلى أنه إذا عقرت راحلته عند قبره حشر في القيامة راكبا ، ومن لم يعقر عنه حشر راجلا ، وكان على مذهب من يرى البعث منهم بعد الموت .
84- النهي عن الجلوس على القبر والاستناد إليه والمشي عليه :
لا يحل القعود على القبر ولا الاستناد إليه ، ولا المشي عليه ، لما رواه عمرو بن حزم قال : رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم متكثا على قبر . فقال : " لا تؤذ صاحب هذا القبر . " أو " لاتؤذه " ، رواه أحمد بإسناد صحيح .
وعن أبي هريرة قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لان يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر . " رواه أحمد ، ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه .
والقول بالحرمة مذهب ابن حزم ، لما ورد فيه من الوعيد ، قال : وهو قول جماعة من السلف ، منهم أبو هريرة . ومذهب الجمهور : أن ذلك مكروه .
قال النووي : عبارة الشافعي في الام ، وجمهور الاصحاب في الطرق كلها : أنه يكره الجلوس ، وأرادوا به كراهة التنزيه ، كما هو المشهور في استعمال الفقهاء ، وصرح به كثير منهم ،
قال : وبه قال جمهور العلماء منهم النخعي والليث وأحمد وداود ، قال : ومثله في الكراهة الاتكاء عليه والاستناد إليه . وذهب ابن عمر من الصحابة وأبو حنيفة ومالك إلى جواز القعود على القبر
. قال في الموطأ : إنما نهى عن القعود على القبور فيما نرى " نظن " للذاهب يقصد لقضاء حاجة الانسان من البول أو الغائط . وذكر في ذلك حديثا ضعيفا . وضعف أحمد هذا التأويل . وقال : ليس هذا بشئ .
وقال النووي : هذا تأويل ضعيف أو باطل ، وأبطله كذلك ابن حزم من عدة وجوه . وهذا الخلاف في غير الجلو س لقضاء الحاجة ، فاما إذا كان الجلوس لها ، فقد اتفق الفقهاء على حرمته ، كما اتفقوا على جواز المشي على القبور إذا كان هناك ضرورة تدعو إليه ، كما إذا لم يصل إلى قبر ميته إلا بذلك . النهي عن
85-تجصيص القبر والكتابة عليه
عن جابر قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبني عليه . رواه أحمد ومسلم والنسائي وأبو داود والترمذي وصححه . ولفظه : " نهى أن تجصص القبور ، وأن يكتب عليها وأن يبني عليها وأن توطأ (تداس) " وفي لفظ النسائي : " أن يبني على القبر أو يزاد عليه أو يجصص أو يكتب عليه " .
والتجصيص معناه الطلاء بالجص ، وهو الجير المعروف .
86- الميت في البحر
قال في المغني : إذا مات في سفينة في البحر ، فقال أحمد رحمه الله : ينتظر به إن كانوا يرجون أن يجدوا له موضعا يدفنونه فيه حبسوه يوما أو يومين ما لم يخافوا عليه الفساد . فإن لم يجدوا غسل ، وكفن ، وحنط ، ويصلى عليه ، ويثقل بشئ ويلقى في الماء . وهذا قول عطاء والحسن .
قال الحسن : يترك في زنبيل . ويلقى في البحر . وقال الشافعي : يربط بين لوحين ليحمله البحر إلى الساحل ، فربما وقع إلى قوم يدفنونه ، وإن ألقوه في البحر لم يأثموا ، والاول أولى ، لانه يحصل به الستر المقصود من دفنه ، وإلقاؤه بين لوحين تعريض له للتغير والهتك . وربما بقي على الساحل مهتوكا عريانا وربما وقع إلى قوم من المشركين ، فكان ما ذكرناه أولى .
87- وضع الجريدة على القبر
لايشرع وضع الجريد ولا الزهور فوق القبر ، وأما ما رواه البخاري وغيره عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على قبرين فقال : " إنهما يعذبان ، وما يعذبان في كبير ، أما هذا فكان لا يستنزه من البول ، وأما هذا فكان يمشي بالنميمة ، ثم دعا بعسيب رطب فشقه باثنين ، ثم غرس على هذا واحدا ، وعلى هذا واحدا ، وقال : " لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا "
فقد أجاب عنه الخطابي بقوله : وأما غرسه شق العسيب على القبر ، وقوله : " لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا " فإنه من ناحية التبرك بأثر النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه بالتخفيف عنهما ، وكأنه صلى الله عليه وسلم جعل مدة بقاء النداوة فيهما حدا لما وقعت به المسألة من تخفيف العذاب عنهما ، وليس ذلك من أجل أن في الجريد الرطب معنى ليس في اليابس . والعامة في كثير من البلدان تفرش الخوص في قبور موتاهم ، وأراهم ذهبوا إلى هذا وليس لما تعاطوه وجه . وما قاله الخطابي صحيح ، وهذا هو الذي فهمه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ لم ينقل عن أحد منهم أنه وضع جريدا ولا أزهارا على قبر سوى بريدة الاسلمي ، فإنه أوصى أن يجعل في قبره جريدتان . رواه البخاري .
ويبعد أن يكون وضع الجريد مشروعا ويخفى على جميع الصحابة ما عدا بريدة . قال الحافظ في الفتح : وكأن بريدة حمل الحديث على عمومه ، ولم يره خاصا بذينك الرجلين .
قال ابن رشيد : ويظهر من تصرف البخاري أن ذلك خاص بهما ، فلذلك عقبه بقول ابن عمر حين رأى فسطاطا على قبر عبد الرحمن : انزعه يا غلام فإنما يظله عمله . وفي كلام ابن عمر ما يشعر بأنه لا تأثير لما يوضع على القبر ، بل التأثير للعمل الصالح .
88- المرأة تموت وفي بطنها جنين حي إ
ذا ماتت المرأة وفي بطنها جنين حي وجب شق بطنها لاخراج الجنين إذا كانت حياته مرجوة ، ويعرف ذلك بواسطة الاطباء الثقات .
89- المرأة الكتابية تموت وهي حامل من مسلم
تدفن وحدها روى البيهقي عن واثلة بن الاسقع : أنه دفن امرأة نصرانية في بطنها ولد مسلم في مقبرة ليست بمقبرة النصارى ولا المسلمين ، واختار هذا الامام أحمد لانها كافرة لا تدفن في مقبرة المسلمين ، فيتأذوا بعذابها ، ولافي مقبرة الكفار لان ولدها مسلم فيتأذى بعذابهم .
90- تفضيل الدفن في المقابر
قال ابن قدامة : والدفن في مقابر المسلمين أحب إلى أبي عبد الله من الدفن في البيوت ، لانه أقل ضررا على الاحياء من ورثته ، وأشبه بمساكن الاخرة وأكثر للدعاء له والترحم عليه ، ولم يزل الصحابة والتابعون ومن بعدهم يقبرون في الصحارى . فإن قيل : فالنبي صلى الله عليه وسلم قبر في بيته ، وقبر صاحباه معه . قلنا : قالت عائشة : إنما فعل ذلك لئلا يتخذ قبره مسجدا . رواه البخاري . ولان النبي صلى الله عليه وسلم كان يدفن أصحابه بالبقيع ، وفعله أولى من فعل غيره ، وإنما أصحابه رأوا تخصيصه بذلك . ولانه روى " يدفن الانبياء حيث يموتون " وصيانة له عن كثرة الطراق ، وتمييزا له عن غيره . وسئل أحمد عن الرجل يوصي أن يدفن في داره ؟ قال يدفن في المقابر مع المسلمين .
91- النهي عن سب الاموات
لا يحل سب أموات المسلمين ولاذكر مساويهم ، لما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لاتسبوا الاموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا "
وروى أبو داود والترمذي بسند ضعيف عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " اذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساويهم "
، أما المسلمون المعلنون بفسق أو بدعة ، أو عمل فاسد فإنه يباح ذكر مساويهم إذا كان فيه مصلحة تدعو إليه ، كالتحذير من حالهم والتنفير من قولهم وترك الاقتداء بهم ، وإن لم تكن فيه مصلحة فلا يجوز .
وقد روى البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه قال : " مروا بجنازة فأثنوا عليها خيرا . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " وجبت . " ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شرا ، فقال : " وجبت " ، فقال عمر رضي الله عنه : ما وجبت ؟ قال : " هذا أثنيتم عليه خيرا فوجبت له الجنة ، وهذا أثنيتم عليه شرا فوجبت له النار . أنتم شهداء الله في الارض " .
ويجوز سب أموات الكفار ولعنهم . قال الله تعالى : ( لعن الذين كفروا من بني إسرائيل . . . " وقال : " تبت يدا أبي لهب وتب ) ولعن فرعون وأمثاله ، وسبه مشهور في كتاب الله . وفيه : ( ألا لعنة الله على الظالمين ) .
92- نبش القبر ا
1-تفق العلماء على أن الموضع الذي يدفن المسلم فيه وقف عليه ما بقي شئ منه من لحم أو عظم ، فإن بقي شئ منه فالحرمة باقية لجميعه ، فإن بلي وصار ترابا جار الدفن في موضعه وجاز الانتفاع بأرضه في الغرس والزرع والبناء وسائر وجوه الانتفاع به ، ولو حفر القبر فوجد فيه عظام الميت باقية لايتم الحافر حفره . ولو فرغ من الحفر ، وظهر شئ من العظم جعل في جنب القبر وجاز دفن غيره معه . ومن دفن من غير أن يصلى عليه أخرج من القبر - إن كان لم يهل عليه التراب - وصلي عليه ، ثم أعيد دفنه . وإن كان أهيل عليه التراب حرم نبش قبره وإخراجه منه عند الاحناف والشافعية ورواية عن أحمد ، وصلي عليه وهو في القبر ، وفي رواية عن أحمد أنه ينبش ، ويصلى عليه .
وجوز الائمة الثلاثة نبش القبر لغرض صحيح مثل إخراج مال ترك في القبر ، وتوجيه من دفن إلى غير القبلة إليها ، وتغسيل من دفن بغير غسل ، وتحسين الكفن ، إلا أن يخشى عليه أن يتفسخ فيترك .
2-وخالف الاحناف في النبش من أجل هذه الامور واعتبروه مثلة ، والمثلة منهى عنها .
قال ابن قدامة : إنما هو مثلة في حق من تغير وهولا ينبش . قال : وإن دفن بغير كفن ففيه وجهان : أحدهما يترك ، لان القصد بالكفن ستره وقد حصل ستره بالتراب ، والثاني ينبش ويكفن ، لان التكفين واجب ، فأشبه الغسل .
قال أحمد : إذا نسي الحفار مسحاته في القبر جاز أن ينبش عنها . وقال في الشئ يسقط في القبر - مثل الفأس والدراهم - ينبش . قال : إذا كان له قيمة - يعني ينبش - قيل : فإن أعطاه أولياء الميت ؟ قال : إن أعطوه حقه أي شئ يريد . وقد ورد في ذلك ما رواه البخاري عن جابر . قال : أتى النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي بعد ما أدخل في حفرته فأمر به فأخرج ، فوضعه على ركبتيه ونفث عليه من ريقه وألبسه قميصا ، وروى عنه أيضا . قال : دفن مع أبي رجل فلم تطب نفسي حتى أخرجته (كان إخراجه له بعد مضي ستة أشهر على وفاته) فجعلته في قبر على حدة .
وقد بوب البخاري لهذين الحديثين . فقال : " باب : هل يخرج الميت من القبر واللحد لعلة ؟ " . وروى أبو داود عن عبد الله بن عمرو قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين خرجنا إلى الطائف ، فمررنا بقبر . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هذا قبر أبي رغال ، وكان بهذا الحرم يدفع عنه ، فلما خرج أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان فدفن فيه وآية ذلك : أنه دفن معه غصن من ذهب إن أنتم نبشتم عنه أصبتموه معه ، فابتدره الناس ، فاستخرجوا الغصن " .
قال الخطابي : فيه دليل على جواز نبش قبور المشركين إذا كان فيه أرب أو نفع للمسلمين . وأنه ليست حرمتهم في ذلك كحرمة المسلمين .
93- نقل الميت
يحرم عند الشافعية نقل الميت من بلد إلى بلد إلا أن يكون بقرب مكة أو المدينة أو بيت المقدس ، فإنه يجوز النقل إلى إحدى هذه البلاد لشرفها وفضلها .
ولو أوصى بنقله إلى غير هذه الاماكن الفاضلة لا تنفذ وصيته لما في ذلك من تأخير دفنه وتعرضه للتغير . ويحرم كذلك نقله من القبر إلا لغرض صحيح ، كأن دفن من غير غسل ، أو إلى غير القبلة ، أو لحق القبر سيل أو ندوة .
قال في المنهاج : ونبشه بعد دفنه للنقل وغيره حرام إلا لضرورة ، كأن دفن بلا غسل أو في أرض ، أو ثوب مغصوبين ، أو وقع مال ، أو دفن لغير القبلة .
وعند المالكية : يجوز نقله من مكان إلى مكان آخر ، قبل الدفن وبعده لمصلحة ، كأن يخاف عليه أن يغرقه البحر أو يأكله السبع ، أو لزيارة أهله له ، أو لدفنه بينهم ، أو رجاء بركته للمكان المنقول إليه ونحو ذلك . فالنقل حينئذ جائز ما لم تنتهك حرمة الميت بانفجاره أو تغيره أو كسر عظمه . وعند الاحناف : يكره النقل من بلد إلى بلد ، ويستحب أن يدفن كل في مقبرة البلد التي مات بها ، ولا بأس بنقله قبل الدفن نحو ميل أو ميلين لان المسافة إلى المقابر قد تبلغ هذا المقدار ، ويحرم النقل بعد الدفن إلا لعذر كما تقدم . ولو مات ابن لامرأة ودفن في غير بلدها وهي غائبة ولم تصبر ، وأرادت نقله ، لاتجاب إلى ذلك . وقالت الحنابلة : يستحب دفن الشهيد حيث *** .
قال أحمد : أما ال***ى ، فعلى حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ادفنوا ال***ى في مصارعهم " وروى ابن ماجه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمر ب***ى أحد أن يردوا إلى مصارعهم . فأما غيرهم فلا ينقل الميت من بلد إلى بلد آخر إلا لغرض صحيح ، وهذا مذهب الاوزاعي وابن المنذر . قال عبد الله بن ملكيه : توفي عبد الرحمن بن أبي بكر بالحبش فحمل إلى مكة فدفن ، فلما قدمت عائشة أتت قبره . ثم قالت : والله لو حضرتك ما دفنت إلا حيث مت ، ولو شهدتك ما زرتك . لان ذلك أخف لمؤنته وأسلم له من التغير ، فأما إن كان فيه غرض صحيح جاز .
قال أحمد : ما أعلم بنقل الرجل يموت في بلده إلى بلد أخرى بأسا . وسئل الزهري عن ذلك ؟ فقال : قد حمل سعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد من العقيق إلى المدينة
94-التعزية العزاء :
الصبر . والتعزية التصبير والحمل على الصبر بذكر ما يسلي المصاب ويخفف حزنه ويهون عليه مصيبته . حكمها : التعزية مستحبة ولو كان ذميا ، لما رواه ابن ماجة والبيهقي بسند حسن عن عمرو بن حزم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله عزوجل من حلل الكرامة يوم القيامة "
وهي لا تستحب إلا مرة واحدة . وينبغي أن تكون التعزية لجميع أهل الميت وأقاربه الكبار والصغار والرجال والنساء ) استثنى العلماء الشابة الفاتنة . فقالوا : لامعز بها الا محارمها .) . سواء أكان ذلك قبل الدفن أم بعده ، إلى ثلاثة أيام ، إلا إذا كان المعزي أو المعزى غائبا ، فلا بأس بالتعزية بعد الثلاث .
95-زيارة القبور
ومن مشكاة المصابيح لللالبانى باب زيارة القبور -
- [ 1 ] ( صحيح ) عن بريدة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث فأمسكوا ما بدا لكم ونهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء فاشربوا في الأسقية كلها ولا تشربوا مسكرا " . رواه مسلم
- [ 2 ] ( صحيح ) وعن أبي هريرة قال : زار النبي صلى الله عليه و سلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله فقال : " استأذنت ربي في ان أستغفر لها فلم يؤذن لي ن واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي فزوروا القبور فإنها تذكر الموت " . رواه مسلم
- [ 3 ] ( صحيح ) وعن بريدة قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر : " السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء ا لله بكم للاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية " . رواه مسلم
- [ 5 ] ( صحيح ) وعن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم كلما كان ليلتها من رسول الله صلى الله عليه و سلم يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول : " السلام عليكم دار قوم مؤمنين وأتاكم ما توعدون غدا مؤجلون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد " . رواه مسلم
- [ 6 ] ( صحيح ) وعن عائشة رضي الله عنها قالت : كيف أقول يا رسول الله ؟ تعني في زيارة القبور قال : " قولي : السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين وإنا إن شاء الله بكم للاحقون " . رواه مسلم
- [ 9 ] ( صحيح ) وعن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لعن زوارات القبور . رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح
وقال : قد رأى بعض أهل العلم أن هذا كان قبل أن يرخص النبي في زيارة القبور فلما رخص دخل في رخصته الرجال والنساء . وقال بعضهم : إنما كره زيارة القبور للنساء لقلة صبرهن وكثرة جزعهن . تم كلامه
1771 - [ 10 ] ( صحيح ) وعن عائشة قالت : كنت أدخل بيتي الذي فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم وإني واضع ثوبي وأقول : إنما هو زوجي وأبي فلما دفن عمر رضي الله عنه معهم فوالله ما دخلته إلا وأنا مشدودة علي ثيابي حياء من عمر . رواه أحمد
96-زيارة القبور مستحبة للرجال .
لما رواه أحمد ومسلم وأصحاب السنن عن عبد الله بن بريدة عن أبيه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كنت نهيتكم عن زيارة القبور ، فزوروها . فإنها تذكركم الاخرة "
وكان النهي ابتداء لقرب عهدهم بالجاهلية ، وفي الوقت الذي لم يكونوا يتورعون فيه عن هجر الكلام وفحشه ، فلما دخلوا في الاسلام واطمأنوا به وعرفوا أحكامه ، أذن لهم الشارع بزيارتها : وعن أبي هريرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم زار قبر أمه فبكى وأبكى من حوله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " استأذنت ربي أن استغفر لها ، فلم يؤذن لي ، واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي . فزوروها ، فإنها تذكر الموت " رواه احمد ومسلم وأهل السنن إلا الترمذي .
ولما كان المقصود من الزيارة التذكر والاعتبار ، جاز زيارة قبور الكفرة لهذا المعنى نفسه ، فإن كانوا ظالمين وأخذهم الله بظلمهم ، استحب البكاء واظهار الافتقار إلى الله عند المرور بقبورهم وبمصارعهم
، لما رواه البخاري عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لاصحابه - يعني لما وصلوا الحجر - ديار لثمود - " لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين ، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم لا يصيبكم ما أصابهم " .
97-صفة الزيارة
إذا وصل الزائر إلى القبر استقبل وجه الميت وسلم عليه ودعا له ، وقد جاء في ذلك :
1 - عن بريدة قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقول قائلهم : " السلام عليكم أهل (أهل " منصوب على الاختصاص أو النداء) الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، أنتم فرطنا ونحن لكم تبع ، ونسأل الله لنما ولكم العافية . " رواه احمد ومسلم وغيرهما .
2 - وعن ابن عباس : ان النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبور المدينة ، فأقبل عليهم بوجهه فقال : " السلام عليكم يا أهل القبور . يغفر الله لنا ولكم ، أنتم سلفنا ونحن بالاثر " رواه الترمذي .
3 - وعن عائشة قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم كلما كان ليلتها ، يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول : السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وأتاكم ما توعدون غدا مؤجلون ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون . اللهم اغفر لاهل بقيع الغرقد " رواه مسلم .
4 - وروى عنها قالت : قلت : كيف أقول لهم يا رسول الله ؟ قال : " قولي : السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون " .
وأما ما يفعله بعض من لاعلم لهم ، من التمسح بالاضرحة وتقبيلها والطواف حولها ، فهو من البدع المنكرة ، التي يجب اجتنابها ويحرم فعلها ، فإن ذلك بالكعبة زادها الله شرفا . ولا يقاس عليها قبر نبي ولا ضريح ولي والخير كله في الاتباع ، والشر كله في الابتداع .
قال ابن القيم : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا زار القبور يزورها للدعاء لاهلها والترحم عليهم والاستغفار لهم . فأبى المشركون إلا دعاء الميت والاقسام على الله به وسؤاله الحوائج والاستعانة به ، والتوجه إليه ، بعكس هديه صلى الله عليه وسلم ، فإنه هدي توحيد وإحسان إلى الميت ، وهدي هؤلاء شرك وإساءة إلى نفوسهم وإلى الميت ، وهم ثلاثة أقسام إما أن يدعوا للميت ، أو يدعوا به ، أو عنده ، ويرون الدعاء عنده أولى من الدعاء في المساجد ، ومن تأمل هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه تبين له الفرق بين الامرين .
98- زيارة النساء
رخص مالك وبعض الاحناف ورواية عن أحمد وأكثر العلماء ، في زيارة النساء للقبور ، لحديث عائشة : كيف أقول لهم يارسول الله - أي عند زيارتها للقبور - . وقد تقدم عن عبد الله بن أبي مليكة ، أن عائشة أقبلت ذات يوم من المقابر ، فقلت : يا أم المؤمنين من أين أقبلت ؟ قالت : من قبر أخي عبد الرحمن فقلت لها : أليس كان نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن زيارة القبور ؟ قالت نعم . كان نهى عن زيارة القبور ، ثم أمر بزيارتها . رواه الحاكم والبيهقي وقال : تفرد به بسطام بن مسلم البصري . وقال الذهبي : صحيح .
وفي الصحيحين عن أنس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بامرأة عند قبر تبكي على صبي لها ، فقال لها : " اتقي الله ، واصبري " ، فقالت : وما تبالي بمصيبتي . فلما ذهب قيل لها : إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذها مثل الموت ، فأتت بابه ، فلم تجد على بابه بوابين ، فقالت : يارسول الله ، لم أعرفك . فقال : " إنما الصبر عند الصدمة الاولى . " ووجهة الاستدلال أن الرسول صلى الله عليه وسلم رآها عند القبر فلم ينكر عليها ذلك .
ولان الزيارة من أجل التذكير بالاخرة ، وهو أمر يشترك فيه الرجال والنساء ، وليس الرجال بأحوج إليه منهن . وكره قوم الزيارة لهن لقلة صبرهن وكثرة جزعهن ، ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لعن الله زوارات القبور " رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه . قال القرطبي : اللعن المذكور في الحديث إنما هو للمكثرات من الزيارة لما تقتضيه الصيغة من المبالغة . ولعل السبب ما يفضي إليه ذلك من تضييع حق الزوج والتبرج . وما ينشأ من الصياح ، ونحو ذلك . وقد يقال : إذا أمن جميع ذلك فلا مانع من الاذن لهن ، لان تذكر الموت يحتاج إليه الرجال والنساء .
قال الشوكاني - تعليقا على كلام القرطبي - : وهذا الكلام هو الذي ينبغي اعتماده في الجمع بين أحاديث الباب المتعارضة في الظاهر . الاعمال التي تنفع الميت وهل يجوز إهداء الثواب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ من المتفق عليه : أن الميت ينتفع بما كان سببا فيه من أعمال البر في حياته
، لما رواه مسلم وأصحاب السنن عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له "
وروى ابن ماجة عنه : أنه صلى الله عليه وسلم قال : " إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته ، علما علمه ونشره ، أو ولدا صالحا تركه أو مصحفا ورثه . أو مسجدا بناه ، أو بيتا بناه لابن السبيل أو نهرا أكراه أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته ، تلخه من بعد موته .
" وروى مسلم عن جرير بن عبد الله : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من سن في الاسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم ، ومن سن في الاسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ، ووزر من يعمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شئ "
أما ما ينتفع به من أعمال البر الصادرة عن غيره فبيانها فيما يلي :
1 - الدعاء والاستغفار له ، وهذا مجمع عليه لقول الله تعالى : ( والذين جاؤا من بعدهم يقولون : ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ، ربنا إنك رؤوف رحيم ) ، وتقدم قول الرسول صلى الله عليه وسلم : " إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء "
وحفظ من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" اللهم اغفر لحينا وميتنا "
ولا زال السلف والخلف يدعون للاموات ويسألون لهم الرحمة والغفران دون إنكار من أحد .
2 - الصدقة :
وقد حكى النووي الاجماع على أنها تقع عن الميت ويصله ثوابها سواء كانت من ولد أو غيره ، لما رواه أحمد ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة : أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم : إن أبي مات وترك مالا ولم يوص ، فهل يكفر عنه أن أتصدق عنه ؟ قال : " نعم " .
وعن الحسن عن سعد ابن عبادة . أن امه ماتت . فقال : يارسول الله : إن أمي ماتت ، أفأتصدق عنها ؟ قال : " نعم " . قلت : فأي الصدقة أفضل ؟ قال : " سقي الماء " قال الحسن : فتلك سقاية آل سعد بالمدينة . رواه أحمد والنسائي وغيرهما . ولا يشرع إخراجها عند المقابر ، ويكره إخراجها مع الجنازة .
3 - الصوم :
لما رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها ؟ قال : " لو كان على أمك دين أكنت قاضيه عنها " ؟ قال : نعم . قال : " فدين الله أحق أن يقضى " .
4 - الحج :
لما رواه البخاري عن ابن عباس : أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها ؟ قال : " حجي عنها ، أرأيت لو كان على أمك دين ، أكنت قاضيته ؟ اقضوا فالله أحق بالقضاء " .
5 - الصلاة :
لما رواه الدار قطني أن رجلا قال : يارسول الله ، إنه كان لي أبوان أبرهما في حال حياتهما فكيف لي ببرهما بعد موتهما ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : " إن من البر بعد الموت أن تصلي لهما مع صلاتك ، وأن تصوم لهما مع صيامك " .
99- أولاد المسلمين وأولاد المشركين
من مات من أولاد المسلمين الذين لم يبلغوا الحلم فهو في الجنة ، لما رواه البخاري عن عدي بن ثابت : أنه سمع البراء رضي الله عنه قال : لما توفي ابراهيم عليه السلام ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن له مرضعا في الجنة "
قال الحافظ في الفتح : وإيراد البخاري له في هذا الباب ، يشعر باختيار القول : " إلى أنهم في الجنة " .
وروى عن أنس بن مالك قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من الناس مسلم يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم " .
ووجه الاستدلال بهذا الحديث أن من يكون سببا في دخول الجنة أولى ، بأن يدخلها هو ، لانه أصل الرحمة وسببها . وأما أولاد المشركين فهم مثل أولاد المسلمين ، في دخولهم الجنة .
قال النووي : وهو المذهب الصحيح المختار الذي صار إليه المحققون لقوله تعالى : ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) وإذا كان لا يعذب العاقل لكونه لم تبلغه الدعوة فلان لا يعذب غير العاقل من باب أولى .
ولما رواه أحمد عن خنساء بنت معاوية بن صريم عن عمتها قالت : قلت يا رسول الله ، من في الجنة ؟ قال : " النبي في الجنة ، والشهيد في الجنة ، والمولود في الجنة " قال الحافظ : إسناده حسن
100-. سؤال القبر
1-اتفق أهل السنة والجماعة على أن كل إنسان يسأل بعد موته ، قبر أم لم يقبر ، فلو أكلته السباع أو احرق حتى صار رمادا ونسف في الهواء أو غرق في البحر لسئل عن أعماله ، وجوزي بالخير خيرا وبالشر شرا ، وأن النعيم أو العذاب على النفس والبدن معا . قال ابن القيم : مذهب سلف الامة وائمتها ان الميت إذا مات ، يكون في نعيم أو عذاب ، وأن ذلك يحصل لروحه وبدنه ، وأن الروح تبقى بعد مفارقة البدن ، منعمة أو معذبة ، وأنها تتصل بالبدن أحيانا ويحصل له معها النعيم أو العذاب ، ثم إذا كان يوم القيامة الكبرى أعيدت الارواح إلى الاجساد ، وقاموا من قبورهم لرب العالمين . ومعاد الابدان متفق عليه بين المسلمين واليهود والنصارى .
2-وقال المروزي : قال أبو عبد الله يعني الامام أحمد - : عذاب القبر حق لا ينكره إلا ضال مضل . وقال حنبل : قلت لابي عبد الله في عذاب القبر . فقال : هذه أحاديث صحاح نؤمن بها ونقر بها ، وكل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد جيد أقررنا به ، فإنا إذا لم نقر بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم . ودفعناه ورددناه ، رددنا على الله أمره قال الله تعالى : ( وما آتاكم الرسول فخذوه ) . قلت له : وعذاب القبر حق ؟ قال : حق . يعذبون في القبور . قال : وسمعت أبا عبد الله يقول : نؤمن بعذاب القبر ، وبمنكر ونكير ، وأن العبد يسأل في قبره : ف ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ) في القبر .
وقال أحمد بن القاسم : قلت : يا أبا عبد الله ، تقر بمنكر ونكير ، وما يروى في عذاب القبر ؟ فقال : سبحان الله . . . نعم نقر بذلك ونقوله . قلت هذه اللفظة تقول : منكر ونكير هكذا . أو تقول : ملكين ؟ قال منكر ونكير . قلت : يقولون : ليس في حديث منكر ونكير . قال : هو هكذا يعني أنهما منكر ونكير .
3- قال الحافظ في الفتح : وذهب أحمد بن حزم وابن هبيرة إلى أن السؤال يقع على الروح فقط ، من غير عود إلى الجسد . وخالفهم الجمهور فقالوا : تعاد الروح إلى الجسد أو بعضه كما ثبت في الحديث ، ولو كان على الروح فقط لم يكن للبدن بذلك اختصاص ، ولا يمنع من ذلك كون الميت قد تتفرق أجزاؤه . لان الله قادر أن يعيد الحياة إلى جزء من الجسد ويقع عليه السؤال . كما هو قادر على أن يجمع أجزاءه
. والحامل للقائلين بأن السؤال يقع على الروح فقط ، أن الميت قد يشاهد في قبره حال المسألة لا أثر فيه ، من إقعاد ولاغيره ولاضيق في قبره ولاسعة ، وكذلك غير المقبور كالمصلوب . وجوابهم أن ذلك غير ممتنع في القدرة : بل له نظير في العادة . وهو النائم . فإنه يجد لذة ، وألما لا يدركه جليسه ، بل اليقظان قد يدرك ألما ولذة لما يسمعه أو يفكر فيه ، ولا يدرك ذلك جليسه وإنما أتى الغلط من قياس الغائب على الشاهد ، وأحوال ما بعد الموت على ما قبله .
والظاهر أن الله تعالى صرف أبصار العباد وأسماعهم عن مشاهدة ذلك وستره عنهم ، إبقاء عليهم لئلا يتدافنوا ، وليست للجوارح الدنيوية قدرة على إدراك أمور الملكوت إلا من شاء الله .
4-وقد ثبتت الاحاديث بما ذهب إليه الجمهور ،
كقوله : " إنه ليسمع خفق نعالهم " وقوله : " تختلف أضلاعه لضمة القبر ، وقوله : " يسمع صوته إذا ضربه بالمطراق " وقوله : " يضرب بين أذنيه " وقوله : " فيقعدانه " وكل ذلك من صفات الاجساد ونحن نذكر بعض ما ورد في ذلك من الاحاديث الصحيحة :
1 - روى مسلم عن زيد بن ثابت قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حائط ( 1 ) لبني النجار على بغلته ونحن معه إذ حادت ( 2 ) به فكادت تلقيه فإذا قبر ستة ، أو خمسة ، أو أربعة ، فقال : " من يعرف أصحاب هذه القبور ؟ " فقال رجل : أنا . قال : " فمتى مات هؤلاء " ؟ قال : ماتوا في الاشراط . فقال : " ان هذه الامة تبتلى في قبورها . فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه " ثم أقبل علينا بوجهه . فقال : " تعوذوا بالله من عذاب النار . " قالوا : نعوذ بالله من عذاب النار ، قال : " تعوذوا بالله من عذاب القبر " . قالوا : نعوذ بالله من عذاب القبر ، قال : " تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن " . قالوا : نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن . قال : " تعوذوا بالله من فتنة الدجال . " قالوا : نعوذ بالله من فتنة الدجال .
2 - وروى البخاري ومسلم عن قتادة عن أنس : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه ، وإنه ليسمع قرع نعالهم ، أتاد ملكان فيقعدانه ، فيقولان له : ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ - لمحمد - فأما المؤمن فيقول : أشهد أنه عبد الله ورسوله . قال : فيقولان : أنظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة ، فيراهما جميعا . وأما الكافر ، والمنافق ، فيقال له ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ فيقول : لا أدري ، كنت أقول ما يقول الناس . فيقولان . لادريت ولاتليت (لادريت ولاتليت : دعاء عليه : أي لا كنت داريا ولا تاليا ، أو إخبار بحاله فانه لم يكن قد علم بنفسه ولا سأل غيره من العلماء ) ، ويضرب بمطارق من حديد ضربة فيصيح صيحة فيسمعها فيسمعها من يليه ، غير الثقلين . "
3 - وروى البخاري ومسلم وأصحاب السنن عن البراء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : " المسلم إذا سئل في قبره فشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، فذلك قول الله : ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الاخرة ) وفي لفظ : نزلت في عذاب القبر . يقال له : من ربك ؟ فيقول : الله ربي ، ومحمد نبيي ، فذلك قول الله : ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الاخرة ) " .
4 - وفي مسند الامام أحمد وصحيح أبي حاتم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الميت إذا وضع في قبره إنه يسمع خفق نعالهم حين يولون عنه . فإن كان مؤمنا كانت الصلاة عند رأسه ، والصيام عن يمينه ، والزكاة عن شماله ، وكان فعل الخيرات من الصدقة ، والصلة ، والمعروف والاحسان ، عند رجليه ، فيؤتى من قبل رأسه ، فتقول الصلاة : ما قبلي مدخل ثم يؤتى من يمينه ، فيقول الصيام : ما قبلي مدخل ، ثم يؤتى من يسارد ، فتقول الزكاة : ما قبلي مدخل . ثم يؤتى من قبل رجليه ، فيقول فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والاحسان : ما قبلي مدخل فيقال له : اجلس فيجلس ، قد مثلت له الشمس وقد أخذت للغروب ، فيقال له : هذا الرجل الذي كان فيكم ما تقول فيه ؟ وماذا تشهد به عليه ؟ فيقول : دعوني حتى أصلي ، فيقولان : إنك ستصلي ، أخبرنا عما نسألك عنه ؟ أرأيتك (أخبرنا) هذا الرجل الذي كان فيكم ما تقول فيه ؟ وما تشهد به عليه ؟ فيقول : محمد . أشهد أنه رسول الله جاء بالحق من عند الله ، فيقال له : على ذلك حييت ، وعلى ذلك مت ، وعلى ذلك تبعث إن شاء الله ، ثم يفتح له باب إلى الجنة . فيقال له : هذا مقعدك وما أعد الله لك فيها . فيزداد غبطة وسرورا . ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعا وينور له فيه ، ويعاد الجسد لما بدئ منه ، وتجعل نسمته (روحه) في النسيم الطيب ، وهي طير معلق في شجر الجنة ، قال : فذلك قول الله تعالى : ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الاخرة ) . وذكر في الكافر ضد ذلك إلى أن قال : " ثم يضيق عليه في قبره إلى أن تختلف فيه أضلاعه ، فتلك المعيشة الضنك التي قال الله تعالى : ( فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى ) " .
5 - وفي صحيح البخاري عن سمرة بن جندب قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة أقبل علينا بوجهه فقال : " من رأى منكم الليلة رؤيا ؟ " قال : فإن رأى أحد رؤيا قصها ، فيقول : " ما شاء الله " فسألنا يوما ، فقال : " هل رأى أحد منكم رؤيا ؟ " قلنا : لا . قال : " لكني رأيت الليلة رجلين أتياني فأخذا بيدي ، وأخرجاني إلى الارض المقدسة ، فإذا رجل جالس . ورجل قائم بيده كلوب من حديد ، يدخله في شدقه حتى يبلغ قفاه ، ثم يفعل بشدقه الآخر مثل ذلك ويلتئم شدقه هذا فيعود فيصنع مثله ، قلت : ما هذا ؟ قالا : انطلق ، فانطلقنا حتى أتينا على رجل مضطجع على قفاه ورجل قائم على رأسه بصخرة أو فهر (حجر مل ء الكف) فيشدخ بها رأسه . فإذا ضربه تدهده (تدحرج) الحجر فانطلق إليه ليأخذه فلا يرجع إلى هذا حتى يلتئم رأسه ، وعاد رأسه كما هو ، فعاد إليه فضربه . قلت : ماهذا ؟ قالا : انطلق . فانطلقنا إلى نقب مثل التنور ، أعلاه ضيق ، وأسفله واسع ، يوقد تحته نار . فإذا فيه رجال ونساء عراة فيأتيهم اللهب من تحتهم فإذا اقترب ارتفعوا حتى كادوا يخرجوا فإذا خمدت رجعوا . فقلت : ماهذا ؟ قالا : انطلق . فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم ، فيه رجل قائم وعلى وسط النهر رجل بين يديه حجارة ، فأقبل الرجل الذي في النهر ، فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه فرده حيث كان ، فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر ، فرجع كما كان . فقلت : ما هذا ؟ قالا : انطلق . فانطلقنا وأدخلاني دارا لم أر قط أحسن منها . فيها شيوخ وشبان ، ثم صعداني ، فأدخلاني دارا هي أحسن وأفضل ، قلت : طوفتماني الليلة فأخبراني عما رأيت ؟ قالا : نعم ، الذي رأيته يشق شدقه كذاب يحدث بالكذبة . فتحمل عنه حتى تبلغ الآفاق فيصنع به إلى يوم القيامة ، والذي رأيته يشدخ رأسه ، فرجل علمه الله القرآن فنام عنه بالليل ، ولم يعمل به بالنهار ، يفعل به إلى يوم القيامة . وأما الذي رأيته في النقب فهم الزناة ، والذي رأيته في النهر فآكل الربا ،
وأما الشيخ الذي في أصل الشجرة فإبراهيم ، وأما الصبيان حوله فأولاد الناس ، والذي يوقد النار ، فمالك خازن النار ، والدار الاولى دار عامة المؤمنين ، وأما هذه الدار فدار الشهداء ، وأنا جبريل وهذا ميكائيل ، فارفع رأسك ، فرفعت رأسي فإذا قصر مثل السحابة ، قالا : ذلك منزلك ، قلت دعاني أدخل منزلي ، قالا : إنه بقي لك عمر لم تستكمله ، فلو استكملته أتيت منزلك " قال ابن القيم : وهذا نص في عذاب البرزخ ، فإن رؤيا الانبياء وحي مطابق لما في نفس الامر .
6 - وروى الطحاوي عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أمر بعبد من عباد الله أن يضرب في قبره مائة جلدة ، فلم يزل يسأل الله ويدعوه حتى صارت واحدة ، فامتلا قبره عليه نارا فلما ارتفع عنه أفاق ، قال : علام جلدتموني ؟ قالوا إنك صليت صلاة بغير طهور ، ومررت على مظلوم فلم تنصره " .
7 - وعن أنس : أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع صوتا من قبر ، فقال : " متى مات هذا ؟ " فقالوا : مات في الجاهلية فسر بذلك وقال : " لولا أن لاتدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم عذاب القبر " رواه النسائي ومسلم .
8 - وعن ابن عمر رضي عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " هذا الذي تحرك له العرش () هو سعد بن معاذ) وفتحت له أبواب السماء ، وشهده سبعون ألفا من الملائكة ، لقد ضم ضمة (ضمه القبر) ، ثم فرج عنه " رواه البخاري ومسلم والنسائي
101-. مستقر الارواح
عقد ابن القيم فصلا ذكر فيه أقوال العلماء في مستقر الارواح ثم ذكر القول الراجح فقال : قيل : الارواح متفاوتة في مستقرها في البرزخ أعظم التفاوت . فمنها : أرواح في أعلى عليين في الملا الاعلى ، وهي أرواح الانبياء
صلوات الله وسلامه عليهم ، وهم متفاوتون في منازلهم ، كما رآهم النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الاسراء .
1- ومنها : أرواح في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت (هذا نص الحديث) . وهي أرواح بعض الشهداء لاجميعهم ، بل من الشهداء من تحبس روحه عن دخول الجنة لدين عليه أو غيره كما في المسند عن محمد بن عبد الله بن جحش أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يارسول الله ، مالي إن ***ت في سبيل الله ؟ قال : " الجنة " فلما ولى ، قال : " إلا الدين ، سارني به جبريل آنفا . "
ومنهم من يكون محبوسا على باب الجنة ، كما في الحديث الاخر : " رأيت صاحبكم محبوسا على باب الجنة . "
ومنهم من يكون محبوسا في قبره كحديث صاحب الشملة التي غلها (غلها " أي سرقها من الغنيمة قبل القسمة ) ثم استشهد ، فقال الناس : هنيئا له الجنة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " والذي نفسي بيده إن الشملة التي غلها لتشتعل عليه نارا في قبره " .
ومنهم من يكون مقره باب الجنة كما في حديث ابن عباس " الشهداء على بارق نهر بباب الجنة في قبة خضراء يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشيا " رواه أحمد وهذا بخلاف جعفر بن أبي طالب ، حيث أبدله الله من يديه جناحين يطير بهما ، في الجنة حيث شاء .
2- ومنهم من يكون محبوسا في الارض ، لم تعل روحه إلى الملا الاعلى ، فإنها كانت روحا سفلية أرضية ، فإن الانفس الارضية لا تجامع الانفس السماوية ، كما لا تجامعها في الدنيا ، والنفس التي لم تكتسب في الدنيا معرفة ربها ومحبته وذكره والانس به والتقرب إليه ، بل هي أرضية سفلية ، ولا تكون بعد المفارقة لبدنها إلا هناك ، كما أن النفس العلوية التي كانت في الدنيا عاكفة على محبة الله وذكره ، والتقرب إليه ، والانس به ، تكون بعد المفارقة مع الارواح العلوية المناسبة لها ، فالمرء مع من أحب في البرزخ ويوم القيامة ، والله تعالى يزوج النفوس بعضها ببعض في البرزخ ويوم المعاد ويجعل روحه " يعني المؤمن "
3- مع القسم الطيب " يعني الارواح الطيبة المشاكلة لروحه " فالروح بعد المفارقة تلحق بأشكالها وإخوانها وأصحاب عملها فتكون معهم هناك . ومنها أرواح تكون في تنور الزناة والزواني ، وأرواح في نهر الدم ، تسبح فيه ، وتلقم الحجارة ، فليس للارواح - سعيدها وشقيها - مستقر واحد ، بل روح في أعلى عليين ، وروح أرضية سفلية لا تصعد عن الارض .
وأنت إذا تأملت السنن والاثار في هذا الباب ، وكان لك بها فضل اعتناء عرفت حجة ذلك . ولا تظن أن بين الاثار الصحيحة في هذا الباب تعارضا ، فإنها كلها حق يصدق بعضها بعضا ، لكن الشأن في فهمها ومعرفة النفس وأحكامها وأن لها شأنا غير شأن البدن ، وأنها مع كونها في الجنة فهي في السماء وتتصل بفناء القبر وبالبدن فيه ،
4-وهي أسرع شئ حركة وانتقالا وصعودا وهبوطا ، وأنها تنقسم إلى مرسلة ومحبوسة وعلوية وسفلية ، ولها بعد المفارقة صحة ومرض ، ولذة ونعيم وألم أعظم مما كان لها حال اتصالها بالبدن بكثير ، فهنالك الحبس والالم والعذاب والمرض والحسرة ، وهنالك اللذة والراحة والنعيم والانطلاق ،
5-وما أشبه حالها في هذا البدن بحال البدن في بطن أمه ! وحالتها بعد المفارقة بحاله بعد خروجه من البطن إلى هذه الدار ، فلهذه الانفس أربع دور ، كل دار أعظم من التي قبلها . الدار الاولى : في بطن الام ، وذلك الحصر والضيق والغم والظلمات الثلاث . والدار الثانية : هي الدار التي نشأت فيها وألفتها واكتسبت فيها الخير والشر وأسباب السعادة والشقاوة . والدار الثالثة : دار البرزخ ،
وهي أوسع من هذه الدار وأعظم ، بل نسبتها إليها كنسبة هذه الدار إلى الاولى . والدار الرابعة : دار القرار وهي الجنة والنار فلا دار بعدهما . والله ينقلها في هذه الدور طبقا بعد طبق حتى يبلغها الدار التي لا يصلح لها غيرها ولا يليق بها سواها وهي التي خلقت لها وهيئت للعمل الموصل لها إليها . ولها في كل دار من هذه الدور حكم وشأن غير شأن الدار الاخرى ، فتبارك الله فاطرها ومنشئها ومميتها ومحييها ومسعدها ومشقيها
، الذي فاوت بينها في درجات سعادتها وشقاوتها كما فاوت بينها في مراتب علومها وأعمالها وقواها وأخلاقها ، فمن عرفها كما ينبغي ، شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك كله ، وله الحمد كله ، وبيده الخير كله ، وإليه يرجع الامر كله ، وله القوة كلها ، والقدرة كلها والعز كله ، والحكمة كلها ، والكمال المطلق من جميع الوجوه ، وعرف بمعرفة نفسه صدق أنبيائه ورسله ، وأن الذي جاءوا به هو الحق الذي تشهد به العقول وتقر به الفطر وما خالفه فهو الباطل . . . وبالله التوفيق
واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين
===================الداعى للخير كفاعلة==============
===============لاتنسى===================
=======جنة عرضها السموات والارض======
====== لاتنسى ======
======سؤال رب العالمين ======
=======ماذا قدمت لدين الله======