عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 17-06-2017, 01:27 PM
سراج منير سراج منير غير متواجد حالياً
عضو خبير
 
تاريخ التسجيل: Jan 2017
المشاركات: 708
معدل تقييم المستوى: 8
سراج منير is on a distinguished road
افتراضي


18-: في أزواجه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ


]-أولاهن خديجة بنت خُويلد القرشية الأسدية، تزوجها قبل النبوة، ولها أربعون سنة، ولم يتزوجْ عليها حتى ماتت، وأولاده كلُّهم منها إلاَّ إبراهيمَ، وهي التي آزرته على النبوة، وجاهدت معه، وواسته بنفسها ومالها، وأرسل الله إليها السلامَ مع جبريل، وهذه خاصة لا تُعرف لامرأة سواها، وماتت قبل الهجرة بثلاث سنين.
2-ثم تزوج بعد موتها بأيام سَوْدة بنت زَمْعَة القُرشية، وهي التي وهبت يومها لعائشة.
3-ثم تزوج بعدها أمَّ عبد الله عائشة الصِّدِّيقة بنت الصِّدِّيق، المبرَّأة من فوق سبع سماوات، حبيبة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عائشة بنت أبي بكر الصِّدِّيق، وعرضها عليه المَلَكُ قبل نكاحها في سَرَقَةٍ من حرير وقال: "هذه زوجتك" تزوج بها في شوال وعمرها ست سنين، وبنى بها في شوال في السنة الأولى من الهِجرة وعمرها تسع سنين، ولم يتزوج بكراً غيرها، وما نزل عليه الوحي في لِحاف امرأة غيرها، وكانت أحبَّ الخلق إليه، ونزل عذرُهَا مِن السماء، واتفقت الأمة على كفر قَاذِفها، وهي أفقه نسائه وأعلمُهن، بل أفقهُ نساءِ الأمّة وأعلمهُنَّ على الإِطلاق، وكان الأكابرُ مِنْ أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرجعون إلى قولها ويستفتونها. وقيل: إنها أسقطت من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِقْطاً، ولم يثبت.


4-ثم تزوج حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وذكر أبو داود أنه طلقها، ثم راجعها.
5-ثم تزوج زينب بنت خزيمة بن الحارث القيسية، من بني هلال بن عامر، وتوفيت عنده بعد ضمه لها بشهرين.
6-ثم تزوج أمَّ سلمة هند بنت أبي أمية القرشية المخزومية، واسم أبي أمية حذيفة بن المغيرة، وهي آخر نسائه موتاً. وقيل: آخرهن موتاً صفية.
واختلف فيمن ولي تزويجها منه؟ فقال ابن سعد في "الطبقات": ولي تزويجها منه سلمة بن أبي سلمة دون غيره من أهل بيتها، ولما زوج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سلمة بن أبي سلمة أمامة بنت حمزة التي اختصم فيها علي وجعفر وزيد قال: "هل جزيتُ سلمة" يقول ذلك، لأن سلمة هو الذي تولى تزويجه دون غيره من أهلها،

وقال الإِمام أحمد في "المسند": : حدثني ابن عمر بن أبي سلمة، عن أبيه، عن أم سلمة أنها لما انقضت عِدَّتُهَا مِنْ أبي سلمة، بعث إليها رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالت: مَرْحَبَاً برسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إني امرأة غَيرى، وإني مُصْبِيَةٌ، وَلَيْسَ أحدٌ من أوليائي حاضراً... الحديث، وفيه فقالت لابنها عمر ، وتزوجها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شوال سنة أربع

7-ثم تزوج زينب بنت جحش من بني أسد بن خزيمة وهي ابنة عمته أميمة، وفيها نزل قوله تعالى: {فَلَمّا قَضَىَ زَيْدٌ مّنْهَا وَطَراً زَوّجْنَاكَهَا} [الأحزاب: 37] وبذلك كانت تفتخِر على نساء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتقول زوجكُنَّ أهاليكُن، وزوجني الله مِن فوق سبع سماوات.
-ومن خواصها أن الله سبحانه وتعالى كان هو وليَّها الذي زوجها لرسوله مِن فوق سماواته، وتوفيت في أول خلافة عمر بن الخطاب، وكانت أولاً عند زيد بن حارثة، وكان رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تبنَّاه، فلما طلقها زيد، زوَّجه الله تعالى إيَاها لتتأسَّى به أُمَّته في نكاح أزواج من تبنَّوْه.
8-وتزوج في صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُويْريَة بنت الحارث بن أبي ضرار المُصْطَلِقِيَّةَ، وكانت من سبايا بني المُصْطَلِقِ، فجاءته تستعينُ به على كِتابتها، فأدى عنها كتابتَها وتزوجها.
9-ثم تزوج أمَّ حبيبة، واسمها رملة بنت أبي سفيان صخرِ بن حرب القرشية الأموية. وقيل: اسمها هند، تزوجها وهي ببلاد الحبشة مهاجرة، وأصدقها عنه النجاشي أربعمائة دينار، وسيقت إليه من هناك، وماتت في أيام أخيها معاوية

10-وتزوج صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صفيَّة بنتَ حُيي بن أَخْطَبَ سيد بني النضير من ولد هارون بن عمران أخي موسى، فهي ابنة نبي، وزوجة نبي، وكانت مِنْ أَجمل نساءِ العالمين.
وكانت قد صارت له من الصَّفيِّ أمة فأعتقها، وجعل عِتقها صداقَها، فصار ذلك سُنَّةً للأمّة إلى يوم القيامة، أن يَعْتِقَ الرجل أمَته، ويجعل عتقها صداقها، فتصير زوجته بذلك،

11-ثم تزوج ميمونةَ بنت الحارث الهِلالية، وهي آخر من تزوج بها، تزوجها بمكة في عمرة القضاء بعد أن حل منها على الصحيح.

12-قيل: ومن أزواجه ريحانة بنت زيد النضرية. وقيل: القرظية، سبيت يوم بني قريظة، فكانت صفيَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ، فإن المعروف أنها من سراريه، وإمائه، والله أعلم.
فهؤلاء نساؤه المعروفات اللاتي دخل بهن

]- وأما من خطبها ولم يتزوجها، ومن وهبت نفسَها له، ولم يتزوجها، فنحو أربع أو خمس، ، والمعروف عندهم أنه بعث إلى الجونية ليتزوجها، فدخل عليها ليخطبها، فاستعاذت منه، فأعاذها ولم يتزوجها،

-i وكذلك الكلبية، وكذلك التي رأى بكشحها بياضاً، فلم يدخل بها، -iوالتي وهبت نفسها له فزوجها غيره على سور من القرآن، هذا هو المحفوظ، والله اعلم.


( -ولا خلاف أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توفي عن تسع، وكان يقسم منهن لثمان: عائشة، وحفصة، وزينب بنت جحش، وأم سلمة، وصفية، وأم حبيبة، وميمونة، وسودة، وجويرية.
i-وأول نسائه لحوقاً به بعد وفاته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زينبُ بنت جحش سنة عشرين، وآخِرهن موتاً أم سلمة، سنة اثنتين وستين في خلافة يزيد، والله أعلم.

19-: في سراريه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
1-: كان له أربع:1- مارية وهي أم ولده إبراهيم،2- وريحانة3- وجارية أخرى جميلة أصابها في بعض السبي4-، وجارية وهبتها له زينب بنت جحش.


20-: في مواليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
1-فمنهم زيد بن حارثة بن شراحِيل، حب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعتقه وزوجه مولاته أمَّ أيمن، فولدت له أسامة.
2-ومنهم أسلم، 3-وأبو رافع، 4-وثوبان،5- وأبو كَبشَة سُلَيْم،6- وشُقران واسمهصابح،7-ورباح نُوبي،8- ويسار نوبي أيضاً، وهو قتيل العُرَنيين،9- وَمدْعَم،10- وَكرْكرَةَ، نوبي أيضاً، وكان على ثَقَله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان يُمسك راحَلته عند القَتالَ يوم خيبر.

i وفي "صحيح البخاري" أنَه الذي غلَّ الشملة ذلك اليوم فَقُتل، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إنَّهَا لَتَلْتَهِبُ عَلَيْهِ نَاراً" وفي "الموطأ" أن الذي غلًّها مِدْعَم، وكلاهما *** بخيبر، والله أعلم.
11-ومنهم أنْجَشَةُ الحادي،12- وسَفينة بن فروخ، واسمه مهران، وسماه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "سفينة" لأنهم كانوا يُحَمِّلُونه في السفر متاعَهم، فقال:"أنْتَ سَفِينَةٌ : أعتقه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال غيره: أعتقته أمُّ سلمة. 13-ومنهم أَنَسة، ويكنى أبا مِشرح،14- وأفلح،15- وعُبيد،16- وطهمان، وهو كيسان،17- وذكوان،18- ومهران، 19-ومروان، وقيل: هذا خلاف في اسم طهمان، والله أعلم.
20-ومنهم حُنين،21- وسندر،22- وفضالة يماني،23- ومابور خصي، 24-وواقد،25- وأبو واقد، 26-وقسام،27- وأبو عسيب،28- وأبو مُويهبة.
( -ومن النساء1- سلمى أم رافع،2- وميمونة بنت سعد،3- وخضرة،4- ورضوى، 5-ورزينة، 6-وأم ضُميرة، 7-وميمونة بنت أبي عسيب،8- ومارية،9- وريحانة.


21-: في خُدَّامه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
1-فمنهم أنسُ بن مالك، وكان على حوائجه، 2-وعبدُ الله بن مسعود صاحبُ نعله، وسواكه، 3-وعُقبة بن عامر الجهني صاحب بغلته، يقود به في الأسفار،4- وأسلع بن شريك، وكان صاحب راحلته،5- وبلال بن رباح المؤذن،6- وسعد، موليا أبي بكر الصديق،7- وأبو ذر الغفاري، 8-وأيمن بن عبيد، وأمه أم أيمن موليا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان أيمن على مطهرته وحاجته.
22-: في كتَّابه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
1-أبو بكر2-، وعمر،3- وعثمان،4- وعلي،5- والزبير،6- وعامر بن فُهيرة،7- وعمرو بن العاص،8- وأُبَيّ بن كعب، 9-وعبدُ الله بن الأرقم،10- وثابتُ بنُ قيس بن شماس،11- وحنظلةُ بن الربيع الأُسَيْدِيُّ، 12-والمغيرةُ بن شعبة، 13-وعبد الله بن رواحة،14- وخالد بن الوليد،15- وخالد بن سعيد بن العاص. وقيل: إنه أول من كتب له16- ومعاوية بن أبي سفيان،17- وزيد بن ثابت وكان ألزَمهم لهذا الشأن وأخصّهم به.


23-: في كتبه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التي كتبها إلى أهل الإِسلام في الشرائع


1-فمنها كتابُه في الصدقات الذي كان عند أبي بكر، وكتبه أبو بكر لأنسبن مالك لما وجهه إلى البحرين وعليه عمل الجمهور.
2-ومنها كتابُه إلى أهل اليمن ، وهو كتاب عظيم، فيه أنواعٌ كثيرة من الفقه، في الزكاة، والديات، والأحكام، وذكر الكبائر، والطلاق، والعتاق، وأحكام الصلاة في الثوب الواحد، والاحتباءفيه، ومس المصحف، وغير ذلك.
قال الإِمام أحمد: لا شك أن رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَه، واحتج الفقهاءُ كلُهم بما فيه من مقادير الديات.
3-ومنها كتابه إلى بني زهير.
4-ومنها كتابُه الذي كان عند عمر بن الخطاب في نصب الزكاة، وغيرها.


24-: في كتبه ورسله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الملوك


( -لما رجع من الحُدَيْبِيَةِ، كتب إلى ملوك الأرض، وأرسل إليهم رسله1-، فكتب إلى ملك الرُّوم، فقيل له: إنهم لا يقرؤون كتاباً إلا إذا كان مختوماً،فاتخذ خاتماً من فضة، ونقش عليه ثلاثة أسطر: محمَّد سطر، ورسول سطر، والله سطر، وختم به الكتب إلى الملوك، وبعث ستة نفر في يوم واحد في المحرم سنة سبع.
فأولهم عمرو بن أمية الضَّمْري، بعثه إلى النجاشي، واسمه أَصْحمة بن أَبجر، وتفسير "أصحمة" بالعربية: عطية، فعظَّم كتابَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم أَسلم، وشهد شهادة الحق، وكان مِنْ أعلم الناس بالإِنجيل، وصلى عليه النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم مات بالمدينة وهو بالحبشة، هكذا قال جماعة، منهم الواقدي وغيره، وليس كما قال هؤلاء، فإن أصحمة النجاشي الذي صلى عليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليس هو الذي كتب إليه، هذا الثاني لا يعرف إسلامه، بخلاف الأول، فإنه مات مسلماً.

]-وقد روى مسلم في "صحيحه" من حديث قتادة عن أنس قال: كتَبَ رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى كِسْرَى، وإلى قَيْصَر، وإلى النَّجَاشِي، وَإلَى كُلِّ جَبَّارٍ يَدْعُوهُم إِلَى اللهِ تَعَالَى، ولَيْسَ بِالنَّجَاشِيِّ الَّذِي صَلَّى عليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال أبو محمد بن حزم: إن هذا النجاشي الذي بَعَثَ إليه رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمرو بن أمية الضَّمْرِي، لم يُسلم، والأول هو اختيار ابن سعد وغيره، والظاهر قول ابن حزم.


2-وبعث دِحية بن خليفة الكَلْبي إلى قيصر ملِك الروم، واسمه هِرَقْل، وهَمَّبالإِسلام وكاد، ولم يفعل

]-وقد روى ابنُ حبان في "صحيحه" عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ يَنْطَلِقُ بِصحِيفَتِي هذِهِ إِلَى قَيْصَرَ وَلَهُ الجَنَّة؟" فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: وإنْ لَمْ يَقْبَلْ؟ قَالَ: "وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ" فَوَافَقَ قَيْصَرَ وَهُوَ يأتِي بَيْتَ المَقْدِس قَدْ جُعِلَ عَلَيْهِ بِسَاطٌ لاَ يَمْشِي عَلَيْهِ غَيْرُهُ، فَرَمَى بِالْكِتَابِ عَلَى البِسَاطِ، وَتَنَحَّى، فَلَمَّا أنْتَهَى قَيْصَرُ إِلَى الكِتَابِ، أَخَذَهُ، فَنَادَى قَيْصَرُ: مَنْ صاحِبُ الكِتَابِ؟ فَهُوَ آمِنٌ، فَجَاءَ الرّجُل؟ فَقَالَ: أَنَا. قَالَ: فَإذَا قَدِمْتَ فَأْتِنِي، فَلَمَّا قَدِمَ، أَتاهُ، فَأَمَرَ قَيْصَرُ بِأَبْوَابِ قَصْرِهِ فَغُلِّقَتْ، ثمَّ أَمَرَ مُنَادِياً يُنَادي: أَلاَ إنَّ قَيْصَرَ قَدِ اتَّبَعَ مُحَمَّداً، وَتَرَكَ النَّصْرَانِيَّةَ، فَأَقْبَلَ جُنْدُهُ وَقَدْ تَسَلَّحُوا حَتَّى أَطَافوا به، فَقَالَ لِرَسُولِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وَسلمَ: قَدْ تَرَى أَنيِّ خَائِفٌ عَلَى مَمْلَكَتِي، ثُمَّ أَمَر مُنَادِيَه فَنَادى: أَلاَ إنَّ قَيْصَرَ قَدْ رَضِيَ عَنْكُمْ، وإنَّما اخْتَبَرَكُمْ لينْظُرَ كَيْفَ صَبْرُكُمْ عَلَى دِينكُمْ، فَارجِعُوا فَانصَرِفُوا، وَكَتَبَ إلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنِّي مُسْلِمٌ، وَبَعَثَ إليهِ بدَنانِيرَ، فقًالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كذبَ عَدُوُّ اللهِ لَيْسَ بِمُسْلِمٍ وَهُوَ عَلَى النَّصْرَانِيَّةِ" وَقَسَمَ الدَّنَانِيرَ.
]-وبعث عبد الله بن حُذافة السَّهمي إلى كسرى، واسمه أبرويز بن هُرمز ابن أنوشروان، فمزق كتابَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللهمَّ مَزِّق مُلْكَه" فمزق الله ملكه، وملك قومه.

]-وبعث حاطب بن أبي بَلتعة إلى المُقَوْقِس، واسمه خريج بن ميناء ملك الإِسكندرية عظيم القبط، فقال خيراً، وقارب الأمر ولم يُسلم، وأهدى للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مارية، وأختيها سيرين وقيسرى، فتسرى مارية، ووهب سيرين لحسان بن ثابت، وأهدى له جارية أخرى، وألفَ مثقال ذهباً، وعشرين ثوباً من قباطي مصر وبغلة شهباء وهي دُلْدل، وحماراً أشهب، وهو عفير، وغلاماً خصياً يقال له: مابور. وقيل: هو ابن عم مارية، وفرساً وهو اللزاز، وقدحاً من زجاج، وعسلاً، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ضَنَّ الْخَبِيثُ بِملْكِهِ وَلاَ بقَاءَ لِمُلْكِهِ".


]-وبعث شجاع بن وهب الأسدي إلى الحارث بن أبي شَمِر الغساني ملك البلقاء،
]-وبعث سَلِيطَ بن عمرو إلى هَوذَةَ بن علي الحنفي باليمامة، فأكرمه. وقيل: بعثه إلى هوذة وإلى ثُمامَة بنِ أثال الحنفي، فلم يسْلِمْ هَوذة، وأسلم ثمامة بعد ذلك،

فهؤلاء الستة قيل: هم الذين بعثهم رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في يوم واحد.
]-وبعث عمرو بن العاص في ذي القعدة سنة ثمان إلى جعفر وعبد الله ابني الجُلَنْدَى الأزديين بعُمان، فأسلما، وصدقا، وخلَّيا بين عمرو وبينالصدقة والحكم فيما بينهم، فلم يزل فيما بينهم حتى بلغته وفاةُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
]-وبعث العلاء بن الحَضْرمي إلى المنذر بن سَاوَى العبدي ملك البحرين قبل منصرفه من "الجِعْرَانَةِ" وقيل: قبل الفتح فأسلم وصدق

]-.وبعث المهاجر بن أبي أمية المخزومي إلى الحارث بن عبد كلال الحِميري باليمن، فقال: سأنظر في أمري

]-.وبعث أبا موسى الأشعري، ومعاذَ بن جبل إلى اليمن عند انصرافه من تبوك. وقيل: بل سنة عشر من ربيع الأول داعيين إلى الإِسلام، فأسلم عامة أهلها طوعاً من غير قتال.
]-ثم بعث بعد ذلك علي بن أبي طالب إليهم، ووافاه بمكة في حجة الوداع.
]-وبعث جرير بن عبد الله البَجَلي إلى ذي الكَلاع الحِميري، وذي عمرو، يدعوهما إلى الإِسلام، فأسلما، وتوفي رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجرير عندهم.
]-وبعث عمرو بن أمية الضَّمْري إلى مسيلمَة الكذاب بكتاب، وكتب إليه بكتاب آخر مع السائب بن العوام أخي الزبير فلم يُسلم.

]- وبعث إلى فروة بن عمرو الجُذَامي يدعوه إلى الإِسلام


25-: في أمرائه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(- منهم باذان بن ساسان، من ولد بهرام جور، أمَّره رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أهل اليمن كلِّها بعد موت كسرى، فهو أولُ أمير في الإِسلام على اليمن، وأولُ مَنْ أسلم من ملوك العجم.

2- ثم أمَّر رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد موت باذان ابنه شهر بن باذان على صنعاء وأعمالها. ثمّ قُتِلَ شهر، فأمَّر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على صنعاء خالد بن سعيد بن العاص.
3-وولَّى رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المهاجِرَ بن أبي أمية المخزومي كِندَة والصَّدِف، فتوفي رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يَسِرْ إليها، فبعثه أبو بكر إلى قتال أناس من المرتدين.
4-وولَّى زيادَ بن أمية الأنصاري حضرموت. وولَّى أبا موسى الأشعري زبيدَ وعدن والساحل. وولَّى معاذ بن جبل الجَنَد. وولَّى أبا سفيان صخر بن حرب نَجْرَان.


26-: في حرسه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فمنهم سعدُ بن معاذ، حرسه يومَ بدر حين نام في العريش،2- ومحمد بن مسلمة حرسه يوم أُحد،3- والزبير بن العوام حرسه يوم الخندق. 4-ومنهم عبَّاد بن بشر، وهو الذي كان على حرسه، وحرسه جماعة آخرون غير هؤلاء، فلما نزل قوله تعالى: {وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ} [المائدة: 67] خرج على الناس فأخبرهم بها، وصرف الحرس.


27-: فيمن كان يضرب الأعناق بين يديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
علي بن أبي طالب، والزبير بن العوام، والمقداد بن عمرو، ومحمد بن مسلمة، وعاصم بن ثابت بن أبي الأقلح، والضحاك بن سفيان الكِلابي، وكان قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري منه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمنزلة صاحب الشًّرَطَةِ من الأمير ووقف المغيرةُ بن شعبة على رأسه بالسيف يوم الحُديبيَةِ.


28-: فيمن كان على نفقاته وخاتمه ونعله وسواكه ومن كان يأذن عليه
كان بلال على نفقاته،2- ومعيقيب بن أبي فاطمة الدَّوسي على خاتمه،3- وابنُ مسعود على سواكه ونعله، وأذن عليه رباح الأسود وأنسة مولياه، وأنس بن مالك، وأبو موسى الأشعري.


29- في شعرائه وخطبائه
كان من شعرائه الذين يَذبُّون عن الإِسلام:1- كعبُ بن مالك، 2-وعبدُ الله بن رواحة،3- وحسَّان بن ثابت، وكان أشدَّهم على الكفار حسانُ بن ثابت وكعبُ بن مالك يُعيِّرهم بالكفر والشرك، وكان خطيبَه ثابت بن قيس بن شمَّاس.


30-: في حُداته الذين كانوا يحدون بين يديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في السفر
منهم عبدُ الله بن رواحة، وأنجشة، وعامر بن الأكوع وعمه سلمة بن الأكوع. وفي "صحيح مسلم": كان لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَادٍ حَسَنُالصَّوْتِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "رُوَيْداً يَا أنْجشَةُ، لاَ تكْسِرِ القَوَارِيرَ ". يعني ضعفة النساء


31- في غزواته وبعوثه وسرايه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

1-غزواتُه كلها وبعوثه وسراياه كانت بعد الهجرة في مدة عشر سنين، فالغزواتُ سبع وعشرون، وقيل: خمس وعشرون، وقيل: تسع وعشرون وقيل غير ذلك، قاتل منها في تسع: بدر، وأُحد، والخندق، وقريظة، والمصطلق، وخيبر، والفتح، وحنين، والطائف. وقيل: قاتل في بني النضير والغابة ووادي القُرى من أعمال خيبر.


(- وأمّا سراياه وبعوثه، فقريب من ستين، والغزوات الكبار الأمهات سبع: بدر، وأُحد، والخندق، وخيبر، والفتح، وحنين، وتبوك. وفي شأن هذه الغزوات نزل القران، فسورة (الأنفال ) سورة بدر، وفي أُحُد آخر سورة (آل عمران ) من قوله: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوّىءُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} [آل عمران: 121] إلى قبيل آخرها بيسير، وفي قصة الخندق، وقريظة، وخيبر صدر (سورة الأحزاب)، وسورة (الحشر) في بني النضير، وفي قصة الحديبية وخيبر سورة (الفتح ) وأشير فيها إلى الفتح، وذكر الفتح صريحاً في سورة (النصر).وجرح منها صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة واحدة وهي أحد، وقاتلت معه الملائكة منها في بدر وحنين، ونزلت الملائكة يوم الخندق، فزلزلتِ المشركين وهزمتهم، ورمى فيها الحصباءَ في وجوه المشركين فهربوا، وكان الفتحُ في غزوتين: بدر، وحنين. وقاتل بالمنجنيق منها في غزوة واحدة، وهي الطائف، وتحصَّن في الخندق في واحدة، وهي الأحزاب أشار به عليه سلمان الفارسي رضي الله عنه.


32-: في ذكر سلاحه وأثاثه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كان له تسعة أسياف :
1-مأثور، وهو أول سيف ملكه، ورثه من أبيه.
2-والعضْب،2- وذو الفِقار، بكسر الفاء، وبفتح الفاء، وكان لا يكادُ يُفارقه، وكانت قائمته وقبيعتُه وحلقتُه وذؤابته وبكراتُه ونعلُه مِنْ فضة.

3- والقلعي، 4-والبتار، 5-والحتف، 6-والرَّسوب، 7-والمِخْذَم،8- والقضيب، وكان نعلُ سيفه فضةً، وما بين ذلك حلق فضة.
-وكان سيفه ذو الفِقار تنفَّله يوم بدر، وهو الذي أُري فيها الرؤيا، ودخل. يوم الفتح مكة وعلى سيفه ذهب وفضة.
وكان له سبعة أدرع:
ذات الفضول: وهي التي رهنها عند أبي الشحم اليهودي على شعير لعياله، وكان ثلاثين صاعاً، وكان الدَّيْن إلى سنة، وكانت الدِّرعُ مِن حديد.وذات الوِشاح، وذات الحواشي، والسعدية، وفضة، والبتراء والخِرْنق



33-: في دوابه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
]-فمن الخيل: السَّكْب. قيل: وهو أول فرس ملكه، وكان اسمه عند الأعرابي الذي اشتراه منه بعشر أواقٍ:2- الضرس، وكان أغرَّ محجَّلاً، طلَقَ اليمين كُميتاً. وقيل: كان أدهم.
3-والمُرْتَجز، وكان أشهب، وهو الذي شهد فيه خزيمة بن ثابت.
4-وَاللُّحَيْفُ،5- وَاللِّزَازُ،6- وَالظَّرِب،7- وَسَبْحَة، وَالوَرْدُ. فهذه سبعة متفق عليها جمعها

]-ومن الإِبل1- القصواء، قيل: وهي التي هاجر عليها، 2-والعضباء،3- والجدعاء، ولم يكن بهما عضب ولا جدع، وإنما سُمِّيتا بذلك، ، والعضباء هى التي كانت لا تُسبق، ثم جاء أعرابي على قَعود فسبقها، فشق ذلك على المسلمين، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ حَقًّا عَلَى اللهِ أَلا يَرْفَعَ مِنَ الدُّنْيَا شَيْئاً إلاَّ وَضعَهُ" وغنِم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم بدر


34-: في ملابسه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
1-كانت له عمامة تُسمى: السحاب، كساها علياً، وكان يلبَسُها ويلْبَسُ تحتها القَلَنسُوة. وكان يلبَس القلنسُوة بغير عمامة، ويلبَسُ العِمامة بغير قلنسُوة. وكان إذا اعتم، أرخى عِمامته بين كتفيه،

-كما رواه مسلم في "صحيحه" عن عمرو بن حريث قال: "رأيتُ رسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على المنبرِ وَعَلَيهِ عِمَامَة سَوْدَاءُ قَدْ أرخَى طَرفَيهَا بينَ كَتِفَيْهِ".

-وفي مسلم أيضاً، عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "دَخَلَ مَكَّةوَعَلَيْهِ عمَامَةٌ سَودَاء عنه



1-، وقد روي في غير حديث أنه لبس السراويل، وكانوا يلبسون السراويلات بإذنه.ولبس الخفين، ولبس النعل الذي يسمى التَّاسُومة.ولبس الخاتم، واختلفت الأحاديث هل كان في يمناه أو يُسراه، وكلها صحيحة السند.

2-ولبس البيضة التي تسمى: الخوذة، ولبس الدرع التي تسمى: الزردية، وظاهر يومَ أُحد بين الدرعين.
]-وفي "صحيح مسلم" عن أسماء بنت أبي بكر قالت: هذه جبة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأخرجت جبةَ طيالِسة كَسِروانية لها لبنةُ دِيباج. وفرجاها مكفوفان بالديباج، فقالت: هذِهِ كانت عند عائشة حتى قُبِضَت، فلما قبضت قبضتُها، وكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يلبَسُها، فنحنُ نَغْسلهَا للمرضى تسْتَشفى بها.
]-وكان أحبَّ الثياب إليه القميصُ والحِبَرَةُ، وهي ضرب من البرود فيه حمرة.
]-وكان أحبَّ الألوان إليه البياضُ، وقال: "هي مِنْ خَيْرِ ثِيَابكُمْ، فَالبسوها، وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكمْ "

2-وفي "الصحيح" عن عائشة أنها أخرجت كِساءً ملبَّداوإزاراَ غليظاً فقالت: قُبِضَ روح رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذين.
]-ولبس خاتماً من ذهب، ثم رمى به، ونهى عن التختم بالذهب، ثم اتخذ خاتماً من فضة، ولم ينه عنه.



35- سيرتة فى الطعام

]-وكذلك كان هديُه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وسيرتُه في الطعام، لا يردُّ موجوداً، ولا يتكلف مفقوداً، فما قُرِّبَ إليه شيءٌ من الطيبات إلا أكله، إلا أن تعافَه نفسُه، فيتركَه من غير تحريم، وما عاب طعاماً قطُّ، إن اشتهاه أكله، وإلا تركه، كما ترك أكل الضَّبِّ لمَّا لَمْ يَعْتَدْهُ ولم يحرمه على الأمة، بل أُكِلَ على مائدته وهو ينظر.
]-وأكل الحلوى والعسل، وكان يُحبهما، وأكل لحم الجزور، والضأن، والدجاج، ولحم الحُبارى، ولحم حِمار الوحش، والأرنب، وطعام البحر، وأكل الشواء، وأكل الرُّطبَ والتمرَ، وشرب اللبنَ خالصاً ومشوباً، والسويق، والعسل بالماء، وشرب نقيع التمر، وأكل الخَزِيرَة،

]-وكان معظمُ مطعمه يوضع على الأرض في السُّفرة، وهي كانت مائدَته، وكان يأكل بأصابعه الثلاث، ويلعَقُها إذا فرغ، وهو أشرفُ ما يكون من الأكلة، فإن المتكبِّرَ يأكل بأصبع واحدة، والجَشِعُ الحريصُ يأكل بالخمس، ويدفع بالراحة.
]-وكان لا يأكل مُتكِئاً، والاتكاء على ثلاثة أنواع، أحدها: الاتكاء على الجنب، والثاني: التربُّع، والثالث: الاتكاء على إحدى يديه، وأكله بالأخرى، والثلاث مذمومة.
]-وكان يسمى الله تعالى على أول طعامه، ويحمده في آخره فيقول عند انقضائه: "الْحَمْدُ للهِ حَمداً كَثِيراً طَيِّباً مُبَارَكاً فِيهِ غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلاَ مُوَدَّع وَلاَ مُسْتَغْنَىَ عَنْه رَبُّنَا". وربما قال: "الْحَمْدُ للهِالَّذِي يُطْعِمُ وَلاَ يُطعَمُ، مَنَّ عَلَينَا فَهَدَانَا، وَأَطعَمَنَا وَسَقَانَا، وَكلَّ بَلاَءٍ حَسَنٍ أَبْلاَنا، الحَمد للهِ الَّذِي أَطْعَمَ مِنَ الطًعَام، وَسَقَى مِنَ الشَّرابِ، وَكَسَا مِنَ الْعُريَ، وَهَدَى، منَ الضَّلاَلَةِ، وَبَصَّرَ مِنَ العَمَى، وَفضَّلَ عَلَى كَثِير مِمَّن خَلَقَ تَفْضِيلاً، الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ".
وربما قال: " الْحَمد للَّهِ الَّذِي أَطعَمَ وَسَقَى، وَسَوَّغَهُ".
]-وكان إذا فرغ مِن طعامه لَعِقَ أصابعه، ولم يكن لهم مناديلُ يمسحون بها أيديهم، ولم يكن عادتهم غسلَ أيديهم كلما أكلوا.


]-وكان أكثرُ شربه قاعداً، بل زجر عن الشرب قائماً "وشرب مرَّة قائماً". فقيل: هذا نسخ لنهيه، وقيل: بل فعله لبيان جواز الأمرين، والذي يظهر فيه - والله أعلم - أنها واقعة عين شرب فيها قائماً لعذر، وسياق القصة يدل عليه، فإنه أتى زمزم وهم يستقون منها، فأخذ الدَّلو، وشرب قائماً.
والصحيح في هذه المسألة: النهى عن الشرب قائماً، وجوازه لعذر يمنع من القعود، وبهذا تجمع أحاديث الباب، والله أعلم.وكان إذا شرب، ناول مَنْ على يمينه، وإن كان مَنْ على يساره أكبرَ منه.


37: في هديه في النكاح ومعاشرته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهله

]-صح عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حديث أنس رضي الله عنه، أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : "حُبِّبَ إليَّ، مِن دُنْيَاكُم: النِّسَاءُ، والطِّيْبُ، وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي في الصَّلاَةِ" ،

]- وكان النساء والطيب أحبَّ شيء إليه، وكان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة، وكان قد أعطي قوة ثلاثين في الجماع وغيره، وأباح الله له من ذلك ما لم يُبحه لأحد من أمته.
]-وكان يقسم بينهن في المبيت والإِيواء والنفقة، وأما المحبة فكان يقول: " اللهُمَ هذا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ، فَلاَ تَلُمْنِي فِيمَا لاَ أَمْلِكُ" فقيل: هو الحب والجماع، ولا تجب التسوية في ذلك، لأنه مما لا يُملك.
]-، قال ابن عباس: تزوجوا، فَإنّ خيرَ هذه الاُمةِ أكثرها نساء.
]-وطلق صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وراجع، والى إيلاءً مؤقتاً بشهر، ولم يظاهر أبداً،

]-وكانت سيرته مع أزواجه حسنَ المعاشرة، وحسنَ الخلق.
]-وكان يُسَرِّبُ إلى عائشة بناتِ الأنصار يلعبن معها. وكان إذا هويتشيئاً لا محذورَ فيه تابعها عليه، وكانت إذا شربت من الإِناء أخذه، فوضع فمه في موضع فمها وشرب، وكان إذا تعرقت عَرقاً - وهو العَظْمُ الذي عليه لحم - أخذه فوضع فمه موضع فمها، وكان يتكئ في حَجْرِها، ويقرأ القرآن ورأسه في حَجرِها، وربما كانت حائضاً، وكان يأمرها وهي حائض فَتَتَّزِرُ ثم يُباشرها، وكان يقبلها وهو صائم، وكان من لطفه وحسن خُلُقه مع أهله أنه يمكِّنها من اللعب، ويريها الحبشة وهم يلعبون في مسجده، وهي متكئة على منكبيه تنظر، وسابقها في السفر على الأقدام مرتين، وتدافعا في خروجهما من المنزل مرة.
]-وكان إذا أراد سفراً، أقرع بين نسائه، فأيتهنّ خرج سهمها، خرج بها معه، ولم يقضِ للبواقي شيئاً، وإلى هذا ذهب الجمهور.
]-وكان يقول: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيرُكُم لأهلي".
-وربما مد يده إلى بعض نسائه في حضرة باقيهن.
]-وكان إذا صلى العصر، دار على نسائه، فدنا منهن واستقرأ أحوالهن، فإذا جاء الليل، انقلب إلى بيت صاحبة النَّوبة، فخصها بالليل.

]- وقالت عائشة: كان لا يُفَضِّلُ بَعْضَنَا عَلَى بَعضٍ في مُكْثِهِ عِنْدَهُنَّ في القَسمِ، وقلَّ يومٌ إلا كان يطوف علينا جميعاً، فيدنو من كل امرأة من غير مسيس حتىيبلغَ التي هو في نوبتها، فيبيت عندها.


]-وكان يقسم لثمان منهن دون التاسعة، و هي سودة، فإنها لما كَبِرَت وهبت نوبتها لعائشة.
]-وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقسِم لعائشة يومها ويومَ سودة، وسبب هذا الوهم - ؟

]-وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأتي أهلَه آخرَ الليل، وأوله، فَكَانَ إذا جامع أول الليل، ربما اغتسل ونام، وربما توضأ ونام. ]-وكان يطوف على نسائه بغسل واحد، وربما اغتسل عند كل واحدة، فعل هذا وهذا.
]-وكان إذا سافر وَقَدِمَ، لم يطرُقْ أهله ليلاً، وكان ينهى عن ذلك.


-: في هديه وسيرته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في نومه وانتباهه


]-كان ينامُ على الفراش تارة، وعلى النِّطع تارة، وعلى الحصير تارة، وعلى الأرض تارة، وعلى السرير تارة بين رِمَالهِ، وتارة على كِساء أسود. قال عبَّاد بن تميم عن عمه: رأيتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُستلقياً في المسجد واضعاً إحدى رِجليه على الأخرى.
]-وكان فراشه أَدَماً حشوُه لِيف. وكان له مِسْحٌ ينام عليه يثنى بثَنيتين، وثُني له يوماً أربع ثنيات، فنهاهم عن ذلك وقال: " رُدُّوه إلَى حَالِهِ الأَوَلِ، فَإنَّه مَنَعَنِي صَلاَتِي اللَّيْلَة ". والمقصود أنه نام على الفراش، وتغطى باللحاف، وقال لنسائه: "مَا أَتَانِي جِبْريلُ وَأَنَا في لِحَافِ امْرَأَةٍ مِنْكُنَّ غَيْرَ عَائِشَة".
]-وكانت وسادتُه أَدَماً حشوها ليف.وكان إذا أوى إلى فراشه للنوم

1- قال: "بِاسمِك اللهُمَّ أَحْيَا وَأَموتُ".

2-وكان يجمع كفَّيْهِ ثم ينفُث فيهما، وكان يقرأ فيهما: { قُلْ هُو اللهُ أَحَدٌ} و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأُ بهما على رأسه، ووجهه، وما أقبلَ مِنْ جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات. ]- وكان ينام على شِقه الأيمن، ويضع يده اليمنى تحت خده الأيمن، ثم يقول: " اللهُمَّ قِني عَذَابَكَ يَوْمَ تَبعَثُ عِبَادَكَ ". ]-وكان يقول إذا أوى إلى فراشه: "الحمدُ للهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا وَكَفَانَا وَآوَانَا، فَكَمْ مِمَّنْ لاَ كَافِيَ له وَلاَ مُؤْويَ" مسلم. ]-وذكر أيضاً أنه كان يقول إذا أوى الى فراشه: " اللهم رب السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ، وَرَب العَرْشِ العَظِيمِ، رَبَّنَا وَرَبَّ كلِّ شَيءٍ، فَالِقَ الحَبَ وَالنَّوى، منزلَ التَّوْرَاةِ وَالإنجِيلِ، وَالفُرْقَانِ، أَعُوذُ بِكَ مِن شَرِّ كُلِّ ذِي شَرٍّ أَنتَ آخِذ بِنَاصِيتِهِ، أَنْتَ الأَوَّلُ فَلَيسَ قَبْلَكَ شَيءٌ، وَأَنتَ الآخِرُ، فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيءٌ، وَأَنتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَفَوْقَكَ شيءٌ، وَأَنْتَ البَاطِنُ، فَلَيْسَ دُونَكَ شَيءٌ، اقضِ عَنَّا الدَّينَ، وَأَغْنِنَا مِنَ الفقْرِ".


39-وكان إذا استيقظ من منامه في الليل

]-قال: "لاَ إلَه إِلاَّ أَنْتَ سبحَانَكَ، اللهمَ إنِّي أستغْفِركَ لِذَنبِي، وَأَسْأَلُكَ رَحمَتَكَ، اللهُمَّ زِدْني عِلماً، وَلاَ تُزِغ قَلبي بَعْدَ إِذ هَدَيتَني، وَهَبْ لي مِن لَدنكَ رَحْمَةَ، إِنَّكَ أَنتَ الْوَهاب ".
(- وكان إذا انتبه من نومه قال: "الْحَمْدُ لله الَّذِيَ أَحيَانَا بَعدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النّشُور ". ]-ثم يتسوَّك، وربما قرأَ العشر الآيات من آخر (آل عمران ) من قوله: {إنَ في خَلْقِ السَّموَاتِ والأَرْضِ...} إِلى آخرها [آل عمران:190-200] وقال: "اللهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ نُورُ السَّمَاواتِ والأَرْض وَمَنْ فِيهنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ قَيَمُ السَّمَاوَاتِ والأَرضِ وَمَنْفِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْد، أَنْتَ الْحَقُّ، وَوَعْدُكَ الْحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقُّ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالنَّبيّونَ حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللهُمَّ لَكَ أَسلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لي مَا قَدَّمْتُ، وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ، وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ إِلَهي، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ".
(- وكان ينام أول الليل، ويقوم آخره، وربما سهر أول الليل في مصالح المسلمين، وكان تنامُ عيناه، ولا ينامُ قلبُه. وكان إذا نام، لم يُوقظوه حتى يكونَ هو الذي يستقيظ.

(- وكان إذا عرَّس بليل، اضطجع على شقه الأيمن، وإذا عرَّس قبيل الصبح، نصب ذراعه، ووضع رأسه على كفه،. وقال أبو حاتم: والتعريس إنما يكون قُبيل الصبح. (- وكان نومه أعدلَ النوم، وهو أنفع ما يكون من النوم، والأطباء يقولون: هو ثلث الليل والنهار، ثمان ساعات.


40-فصل: في هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الركوب
ركب الخيلَ والإِبل والبغال والحمير، وركب الفرس مُسْرَجَةً تارة، وَعَرِيَّا أخرى، وكان يُجريها في بعض الأحيان، وكان يركب وحده، وهو الأكثر، وربما أردف خلفه على البعير، وربما أردف خلفه، وأركب أمامه، وكانوا ثلاثة على بعير، وأردف الرجال، وأردف بعضَ نسائه، وكان أكثرَ مراكبه الخيل والإِبل. وأمّا البغال، فالمعروف أنه كان عنده منها بغلة واحدة أهداها له بعضُ الملوك، ولم تكن البغال مشهورة بأرض العرب، بل لما أهديت له البغلة قيل: ألا نُنزي الخيل على الحمر؟ فقال: "إِنَّمَا يَفْعَلُ ذِلِكَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ".



41-واتخذ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الغنم. وكان له مائة شاة، وكان لا يُحب أن تزيد

على مائة، فإذا زادت بهمة، *** مكانها أخرى، واتخذ الرقيق من الإِماء والعبيد، وكان مواليه وعتقاؤه من العبيد أكثر من الإِماء.

]-وقد روى الترمذي أنه قال: "أيما امْرىءٍ أَعْتَقَ امرءَاً مسلِماَ، كَانَ فِكَاكَه مِنَ النَّار، كلُّ عضوِ مِنهُ عضواً مِنهُ، وَأَيّمَا امْرىءٍ مسلِم أَعتَقَ امْرَأَتين مسْلِمَتَين، كَانَتَا فِكَاكَهُ مِنَ النَّارِ، يُجْزِئُ كل عضوين مِنهُمَا عُضواً منِهُ "

]-وباع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واشترى
وكان شراؤه بعد أن أكرمه الله تعالى برسالته أكثَر من بيعه، وكذلك بعد الهجرة لا يكاد يُحفظ عنه البيع إلا في قضايا يسيرة أكثرها لغيره، كبيعه القدح والحلس فيمن يزيد، وبيعه يعقوب المدبَّر غلام أبي مذكورة، وبيعه عبداً أسود بعبدين.
وأمّا شراؤه، فكثير، وآجر، واستأجر، واستئجاره أكثر من إيجاره،

]- وأهدى، وَقَبِلَ الهدية، وأثاب عليها، ووهب، واتّهَبَ، فقال لسلمة بن الأكوع، وقد وقع في سهمه جارية: "هَبْهَا لِي" فوهَبَها له، فَفَادَى بها مِنْ أهْلِ مكّة أُسَارَى مِنَ المُسلمين.
واستدان برهن، وبِغير رهن، واستعار، واشترى بالثمن الحالِّ والمؤجَّلِ.

]-وكان يُمازح، ويقول في مُزاحِه الحق، ويُوَرِّي، ولا يقول في توريته إلا بحق،

- مثل أن يُريد جهة يقصِدها فيسأل عن غيرها كيف طريقُها؟ وكيف مياهُها ومسلكها؟ أو نحو ذلك. وكان يُشير ويستشير. وكان يعود المريض ويشهدُ الجِنازة، ويُجيب الدَّعْوَة، ويمشي مع الأرملة والمسكين والضعيف في حوائجهم، وسمع مديحَ الشعر، وأثاب عليه

]-وسابق رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنفسه على الأقدام، وصارعَ، وخَصَفَ نعله بيده، ورقَعَ ثوبه بيده، ورقَعَ دلوه، وحلب شاته، وَفَلَى ثوبَه، وخدم أهله ونفسه، وحمل معهم اللَّبِنَ في بناء المسجد، وربط على بطنه الحجر من الجوع تارة، وشبع تارة، واضافَ وأضيفَ، وأحتجم في وَسَط رأسه، وعلى ظهر قدمه، واحتجم في الأخدعين والكاهل وهو ما بين الكتفين، وتداوى، وكوىَ ولم يكتَوِ،ورقى ولم يَسْتَرْقِ، وحمى المريض ممَّا يؤذيه.


- : في هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في معاملته
كان أحسنَ النَّاسِ مُعاملةً. وكان إذا استلف سلفاً قضى خيراً منه. وكان إذا اسْتَسْلَفَ من رجل سَلَفاً، قضاه إياه، ودعا له، ]-فقال: "بَارَكَ اللهُ لَكَ في أَهلِكَ وَمَالِكَ، إنَّمَا جَزَاءُ السَّلَفِ الحَمْدُ والأداءُ".

]--واستسلف من رجل أربعين صاعاً، فاحتاج الأنصاريُّ، فأتاه، فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا جَاءَنَا مِنْ شَيءٍ بَعد" فقال الرجل: وأَرَادَ أن يتكلم، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لاَ تَقُلْ إلا خَيراً، فَأَنَا خَيرُ مَن تَسَلَّفَ " فأعطاه أربعين فضلاً، وأربعين سُلفة، فأعطاه ثمانين

]-. واقترض بعيراً، فجاء صاحبه يتقاضاه، فأغلظ للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهمَ به أصحابُه، فقال: "دَعُوهُ فَإنَّ لِصَاحِبِ الحَق مَقَالاً"

]- واشترى مرة شيئاً وليس عنده ثمنُه فأُرْبِحَ فيه، فباعه، وتصدَّق بالربح على أرامل بني عبد المطلب، وقال: "لاَ أَشْتَرِى بَعْدَ هَذَا شيْئاً إلاَّ وَعِنْدِي ثمنُه"

]-. وتقاضاه غريم له ديناً، فأغلظ عليه، فهمَّ به عمرُ بن الخطاب فقال: "مَهْ يَا عُمَرُ كُنْتُ أَحْوَجَ إَلى أَنْ تَأْمرني بِالْوَفَاءِ. وَكَانَ أَحْوَج إلَى أَنْ تَأْمُرَهُ بِالصَّبْرِ"،

]-وباعه يهودي بيعاً إلى أجل، فجاءه قبل الأجل يتقاضاه ثمنَه، فقال: لم يَحِلَّ الأجلُ،فقال اليهوديُّ: إنكم لَمطْل يَا بنَي عبدِ المطلب، فهمَّ به أصحابُه، فنهاهم، فلم يَزِدْه ذلك إلا حِلماً، فقال اليهودي: كُلُّ شيء منه قد عرفته من علامات النبوة، وبقيت واحدةٌ، وهي أنه لا تزيدُه شدةُ الجهل عليه إلا حلماً، فأردتُ أن أعْرِفَها، فأسلم اليهودي.


- : في هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مشيه وحده ومع أصحابه
كان إذا مشى، تكفَّأ تكفُّؤاً، وكان أسرَعَ الناس مِشيةً، وأحسنَها وأسكنها

i-قال أبو هريرة: ما رأيتُ شيئاً أحسنَ من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كأن الشمسَ تجري في وجهه، وما رأيتُ أحداً أسرع في مِشيته من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كأنما الأرضُ تُطوى له، وإنا لَنجْهَدُ أنفسَنا وإنه لغيرُ مُكْتَرِث.

i- وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: كان رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا مشى تكفَّأ تكفؤاً كأنما ينحطُّ مِنْ صَبَبٍ، وقال مرة: إذا مشى، تقلّع

i-قلتُ: والتقلُع: الارتفاعُ من الأرض بجملته، كحال المنحط من الصبب، وهي مِشية أولي العزم والهِمة والشجاعة، وهي أعدلُ المِشيات وأرواحُها للأعضاء، وأبعدُها من مِشية الهَوَجِ والمهانة : {وَعِبَادُ الرّحْمَنِ الّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىَ الأرْضِ هَوْناً} [ الفرقان: 63] i-قال غيرُ واحد من السلف: بسكينة ووقار من غير تكبُّر ولا تماوت، وهي مِشية رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإنه مع هذه المِشية كان كأنما ينحط من صبب، وكأنما الأرضُ تُطوى له، حتى كان الماشي معه يُجْهِدُ نفسَه ورسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غيرُ مُكْتَرِثٍ،

]- وهذا يدل على أمرين: أن مِشيته لم تكن مِشية بتماوت ولا بمهانة، بل مشية أعدل المشيات

]-وأما مشيه مع أصحابه، فكانوا يمشون بين يديه وهو خلفهم، ويقول: "دعوا ظهري للملائكة" ولهذا جاء في الحديث: وكان يسوق أصحابه. وكان يمشي حافيا ومتنعلا، وكان يماشي أصحابه فرادى وجماعة، مشى في بعض غزواته مرة فدميت أصبعه، وسال منها الدم، فقال:
هل أنت أصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت
وكان في السفر ساقة أصحابه: يزجي الضعيف، ويردفه، ويدعو لهم، ذكره أبو داود


44- : في هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في جلوسه واتكائه
كان يجلِس على الأرض، وعلى الحصير، والبِساط، وقالت قَيْلَةُ بنت مَخْرَمَة: أتيتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو قاعد القُرفصاء، قالت: فلما رأيتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كالمتخشِّع في الجلِسة، أُرعِدتُ من الفَرَق. ولما قدم عليه عديُّ بنُ حاتِم، دعاُه إلى منزله، فألقت إليه الجاريةُ وِسادة يجلِس عليها، فجعلها بينه وبين عدي، وجلس على الأرض. قال عدي: فعرفتُ أنه ليس بمَلِك. وكان يستلقي أحياناً، ورب وضع إحدى رجليه على الأخرى، وكان يتكىء على الوِسادة، وربما اتكأ على يساره، وربما اتكأ على يمينه. وكان إذا احتاج في خروجه، توكأ على بعض أصحابه من الضعف.



- : في هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند قضاء الحاجة
1-كان إذا دخل الخلاء قال: "اللهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الخُبُثِ والخَبَائِثِ"

2-وكان إذا خرج يقول: "غُفْرَانَكَ".
3-وكان يستنجي بالماء تارة، ويستجمِر بالأحجار تارة، ويجمع بينهما تارة.
4-وكان إذا ذهب في سفره للحاجة، انطلق حتى يتوارَى عن أصحابه، وربما كان يبعُد نحو الميلين.
وكان يستتِر للحاجة بالهدف تارة، وَبِحَائِشِ النَّخل تارة، وبشجر الوادي تارة.
5-وكان إذا أراد أن يبول في عزَازٍ من الأرض - وهو الموضع الصلب - أخذ عوداً من الأرض، فنكت به حتى يُثَرَّى، ثم يبول.
6-وكان يرتاد لبوله الموضع الدَّمِثَ - وهو اللين الرخو من الأرض - وأكثر ما كان يبول وهو قاعد، ]-حتى قالت عائشة: "مَنْ حدَّثَكم أنه كان يُبول قائماً، فلا تُصدِّقوه، ما كان يبولُ إلا قاعدا"

]-وقد روى مسلم في "صحيحه" من حديث حذيفة أَنّهُ بَالَ قَائِماً.

i-فقيل: هذا بيان للجوازi-وقيل: إنما فعله مِن وجع كان بِمَأْبِضَيْهِ. وقيل: فعله استشفاءً.

]-وكان يخرج من الخلاء، فيقرأ القرآن، وكان يستنجي، ويستجمِر بشماله، ولم يكن يصنع شيئاً مما يصنعه المبتلون بالوسواس من نَتْر الذَّكَرِ، والنحنحة، والقفز، .
]-وكان إذا سلم عليه أحد وهو يبُول، لم يردَّ عليه، ذكره مسلم في "صحيحه" عن ابن عمر.
]-وكان إذا استنجى بالماء، ضرب يده بعد ذلِكَ على الأرض، وكان إذا جلس لحاجته، لم يرفع ثوبَه حتَّى يدنو مِن الأرض.


- : في هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الفطرة وتوابعها

]-وكان يُعجبه التيمن في تنعُّلِه وترجُّلِه وطهوره وأخذِه وعطائه، وكانت يمينُه لِطعامه وشرابه وطهوره، ويَسارُه لِخَلائه ونحوه من إزالة الأذى.]-وكان هديُه في حلق الرأس تركَه كلَّه، أو أخذَه كلَّه، ولم يكن يحلِق بعضه، ويدعُ بعضه، ولم يُحفظ عنه حلقُه إلا في نُسك.

]- وكان يُحب السِّواكَ، وكان يستاك مفطراً وصائماً، ويستاك عند الانتباه من النوم، وعند الوضوء، وعند الصلاة، وعند دخول المنزل، وكان يستاك بِعُود الأرائك.

]- وكان يُكثر التطيبَ، ويحب الطِّيب، وذُكِرَ عنه أنه كان يَطَّلِي بالنُّوَرة.

]-وكان أولاً يَسْدُلُ شعره، ثم فرقه، والفرق أن يجعل شعره فِرقتين، كل فرقة ذؤابة، والسدل أن يسدُلَه من ورائه ولا يجعله فِرقتين.

]-ولم يدخل حماماً قط، ولعله ما رآه بعينه، ولم يصح في الحمام حديث.

]-وكان له مُكحُلة يكتحِل منها كلَّ ليلة ثلاثاً عند النوم في كل عين.]- واختلف الصحابة في خِضابه]-وكان يُحبُّ الترجُلَ، وكان يرجِّل نفسه تارة، وترجِّله عائشةتارة. وكان شعره فوق الجُمَّة ودُون الوَفْرَةِ، وكانت جُمَّتُه تضرِب شحمةَ أذنيه، وإذا طال، جعله غَدَائِرَ أربعاً،


47- : في هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قص الشارب
]- قال رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ شَارِبِهِ، فَلَيْسَ مِنَّا"

]- وفي "صحيحمسلم" عن أبي هريرة قال: قال رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قُصُّوا الشَّوَارِبَ، وَأَرْخُوا اللِّحَى، خَالِفُوا المَجُوسَ "

]-وفي "الصحيحين" عن ابنِ عمر، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خَالِفُوا المُشْرِكِينَ، ووفِّرُوا اللِّحى، وأَحفوا الشواربَ ]-" وفي "صحيح مسلم" عن أنس قال: وَقَّتَ لَنَا النَّبيُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قص الشوارب وَتَقْلِيمِ الأَظْفَار، أَلاَّ نَتْرُكَ أَكْثَر مِنْ أَرْبعِين يَوْماً وَلَيْلةً.


(- واختلف السلفُ في قصِّ الشارب وحلقِه أيهما أفضل؟

]-فقال مالك في "موطئه": يُؤخذ من الشارب حتى تجدوَ أطرافُ الشفة وهو الإِطار، ولا يجزُّه فَيُمَثِّلَ بنفسه. و قال: يُحفي الشارب، ويُعفي اللِّحى، وليس إحفاءُ الشارب حلقَه، وأرى أن يُؤدَّبَ من حلق شاربه، وقال : إحفاءُ الشارب وحلقه عندي مُثلَةٌ،

]- قال مالك: وتفسير حديث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في إحفاء الشارب، إنما هو الإِطار، وكان يكره أن يُؤخذ من أعلاه، وقال: أشهد في حلق الشارب أنه بدعة، وأرى أن يُوجَعَ ضرباَ مَنْ فعله، قال مالك: وكان عمر بن الخطاب إذا كَرَبَهُ أمر، نفخ،فجعل رجله بردائه وهو يفتل شاربه. وقال عمر بن عبد العزيز: السنة في الشارب الإِطار.


- : في هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كلامه وسكوته وضحكه وبكائه
]-كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أفصحَ خلق الله، وأعذبَهم كلاماً، وأسرعَهم أداءً، وأحلاهم مَنْطِقاً، حتى إن كلامه لَيَأْخُذُ بمجامع القلوب، ويَسبي الأرواح، ويشهدُ له بذلك أعداؤه. وكان إذا تكلم تكلَّم بكلام مُفصَّلِ مُبَيَّنٍ يعدُّه العادُّ، ليس بِهَذٍّ مُسرِعِ لا يُحفظ، ولا منقَطع تخلَّلُه السكتات بين أفراد الكلام، بل هديُه فيه أكملُ الهدي،

]- قالت عائشة: ما كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْرُدُ سردَكم هذا، ولكن كان يتكلَّم بكلام بيِّنٍ فَصْلٍ يحفظه من جلس إليه.

]- وكان كثيراً ما يُعيد الكلام ثلاثاً لِيُعقلَ عنه، وكان إذا سلَّم سلَّم ثلاثاً. وكان طويلَ السكوت لا يتكلم شي غيرِ حاجة، يفتتحُ الكلام ويختتمه بأشداقه، ويتكلم بجوامع الكلام، فَصلٍ لا فضول ولا تقصير، وكان لا يتكلم فيما لا يَعنيه، ولا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه،]- وإذا كرِه الشيء: عُرِفَ في وجهه، ولم يكن فاحشاً، ولا متفحِّشاً، ولا صخَّاباً.

]- وكان جُلُّ ضحكه التبسم، بل كلُّه التبسم، فكان نهايةُ ضحكِه أن تبدوَ نواجِذُه. وكان يضحكُ مما يُضحك منه، وهو مما يُتعجب من مثله ويُستغرب

]-وأمَّا بكاؤه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكان مِن *** ضحكه، لم يكن بشهيقٍ ورفع صوت كما لم يكن ضحكه بقهقهة، ولكن كانت تدمَعُ عيناه حتى تَهْمُلا، ويُسمع لِصدره أزيزٌ.

]- وكان بكاؤه تارة رحمة للميت، وتارة خوفاً على أمته وشفقة عليها، وتارة مِن خشية الله، وتارة عند سماع القرآن، وهو بكاء اشتياق ومحبة وإجلال، مصاحبٌ للخوف والخشية.

]- ولما مات ابنُه إبراهيم، دمعت عيناه وبكى رحمة له، وقال: "تَدْمَعُ العَيْنُ، وَيَحْزَنُ القَلْبُ، ولا نَقُولُ إلا مَا يُرْضِي رَبَّنا، وَإِنَّا بِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ". وبكى لما شاهد إحدى بناتِه وَنَفْسُها تَفِيضُ، وبكى لما قرأ عليه ابنُ مسعود سورة (النساء) وانتهى فيها إلى قوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلّ أمّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىَ هَؤُلاءِ شَهِيداً} [النساء: 41] وبكى لما مات عثمان بن مظعون، وبكى لما كَسَفت الشَّمْسُ، وصلى صلاة الكُسوف، وجعل يبكي في صلاته، وجعل ينفخ، ويقول: "رَبِّ أَلَمْ تَعِدْني أَلاَّ تُعَذِّبَهُم وَأَنَا فِيهِم )


- : في هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في خطبته
1-خطب صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الأرض، وعلى المِنْبَرِ، وعلى البعير، وعلى النَّاقة.

-وكان إذا خطب، احمرَّت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه حتى كأنَّهُ مُنذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ: "صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ" ويقول: "بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَة كَهَاتَيْنِ" وَيَقْرُنُ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى، وَيَقُولُ: "أَمّا بَعْدُ فَإِنَّ خَيْرَ الحَدِيثِ كِتابُ اللَهِ، وَخَيْرَ الهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضلاَلَةٌ".
$-وكان لا يخطُب خُطبة إلا افتتحها بحمد الله. .
$-وكان يخطُب قائماً، و أنه كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا صَعِدَ المِنَبرَ أقبل بوجهه على الناس، ثم قال: "السَّلاَمُ عَلَيْكُم" قال الشعبي: وكانأبو بكر وعمر يفعلان ذلك

$-وكان يختِم خُطبته بالاستغفار،

$-وكان كثيراً يخطب بالقرآن وفي "صحيح مسلم" عن أمِّ هشام بنت حارثة قالت: "ما أخذتُ {ق وَالْقُرآنِ المَجِيدِ} [ق: 1]، إلا عَنْ لِسَانِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَؤُهَا كُلَّ يَوْمِ جُمُعَةٍ عَلَى المِنْبَرِ إذَا خَطَبَ النَّاسَ"

$-، وذكر أبو داود عن ابن مسعود أَنَّ رسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا تشهَّد قال: "الحَمْدُ للَهِ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، مَنْ يَهْدِ اللهُ، فَلاَ مُضلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ، فلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لاَ إِله إِلاَّ اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ بِالْحَق بَشِيراً وَنَذِيراً بَيْن يَدَي السَّاعَةِ، مَنْ يُطعِ اللهَ وَرَسُولَهُ، فَقَدْ رشَدَ وَمَنْ يَعْصهِمَا، فَإِنَّهُ لاَ يَضُرُّ إِلاَّ نَفْسَهُ، وَلاَ يَضرُّ اللهُ شيئاً"

$-وقال أبو داود : وبلغنا أن رسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول إذا خطب: "كُلُّ مَا هُوَ آتٍ قَريبٌ، لاَ بُعْدَ لِمَا هُوَ آتٍ، وَلاَ يُعَجِّلُ اللَهُ لِعَجَلَةِ أَحَدٍ، وَلاَ يُخِفُّ لأَمْرِ النَّاسِ، مَا شَاءَ اللهُ، لاَ مَا شَاءَ الناسُ، يُرِيدُ اللهُ شَيْئاً وَيُريدُ النَّاسُ شَيئاً، مَا شَاءَ اللهُ كَانَ، وَلَوْ كَرِهَ النَّاسُ، وَلاَ مُبْعِدَ لِمَا قرَّبَ اللهُ، ولاَ مُقَرِّبَ لِمَا بَعَّدَ اللهُ، ولاَ يَكُونُ شَيءٌ إلاَّ بِإِذْنِ اللهِ".

$- وكان مدارُ خُطبه على حمد الله، والثناء عليه بآلائه، وأوصافِ كماله ومحامده، وتعليمِ قواعدِ الإِسلام، وذكرِ الجنَّة والنَّار والمعاد، والأمرِ بتقوى الله، وتبيينِ موارد غضبه، ومواقعِ رضاه فعلى هذا كان مدار خطبه.
$-وكان يقول في خطبه: " أَيُّهَا النَّاسُ إِنَكُمْ لَنْ تُطِيقُوا - أَوْ لَنْ تَفْعَلُوا –كُلَ مَا أُمِرْتُمْ بهِ، وَلَكِنْ سَدِّدُوا وَأَبْشِرُوا".
$-وكان يخطُب في كل وقت بما تقتضيه حاجةُ المخاطَبين ومصلحتهم، ولم يَكُنْ يخطب خُطبة إلا افتتحها بحمد الله، ويتشهَّد فيها بكلمتي الشهادة، ويذكر فيها نفسه باسمه العلم.
وثبت عنه أنه قال: " كُلُّ خُطْبَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَشَهُّدٌ، فَهِيَ كَالْيَدِ الجَذْمَاءِ ".
$-وكان منبرُه ثلاثَ درجات، فإذا استوى عليه، واستقبل الناس، أخذ المؤذن في الأذان فقط، ولم يَقُلْ شيئاً قبلَه ولا بعدَه، فإذا أخذ في الخطبة، لم يرفع أحدٌ صوته بشيء البتة، لا مؤذنٌ ولا غيرُه.
$-وكان إذا قام يخطب، أخذ عصاً، فتوكَّأ عليها وهو على المنبر، ، وكان الخلفاءُ الثلاثةُ بعده يفعلون ذلك، $- وكان أحياناً يتوكأْ على قوس، ولم يُحفظ عنه أنه توكأ على سيف.
$-وكان إذا عرض له في خطبته عارض، اشتغل به، ثم رجع إلى خطبته، وكان يخطُب، فجاء الحسن والحسين يعثُران في قميصين أحمرين، فقطع كلامه، فنزل، فحملهما، ثم عاد إلى منبره، ثم قال: "صَدَقَ اللهُ العَظِيمُ {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ} [الأنفال: 28] رَأَيْتُ هذَيْنِ يعثُران في قَمِيصَيْهِمَا، فَلَمْ أَصْبِرْ حَتَّى قَطَعْتُ كَلاَمِي فَحَمَلْتُهُمَا".
$-وَجَاءَ سُلَيْكٌ، الغَطَفَاني وهو يخطُب، فجلس، فقال له: "قُمْ يَا سُلَيْكُ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْن وَتَجَوَّزْ فِيِهِما"، ثم قال وهو على المنبر: "إذَا جَاءَ أَحَدُكمْ يَوْمَ الجُمُعَةِ والإِمام يَخْطُبُ، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا".

$-وكان يُقصر خطبته أحياناً، ويُطيلها أحياناً بحسب حاجة الناس وكانت خطبتُه العارِضة أطولَ من خطبته الراتِبة. وكان يخطُب النِّساء على حِدة في الأعياد، ويحرِّضُهُنَّ على الصدقة، والله أعلم.


رد مع اقتباس