عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 17-06-2017, 01:53 PM
سراج منير سراج منير غير متواجد حالياً
عضو خبير
 
تاريخ التسجيل: Jan 2017
المشاركات: 708
معدل تقييم المستوى: 8
سراج منير is on a distinguished road
افتراضي


سجودُ الشكر

-وكان مِن هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهدي أصحابه سجودُ الشكر عند تجدُّد نِعمة تسُرُ أو اندفاع نِقمة، كما في "المسند" 1-عن أبي بكرة، أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا أتاه أمرٌ يَسُرُّه، خرَّ لله سَاجِداً شُكْراً لله تَعَالى.


2-وذكر ابنُ ماجه، عن أنس، أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُشِّرَ بحَاجَةٍ، فخَرَّ للّه سَاجِداً.
3- البخاري، أن علياً رضي الله عنه، لما كتب إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإسلام همْدَان، خرَّ ساجداً ثم رفع رأسه، فقال: "السَّلاَم عَلَى هَمْدَانَ، السَّلاَمَ عَلى هَمْدان"


4-وفي "المسند" من حديث عبد الرحمن بن عوف، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سجد شكراً لما جاءته البُشرى من ربه، أنه من صلَّى عليك، صلَّيْت عليه، ومن سلَّم عليك، سلمتُ عليه.
5-وسجد كعب بن مالك لما جاءته البشرى بتوبة الله عليه، ذكره البخاري.

6- وذكر أحمد عن علي رضي الله عنه، أنه سجد حين وجد ذا الثُّدَيَّة في ***ى الخوارج.
7-، أن أبا بكر الصِّديق رضي الله عنه، سجد حين جاءه ***ُ مسيلِمة.


: في هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سجود القرآن
كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذا مرَّ بسجدة، كبَّر وسجد، وربما قال في سجوده " سَجَدَ وَجهي لِلّذي خَلَقَهُ وَصوَّرَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصرَهُ بِحَولِهِ وَقُوَّتِهِ".
وربما قال: " اللهم احطط عَنِّي بها وِزرا، واكْتُب لي بها أَجْرَاً، واجْعَلْهَا لي عِنْدَكَ ذُخْرَاً، وَتَقبَّلها مِنِّي كَمَا تَقَبَّلتَها مِن عَبْدِكَ داودَ".

2-ولم يُذكر عنه أنه كان يكبر للرفع من هذا السجود، ، ولا نُقِلَ فيه عنه تشهد ولا سلام البتة وأنكر أحمد والشافعي السلامَ فيه، فالمنصوص عن الشافعي: إنه لا تشهدَ فيه ولا تسليم،

3-وصح عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه سجد في (الم تنزيل)، وفي (ص)، وفي (النجم) وفي؟ (إذا السَماء انشقَّت)، وفي (اقرأ باسْم رَبِّكَ الذي خَلَق).
4-وذكر أبو داود عن عمرو بن العاص، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أقرأه خمسَ عشرة، سجدة، منها ثلاث في المفصّل، وفي سورة الحج سجدتان.


في هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الجمعة وذكر خصائص يومها


1-ثبت في "الصحيحين" عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "نَحْنُ الآخرُون الأَوّلُونَ السَّابِقونَ يَوْمَ القِيامَة، بَيْدَ أنَّهم أوتُوا الكتاب مِنْ قَبْلِنَا، ثُمَّ هذَا يَوْمُهُمُ الَّذِي فَرضَ اللهُ عَلَيْهِم، فاخْتَلَفوا فِيهِ، فهَدانَا اللهُ له، والنَّاسُ لَنا فيه تَبَع، اليَهُودُ غداً، والنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ".
2-وفي "صحيح مسلم" عن أبي هريرة، وحُذيفة رضي الله عنهما قال: رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أَضَلَّ اللهُ عَن الجُمُعة مَنْ كان قَبْلَنا، فَكانَ لِلْيَهُودِ السَّبْتِ، وكَانَ لِلنَّصارى يَوْمُ الأَحَدِ، فجاء اللهُ بِنَا، فَهَدَانَا ليومِ الجمعة فَجَعَلَ الجُمُعَةَ والسّبْتَ والأَحَدَ، وكَذلِكَ هُم تَبَعٌ لَنَا يَومَ القِيَامَةِ، نحن الآخِرُونَ مِنْ أَهْلِ الدُّنيا، والأَوَّلونَ يَوْمَ القِيامَةِ، المَقْضيُّ لهم قبل الخلائِق".

3- وقال أَفْضل أَيَّامِكُم يَومُ الجمعَةِ، فيه خَلَقَ اللهُ آدَمَ، وفيه قُبضَ، وفيه النَّفخَةُ، الصعْقَةُ، فأكثِرُوا عليَّ مِنَ الصَّلاةِ فيه، فإِنَّ صَلاَتَكُم مَعرُوضةٌ عليَّ" قالوا: يا رسولَ الله وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلاتنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرَمْتَ؟ (يعني: قدْ بَلِيتَ). "إنَّ الله حَرَّمَ على الأَرضِ أَنْ تأْكُلَ أَجْسَادَ الأنبياءِ".

4- وفي "جامع الترمذي"، من حديث أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: "خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فيه الشَّمْسُ يَوْمُ الجُمُعَةِ، فيه خَلَقَ اللهُ آدَمَ، وفيه أدْخِلَ الجَنَّةَ، وفيه أُخرِجَ منها، ولا تَقومُ السَّاعَةُ إِلاَّ في يَوْمِ الجُمُعَةِ صحيح وفى رواية

"سَيِّدُ الأيَّام يَوْمُ الجُمُعةِ، فيه خُلِقَ آدَمُ، وفيه أُدْخِلَ الجَنَّة، وفيه أُخْرِجَ مِنْهَا، ولا تَقومُ السَّاعَةُ إِلاَّ يَوْمَ الجُمُعَةِ".
وارواية الاخرى "خيْر يَوْمٍ طَلَعَت عليه الشَّمْس يومُ الجُمُعةِ، فيه خُلِقَ آدمُ، وفيه أُهْبِطَ، وفيه تِيبَ عَليه، وفيه مَاتَ، وفيه تقومُ السَّاعةُ، وما منْ دابَّةٍ إلا وَهِيَ مُصِيخَةٌ يَوْمَ الجُمُعةِ مِنْ حِينَ تصبِحُ حتَّى تَطْلعَ الشّمْسُ شَفَقاً مِنَ السَّاعَةِ إِلاَّ الجِنَّ والإِنسَ، وفِيهِ سَاعَةٌ لا يُصادِفُهَا عَبدٌ مُسْلِمِّ وَهُوَ يُصَلِّي يَسْأَلُ الله شَيْئاً إِلاَّ أَعْطَاهُ إيَّاه". قال كعب: ذلك في كلِّ سنَةٍ يَوْمٌ، فقلتُ: بَلْ في كُلِّ جُمُعَةٍ، فَقَرأَ كَعْبّ التَّوْراةَ، فَقَال: صدَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ، ثُمَّ لَقِيتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ سَلاَمٍ، فحَدَّثْتهُ بِمَجْلِسي مَعَ كَعبٍ، قَالَ: قَدْ عَلِمتُ أَيَّة سَاعَةٍ هي، قُلت: فأَخبِرْنِي بِهَا، قال: هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ في يَوْمِ الجُمُعَةِ، فَقُلتُ: كَيفَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يصَادِفُهَا عَبدٌ مسلِمّ وَهوَ يصَلِّي

وَتِلْكَ السَّاعَةُ لاَ يُصَلَّى فيها؟ فَقَالَ ابن سلام: أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ الله "مَن جَلَسَ مَجلِساً يَنْتَظِرُ الصلاَةَ، فَهُوَ في صًلاةٍ حَتَّى يُصلِّيَ"؟


وفي "مسند الشافعي" من حديث أنس بن مالك رضي اللهُ عنه، قال: أتى جبريلُ عليه السلام رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. بمرْآة بَيْضَاءَ، فِيها نُكتةٌ، فَقَالَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما هذِهِ؟ فقال : "هذِهِ يَومُ الجُمُعةِ، فُضِّلْتَ بِهَا أَنْتَ وَأُمَّتُكَ، والنَّاسُ لَكُمْ فيها تَبَعٌ، اليهودُ والنَّصارى، ولكم فيها خَيْرٌ، وفيها سَاعَةٌ لا يُوافِقُها عَبْدٌ مُؤْمِنٌ يدعو الله بِخَيْرٍ إلا اسْتُجِيبَ لَهُ وهُوَ عِنْدَنَا يَوْمُ المزيد، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا جِبْريلُ ! ما يومُ المزيدِ؟ قال: إِنَّ رَبَّكَ اتَّخَذَ فِي الفِرْدَوْسِ وَادِياً أفيحَ فِيهِ كُثُبٌ مِنْ مِسْكٍ، فإذا كَانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ أنزلَ الله سُبحَانَهُ ما شَاءَ مِنْ مَلاَئِكَتِهِ، وَحَوْلَهُ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ عَليها مَقَاعِدُ النَّبيِّينَ، وحَفَّ تِلكَ المنابِرَ بِمنَابِرَ مِنْ ذَهَبٍ مُكَلَّلَةٍ بالياقوت وَالزَّبَرجَدِ، عليها الشُّهَداءُ والصِّدِّيقُونَ، فجلسوا مِنْ وَرَائهم على تِلْكَ الكُثُبِ"، فيقولُ اللهُ عزّ وجَلَّ: "أَنا رَبّكم قَدْ صَدَقتكم وعدي، فسَلُوني أُعْطِكُم، فيقولون: ربَّنا نسألك رضوانَك، فيقول: قَدْ رَضِيتُ عنْكُم وَلَكُم مَا تَمَنيْتُم وَلَدَيَّ مَزيد، فهم يُحِبُّونَ يَوْمَ الجُمُعةِ لِما يُعطيهم فيه ربُّهم مِنَ الخَيْرِ، وهُوَ اليومُ الَّذي اسْتوى فيه ربُّك تَبَارَكَ وتَعالى على العرش، وفيه خَلَقَ آدم، وفيه تقوم السَّاعة".

وكان من هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تعظيمُ هذا اليوم وتشريفه، وتخصيصه بعبادات يختص بها عن غيره.

وقد اختلف العلماء: هل هو أفضلُ، أم يومُ عرفة؟ على قولين: هما وجهان لأصحاب الشافعي.
ابن القيم وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ في فجره بسورتي (الم تنزيل) و(هل أتى على الإِنسان).

خواص يوم الجمعة

ابن القيم : ، ولهذا كره من كره من الأئمة المداومة على قراءة هذه السورة في فجر الجمعة، دفعاً لتوهم الجاهلين، وسمعت ابن تيمية يقول: إنما كان النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ هاتين السورتين في فجر الجمعة، لأنهما تضمنتا ما كان ويكون في يَومِها، فإنهما اشتملتا على خلق آدم، وعلى ذِكر المعاد، وحشر العباد، وذلك يكون يومَ الجمعة، وكان في قراءتهما في هذا اليوم تذكيرٌ للأمة بما كان فيه ويكون، والسجدة جاءت تبعاً ليست مقصودة حتى يقصدَ المصلي قراءتها حيثُ اتفقت. فهذه خاصة من خواص يوم الجمعة.

الخاصة الثانية: استحبابُ كثرة الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه وفي ليلته،

1- لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أكثِروا مِنَ الصلاة عَلَّي يوم الجُمُعة وَلَيْلَة الجُمُعة". ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سيدُ الأنام، ويوم الجمعة سيدُ الأيام، فللصلاةِ عليه في هذا اليوم مزيةٌ ليست لغيره


الخاصة الثالثة: صلاة الجمعة التي هي من آكد فروض الإِسلام -، ومن تركها تهاوناً بها، طبع اللهُ على قلبه، وقُربُ أهل الجنة يومَ القيامة، وسبقُهم إلى الزيارة يومَ المزيد بحسب قُربهم من الإِمام يومَ الجمعة وتبكيرهم.


الخاصة الرابعة: الأمر بالاغتسال في يومها، وهو أمرٌ مؤكد جداً، ووجوبه أقوى مِن وجوب الوتر، وقراءة البسملة في الصلاة، ووجوب الوضوءِ من مس النساء، ووجوب الوضوءِ مِن مرِّ الذكر، وللناس في وجوبه ثلاثةُ أقوال: النفيُ والإِثبات، والتفصيلُ بين من به رائحة يحتاج إلى إزالتها، فيجب عليه، ومن هو مستغن عنه، فيستحب له، والثلاثة لأصحاب أحمد.
الخاصة الخامسة: التطيب فيه، وهو أفضل من التطيب في غيره من أيام الأسبوع.
الخاصة السادسة: السِّواك فيه، وله مزية على السواك في غيره.
الخاصة السابعة: التبكير للصلاة.
الخاصة الثامنة: أن يشتغل بالصلاة، والذكر، والقراءة حتى يخرج الإِمام.
الخاصة التاسعة: الإِنصات للخطبة إذا سمعها وجوباً في أصح القولين، فإن تركه، كان لاغياً، ومن لغا، فلا جمعة له، وفي "المسند"، مرفوعاً "والذي يقول لِصاحِبِه أنصِتْ، فَلا جُمُعَةَ لَهُ".
الخاصة العاشرة: قراءة سورة الكهف في يومها، فقد روي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَرأَ سُورَةَ الكَهْفِ يَوْمَ الجمُعَةِ، سَطَعَ لَهُ نُورٌ مِن تَحتِ قَدَمِهِ إلى عَنَانِ السَّمَاء يُضىء بِه يَوْمَ القِيامَةِ، وغُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَ الجُمُعَتَيْنِ".

الحادية عشرة: إنه لا يُكره فعلُ الصلاة فيه وقتَ الزوال عند الشافعى رحمه الله ومن وافقه، وهو اختيار شيخنا أبي العباس بن تيمية، وَلَم يكن اعتمادُه.

، وفي الحديث الصحيح "لا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الجُمعَةِ، وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ، وَيَدَّهِنُ مِن دُهْنِهِ، أَوْ يَمَسُّ مِن طِيبِ بَيتِه، ثُمَّ يَخرُجُ، فَلاَ يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْن، ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ، ثُمَّ ينْصِتُ إذا تَكَلَّمَ الإِمَامُ إلاَّ غُفِرَ لَهُ مَا بَينةُ وَبَيْنَ الجُمُعَةِ الأخْرَى". رواه البخاري

$- فندبه إلى الصلاة ما كتِب له، ولم يمنعه عنها إلا في وقت خروج الإِمام،

$$- ولهذا قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وتبعه عليه الإِمام أحمد بن حنبل: خروجُ الإِمام يمنع الصلاة، وخطبتُه تمنع الكلام، فجعلوا المانع من الصلاة خروجَ الإِمام، لا انتصافَ النهار.

. قال الشافعي: من شأن الناس التهجير إلى الجمعة، والصلاةُ إلى خروج الإِمام، قال البيهقى: الذي أشار إليه الشافعي موجود في الأحاديث الصحيحة وهو أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رغَّب في التبكير إلى الجمعة، وفي الصلاة إلى خروج الإِمام من غير استثناء، وذلك يُوافِق هذه الأحاديث التي أُبيحت فيها الصلاة نصف النهار يوم الجمعة، وروينا الرُّخصة في ذلك عن عطاء، وطاووس، والحسن، ومكحول.

قلت: اختلف الناسُ في كراهة الصلاةِ نِصفَ النهار على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه ليس وقت كراهة بحال، وهو مذهب مالك.
الثاني : أنه وقت كراهة في يوم الجمعة وغيرها، وهو مذهب أبي حنيفة، والمشهور من مذهب أحمد.
والثالث : أنه وقت كراهة إلا يومَ الجمعة، فليس بوقت كراهة، وهذا مذهب الشافعي.


الثانية عشرة: قراءة (سورة الجمعة) و(المنافقين)، أو (سبح) و(الغاشية) في صلاة الجمعة، فقد كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ بهن في الجمعة، ذكره مسلم في "صحيحه".

$$-ولا يُستحب أن يقرأ مِن كل سورة بعضها، أو يقرأ إحداهما في الركعتين، فإنه خلافُ السنة، وجُهَّال الأمة يُداومون على ذلك.
الثالثة عشرة،: أنه يومُ عيد متكرِّر في الأسبوع، وقد روى أبو عبد الله بن ماجه في "سننه" من حديث أبي لُبابة بنِ عبدِ المُنذر قال: قال رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن يَومَ الجُمُعَةِ سَيِّد الأيام، وأَعْظَمُها عنِد الله، وهُوَ أَعْظَم عِنْدَ الله مِنْ يَوْمِ الأضْحَى، وَيَوْمِ الفِطْر، فيه خَمسُ خِلالٍ: خَلَقَ الله فيه آدم، وأَهْبَطَ فيه آدم إلى الأرض، وفيه توفَّى الله آدم، وفيه ساعَةٌ لا يَسْأَلُ الله العَبدُ فيها شيئاً إلا أعطاه، ما لم يسأل حراماً، وفيه تقومُ السَّاعَةُ، ما مِنْ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ، ولا سماءٍ، ولا أرضٍ، وَلا رِيَاحٍ، ولا جِبالٍ، ولا شَجَرٍ إلا وهنّ يُشْفِقن مِنْ يَوْمِ الجمعة".


الرابعة عشرة: إنه يُستحب أن يلبَس فيه أحسَنَ الثياب التي يقدِرُ عليها،

1- فقد روى الإِمام أحمد في "مسنده" من حديث أبي أيوب قال: سمعتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "مَنِ اغْتَسَلَ يوم الجمُعةِ وَمَسَّ مِنْ طِيبٍ إنْ كانَ له، ولَبِسَ مِن أَحسَنِ ثيابِهِ، ثمَّ خَرَجَ وعليه السَّكِينةُ حتَّى يَأْتيَ المسجدَ، ثُمَّ يَرْكَعَ إنْ بَدا له، ولمْ يُؤْذِ أحداً ثُمَّ أَنصَتَ إذا خَرَج إمامُه حتَّى صَلِّيَ، كانت كَفَّارَةً لما بينهما.
2- وفي "سنن ابن ماجه"، عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خطب الناسَ يومَ الجمعة، فرأى عليهم ثِيابَ النِّمار، فقال: "ما على أَحَدِكُمْ إن وَجَدَ سَعَةً أَنْ يَتَخِّذَ ثَوبَيْن لِجُمُعَتِهِ سِوَى ثَوبَيْ مِهنَتِه".


الخامسة عشرة: أنه يستحب فيه تجميرُ المسجد، ، عن نعيم بن عبد الله المُجمِر، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر أن يجمَّرَ مسجدُ المدينة كُلَّ جمعة حين ينتصِف النهار. قلت: ولذلك سمي نعيم المجْمِر.


السادسة عشرة: أنه لا يجوز السفرُ في يومها لمن تلزمه الجمعة قبل فعلها بعد دخول وقتها، وأما قبله، فللعلماء ثلاثةُ أقوال، وهي روايات منصوصات عن أحمد، أحدها: لا يجوز، والثاني: يجوز، والثالث: يجوز للجهاد خاصة.
وأما مذهب الشافعي رحمه الله، فيحرم عنده السفر يومَ الجمعة بعد الزوال، ولهم في سفر الطاعة وجهان، أحدهما: تحريمه، وهو اختيار النووي، والثاني: جوازه وهو اختيار الرافعي.
وأما السفر قبل الزوال، فللشافعي فيه قولان: القديم: جوازه، والجديد: أنه كالسفر بعد زوال.

وأما مذهب مالك، ": ولا يسافر أحدٌ يوم الجمعة بعد الزوال حتى يُصليَ الجمعة، ولا بأس أن يسافر قبل الزوال، والاختيار: أن لا يسافر إذا طلع الفجر وهو حاضر حتى يُصليَ الجمعة.
وذهب أبو حنيفة إلى جواز السفر مطلقاً،

السابعة عشرة: أن للماشي إلى الجمعة بكل خُطوة أجرَ سنة صيامَها وقيامَها،

- عن أوس بن أوس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "من غسَّل واغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، وبَكَّرَ وابتكَرَ، ودنا مِنَ الإمام، فأَنْصَتَ، كانَ لَه بِكُلِّ خطْوَةٍ يَخْطُوها صِيامُ سَنَةٍ وقيامها، وذلِكَ على اللًّهِ يسير" . ".
وقال الإِمام أحمد: غَسَّلَ بالتشديد: جامع أهله، وكذلك فسَّره وكيع.


الثامنة عشرة: أنه يوم تكفير السيِّئات،

وفي "صحيح البخاري"، عن سلمان قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لا يَغْتَسِل رَجُلٌ يَومَ الجُمُعَةِ وَيَتَطهَّرُ ما استطَاعَ مِن طُهْر، وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهنِهِ أَوْ يَصرَّ مِن طيبِ بَيْتِه، ثُمَّ يَخْرج، فلايفرِّقُ بَينَ اثنينِ، ثُمَّ يُصَلي مَاكتِبَ لَهُ، ثُمَّ يُنصتُ إذَا تَكَلَّمَ الإِمَام، إلا غفِرَ لَهُ مَا بيْنهُ وبَينَ الجُمعةِ الأُخرَى" .ومن رواية ابو الدرداء " مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعة، ثمَّ لَبِسَ ثِيابَه، وَمَسَّ طيباً إن كان عنده، ثُمَّ مَشى إلى الجمُعة وعَلَيْه السَّكِينَةُ، ولم يَتَخَطَّ أَحَداً، ولم يُؤذِه، وركَعَ ما قُضِي له، ثُمَّ انتظرَ حتَّى يَنْصَرِفَ الإِمام، غُفِرَ لَه ما بَين الجمُعَتَين".


التاسعة عشرة: أن جهنم تسَجَّر كُلَّ يومٍ إلا يومَ الجمعة. - أنه أفضل الأيام عِند الله، ويقعُ فيه من الطاعات، والعبادات، والدعوات، والابتهال إلى الله سبحانه وتعالى، ما يمنع من تسجير جهنم فيه

العشرون: أن فيه ساعةَ الإِجابة، وهي الساعة التي لا يسأل اللهَ عبدٌ مسلم فيها شيئاً إلا أعطاه

1-، ففي "الصحيحين" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إنَّ في الجُمُعَةِ لَساعَةً لا يوافِقها عبدّ مُسلم وهو قائم يصلِّي يسألُ الله شَيئاً إِلاَّ أعْطَاهُ إِيَّاهُ، وقال: بِيدِه يقَلِّلها"وفى رواية "سيِّدُ الأيَّام يومُ الجُمُعَة، وأَعْظَمُها عِندَ الله، وأعظم غِد الله مِنْ يومِ الفِطْرِ، وَيَوْمِ الأضْحى، وفيهِ خَمسُ خِصَالٍ: خَلَقَ اللهُ فِيهِ آدَمَ، وأَهبَطَ اللهُ فِيهِ آدَمَ إلى الأرْضِ، وفيه تَوَفَّى الله عَزَّ وَجَلَّ آدَمَ، وفيه ساعةٌ لا يَسْأَلُ اللهَ العبد فيهَا شَيْئاً إِلاَّ أَتاهُ الله إِيَّاهُ ما لم يَسْأَل حَرَاماً، وفيهِ تَقُومُ الساعَةُ، ما مِنْ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ، ولا أرْضٍ، ولا رِياحٍ، ولا بَحْرٍ، ولا جِبالٍ، ولا شَجَرٍ، إلا وهنَّ يُشْفِقْنَ مِن يَوْمِ الجُمُعَة".


ساعة الجمعة000 وابن القيم

ابن القيم :وقد اختلف الناس في هذه الساعة: هل هي باقية أو قد رُفِعت؟ على قولين،

، والذين قالوا: هي باقية ولم تُرفع، اختلفوا، هل هي في وقت من اليوم بعينه، أم هي غير معينة؟ على قولين. ثم اختلف من قال بعدم تعيينها: هل هي تنتقل في ساعات اليوم، أو لا؟ على قولين أيضاً، والذين قالوا بتعيينها، اختلفوا على أحد عشر قولاً.
1- عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: هي مِن طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وبعدَ صلاة العصر إلى غروبِ الشمس.

الثاني: أنها عند الزوالِ، عن الحسن البَصري

.الثالث: أنها إذا أذن المؤذِّن بصلاة الجمعة، عن عائشة رضي الله عنها.

الرابع: أنها إذا جلس الإمامُ على المنبر يخطُب حتى يفرُغ قال ابن المنذر: رويناه عن الحسن البصري.
الخامس: : هي الساعة التي اختار الله وقتها للصلاة.
السادس: ، وقال: كانوا يرون أن الدعاء مستجاب ما بين زوال الشمس إلى أن تدخل الصلاة.
السابع: قاله أبو ذر: إنها ما بين أن ترتفع الشمس شبراً إلى ذراع.
الثامن: أنها ما بين العصر إلى غروب الشمس، قاله أبو هريرة، وعطاء، وعبد الله بن سلام، وطاووس

التاسع: أنها آخرُ ساعة بعد العصر، وهو قول أحمد، وجمهور الصحابة، والتابعين.
العاشر: أنها من حين خروج الإِمام إلى فراغ الصلاة، .
الحادي عشر: أنها الساعة الثالثةُ من النهار، .

ابن القيم :وأرجح هذه الأقوال: قولان تضمنتهما الأحاديث الثابتة، وأحدهما أرجح من الآخر.
الأول: أنها من جلوس الإِمام إلى انقضاء الصلاة، وحجة هذا القول ما روى مسلم في "صحيحه" من حديث أبي بُردة بن أبي موسى، أن عبد الله بن عمر قال له: أسمعتَ أباك يحدِّث عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شأن ساعة الجمعة شيئاً؟ قال: نعم سمعتُه يقول: سمعتُ رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " هِيَ مَا بَيْنَ أَن يَجْلِسَ الإِمَامُ إلى أن تُقْضَى الصَّلاَةُ".
ومن رواية ابن ماجة : "إنَّ في الجمُعة سَاعةً لا يسألُ اللهَ العبد فيها شيئاً إلاَّ آتاه اللهُ إيَاه" قالوا: يا رسول الله ! أَيَّةُ سَاعَةٍ هِيَ؟ قال: "حِينَ تُقام الصَّلاة إلى الانصراف منها".


والقول الثاني: أنها بعد العصر، وهذا أرجح القولين، وهو قول عبد الله بن سلام، وأبي هريرة، والإِمام أحمد، وخلق. وحجة هذا القول ما رواه أحمد في "مسنده" من حديث أبي سعيد وأبي هريرة، أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

قال: "إنَ في الجمعة ساعةً لا يُوافِقها عَبْدٌ مسلم يَسأَلُ الله فيهَا خَيْراً إِلاَّ أعْطاه إيَّاهُ وهِيَ بَعْدَ العَصرِ". ومن رواية النسائى
قال: "يوم الجمعةِ اثنَا عَشَرَ سَاعَةً، فِيهَا سَاعَةٌ لاَ يُوجَدُ مُسلِمٌ يَسْأَلُ اللهَ فِيهَا شَيْئاً إلاَّ أعطَاه، فالتَمِسُوها آخِرَ سَاعَةٍ بَعدَ العَصر". عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، أن ناساً من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجتمعوا، فتذاكروا الساعة التي في يوم الجمعة، فتفرَّقوا ولم يختلِفوا أنها آخرُ ساعة من يوم الجمعة.
وفي "سنن ابن ماجه": عن عبد الله بن سلام، قال: قلت ورسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جالِس: إنَّا لَنَجِدُ في كِتَابِ الله (يعني التوراة) في يَومِ الجمُعَة سَاعَة لا يُوافِقُها عَبدٌ مُؤمِنٌ يُصلي يسألُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ شَيْئاً إِلاِّ قَضَى الله لَهُ حَاجَتَهُ قَالَ عَبدُ اللهِ: فأشارَ إلي رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو بَعْضَ سَاعَةٍ. قلت: صدقتَ يا رسُولَ الله، أو بَعضَ سَاعة. قلت: أَيُّ ساعةٍ هي؟ قال: "هي آخرُ ساعةٍ من سَاعات النَّهار". قلت: إنها ليست ساعةَ صلاة، قال: بلى إن العبدَ المؤمنَ إذا صلَّى، ثم جَلَسَ لا يجلِسُه إلاً الصلاَة، فهو في صَلاةٍ". وفى رواية

وفي "سنن أبي داود"، ، عن أبي هريرة قال: قالَ رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمس يَوْمُ الجُمُعَة، فيه خُلِقَ آدَمُ، وفيه أهْبِطَ، وفيه تِيبَ عليه، وفيه مات، وفيه تقومُ الساعة، وما مِن دابَّةِ إلا وهي مُصيخَةٌ يَومَ الجُمُعَة، من حين تُصبِحُ حتيَ تَطْلُعَ الشَّمْسُ شَفَقاً من السَّاعَة، إلا الجنَّ والإنسَ، وفيه ساعةٌ لا يُصادفها عَبْد مُسْلِمٌ وهو يُصَلِّي يَسْأَلُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ حاجةً إلا أعطاهُ إيَّاها"

قال كعب: ذلك في كلِّ سنةٍ يوم؟ فقلتُ: بل في كل جمُعَةٍ قال: فقرأ كعبٌ التوراة، فقال: صدق رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال أبو هريرة: ثمَّ لَقِيْت عبدَ الله بنَ سلام، فحدثته بمجلِسي مَعَ كَعْب، فَقالَ عَبْدُ الله بنُ سلام: وقد علمتُ أيَّة سَاعَةٍ هِيَ. قال أبُو هُرَيْرَةَ: فَقُلْتُ: أَخْبِرني بِهَا، فَقَالَ عَبْدُ الله بنُ سَلاَم: هي آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ، فقلت: كَيْفَ هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِم وَهُوَ يُصَلِّي" وتِلْكَ السَّاعَةُ لا يُصَلَّى فِيهَا؟ فقال عبدُ الله بن سلام: ألَم يَقُل رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من جَلَسَ مَجْلِساً يَنْتَظِرُ الصلاَةَ، فَهُوَ في صَلاَةٍ حَتَّى يُصَلِّيَ"؟ قال: فقلت: بلى. فقال: هُوَ ذَاكَ وفي "الصحيحين" بعضه.
$-وأما من قال إنَّها من حين يفتتح الإِمامُ الخطبة إلى فراغه من الصلاة، فاحتج بما رواه مسلم في "صحيحه : "هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجلِس الإِمامُ إلى أن يقضِيَ الإِمام الصلاة".



الفصل فى المسالة

ابن القيم :، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: الساعة التي تُذكر يومَ الجمعة: ما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس. وكان سعيد بن جُبير، إذا صلى العصر، لم يُكلّم أحدا حتى تغرب الشمس، وهذا هو قول أكثر السلف، وعليه أكثر الأحاديث. ويليه القول: بأنها ساعة الصلاة، وبقية الأقوال لا دليل عليها. فهي ساعة معينة من اليوم لا تتقدم ولا تتأخر،


وكذلك قولُه في ساعة الجمعة "هي ما بَيْنَ أن يجلس الإمامُ إلى أن تنقضي الصلاة" لا يُنافي قوله في الحديث الآخر "فالتَمسُوها آخرَ سَاعَة بَعْدَ العَصْرِ".
ومثله قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "ما تعُدُّونَ المُفْلسَ فيكم"؟ قالوا: من لا درْهَمَ له ولا مَتَاع. قال: "المُفْلسُ من يَأتي يَومَ القيامَة بحًسَنات أمْثَال الجبال، ويأَتي وقد لَطمَ هذا، وضَرَبَ هذَا، وسَفَكَ دَمَ هذَا،َ فَيَأخُذ هذا من حَسًناتَه، وَهَذَا منْ حَسَنَاته" الحديث


وهذه الساعة هي آخِر ساعة بعد العصر، يعظِّمها جميع أهل الملل. وعند أهل الكتاب هي ساعة الإِجابة، وهذا مما لا غرض لهم في تبديله وتحريفه، وقد اعترف به مؤمنُهم.


الحادية والعشرون: أن فيه صلاةَ الجمعة التي خُصَّت من بين سائر الصلوات المفروضات بخصائص لا توجد في غيرها من الاجتماع، والعدد المخصوص، واشتراط الإِقامة، والاستيطان، والجهر بالقراءة. وقد جاء من التشديد فيها ما لم يأتِ نظيرُه إلا في صلاة العصر، ففي السنن الأربعة، من حديث أبي الجَعْدِ الضَّمْرِي - وكانت له صحبة - إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " مَن تَرَكَ ثَلاثَ جُمَع تَهاوُناً، طَبعَ اللهُ عَلى قَلْبِهِ ".

وأجمع المسلمون على أن الجمعة فرض عين ، إلا قولاً يحكى عن الشافعي ، أنها فرض كفاية ، وهذا غلط عليه


الثانية والعشرون : أن فيه الخطبة التي يقصد بها الثناء على الله وتمجيده ،
الثالثة والعشرون : أنه اليوم الذي يستحب أن يتفرغ فيه للعبادة ، ، فيوم الجمعة يوم عبادة ، وهو في الأيام كشهر رمضان في الشهور ، وساعة الإجابة فيه كليلة القدر في رمضان .
ولهذا من صح له يوم جمعته وسلم ، سلمت له سائر جمعته ، ومن صح له رمضان وسلم ، سلمت له سائر سنته ، ومن صحت له حجته وسلمت له ، صح له سائر عمره ، فيوم الجمعة ميزان الأسبوع ، ورمضان ميزان العام ، والحج ميزان العمر ،

الرابعة والعشرون : فضل التعجيل الى المسجد ، في "الصحيحين" عن أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قال: "مَن رَاحَ في السَّاعَةِ الأُولى، فَكَأنما قَرَّبَ بَدَنَةً، ومَنْ رَاحَ في السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ، فَكَأنَّما قَرَّبَ بَقَرَةً، ومَنْ رَاحَ في السَّاعة الثَّالِثَةِ، فَكأنَّما قَرَّبَ كَبْشَاً أَقرَنَ ".
وقد اختلف الفقهاء في هذه الساعة على قولين:
أحدهما : أنها من أول النهار، وهذا هو المعروف في مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما.
والثاني : أنها أجزاء من الساعة السادسة بعد الزوال، وهذا هو المعروف في مذهب مالك، واختاره بعضُ الشافعية، واحتجوا عليه بحجتين:
الحجة الثانية: أن السلف كانوا أحرصَ شيء على الخير، ولم يكونوا يَغْدون إلى الجمعة من وقت طلوع الشمس، وأنكر مالك التبكيرَ إليها في أول النهار، وقال: لم نُدرك عليه أهل المدينة. في "سنن أبي داود" من حديث علي رضي الله عنه، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا كَانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ، غَدَتِ الشَّياطِينُ بِرَايَاتِهَا إلى الأَسْوَاق، فَيَرْمُونَ النَّاسَ بالترابيثِ أَو الرَّبَائِثِ وَيُثَبِّطُونَهُم عَنِ الجُمُعَةِ، وَتَغْدُو المَلاَئِكَةُ، تَجْلِسُ عَلَى أبْوَاب المَسَاجِدِ، فَيَكتُبونَ الرَّجُلَ مِن سَاعَةٍ، والرَّجُلَ مِنْ سَاعَتَيْن حتَّى يَخْرُجَ الإِمَام".
: أختلف أهلُ العلم في تلك الساعات، فقالت طائفة منهم: أراد الساعاتِ مِن طلوع الشمس وصفائِها، والأفضلُ عندهم التبكيرُ في ذلك الوقت إلى الجمعة، وهو قول ، وأبي حنيفة والشافعي، وأكثر العلماء، بل كلهم يستحب البكور إليها.
قال الشافعي رحمه الله: ولو بكر إليها بعد الفجر، وقبل طلوع الشمس، كان حسناً.

-: قيل لأحمد بن حنبل: كان مالك بن أنس يقول: لا ينبغي التهجير يومَ الجمعة باكراً، فقال: هذا خلاف حديث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقال: سبحان الله إلى أي شيء ذهب في هذا، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "كالمُهْدِي جَزُوراً ". قال:

السابعة والعشرون: أنه قد فُسِّرَ الشاهد الذي أقسم الله به في كتابه بيوم الجمعة، ، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اليَوْمُ المَوْعُودُ: يَوْمُ القِيَامَةِ، والْيَوْمُ المَشْهود: هو يَومُ عَرَفَة، وَالشَّاهِدُ يَوْمُ الجُمُعَةِ، مَا طَلَعَتْ شَمْسٌ، وَلاَ غَرَبَتْ عَلَى أَفْضَلَ مِن يَومِ الجُمُعَةِ، فِيهِ سَاعَةٌ لاَ يُوافِقُهَا عَبْدٌ مُؤْمِنِّ يَدْعُو اللهَ فيهَا بخَير إلاَّ اسْتَجَابَ لَهُ، أَوْ يَسْتَعِيذُهُ منْ شَرٍّ إِلاَّ أعَاذَ مِنْهُ".


وفي "الصحيحين" من حديث أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، "نَحنُ الآخِرونَ السَّابِقونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، بَيْدَ أَنّهُمْ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلِنَا، وأُوتِينَاهُ مِن بَعدِهمْ، فَهَذا يَوْمُهُمُ الَذِي فَرَضَ اللهُ عَلَيْهِمْ، فَاخْتَلَفُوا فِيه، فَهَدانَا اللهُ لَهُ، فَالنَّاسُ لَنَا فيه تَبَعٌ، اليَهُودُ غَداً، والنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ".

الثلاثون: أنه خِيرة الله من أيام الأسبوع، كما أن شهر رمضان خيرتُه من شهور العام، وليلة القدر خيرتُه من الليالي، ومكةُ خيرتُه مِن الأرض، ومحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِيرتُه مِن خلقه.


الثانية والثلاثون: أنه يكره إفرادُ يوم الجمعة بالصوم، هذا منصوصُ أحمد

وفي "صحيح مسلم"، عن محمد بن عباد، قال: سألتُ جابر بن عبد الله، وهو يطوفُ بالبيت: أنهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن صيام يوم الجمعة؟ قال: نعم وربِّ هذه البَنِيَّةِ.
وفي "الصحيحين" من حديث أبي هريرة، قال: سمعتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "لا يَصُومَنَّ أحدُكُم يَوْمَ الجُمُعَةِ إلا أنْ يَصُومَ يَوْمَاً قبلَهُ، أَو يَوَمَاًَ بَعْدَه". واللفظ للبخاري.
وفي "صحيح مسلم"، عن أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: "لا تَخصوا لَيْلَةَ الجُمُعَةِ بِقِيامِ من بين الليالي، ولا تَخُصُّوا يَومَ الجُمُعَةِ بصِيَام منْ بَيْن سَائِرِ الأَيَّامِ، إلا أَنْ يَكُونَ في صَوْمِ يَصُومُهُ أَحَدُكُم ".
وفي "صحيح البخاري"، عن جُويرية بنت الحارث، " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل عليها يومَ الجمعة وهي صائمة، فقال: أصُمت أَمْسِ؟ قَالَتْ: لا. قَالَ: فَتُرِيدِينَ أن تَصُومي غداً؟ قالت: لا. قَالَ: فأَفطِري ".
وفي "مسند أحمد" عن ابن عباس، أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا تَصُومُوا يَومَ الجُمُعَةِ وَحْدَهُ".

الثالثة الثلاثون: إنه يوم اجتماع الناس وتذكيرهم بالمبدأ والمعاد، وقد شرع الله سبحانه وتعالى لكل أمة في الأسبوع يوماً


: في هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في خطبه


1-كان إذا خطب، احمرَّت عيناه، وعلا صوتُه، واشتد غضبُه حتى كأنه منذرُ جيش، يقول: "صَبَّحَكُمْ ومساكم" ويقول: "بُعِثتُ أَنَا والسَّاعَة كَهَاتَينِ، وَيَقْرُنُ بَيْنَ أصبُعَيهِ السَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى". ويقول: "أَمَّا بَعْدُ، فإنَّ خَيْرَ الحَديثِ كِتَابُ الله، وَخَيْرَ الهدْي هَدْي مُحَمَّدِ، وَشَرَّ الأُمورِ مُحْدَثَاتُها، وَكُلَّ بِدعَةٍ ضَلاَلَة ". ثم يقول: "أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ، مَن ترَكَ مَالاً، فَلأَهلِهِ، وَمَنْ تَرَكَ دَيْنَاً أَو ضَيَاعاً، فإليَّ وعليَّ" رواه مسلم.
2-وفي لفظ: كانت خُطبة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الجمعَةِ، يَحْمَدُ الله ويُثْنِي عَلَيهِ، ثُمَّ يَقُولُ عَلَى أثَرِ ذلِكَ وَقَدْ عَلاَ صَوْتُه فَذَكَرُه. في لفظ: يَحْمَدُ الله وَيُثْنِي عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُه، ثُمَّ يَقُولُ: "مَنْ يَهْدِ اللهُ، فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ، فلاَ هَادِيَ لَهُ، وَخَيْر الحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ".وفي لفظ للنسائي، "وكُلُ بِدْعةٍ ضلاَلَةٌ، وَكُلّ ضلاَلَةٍ في النَّارِ".وكان يقول في خطبته بعد التحميدِ والثناءِ والتشهد "أَمَّا بَعْدُ".
3-وكان يُقصِّرُ الخُطبة، ويطيل الصلاة، ويكثر الذِّكر، ويَقْصدُ الكلماتِ الجوامع، وكان يقول: "إنَّ طُولَ صَلاَةِ الرَّجُلِ وَقِصَرَ خُطْبَتِه، مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهٌ"
4-وكان يُعَلِّمُ أصحابَه في خُطبته قواعِدَ الإِسلام، وشرائعَه، ويأمرهم، وينهاهم في خطبته إذا عَرَض له أمر، أو نهى، كما أمر الداخل وهو يخطب أن يُصلي ركعتين.
5-ونهى المتخطِّي رِقابَ الناس عن ذلك، وأمره بالجلوس. وكان يقطعُ خطبته للحاجة تعْرِضُ، أو السؤالِ مِنْ أَحَدٍ من أصحابه، فيُجيبه، ثم يعود إلى خُطبته، فيتمُّها.
6-وكان ربما نزل عن المنبر للحاجة، ثم يعودُ فَيُتِمُّها، كما نزل لأخذ الحسن والحسين رضي الله عنهما، فأخذهما، ثم رَقِيَ بهما المنبر، فأتم خطبته.

7-وكان يدعو الرجل في خطبته: تعالَ يا فلان، اجلِسْ يا فلان، صلِّ يا فُلان.
8-وكان يأمرهم بمقتضى الحال في خطبته، فإذا رأىَ منهم ذا فاقة وحاجة، أمرهم بالصدقة، وحضهم عليها.
9-وكان يُشير بأصبعه السَّبَّابَة في خطبته عند ذكر الله تعالى ودعائه.
10-وكان يستسقي بهم إذا قَحَطَ المطر في خطبته.

11-وكان يمهل يوم الجمعة حتى يجتمعَ الناسُ، فإذا اجتمعوا، خرج إليهم وحدَه من غير شاويش يصيح بين يديه، ولا لبس طيلسان، ولا طرحة، ولا سواد، فإذا دخل المسجد، سلَّم عليهم، فإذا صَعِد المنبر، استقبل الناسَ بوجهه، وسلَّم عليهم، ولم يدع مستقبلَ القبلة، ثم يجلِس، ويأخذ بلالٌ في الأذان، فإذا فرغ. منه، قام النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فخطب من غير فَصلٍ بين الأذان والخطبة، لا بإيراد خبر ولا غيره.
12-ولم يكن يأخذ بيده سيفاً ولا غيرَه، وإنما كان يعتَمِد على قوس أو عصاً قبل أن يتَّخذ المنبر، وكان في الحرب يَعتمد على قوس، وفي الجمعة يعتمِد على عصا.


13-وكان منبره ثلاثَ درجات، وكان قبلِ اتخاذه يخطُب إلى جِذع يستند إليه، فلما تحوَّل إلى المنبر، حنَّ الجِذْعُ حنيناً سمعه أهل المسجد، فنزل إليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وضمَّه قال أنس: حنَّ لما فقد ما كان يسمع من الوحي، وفقده التصاق النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.


14-ولم يُوضع المنبر في وسط المسجد، وإنما وضع في جانبه الغربي قريباً من الحائط، وكان بينه وبين الحائط قدر ممر الشاة.
15-وكان إذا جلس عليه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غير الجمعة، أو خطب قائماً في الجمعة، استدار أصحابُه إليه بوجوههم، وكان وجهه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبلَهم في وقت الخطبة.
16-وكان يقوم فيخطب، ثم يجلِس جلسة خفيفة، ثم يقوم، فيخطب الثانية، فإذا فرغ منها، أخذ بلال في الإِقامة. 17-وكان يأمر الناس بالدنِّو منه، ويأمرهم بالإِنصات، وتخبرهم أن الرجل إذا قَالَ لِصاحبه: أَنْصِت فَقَدْ لَغَا. ويقول: "مَنْ لَغَا فَلاَ جمُعَة لَهُ". وكان يقول: "مَن تَكَلَّمَ يَوْمَ الجمُعَة والإِمامُ يَخْطُبُ، فَهُوَ كَمَثَلِ الحِمَارِ يَحْمِلُ أَسفَاراً، والَذِي يَقُولَ لَه: أنْصت لَيْسَت لَهُ جُمُعَة ". رواه الإِمام أحمد.
18- وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَحْضُر الجُمُعَة ثَلاثَةُ نَفَر: رَجُلٌ حَضرَها يَلغُو وَهُوَ حَظُه منها، ورَجُلٌ حَضَرَها يَدْعو، فَهُوَ رَجُلُ دَعا الله عَزَّ وَجَلَّ إن شَاءَ أَعْطَاهُ، وإنْ شَاءَ مَنَعَهْ، وَرَجلٌ حَضَرهَا بإنْصاتٍ وَسُكُوتٍ، وَلَمْ يَتَخَطَّ رَقَبَةَ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُؤْذِ أحداً، فَهي كَفَّارَةٌ له إلى يَوْمِ الجُمُعَةِ التي تَليها، وَزيادَة ثَلاثَةَ أيْامٍ، وَذَلِكَ أن الله عزَّ وجَلَ يقول: {مَن جَاءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أمثَالِها} [الأنعام: 160]"، ذكره أحمد وأبو داود.
19-وكان إذا فرغ بلال من الأذان، أخذ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الخطبة، ولم يقم أحدٌ يركع ركعتين البتة، ولم يكن الأذانُ إلا واحداً، وهذا يدل على أن الجمعة كالعيد، لا سُنَّة لها قبلها، وهذا أصحُّ قولي العلماء، وعليه تدلُّ السُّنَّة،

-فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يخرج مِن بيته، فإذا رَقِي المنبر، أخذ بلالٌ في أذان الجمعة، فإذا أكمله، أخذ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الخطبة من غير فصل، وهذا كان رأَيَ عين، فمتى كانوا يُصلون السُّنَّة؟!


- في "الصحيحين" عن جابر، قال: دخل رجال يومَ الجمعة ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب، فقال "أَصلَّيْتَ" قال: لا.قال: فَصّل رَكْعَتَيْن. وقال: "إذا جاء أَحَدُكُم الجُمُعَةَ والإِمَامُ يَخْطُبُ، فَليَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ، وَلْيتَجَوَّزْ فيهما ".

قلت: وهذا من باب استحباب فعل تحية المسجد والإِمام على المنبر،

- قال أبو هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من اغتسل يوم الجمعة، ثم أتى المسجدَ، فصلَّى ما قُدِّرَ له، ثم أنصتَ حتى يَفرُغَ الإمامُ من خُطبته، ثم يُصلي معه، غُفِرَ له ما بينه وبين الجمعة الأخرى، وفضل ثلاثة أيَّامٍ".

- وفى رواية: "إن المسلمَ إذا اغتسل يومَ الجمعة، ثم أقبلَ إلى المسجد لا يُؤذي أحداً، فإن لم يجد الإِمام خَرج، صلَّى ما بدا له، وإن وجد الإمامَ خرج، جلس، فاستمع وأنصت حتى يقضيَ الإمامُ جمعته وكلامَه، إن لمَ يُغفر له في جُمعته تلك ذنوبه كلُّها أَنْ تكون كَفَّارَةً للجمعة التي تليها"


20-وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا صلى الجمعة، دخل إلى منزله، فصلى ركعتين سُنَّتَها، وأمر مَنْ صلاها أن يُصليَ بعدها أربعاً.

قال ابن تيمية: إن صلى في المسجد، صلى أربعاً، وإن صلى في بيته، صلى ركعتين ، وقد ذكر أبو داود عن ابن عمر أنه كان إذا صلَّى في المسجد، صلى أربعاً، وإذا صلى في بيته، صلى ركعتين.
وفي "الصحيحين": عن ابن عمر، أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كان يصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته.

وفي "صحيح مسلم"، عن أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمُ الجُمُعَة، فَلْيصَلِّ بَعْدَهَا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ".

: في هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، في العيدين


1-كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصلي العيدين في المُصَلَّى، وهو المصلَّى الذي على باب المدينة الشرقي، وهو المصلَّى الذي يُوضع فيه مَحْمِلُ الحاج، ولم يُصلِّ العيدَ بمسجده إلا مرةً واحدة أصابهم مطر، فصلَّى بهم العيدَ في المسجد كان فِعلهما في المصلَّى دائماً.
2-وكان يلبَس للخروج إليهما أجملَ ثيابه، فكان له حُلَّة يلبَسُها للعيدين والجمعة، .

3- وقد صح عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِن غير معارضٍ النهيُ عن لُبس المعصفر والأحمر، وأمر عبد الله بن عمرو لما رأى عليه ثوبين أحمرين أن يَحرِقَهما فلم يكن ليكره الأحمر هذه الكراهة الشديدة ثم يلبَسُه، والذي يقُوم عليه الدليل تحريمُ لِباس الأحمر، أو كراهيتُه كراهية شديدة.
4-وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأكُل قبلَ خروجه في عيد الفطر تمرات، ويأكلهن وتراً،

5-وأما في عيد الأضحى، فكان لا يَطعَمُ حتى يَرجِعَ مِن المصلَّى، فيأكل من أضحيته.
6-وكان يغتسل للعيدين، صح الحديث فيه، ولكن ثبت عن ابن عمر مع شِدة اتِّباعه للسُنَّة، أنه كان يغتسل يوم العيد قبل خروجه.
7-وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخرج ماشياً، والعَنَزَةُ تحمل بين يديه، فإذا وصل إلى المصلَّى، نُصِبت بين يديه ليصليَ إليها، فإن المصلَّى كان إذ ذاك فضاءً لم يكن فيه بناءٌ ولا حائط، وكانت الحربةُ سُترتَه.
8-وكان يُؤَخِّر صلاة عيد الفطر، ويُعجِّل الأضحى، وكان ابنُ عمر مع شدة اتباعه للسنة، لا يخرُج حتى تطلُع الشمسُ، ويكبِّر مِن بيته إلى المصلى.

9-وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا انتهى إلى المصلَّى، أخذ في الصلاة من غير أذان ولا إقامة ولا قول: الصلاة جامعة، والسنة: أنه لا يُفعل شيء من ذلك.ولم يكن هو ولا أصحابُه يُصلون إذا انتهوا إلى المصلَّى شيئاً قبل الصلاة ولا بعدها.
صفة صلاة العيدين

10-وكان يبدأ بالصلاة قبلَ الخُطبة، فيُصلِّي ركعتين، يكبِّر في الأولى سبعَ تكبيراتِ مُتوالية بتكبيرة الافتتاح، يسكُت بين كُل تكبيرتين سكتةً يسيرة، ولم يُحفَظ عَنه ذكرٌ معين بين التكبيرات . وكان ابنُ عمر مع تحريه للاتباع، يرفع يديه مع كُلِّ تكبيرة.

القراءة فيهما
11-وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أتم التكبير، أخذ في القراءة، فقرأ فاتِحة الكتاب، ثم قرأ بعدها (ق والقرآن المجيد) في إحدى الركعتين، وفي الأخرى، (اقتربَت الساعَةُ وانشقَّ القَمَرُ).
وربما قرأ فيهما (سبحِّ اسمَ ربِّك الأعلى)، و(هل أتاك حديثُ الغَاشية) صح عنه هذا وهذا، ولم يَصِح عنه غيرُ ذلك.


12-فإذا فرغ من القراءة، كبَّر وركع، ثم إذا أكمل الركعة، وقام من السجود، كبَّر خمساً متوالية، فإذا أكمل التكبيرَ، أخذ في القراءةِ، فيكون التكبيرُ أَوَّل ما يبدأ به في الركعتين، والقراءة يليها الركوع


13-وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أكمل الصلاةَ، انصرف، فقام مُقابِل الناس، والناسُ جلوس على صفوفهم، فيعِظهم ويُوصيهم، ويأمرهم وينهاهم، وإن كان يُريد أن يقطع بعثاً قطعه، أو يأمر بشيء أمر به. ولم يكن هُنالك مِنبر يرقى عليه، ولم يكن يخْرِجُ منبر المدينة، وإنما كان يخطبهم قائماً على الأرض

، قال جابر: شهِدتُ مع رسولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصلاة يومَ العيد، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بلا أذان ولا إقامة، ثم قام متوكئاً على بلال، فامر بتقوى الله، وحثَّ على طاعته، ووعظ الناَّس، وذكَّرهم، ثم مضى حتى أتى النساء، فوعظهن وذكَّرهُن، متفق عليه.


14- ورخص صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمن شهد العيد: أن يجلس للخطبة، وأن يذهب، ورخَّص لهم إذا وقع العيدُ يومَ الجمعة أن يجتزئوا بصلاة العيد عن حضور الجمعة

15- وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخالف الطريقَ يوم العيد، فيذهب في طريق، ويرجعُ في آخر

16-وروي عنه، أنه كان يُكبِّر من صلاة الفجر يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق: اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكبَر، وَللَّهِ الحَمْدُ.

: في هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صلاة الكسوف


1-لما كَسَفَتِ الشَّمسُ، خرجَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المسجد مُسرِعاً فزِعاً يجُرُّ رداءه، وكان كسُوفُها في أوَّل النهار على مقدار رُمحين أو ثلاثة مِن طلوعها،

صفتها

2- فتقدَم، فصلى ركعتين، قرأ في الأولى بفاتحة الكتاب، وسورة طويلة، جهر بالقراءة، ثم ركع، فأطال الركوع، ثم رفع رأسه من الركوع، فأطال القيام وهو دون القيام الأول، وقال لما رفع رأسه: "سَمعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا لَكَ الحَمْد" 3-، ثم أخذ في القراءة، ثم ركع، فأطال الركوع وهو دون الركوع الأولِ، ثم رفع رأسه من الركوع، ثم سجد سجدة طويلة فأطال السجود، ثم فعل في الركعة الأخرى مِثلَ ما فعل في الأولى، فكان في كُلِّ ركعة رُكوعان وسجودان، فاستكمل في الركعتين أربعَ ركعات وأربعَ سجدات،

4- ورأى في صلاته تلك الجنة والنار،2- وهمَّ أن يأخذ عُنقوداً من الجنة، فيُريَهم إياه،3- ورأى أهل العذاب في النار، فرأى امرأة تخدِشُها هِرَّةٌ ربطتها حتى ماتت جُوعاً وعطشاً، 4-ورأى عمرو بن مالك يجر أمعاءَه في النار، وكان أولَ من غيَّر دين إبراهيم،5- ورأى فيها سارِقَ الحاج يُعذَب،

5- ثم انصرف، فخطب بهم خطبة بليغة، حُفِظَ منها قوله: "إنَّ الشَّمْسَ وَالقَمَر آَيَتَانِ مِن آياتِ الله لا يَخْسِفَانِ بمَوْتِ أَحَدٍ، وَلا لِحَياتِهِ، فإذا رَأيْتُم ذَلِكَ، فادعوا الله وكَبروا، وصَلُوا، وتَصدَقوا يا أُمَّةَ مُحَمَّد، والله مَا أَحَدٌ أَغيَرَ مِنَ الله أَنْ يزنيَ عَبدُهُ، أَوْ تَزْنيَ أَمَته، يا أمَّة محَمَّد، والله لَو تَعلَمون ما أَعلَم لَضحِكتم قَليلاً، وَلَبَكَيْتمْ كَثِيراً ".
وقال: " لَقَدْ رَأيتُ في مَقَامِي هذا كُلَّ شَيءٍ وُعِدتُم به، حَتَّى لَقَدْ رأيتُني أريد أن آخذَ قِطفاً مِن الجنة حِينَ رأيتُمُوني أَتَقدَمُ، وَلَقَد رأيتُ جَهَنَّم يَحطِم بَعْضُها بَعْضَاً حِينَ رأيْتمُوني تَأَخَّرتُ".وفي لفظ: وَرَأيت الناَّرَ فلم أرَ كاليوم مَنْظراَ قَطّ أَفْظَعَ منها، ورَأيْت أكثَر أهلِ ألنار النِّسَاءَ. قالُوا: وَبِمَ يا رسول الله؟ قال: بِكُفرِهنَّ. قيل: أيكفُرنَ بالله؟ قال: يَكْفرنَ العَشيرَ، وَيَكفرنَ الإِحسَان، لو أَحسَنتَ إلى إحْداهنَّ الدَّهْرَ كُلَّه، ثُمَّ رأت مِنكَ شَيئاً، قالت: مَا رَأيْتُ مِنكَ خَيراً قطُّ.
ومنها: "ولَقَدْ أُوحِي إليَّ أنَكُم تُفتَنون في القُبورِ مِثلَ، أو قَريباً مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَال، يُؤْتى أَحَدُكُم فَيُقال له: ما عِلْمُك بِهَذا الرَّجُلِ؟ فَأَمَّا المُؤمِن أو قال: المُوقِن، فيقول: مُحَمَّد رَسُول الله، جاءنَا بالبيِّنَاتِ وَالهُدَى، فَأَجَبنا، وآمنَاَّ، واتَّبَعنَا، فيُقال لَهُ: نم صَالِحاً فَقَدْ عَلِمنَا إن كنتَ لمؤمنا، وأمَّا المُنافِق أَوْ قَالَ: المُرْتابُ، فيَقُول: لا أدْرِي، سمِعْت النَّاسَ يَقولُون شَيئاً، فقلتُه".


6-وفي طريق أخرى لأحمد بن حنبل رحمه الله، أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما سَلَّمَ، حَمِدَ الله وأثنى عليه، وشَهد أن لا إلَه إلاَّ الله، وأنَّه عبدُه ورسولُه، ثم قال: "أَيُّهَا الناَّسُ، أُنُشِدُكُم باللهِ هَلْ تَعْلَمونَ أنِّي قَصرْتُ في شيء مِنْ تَبْلِيغ رِسَالاتِ ربِّي لمَا أخْبَرتُموني بِذَلِك؟ فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: نَشْهَدُ أَّنكَ قَدْ بَلَّغْتَ رِسَالاَتِ رَبِّكَ، وَنَصَحْتَ لأُمَّتِكَ، وقَضيْتَ الَّذي عَلَيْكَ". ثُمَّ قَال: "أمَّا بَعدُ فإنَّ رِجَالاً يَزعَمُونَ أَنَّ كُسُوفَ هذِهِ الشَّمْس، وكُسُوفَ هَذا القَمَر، وَزَوَالَ هذه النُّجُومِ عَن مَطالِعها لِموتِ رِجَالٍ عُظَمَاءَ مِنْ أَهْل الأرْضِ، وإنَّهُم قَدْ كَذَبُوا، وَلَكِنَّهَا آيات مِن آياتِ الله تَبارَكَ وَتَعَالى يَعْتَبِرُ بِهَا عِبادُهُ، فَيَنظُرُ منْ يُحْدِثُ مِنهُم تَوْبَةً، وايْمُ اللهِ لَقَدْ رَأَيْتُ منُذ قُمْتُ أُصَلِّي ما أَنْتُم لاقُوه مِنْ أمْرِ دُنيَاكُمْ وآخِرَتِكُم، وإنَّهُ - واللهُ أَعْلَمُ - لا تَقوم السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ ثَلاثَون كَذَّاباً آخرُهُم الأعْوَرُ الدَّجَّالُ، مَمْسُوح العَيْنِ اليسْرى، كَأَنَّها عَيْنُ أَبي تحيى لِشيْخٍ حِينَئذٍ مَن الأَنْصَارِ، بَينَه وبَيْنَ حُجرَة عائشة، وإنَّه مَتَى يَخْرُجْ، فسَوْفَ يَزْعُمُ أنَّه اللهُ، فَمَن آمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ واتّبَعَه، لَم يَنفَعْه صَالح مِن عَمَلِه سَلَفَ، وَمن كَفَر به وكَذَّبه، لَم يُعاقَب بشيءٍ مِنْ عَمَلِهِ سَلَفاً، وإنَّه سَيَظهَرُ عَلَى الأَرْضِ كُلِّهَا إلاَّ الحَرَمَ وَبَيْتَ المَقدِس، وإنه يَحْصُر المُؤمنين في بَيْت المَقْدِس، فَيُزَلْزَلونَ زِلزَالاً شَدِيدَاً، ثُمَّ يُهلِكُه الله عزَّ وجَلَّ وَجنودَه، حتى إنَّ جِذْمَ الحَائِطِ أَوْ قَال: أَصْلَ الحَائِطِ، وأصْلَ الشَّجَرَةِ ليُنَادي: يا مُسْلمُ، يا مُؤْمِن، هذَا يَهُودِيٌ، أَوْ قَالَ: هَذَا كَافِرٌ، فَتَعَالَ فاقْتُلْهُ قَالَ

: وَلَنْ يَكُونَ ذلِكَ حَتَى تَرَوْا أُمُوراً يَتَفَاقَمُ بَيْنكم شَأْنُهَا في أَنْفُسِكم، وتساءلونَ بَيْنكم: هَلْ كَانَ نَبيّكُمْ ذَكَر لَكُمْ مِنْهَا ذِكْراَ: وحتَّى تَزُولَ جِبَالٌ عَنْ مَراتِبها، ثمَّ على أثَر ذَلِكَ القَبْضُ".
فهذا الذي صح عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من صفة صلاة الكسوف وخطبتها. وقد رُوي عنه أنه صلاَّها على صفات أخر.
منها: كُلّ ركعة بثلاث ركوعات.


: في هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الاستسقاء


1-ثبت عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه استسقى على وجوه.
أحدها: يومَ الجمعة على المنبر في أثناء خطبته، وقال : "اللهم أَغِثنا، اللهُم أَغِثنَا، اللهُمَّ أَغِثْنَا، اللهم اسقِنا، اللهُم اسقِنَا، اللهُمَّ اسقِنَا".
الوجه الثاني: أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعد الناسَ يوماً يخرجُون فيه إلى المصلى، فخرج لما طلعت الشمسُ متواضعاً، متبذِّلاً، متخشِّعاً، مترسِّلاً، متضِّرعاً، فلما وافى المصلَّى، صَعِدَ المنبر - إن صحِ، وإلا ففي القلب منه شيء - فحمد الله وأثنى عليه وكبَّره،

2- وكان مما حُفِظ من خطبته ودعائه: " الحَمْدُ لِله رَبِّ العالَمين، الرَّحْمن الرَّحيم، مالِكِ يَوْمِ الذَين، لا إله إلا اللهُ، يَفْعَلُ ما يُريد، اللهُم أَنتَ الله لا إله إلا أنت، تَفْعَل ما تُريدُ، اللهُم لا إلا إله إلا أَنْتَ، أَنْتَ الغَنيُ وَنَحْن الفُقَراءُ، أَنْزِل عَلَينَا الغَيْثَ، واجعَل ما أَنْزَلْتَه علينا قُوَّةً لَنَا، وَبلاغَاً إلى حين" ث م رفع يديه، وأخذ في التضرُّع، والابتهال، والدعاء، وبالغ في الرفع حتى بدا بياضُ إبطيه، ثم حوَّل إلى الناس ظهَره، واستقبل القبلة، وحول إذ ذاك رداءَه وهو مستقبل القبلة، فجعل الأيمنَ على الأيسر، والأيسر على الأيمن، وظهرَ الرداء لبطنه، وبطنه لظهره، وكان الرداء خميصةً سوداء، وأخذ في الدعاء مستقبلَ القِبلة، والناسُ كذلك، ثم نزل فصلَّى بهم ركعتين كصلاة العيد من غير أذان ولا إقامة ولا نداءٍ البتة، جهر فيهما بالقراءة، وقرأ في الأولى بعد فاتحة الكتاب:.{سبح اسم ربك الأعلى} [الأعلى: 1]، وفي الثانية: {هل أتاك حديث الغاشية} [الغاشية: 1].
الوجه الثالث:أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استسقى على منبر المدينة استسقاء مجرداً في غير يوم جمعة، ولم يُحفظ عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا الاستسقاء صلاة.
الوجه الرابع: أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استسقى وهو جالس في المسجد، فرفعٍ يديه،ودعا اللهَ عز وجل، فحُفِظَ مِن دعائه حينئذ: "اللهُم اسْقِنا غَيْثاً مُغيثا مَرِيعاً طَبَقاً عَاجِلاً غَيْرَ رائِثٍ، نافِعاً غَيْرَ ضَارٍّ"
الوجه الخامس: أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استسقى عند أحجار الزيت قريباَ من الزَّوراء، وهي خارج باب المسجد الذي يُدعى اليوم باب السلام نحو قذفةِ حجر، ينعطفُ عن يمين الخارج من المسجد.
الوجه السادس: أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استسقى في بعض غزواته لما سبقه المشركون إلى الماء، فأصاب المسلمينَ العطشُ، فشَكَوا إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقال بعضُ المنافقين: لو كان نبياً، لاستسقى لقومه، كما استسقى موسى لقومه، فبلغ ذلك النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال: "أَوَقَدْ قَالُوها؟ عَسَىَ رَبّكم أَنْ يَسْقِيَكم، ثُمَ بَسَطَ يَدَيه، ودعا، فما ردَّ يديه من دعائه، حتى أظلَّهُمُ السَّحابُ، وأُمطِروا، فأفعمَ السيلُ الوادي، فشرب الناس، فارتَوَوْا".
دعائه في الاستسقاء

3-وحُفظ من دعائه في الاستسقاء: " اللهُم اسقِ عِبَادَكَ وَبَهَائِمَكَ، وانْشُرِ رَحْمَتَك، وأَحْي بَلَدَكَ المَيِّتَ"، "اللَهُم اسْقِنا غَيثاً مُغِيثاً مَريئاً، مريعاً، نافِعاً غير ضارٍّ، عاجِلاً غَيْرَ اَجِل ". وأُغيث صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كل مرة استسقى فيها.
واستسقى مرة، فقام إليه أبو لُبابة فقال: يا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن التمر في المَرابد، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللهم اسقِنَا حَتَّى يَقومَ أبو لُبَابة عُرياناً، فَيَسدَّ ثَعلَبَ مِرْبَدِه بإزاره"، فأمطرت، فاجتمعوا إلى أبي لُبابة، فقالوا: إنها لن تُقلعَ حتى تقوم عُرياناً، فتسُدَّ ثعلبَ مربدك بإزارك كما قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ففعل، فاستهلت السماء.
ولما كثر المطر، سألوه الاستصحاء، فاستصحى لهم وقال: "اللهم حَوَالَيْنَا ولا عَلَينَا، اللهُم على الآكام والجِبال، وَالظِّراب، وبُطونِ الأودية وَمَنَابِت الشَّجَر".
4-وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا رأى مطر قال: "الَّلهم صيِّبَاً نَافِعاً"
5-وكان يحسر ثوبَه حتى يصيبه من المطر، فسئل عن ذلك،فقال: "لأنه حَديثُ عَهْدٍ بِرَبِّه".
الغيمَ والريح،

6-وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا رأى الغيمَ والريح، عُرِفَ ذلك في وجهه، فأقبل وأدبر، فإذا أمطرت، سُرِّيَ عنه، وذهب عنه ذلك، وكان يخشى أن يكون فيه العذاب.


: في هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سفره وعبادته فيه


1-كانت أسفاره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دائرةَ بين أربعة أسفار: سفرِه لهجرته، وسفره للجهاد وهو أكثرها، وسفرِه للعمرة، وسفرِه للحج.
2-وكان إذا أراد سفراً، أقرع بين نسائه، فأيَّتُهُن خرج سهمُها، سافر بها معه، ولما حجّ، سافر بهن جميعاً.
3-وكان إذا سافر، خرج مِن أول النهار، وكان يستحِبُّ الخروجَ يوم الخميس، ودعا الله تبارك وتعالى أن يُبارك لأُمَّتِهِ في بُكورها.وكان إذا بعث سرية أو جيشاً، بعثهم من أول النهار، وأمرَ المسافرين إذا كانوا ثلاثة أن يؤمِّروا أحدهم.

4- ونهى أن يُسافر الرجل وحدَه، وأخبر أن الراكِبَ شَيْطَانٌ، والرَّاكِبانِ شَيْطَانَانِ، وَالثَّلاثَةُ رَكْب.

5-وذُكِرَ عنه أنه كان يقول حين ينهض للسفر "اللَهُم إلَيْك تَوَجَهْتُ، وبِكَ اعْتَصَمْت، اللهُم اكْفِني مَا أَهمَّني وَمَا لاَ أَهْتَم بهِ، اللهُمَّ زَوِّدْني التَّقْوَى، وَاغْفِرْ لي ذَنْبِي، وَوَجِّهْنِي لِلخَيْرِ أَيَنَمَا تَوَجَّهْتُ".


6-وكان إذا قُدِّمتَ إليه دابتُه ليركبها، يقول: "بسم الله حين يضع رجله في الرِّكاب، وإذا استوى على ظهرها، قال: الحمدُ لله الَذي سَخَّرَ لَنَا هَذا وَمَا كُنَّا لَهُ بمقْرِنينَ وَإنَّا إِلَى رَبِّنَا لمنْقَلِبونَ، ثُمَّ يَقُولُ: الحَمْدُ لِلَّهِ، الحَمد لِلَّهِ، الحَمْدُ لِلَّهِ، ثم يقول:. الله أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكبر، ثم يقولٌ: سُبْحَانَكَ إِنَيّ ظَلَمْتُ نَفْسِي، فَاغفِرِ لِي إِنَّه لاَ يَغْفر الذُنُوبَ إِلاَّ أَنتَ " وكان يقول: " اللهم إنَّا نَسْألُكَ في سَفَرِنَا هَذَا البِرَّ وَالتَّقْوَى، وَمِنَ العَمَلِ مَا تَرْضَى، اللهُم هَوِّن عَلَيْنَا سَفَرَنَا هذا، وَاطْوِ عَنَّا بُغدَهُ، اللهم أَنْتَ الصَّاحِبُ في السَّفَرِ، وَالخَلِيفَةُ في الأَهْلِ، اللَهُمَّ إنيِّ أَعُوذُ بِكَ مِن وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ المنقَلَبِ، وَسوءِ المَنْظَرِ في الأَهلِ وَالمَالِ" وإذا رجع، قالهن، وزاد فيهن: "آيبون تَائِبُونَ عَابِدُون لِرَبِّنَا حَامِدُون".


7-وكان هو وأصحابُه إذا عَلوا الثنايا، كبَّروا، وإذا هبطوا الأودية،سبَحوا.

8- وكان إذا أشرف على قرية يُريد دخولَها يقولُ "اللهُمًّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وما أظْلَلْنَ، وَرَبَّ الأَرضين السَّبْعِ وَمَا أَقْلَلْنَ، وَرَبَّ الشَّيَاطِينِ وما أَضْلَلْنَ، وَرَبَّ الرِّيَاحِ وَما ذَرَيْنَ، أَسْأَلُكَ خَيْرَ هذِه القَرْيَةِ وَخَيْرَ أهْلِهَا، وأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا، وَشَرِّ أَهْلِهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا"
-وذكر عنه أنه كان يقول: "اللهُمَّ إِنِّي أسأَلُكَ مِنْ خَيْرِ هذِهِ القَرْيَة وَخَيْرِ مَا جَمَعْتَ فِيهَا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشرِّ مَا جَمَعْتَ فِيهَا، اللهُمّ ارزُقْنَا جَنَاهَا، وَأَعِذْنَا مِنْ وَبَاهَا، وَحَبِّبْنَا إِلَى أَهْلِهَا، وَحَبِّب صَالِحِي أَهْلِهَا إِلَيْنَا".
القصر فى السفر

9-وكان يَقصُر الرُّبَاعية، فيصليها ركعتين مِن حين يخرُج مسافراً إلى أن يرجع إلى المدينة، ولم يثبُت عنه أنه أتمَّ الرُّباعية في سفره البتة،

وروت ام المؤمنين عائشة رضى الله عنه : قالت: إن الله فرض الصلاة ركعتين ركعتين، فلما هاجرَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة، زِيد في صلاة الحضر، وأقرت صلاة السفر

وقال أنس: خرجنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المدينة إلى مكة، فكان يُصلي ركعتين ركعتين حتى رجَعْنَا إلى المدينة. متفق عليه.
-ولما بلغ عبد الله بن مسعود أن عثمانَ بن عفان صلَّى بمِنى أربعَ ركعات قال: إنَّا لله وإنَّا إليه راجِعون، صليتُ مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمِنى ركعتين وصليتُ مع أبي بكر بمِنى ركعتين، وصليتُ مع عمر بن الخطاب بِمنى ركعتين، فليت حظي مِن أربع رَكعاتٍ ركْعَتَانِ متقبَّلتَانِ. متفق عليه.

-وفي "صحيح البخاري" عن ابن عمر رضي الله عنه قال: صحبتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكان في السفر لا يَزيد على ركعتين، وأبا بكر وعُمَر وعُثمان يعني في صدر خلافة عثمان،


10-وكان من هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سفره الاقتصارُ على الفرض، ولم يُحفظ عنه أنه صلى سُنة الصلاة قبلَها ولا بعدَها، إلا ما كان من الوِتر وسنة الفجر، فإنه لم يكن ليدعهما حَضراً، ولا سفراً.

-. وفي "الصحيحين"، عن ابن عمر، قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصلي في السفر على راحلته حيثُ توجهت، يُومئ إيماءً صلاةَ الليل، إلا الفرائضَ ويُوتر على راحلته.
قال الشافعي رحمه الله: وثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه كان يتنفل ليلاً، وهو يقصُر

، وفي "الصحيحين": عن عامر بن ربيعة، أنه رأى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصلي السُّبحة بالليل في السفر على ظهر راحلته فهذا قيام الليل.
وسئل الإمام أحمد رحمه الله، عن التطوع في السفر؟ فقال: أرجو أن لا يكون بالتطوع في السفر بأسٌ

وأما ابنُ عمر، فكان لا يتطوَّع قبلَ الفريضة ولا بعدَهَا، إلا مِن جوف الليل مع الوتر، وهذا هو الظاهر من هدي النبي بطلى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان لا يُصلي قبل الفريضة المقصورة ولا بعدها شيئاً، ولكن لم يكن يمنعُ من التطوع قبلها ولا بعدها، فهو كالتطوع المطلق، لا أنه سنة راتِبة للصلاة، كسنة صلاة الإِقامة

هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاةُ التطوع على راحلته

وكان من هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاةُ التطوع على راحلته حيث توجَّهت به،وكان يُومئ إيماءً برأسه في ركوعه، وسجوده، وسجودُه أخفضُ مِن ركوعه، ، وسائر من وصف صلاته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على راحلته، أطلقوا أنه كان يُصلي عليها قِبَلَ أيِّ جهة توجَّهت به، ولم يستثنوا من ذلك تكبيرة الإِحرام ولا غيرَها، كعامر بن ربيعة، وعبد الله بن عمر، وجابر بن عبد الله، وأحاديثُهم أصحُ مِن حديث أنس هذا، والله أعلم.وصلى على الراحلة، وعلى الحمار إن صح عنه، وقد رواه مسلم في "صحيحه" من حديث ابن عمر.
وصلى الفرضَ بهم على الرواحل لأجل المطر والطين


يتبع ان شاء الله تعالى
رد مع اقتباس