
17-06-2017, 02:28 PM
|
عضو خبير
|
|
تاريخ التسجيل: Jan 2017
العمر: 15
المشاركات: 707
معدل تقييم المستوى: 9
|
|
مسالة لو حذف الرادُّ "الواو" فقالَ: "عَلَيْكَ السَّلاَمُ" هَلْ يكونُ صحيحاً؟
وتكلم الناسُ هاهنا فى مسألة، وهى لو حذف الرادُّ "الواو" فقالَ: "عَلَيْكَ السَّلاَمُ" هَلْ يكونُ صحيحاً؟
1-فقالت طائفة : لا يكون جواباً، ولا يسقط به فرضُ الردِّ، لأنه مخالِف لسُنَّة الردِّ، ولأنه لا يُعلم: هل هو رد، أو ابتداء تحية؟ فإن صورته صالحة لهما، ولأن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذَا سَلَّمَ عَلَيْكُم أَهْلُ الكِتَابِ، فَقُولُوا: "وعَلَيْكُم" فهذا تنبيهٌ منه على وجوب الردِّ على أهلِ الإسلام، فإن "الواو" فى مثل هذا الكلام تقتضى تقريرَ الأول، وإثبات الثانى، فإذا أُمِرَ بالواو فى الرد على أهل الكتاب الذين يقولون: السام عليكم، فقالَ: "إذَا سَلَّمَ عَلَيْكُم أهْلُ الكِتَابِ، فَقُولُوا: وعَلَيْكُم" فَذِكْرُها فى الردِّ على المسلمين أولى وأحرى.
2-وذهبت طائفة أخرى إلى أن ذلك ردٌ صحيح، كما لو كان بالواو، ونص عليه الشافعى رحمه الله فى كتابه الكبير، واحتج لهذا القول بقوله تعالى: {هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إبْرَاهِيمَ المُكْرَمِينَ * إذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلاَماً} [الذاريات: 24-25]، قَالَ سَلامٌ أى: سلام عليكم، لا بد من هذا، ولكن حسُنَ الحذفُ فى الرد، لأجل الحذف فى الابتداء، واحتجوا -بما فى "الصحيحين" عن أبى هريرة عن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "خَلَقَ اللهُ آدَمَ طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعاً، فَلَمَّا خَلَقَهُ، قَالَ لَهُ: اذْهَبْ فَسَلِّم عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرمِن المَلائِكَةِ، فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ، فَإنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ، فقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكُم فَقَالُوا: السَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ الله، فَزَادُوهُ: "وَرَحْمَةُ اللهِ".
فقد أخبرَ النبىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن هذه تحيتُهُ وتحيةُ ذُرِّيته، قالوا: ولأن المسلَّم عَلَيْهِ مَأْمُورٌ أن يُحيِّى المُسلِّمَ بمثل تحيته عدلاً، وبأحسنَ منها فضلاً، فإذا ردَّ عليه بمثل سلامه، كان قد أتى بالعدلِ.
وأما قوله: " إذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الكِتَابِ فَقُولُوا: وَعَلَيْكُم "، فهذا الحديثُ قد اختُلِفَ فى لفظة "الواو" فيه، فروى على ثلاثة أوجه، أحدها: بالواو، قال أبو داود: كذلك رواه مالك عن عبد الله بن دينار ، فقال فيه: "فعليكم"، وحديث سفيان فى "الصحيحين" عن عبد الله بن دينار بإسقاط "الواو"، وفى لفظ لمسلم والنسائى: فقل: "عليك" - بغير واو.
وقال الخطابى: عامةُ المحدِّثين يروونه: "وعليكم" بالواو، وكان سفيان ابن عيينة يرويه: "عليكم" بحذف الواو، وهو الصوابُ، وذلك أنه إذا حذف الواو، صار قولهم الذى قالوه بعينه مردوداً عليهم، وبإدخال الواو يقع الاشتراك معهم، والدخول فيما قالوا، لأن الواو حرفٌ للعطف والاجتماع بين الشيئين... انتهى كلامه.
ابن القيم والفصل فى المسالة : وعلى هذا فيكون الإتيانُ بالواو هو الصواب، وهو أحسنُ من حذفها، كما رواه مالك وغيرُهُ، ، ولهذا جاء فى الحديث: "إنَّ الحَبَّةَ السَّوْدَاءَ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ إلاَّ السَّامَ" ولا يختلفون أنه الموت،
: فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى السلام على أهلِ الكِتاب
1-صَحَّ عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قال: "لا تَبْدَؤوهُمْ بِالسَّلامِ، وَإذَا لَقيتُموهُمْ فى الطَّرِيقِ، فاضْطَّروهُمْ إلَى أضْيَقِ الطَّرِيقِ"، ابن القيم :لكن قَد قِيل: إن هذا كان فى قضيةٍ خاصةٍ لمَّا سارُوا إلى بنى قُريظة قال: "لاَ تَبْدَؤوهُمْ بالسَّلام" فهل هذا حُكْمٌ عام لأهْلِ الذمّة مطلقاً، أو يختَصُّ بِمَنْ كانَتْ حالُه بمثل حالِ أولئك؟ هذا موضِعُ نظر،
2-ولكن قد روى مسلم فى "صحيحه" من حديث أبى هُريرة أن النبىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لاَ تَبْدَؤوا اليَهُودَ وَلاَ النَّصَارَى بالسَّلامِ، وَإذَا لَقِيْتُم أحَدَهُم فى الطَّريق، فَاضْطَرُّوهُ إلى أَضْيَقِهِ" والظَّاهر أن هذا حكم عام.
3-وقد اختلف السَلَفُ والخَلَفُ فى ذلك، فقال أكثرُهم: لا يُبدؤون بالسلام، وذهب آخرون إلى جواز ابتدائهم كما يُردُّ عليهم، رُوى ذلك عن ابن عباس، ، وهو وجه فى مذهب الشافعى رحمه الله، لكن صاحبُ هذا الوجه قال: يُقال له: السَّلامُ عَلَيْكَ، فقط بدونِ ذكر الرحمة، وبلفظ الإفراد،
4- وقالت طائفة: يجوزُ الابتداءُ لِمصلحة راجحة مِن حاجة تكون له إليه، أو خوف مِن أذاه، أو لِقرابةٍ بينهما، أو لِسببٍ يقتضِى ذلك، يُروى ذلك عن إبراهيم النَّخعى، وعلقمَة. وقال الأوزاعىُّ: إن سلَّمْتَ، فقد سلَّمَ الصالحونَ، وإن تركتَ، فقد ترك الصَّالِحون.
واختلفوا فى وجوب الرد عليهم،1- فالجمهورُ على وجوبه، وهو الصوابُ،
5-وثبت عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه مرَّ على مجلس فيه أخلاطٌ مِن المُسْلِمِينَ، والمُشْرِكِينَ عَبَدَةِ الأَوْثَانِ، واليَهُودِ، فَسَلَّم عليْهم.
6-وصحّ عنه أنه كتب إلى هِرَقلَ وَغَيْرِهِ: "السَّلامُ على مَنِ اتَّبَعَ الهُدَى".
7-وكان من هَدْيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا بلَّغَهُ أحدٌ السلامَ عن غيره أن يردَّ عليه وعلى المبلِّغ، كما فى "السنن" أن رجلاً قال له: إنَّ أبى يُقْرِئُكَ السَّلامَ، فَقَالَ لهُ : "عَلَيْكَ وَعَلَى أبِيكَ السَّلامَ".
8-وكان من هَدْيه تركُ السَّلام ابتداءً ورَداً على مَن أحدث حدثاً حتى يتوبَ منه، كما هجر كعبَ بنَ مالك وصاحبَيْه، وكان كعب يُسلِّم عليه، ولا يَدرى هَلْ حَرَّكَ شَفتيه بردِّ السَّلامِ عَلَيْهِ أم لا؟.دوسلَّم عليه عمارُ بنُ ياسرٍ، وقد خَلَّقه أهلُهُ بزَعفران، فلم يردَّ عليه، فقال: "اذْهبْ فاغْسِلْ هَذَا عَنْكَ".
9-وهجر زينب بنت جحش شهرين وبعضَ الثالث لمَّا قال لها: "أعْطِى صفيَّة ظهَراً" لما اعتلَّ بعيرُها، فَقَالت: أنَا أعْطِى تِلْكَ اليهودِيَّةَ؟، ذكرهما أبو داود.
: فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الاستئذان
1-وصحَّ عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "الاسْتِئذَانُ ثَلاَثٌ، فَإنْ أُذِنَ لَكَ وَإلاَّ فارْجِعْ".
2-وصحَّ عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال : "إنَّمَا جُعِلَ الاسْتِئْذَانُ مِنْ أجْلِ البَصَر".
3-وصحَّ عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه أراد أن يفَقَأ عَيْنَ الَّذِى نَظَر إلَيْهِ مِنْ جُحْرٍ فى حجرته، وقال: " إنَّمَا جُعِلَ الاسْتِئْذَانُ مِنْ أجْلِ البَصَر".
4-وصحَّ عنه أنه قال: "لَوْ أنَّ امْرءاً اطَّلَعَ عَلَيْكَ بِغَيْرِ إذْنٍ، فَخَذَفْتَهُ بِحَصَاةٍ فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ جُنَاحٌ".
5-وصحَّ عنه أنه قال: "مَنِ اطَّلَعَ عَلَى قَوْمٍ فى بَيْتِهِمْ بِغَيْرِ إذْنِهِم، فَقَدْ حَلَّ لَهُمْ أنْ يَفْقَؤوا عَيْنَهُ".
6-وصحَّ عنه أنه قال: "مَنِ اطَّلَعَ فى بَيْتِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ، فَفَقَؤوا عَيْنَهُ، فلاَ دِيةَ لَهُ، ولا قِصَاصَ".
7-وصح عنه: التسليمُ قبل الاستئذان فعلاً وتعليماً، واستأذن عليه رجلٌ، فقالَ: أَأَلِجُ؟ فقال رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ: "اخْرُجْ إلى هَذَا، فَعَلِّمْهُ الاسْتِئْذَان"، فَقَالَ لَهُ: قل: السَّلامُ عَلَيْكُمْ، أَأَدْخُل؟فسمعه الرَّجُلُ، فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكُم، أَأَدْخُلُ؟ فَأَذِنَ له النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ.
8-ولمَّا اسْتَأْذَنَ عليه عُمَرُ رَضِىَ الله عنه، وهو فى مَشْرُبِتَهِ مُؤلِياً مِنْ نِسَائِهِ، قال: السَّلامُ عَلَيْكَ يَا رسول الله، السَّلامُ عليكم، أيَدْخُلُ عُمَرُ؟.
9-وقد تقدَّم قولهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِكَلَدَةَ بْنِ حَنْبَل لما دخل عليه ولم يُسلِّم: "ارْجعْ فَقُلْ: السَّلامُ عَلَيْكُم أَأَدْخُل"؟.
ابن القيم :وفى هذه السنن ردٌ على مَن قال: يُقدَّمُ الاستئذان على السلام، وردٌ على مَن قال: إن وقعت عينُه على صاحب المنزل قبل دخوله، بدأ بالسَّلام، وإن لم تقع عينه عليه، بدأ بالاستئذان، والقولان، مخالفان للسُّنَّة.
10-وكان من هَدْيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا استأذَنَ ثلاثاً ولم يُؤذن له، انصرف، وهو ردٌ على مَن يقول: إن ظنَّ أنهم لم يسمعوا، زاد على الثلاث، وردٌ على مَن قال: يُعيدُهُ بلفظٍ آخر، والقولان مخالفان للسُّنَّة.
11-وكان من هَدْيه أن المستأذِنَ إذا قِيلَ له: مَنْ أنْتَ؟ يقول: فلانُ بنُ فلان، أو يذكر كُنيته، أو لَقبه، ولا يقول: أنا، كما قال جِبْرِيلُ للملائكة فى ليلة المعراج لما استفتح بابَ السماء فسألوه: مَنْ؟ فقال: جِبريلُ، واستمر ذلك فى كل سماء سماء.
12-وكذلك فى "الصحيحين" لما جَلَس النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى البُسْتَان، وجاء أبو بكر رضى الله عنه، فاستأذن فقال: "مَن"؟ قال: أبو بكر، ثم جاء عمر، فاستأذنَ فقالَ: "مَن"؟ قال: عمر، ثم عثمانُ كذلك.
13-وفى "الصحيحين"، عن جابر: أتيتُ النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فدققتُ البابَ فقال: "مَن ذا"؟ فقلت: أنَا، فَقَالَ: "أنَا أنَا"، كَأَنَّهُ كَرِهَهَا.
14-ولما استأذنت أُمُّ هانئ، قال لها: "مَنْ هذِهِ"؟ قالت: أُمُّ هانئ، فلم يكره ذِكرها الكُنية، وكذلك لما قال لأبى ذر: "مَنْ هَذَا"؟ قَالَ: أَبُو ذر، وكذلك لما قال لأبى قتادة: "مَنْ هَذَا"؟ قال: أبو قتادة.
15-وذكر البخارى فى هذا الباب حديثاً يدلُّ على أن اعتبار الاستئذان بعد الدعوة، وهو حديثُ مجاهد عن أبى هريرة: دخلتُ مع النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فوجدتُ لبناً فى قدح، فقال: "اذْهَبْ إلى أهْلِ الصُّفّةِ، فادْعهُمُ إلىَّ" قال: فَأَتَيْتُهم، فدعوتُهم، فأقبلوا، فاستأذنوا، فأذن لهم، فدخَلُوا.
وقد قالت طائفةٌ: بأن الحديثين على حالين، فإن جاء الداعى على الفور مِن غير تراخ، لم يحتج إلى استئذان، وإن تراخى مجيئه عن الدعوة، وطال الوقتُ، احتاجَ إلى استئذان.
وقال آخرون: إن كان عند الداعى مَن قد أذِنَ له قبل مجئ المدعو، لم يحتج إلى استئذان آخر، وإن لم يكن عنده مَن قد أذِنَ له، لم يدخل حتى يستأذن.
16-وكان رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذا دخل إلى مَكَان يُحب الانفراد فيه، أمَرَ مَن يُمْسِكُ البابَ، فلم يَدخلْ عليه أحد إلا بإذن.
17-وأما الاستئذانُ الذى أمر الله به المماليكَ، ومَنْ لم يَبْلُغِ الحُلُمَ، فى العوراتِ الثلاثِ: قبلَ الفجر، ووقتَ الظهيرة، وعند النوم، فكان ابنُ عباس يأمرُ به، ويقول: ترك الناسُ العملَ بها، فقالت طائفة: الآيةُ منسوخة، ، وقال طائفة: أمرُ ندبٍ وإرشاد، لا حتم وإيجاب، ، وقالت طائفة: المأمور بذلك النساءُ خاصة، وأما الرجالُ، فيستأذِنون فى جميع الأوقات، وهذا ظاهرُ البطلان، وقالت طائفة: كان الأمرُ بالاستئذان فى ذلك الوقت للحاجة، ثم زالت، والحكمُ إذا ثبت بعلَّةٍ زال بزوالها،
ابن القيم: فروى أبو داود فى "سننه" أن نفراً من أهل العراق قالوا لابن عباس: يا ابن عباس، كيف ترى هذه الآية التى أُمِرْنَا فيها بِمَا أُمِرْنَا، ولا يَعملُ بها أحدٌ: {يَأيُّها الَّذِينَ آمَنُواْ لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ...} [ النور: 58] الآية. فقال ابنُ عباس: إن الله حَكيمٌ رحيمٌ بالمؤمنين، يُحِبُّ السِّتْرَ، وكان الناسُ ليسَ لِبيُوتهم سُتُور ولا حِجَال، فربمَا دخلَ الخادِمُ، أو الولدُ أو يتيمُة الرجل، والرجلُ على أهله، فأمرهم اللهُ بالاستئذان فى تلك العَوَرَاتِ، فجاءهم اللهُ بالسُّتُور والخير، فلم أر أحداً يَعْمَلُ بذلك بَعْدُ.
وقالت طائفة: الآية محكمة عامة لا مُعارِضَ لها ولا دافع، والعملُ بها واجب، وإن تركه أكثرُ الناس.
والصحيح: أنه إن كان هناك ما يقوم مقامَ الاستئذانِ من فتح باب فتحُه دليل على الدخول، أو رفع ستر، أو تردُّد الداخل والخارج ونحوه، أغنى ذلك عن الاستئذان، وإن لم يكن ما يقومُ مقامه، فلا بُد منه، والحكم معلَّلٌ بعلَّة قد أشارت إليها الآية، فإذا وُجِدَتْ، وُجِدَ الحكمُ، وإذا انتفت انتفى. والله أعلم.
: فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى أذكار العطاس\
1-ثبت عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ الله يُحِبُّ العُطَاسَ، وَيَكْرَهُ التَّثَاؤبَ، فَإذَا عَطَسَ أَحَدُكُم وَحَمِدَ الله، كَانَ حَقّاً عَلَى كُلِّ مُسْلِم سَمِعَهُ أنْ يَقُولَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللهُ، وأمَّا التَّثَاؤُبُ، فإنَّمَا هُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإذَا تَثَاءَبَ أحدُكُم، فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ، فَإنَّ أَحَدَكُم إذَا تَثَاءَبَ، ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ" ذكره البخارى.
2-وثبت عنه فى "صحيحه": " إذا عَطَسَ أَحَدُكُم فَلْيَقُلْ: الحَمْدُ لِلَّهِ، وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ: يَرْحَمُكَ اللهُ، فَإذَا قَالَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللهُ، فَلْيَقُل: يَهْدِيكُم اللهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُم".
3-وفى "الصحيحين" عن أنس: "أنه عَطَسَ عِنْدَهُ رَجُلانِ، فشمَّتَ أحَدَهُمَا، ولم يُشمِّتِ الآخَر، فَقَالَ الَّذى لم يُشَمِّتْهُ: عَطَسَ فُلانٌ فَشَمَّتَّهُ، وَعَطَسْتُ، فَلَمْ تُشَمِّتْنِى، فَقَالَ: "هَذَا حَمِدَ اللهَ، وأنْتَ لَمْ تَحْمَدِ الله".
4-وثبت عنه فى "صحيح مسلم": "إذا عَطَسَ أحَدُكُم فَحَمِدَ اللهَ، فَشَمِّتُوهُ، فإنْ لَمْ يَحْمَدِ الله، فَلاَ تُشَمِّتُوهُ".
5-وثبت عنه فى "صحيحه": من حديث أبى هريرة: "حَقُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ سِتٌ: إذَا لَقِيتَهُ، فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإذَا دَعَاك فَأجبْهُ، وَإذَا اسْتَنْصَحَكَ، فانْصَحْ لَهُ، وَإذَا عَطَسَ وَحَمِدَ اللهَ، فَشَمِّتْهُ، وَإذَا مَرِضَ، فَعُدْه، وَإذَا مَاتَ فَاتْبَعْهُ".
6-وروى الترمذى، أن رَجُلاً عَطَسَ عِندَ ابنِ عمر، فقال: الحَمْدُ لِلَّه، والسلامُ عَلَى رسولِ اللهِ، فَقَالَ ابنُ عُمَرَ: وأنَا أقُولُ: الحمدُ لِلَّهِ والسلامُ على رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَيْسَ هَكَذَا عَلَّمَنَا رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنعَلَّمَنَا أنْ نَقُولَ: الحمْدُ لِلَّهِ على كُلِّ حال.
ابن القيم: فظاهر الحديثِ المبدوء به: أن التشميتَ فرضُ عَيْن على كُلِّ مَنْ سمع العاطس يحمَدُ الله، ولا يُجْزِئ تشميتُ الواحد عنهم، وهذا أحدُ قولى العلماء
7-وكان من هَدْيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى العُطاس ما ذكره أبو داود والترمذى، عن أبى هريرة: كانَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إذَا عَطَس، وَضَعَ يَدَهُ أوْ ثَوْبَهُ عَلَى فِيهِ، وَخَفَضَ، أو غَضَّ بِهِ صَوْتَه ".: حديث صحيح
8-ويُذكر عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أنَّ التَثَاؤُبَ الشَّدِيدَ، والعَطْسَةَ الشَّدِيدَةَ مِنَ الشَّيْطَانِ.
9-ويُذكر عنه: أنَّ الله يَكْرَهُ رَفْعَ الصَّوْتِ بِالتَّثَاؤُبِ والعُطَاسِ.
10-وصحَّ عنه: أنه عطسَ عنده رجلٌ، فقال له: "يَرْحَمُكَ اللهُ". ثُمَّ عَطَسَ أُخْرَى، فقالَ: "الرَّجُلُ مَزْكُوم ". هذا لفظ مسلم أنه قال فى المرة الثانية، وأما الترمذى: فقال فيه عَنْ سلمة بن الأكوع: عَطَس رجلٌ عِند رسولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا شاهد، فقالَ رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَرْحَمُكَ اللهُ"، ثُمَّ عَطَسَ الثَّانِيَةَ والثَّالِثَةَ، فَقَالَ رسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هَذَا رَجُلٌ مَزْكُومٌ". قال الترمذى: هذا حديث حسن صحيح.
11-وقد روى عن أبى هريرة موقوفاً عليه: "شَمِّتْ أخَاكَ ثلاثاً، فَمَا زَادَ، فَهُوَ زُكَامٌ".
وقوله فى هذا الحديث: "الرَّجُلُ مَزْكُومٌ" تنبيه على الدعاء له بالعافية، لأن الزكمة عِلَّة، وفيه اعتذار من ترك تشميته بعد الثلاث، وفيه تنبيهٌ له على هذه العِلَّة ليتداركها ولا يهملها، فيصعُبَ أمرُهَا، فكلامه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كله حكمة ورحمة، وعلم وهدى.
12-وصحَّ عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أنَّ اليَهُودَ كَانُوا يَتَعَاطَسُونَ عِنْدَهُ، يَرْجُونَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ: يَرْحَمُكُمُ اللهُ، فكان يقولُ: يَهْدِيكُمُ اللهُ وَيُصْلِحُ بالَكُم".
: فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى أذكار السفر وآدابه
1-صحَّ عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "إذَا هَمَّ أحَدُكُم بِالأمْر، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الفَرِيضَةِ، ثُمَّ لْيَقُلْ: اللهُمَّ إنِّى أَسْتَخْيِرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ العَظِيمِ، فَإنَّكَ تَقْدِرُ وَلاَ أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلاَ أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلاَّمُ الغُيوب، اللهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَم أنَّ هَذَا الأمْرَ خَيْرٌ لى فى دينى وَمَعَاشِى، وَعَاجِلِ أمْرِى وَآجِلِهِ، فَاقْدُرْهُ لى، وَيًَسِّرْهُ لى، وَبَارِكْ لى فيه، وإنْ كُنْتُ تَعْلَمُه شَراً لى فى دِينِى ومَعَاشى، وَعَاجلِ أمْرِى وَآجِلِهِ، فَاصْرِفْهُ عنِّى، وَاصْرِفْنِى عَنْهٌُ، وَاقْدُرْ لى الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ رَضِّنى به" قال: ويُسَمِّى حاجته، قال: رواه البخارى.
ابن القيم :فعوَّض رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّته بهذا الدعاء، عما كان عليه أهلُ الجاهلية من زجر الطَّيْرِ والاستسقامِ بالأزلام الذى نظيرُه هذه القرعة التى كان يفعلُها إخوانُ المشركين ، وعوَّضهم بهذا الدعاء الذى هو توحيدٌ والمقصودُ أن الاستخارة تَوكُّلٌ على الله وتفويضٌ إليه،
2-، عن أنس رضى الله عنه قال: لم يُرد النبىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَفَراً قطُّ إلا قال حين ينهض من جلوسه: " اللهُمَّ بِكَ انْتَشَرْتُ، وَإلَيْكَ تَوَجَّهْتُ، وبِكَ اعْتَصَمْتُ، وعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، اللهُمَّ أنْتَ ثِقَتِى، وأنْتَ رَجَائِى، اللهُمَّ اكْفِنى مَا أَهَمَّنِى وَمَا لاَ أَهْتَمُّ لَهُ، وَمَا أنْتَ أعْلَمُ بِهِ مِنِّى. عَزَّ جَارُكَ، وَجَلَّ ثَنَاؤكَ، ولا إلَه غَيْرُكَ، اللهُمَّ زَوِّدنى التَّقْوَى، وَاغْفِرْ لِى ذَنْبِى، وَوَجِّهْنِى لِلْخَيْر أَيْنَمَا تَوَجَّهْتُ "، ثم يخرج.
3-وكانَ إذا ركب راحِلته، كبَّر ثلاثاً، ثم قال : "سُبْحَانَ الَّذى سَخَّر لَنَا هذَا، وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِيْن، وَإنَّا إلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُون". ثم يقول: "اللهُمَّ إنِّى أَسْأَلُكَ فى سَفَرِنَا هذَا البِرَّ والتَّقْوَى، ومِنَ العَمَلِ مَا تَرْضَى، اللهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هذا، واطْو عنَّا بُعْدَه، اللهُمَّ أنْتَ الصَّاحِبُ فى السَّفَرِ، والخَلِيفَةُ فى الأهْلِ، اللهُمَّ اصْحَبْنَا فى سَفَرِنَا، واخلُفْنَا فى أهْلِنَا". وإذَا رجع قالهنَّ وزاد فيهنَّ: "آيِبُونَ تائِبُون، عابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ ".
4-وفى "صحيح مسلم": أنه كان إذا سافر يقول: "اللهُمَّ إنِّى أعُوذُ بِكَ مِن وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكآبَةِ المُنْقَلَبِ، وَمنَ الحَوْرِ بَعْدَ الكَوْرِ، ومِنْ دَعْوَةِ المَظْلُومِ، ومِنْ سُوءِ المَنْظَر فى الأهْلِ والمال ".
5-وكانَ إذَا وَضَعَ رِجْلَه فى الرِّكَابِ لِرُكُوبِ دَابَّتِهِ، قال: "بِسْمِ الله"، فَإذَا اسْتَوَى عَلَى ظَهْرِهَا، قَالَ: "الحَمْدُ لِلَّهِ"- ثَلاثاً- "الله أكْبَرُ"- ثَلاثاً، ثُمَّ يَقُولُ: "سُبْحَانَ الَّذِى سَخَّرَ لَنَا هَذَا، وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ، وإنَّا إلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُون"- ثمَّ يقولُ: "الحَمْدُ لِلَّهِ"- ثَلاثاً- "الله أكْبَرُ" ثَلاثاً، ثمَّ يَقُولُ: "سُبْحَانَ الله"- ثلاثاً، ثمَّ يقول: "لا إلَه إلاَّ أنْتَ سُبْحَانَكَ إنِّى كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، سُبْحَانَكَ إنِّى ظَلَمْتُ نَفْسِى، فَاغْفِرْ لِى، إنَّه لا يَغْفِرُ الذُّنوبَ إلاَّ أنْتَ".
6-وكانَ إذَا ودَّعَ أصحابَه فى السفر يقولُ لأحدهم: "أَسْتَوْدِعُ الله دِينَكَ وَأَمَانَتَكَ، وَخَواتيمَ عَمَلِكَ".
7-وجاء إليه رجل وقال: يا رسولَ الله: إنِّى أُرِيدُ سَفَراً، فَزَوِّدْنِى. فقال:" زَوَّدَكَ الله التَّقْوَى". قال: زِدْنِى. قال: "وَغَفَرَ لَكَ ذَنْبَكَ" قال: زدنى. قال: "ويَسَّرَ لَكَ الخَيْرَ حَيْثُمَا كُنْتَ ".
8-وقال له رجل: إنِّى أريدُ سفراً، فقال: "أُوصيك بتقْوَى الله، والتَّكْبِيرِ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ"، فلمَّا ولَّى، قال: "اللهُمَّ ازْوِ لَهُ الأَرْضَ، وَهَوِّنْ عَلَيْهِ السَّفَرَ".
9-وكان النبىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابُه، إذَا عَلوُا الثنايا، كبَّرُوا، وَإذَا هَبَطُوا، سبَّحُوا، فوضعت الصلاة على ذلك.
10-وقال أنس: كان النبىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا عَلا شَرَفاً مِنَ الأرْضِ، أو نَشْزاً قال: "اللهُمَّ لَكَ الشَّرَفُ عَلَى كلِّ شَرَفٍ، وَلَكَ الحَمْدُ عَلَى كُلِّ حَمْدٍ".
11-وكان سيرُه فى حَجَّه العَنَقَ، فإذَا وَجَدَ فجوةً، رَفَعَ السَّيرَ فوقَ ذلكَ، وكَانَ يقول: "لا تَصْحَبُ المَلائِكَةُ رفْقَةً فيها كَلْبٌ وَلا جَرَسٌ".
12-وكان يكرهُ للمُسَافر وحْدَهُ أن يسيرَ بالليل، فقالَ: "لَوْ يَعْلَمُ النَّاسَُ ما فى الوحْدَةِ ما سَار أحَدٌ وَحْدَه بِلَيْلٍ".
13-بل كان يَكْرَهُ السفرَ للواحد بلا رفقة، وأخبر: "أنَّ الوَاحِدَ شَيْطَانٌ والاثْنَانِ شَيْطَانَانِ، والثَّلاَثَةُ رَكْبٌ".
14-وكان يقول: " إذَا نَزَلَ أحَدُكُمْ مَنْزِلاً فَلْيَقُلْ: أَعُوذُ بكَلماتِ الله التَّامَّات مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ، فَإنَّهُ لا يَضُرُّهُ شَئ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْهُ". ولفظ مسلم: "مَنْ نَزَلَ مَنْزِلاً ثم قَالَ: أعُوذُ بِكَلِمَاتِ الله التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، لَمْ يَضُرَّهُ شَىءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزله ذلك".
15-وكان إذا رأى قريةً يُريد دخولها قال حين يراها: "اللهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وما أَظْلَلْنَ، وَرَبَّ الأرْضين السَّبْعِ ومَا أَقْلَلْنَ، ورَبَّ الشَّياطينِ وَمَا أضْلَلْنَ، وَرَبَّ الرِّيحِ وَمَا ذَرَيْن، إنَّا نَسْأَلُكَ خَيْرَ هذِهِ القَرْيَةِ وَخَيْرَ أهْلِهَا، ونَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا فيهَا".
16-وكانَ إذا بدا له الفجرُ فى السَّفرِ، قال: "سَمِعَ سَامِعٌ بِحَمْدِ الله وحُسْنِ بَلائِهِ عَلَيْنَا، رَبَّنَا صَاحِبْنَا وَأَفْضِلْ عَلَيْنَا عَائِذاً بالله مِنَ النَّارِ". 17-وكان يَنْهَى أن يُسَافَرَ بالقُرْآنِ إلى أرْضِ العَدُوِّ، مخَافَةَ أنْ يَنَالَهُ العَدُوُّ.
18-وَكَانَ يَنْهى المَرْأَةَ أنْ تُسَافِرَ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ، وَلَوْ مَسَافَةَ بَرِيدٍ.
19-وكانَ يَأْمُرُ المُسَافِرَ إذَا قَضَى نَهْمَتَهُ مِنْ سَفَرِهِ، أن يُعَجِّلَ الأوْبَةَ إلَى أهْلِهِ.
20-وَكَانَ إذَا قَفَلَ مِنْ سَفَرِهِ يُكَبِّر عَلَى كُلِّ شَرَفٍ مِنَ الأرْضِ ثَلاثَ تَكْبِيرَاتٍ، ثُمَّ يَقُولُ: "لا إله إلا الله وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، ولَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىءٍ قَدِيرٌ، آيُبونَ تَائِبُونَ، عَابِدُونَ، لِرَبِّنَا حَامِدُونَ، صَدَقَ الله وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأحْزَابَ وَحْدَهُ".
21-وكان ينهى أنْ يَطْرُقَ الرَّجُلُ أهْلَهُ لَيْلاً إذَا طَالَتْ غَيْبَتُهُ عَنْهُمْ. وفى "الصحيحين": كان لا يَطْرُقُ أهْلَه لَيْلاً يَدْخُلُ عَلَيْهنَّ غُدْوَةً أوْ عَشِيَّةً.
22-وَكَانَ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ يُلَقَّى بِالْوِلْدَانِ مِنْ أهْلِ بَيْتِهِ، قالَ عبد الله بنُ جعفر: وإنه قَدِمَ مَرَّةً مِن سفر، فَسُبِقَ بى إليه، فَحَمَلَنِى بَيْنَ يَدَيْهِ، ثم جِئَ بأَحَدِ ابنى فاطمَةَ، إما حَسَن وإما حُسين، فأردفه خلفَه، قالَ: فدخلنا المَدِينَةَ ثَلاثَةً على دَابَّةٍ.
23-وكان يعتنِق القَادِمَ مِنْ سَفَرِهِ، ويُقَبِّلُه إذا كَان مِنْ أهْلِهِ. قال الزهرى: عن عُروة، عن عائشة: قدم زيدُ بنُ حارثة المدينةَ، ورسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى بيتى، فأتاه، فَقَرَعَ البَابَ، فَقَامَ إليه رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُرياناً يَجُرُّ ثَوْبَهُ، واللهِ ما رأيته عُرياناً قَبْلَه ولا بَعْدَه، فاعْتَنَقَهُ وَقَبَّلَهُ.
24-قالت عائشةُ: لما قَدِمَ جعفرٌ وأصحابُه، تلقاه النبىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَبَّلَ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَاعْتَنَقَهُ.
25-قال الشعبى: وكان أصحابُ رسولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قَدِمُوا مِنْ سَفَرٍ، تَعَانَقُوا.
26-وكَانَ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ، بَدَأَ بِالمَسْجِدِ، فَرَكعَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ
فصل: فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى أذكار النكاح
1-ثبت عنه- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه علَّمهم خُطبة الحاجَةِ: " الحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، ونَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، ونَعُوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أنفُسِنَا، وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ الله، فَلا مُضِلَّ له، ومَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ له، وأَشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلاَّ الله، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عبدُه وَرَسُولُهُ" ، ثُمَّ يَقْرَأُ الآيَاتِ الثَّلاثَ: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إلاَّ وَأَنتُم مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]، { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُم مِّنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً، وَاتَّقُوا الله الَّذِى تَسَاءلُونَ بِهِ والأَرْحَامَ، إنَّ الله كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء: 1]،
{يَا أَيُّهَا الَّذِين آمَنُوا اتَّقُوا الله وقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ، وَمَنْ يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب: 70-71].
قال شعبة: قلت لأبى إسحاق: هذه فى خطبة النكاح، أو فى غيرها؟ قال: فى كل حاجة.
2-وقال: "إذَا أفَادَ أحَدُكُم امْرَأةً، أو خَادِماً، أو دابَّةً، فَلْيَأْخُذْ بناصِيَتِها، وَلْيَدْعُ الله بِالبَرَكَةِ، وَيُسَمِّى الله عَزَّ وَجَلَّ، وَلْيَقُلْ: اللهُمَّ إنِّى أسْأَلُكَ خَيْرَها، وخَيْرَ مَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ، وأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ ما جُبِلَتْ عَلَيْهِ".
3-وكان يقولُ للمتزوج: "بَارَكَ الله لَكَ وَبَارَكَ عَلَيْكَ، وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فى خَيْرٍ ".
4-وقال: "لَو أنَّ أحَدَكم إذا أراد أنْ يَأْتِىَ أَهْلَه، قال: بِسْمِ الله، اللهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، فإنه إنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فى ذلِكَ، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أَبَداً".
: فى هَدْيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما يقول مَنْ رأى ما يُعجبه مِن أهله ومالِه
1-يُذكر عن أنس أنه قال: "ما أنعم الله عَلَى عَبْدٍ نِعْمَةً فى أهلٍ، ولا مَالٍ، أو ولدٍ، فيقول: ما شَاءَ الله، لا قُوَّة إلاَّ باللهِ، فَيَرَى فِيهِ آفَةً دُونَ المَوْتِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلَوْلاَ إذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ الله لا قُوَّةَ إلا بِاللهِ} [الكهف: 39]".
: فيما يقول مَن رأى مُبْتَلى
1-صحَّ عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " ما مِنْ رَجُلٍ رأى مُبْتَلى فقالَ: الحمْدُ لِلَّهِ الَّذِى عَافَانِى ممَّا ابْتَلاكَ بِهِ، وَفَضَّلَنِى عَلَى كَثير ممَّن خَلَقَ تَفْضِيلاً، إلاَّ لَمْ يْصِبْه ذَلِكَ البَلاءُ كَائِناً مَا كَانَ".
: فيما يقوله مَن لحقته الطِّيرَةُ
1-ذُكِرَ عنه- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه ذُكِرَتِ الطِّيَرَةُ عِنْدهُ، فَقَالَ: " أحْسَنُهَا الفَأْلُ وَلاَ تَرُدُّ مُسْلِماً، فَإذَا رَأَيْتَ مِنَ الطِّيَرَةِ مَا تَكْرَهُ فَقُلْ: اللهُمَّ لا يَأتِى بالحَسَنَاتِ إلاَّ أنْتَ، وَلاَ يَدْفَعُ السَّيِّئاتِ إلاَّ أنْتَ، ولا حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِكَ".
2-وكَانَ كَعب يقول: " اللهُمَّ لا طَيْرَ إلاَّ طَيْرُكَ، وَلاَ خَيْرَ إلا خَيْرُكَ، وَلاَ رَبَّ غَيرُكَ، ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلاَّ بِكَ، والَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ، إنَّهَا لرأْسُ التَّوَكُّلِ، وكَنْزُ العَبْدِ فى الجَنَّةِ، ولا يقُولُهُنَّ عَبْدٌ عِنْدَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَمْضِى إلاَّ لَمْ يَضُرَّهُ شَىء".
: فيما يقوله مَن رأى فى منامه ما يكرهه
1-صَحَّ عنهُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: " الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ الله، والحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فمَنْ رَأى رُؤيَا يَكْرَهُ مِنْهَا شَيْئاً، فَلّيَنْفُثْ عَنْ يَسَارِهِ ثلاثاً، وَلْيَتَعَوَّذْ باللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإنَّهَا لا تَضُرُّهُ، وَلاَ يُخْبِرْ بِهَا أحَداً. وَإنْ رَأَى رُؤيَا حَسَنَةً، فَلْيَسْتَبْشِرْ، وَلاَ يُخْبِرْ بِهَا إلاَّ مَنْ يُحِبُّ".
2-وَأَمَرَ مَنْ رَأى مَا يَكْرَهُهُ أنْ يَتَحَوَّلَ عَنْ جَنْبِهِ الَّذِى كَانَ عَلَيْهِ، وَأَمَرَهُ أنْ يُصَلِّىَ.
3-فأمره بخمسةِ أشياء: 1-أن ينفُثَ عَنْ يساره،2- وَأن يستعيذَ باللهِ من الشَّيطان،3- وأن لا يُخبر بها أحداً،4- وأن يتحوَّل عن جنبه الذى كان عليه،5-وأن يقومَ يُصلِّى، ومتى فعل ذلك، لم تضرَّه الرؤيا المكروهة، بل هذا يدفَعُ شرَّها.
4-وقال: "الرُّؤْيَا عَلَى رِجْلِ طَائِرٍ مَا لَمْ تُعَبَّرْ، فإذَا عُبِّرَتْ، وَقَعَتْ، ولا يَقُصُّهَا إلاَّ على وَادٍّ، أوْ ذِى رَأْى".
5-وكان عمر بن الخطاب رضى الله عنه، إذَا قُصَّت عليه الرؤيا، قال: اللهُمَّ إنْ كَانَ خَيْراً فَلَنَا، وإنْ كَانَ شَرَّاً، فَلِعَدُوِّنَا.
6-ويُذكر عن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ عُرِضَتْ عَلَيهِ رُؤْيَا، فَلْيَقُلْ لِمَنْ عَرَضَ عَلَيْهِ خَيْراً".
7-ويُذكر عنه أنه كان يقول للرائى قبل أن يعبرُها له: "خَيْراً رَأَيْتَ " ثم يَعْبُرُهَا.
8-: كان أبو بكر الصِّدِّيق إذا أراد أن يَعْبُر رُؤيا، قال: إن صَدَقَتْ رُؤياكَ، يكونُ كذا وكذا
: فيما يقولُه ويفعلُه مَن ابتُلى بالوَسْوَاسِ، ومَا يستعينُ به على الوسوسة
1-وقال له عثمانُ بنُ أبى العاص: يا رَسُولَ الله ؛ إنَّ الشيطانَ قد حال بينى وَبَيْنَ صَلاتِى وقِراءتى، قال: "ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ له: خِنْزَبٌ، فَإذَا أحْسَسْتَهُ، فَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنْهُ، واتْفُلْ عَنْ يَسَارِكَ ثَلاثاً".
2-وشكى إليه الصحَابَةُ أنَّ أحدهم يَجِدُ فى نفسِهِ- يُعرِّض بالشىء- لأن يَكُونَ حُمَمَةً أحبُّ إليه من أنْ يتَكلَّمَ به، فقال: "الله أكْبَرُ، الله أكْبَرُ، الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى رَدَّ كَيْدَهُ إلى الوَسْوَسَةِ".
3-وأرشد من بُلى بشىءٍ مِن وسوسة التسلسل فى الفاعلين، إذا قيل له: هذَا الله خَلَق الخلق، فمَن خَلَقَ الله؟ أن يقرأ: {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ والظَّاهِرُ والبَاطِنُ، وَهُوَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد: 3].
4-كذلك قال ابنُ عباسٍ لأبى زُميل سماك بن الوليد الحنفى وقد سأله: ما شىءٌ أجِدُهُ فى صدرى؟ قال: ما هُو؟ قال: قلتُ: واللهِ لا أتكلَّمُ به. قال: فقال لى: أشىء مِن شَك؟ قلتُ: بلى، فَقَالَ لى: ما نَجا مِنْ ذلِكَ أحد، حتى أنزلَ الله عَزَّ وجَلَّ: {فَإن كُنتَ فِى شَكٍّ مِّمَّا أنْزَلْنَا إلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الكِتَابَ مِن قَبْلِكَ} [يونس: 94] قال: فقال لى: فإذا وجدتَ فى نفسك شيئاً، فَقُلْ: {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ والظَّاهِرُ والبَاطِنُ، وَهُوَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد: 3].
فأرشدهم بهذه الآية إلى بطلانِ التسلسل الباطل ببديهة العقل، وأن سلسلةَ المخلوقات فى ابتدائها تنتهى إلى أولٍ ليس قَبلَه شئ، كما تنتهىفى آخرِها إلى آخر ليس بعَده شئ، كما أن ظهورَه هو العلوُّ الذى ليس فوقَه شئ، وبُطونَه هو الإحاطة التى لا يكون دونه فيها شئ
5-وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يَزالُ النَّاسُ يَتَسَاءلونَ حَتَّى يقول قائِلُهم: هذا الله خَلَقَ الخَلْقَ، فَمَنْ خَلَقَ الله؟ فَمَنْ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئاً، فَلْيَسْتَعِذْ باللهِ وَلْيَنْتَهِ" ، وقدْ قال تَعالى: {وَإمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فاسْتَعِذْ باللهِ، إنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ} [ فصلت: 36].
6-ولما كان الشيطانُ على نوعين: نوعٍ يُرى عياناً، وهو شيطانُ الإنس، ونوعٍ لا يُرى، وهو شيطانُ الجن، أمرَ سبحانه وتعالى نبيَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يكتَفىَ مِن شر شيطان الإنس بالإعراض عنه، والعفو، والدفع بالتى هى أحسنُ، ومن شيطان الجن بالاستعاذة باللهِ منه، وجمع بينَ النوعين فى سورة الأعراف، وسورة المؤمنين، وسورة فصلت، والاستعاذة فى القراءة والذِّكر أبلغُفى دفع شر شياطين الجن، والعفوُ والإعراضُ والدفعُ بالإحسان أبلغُ فى دفع شرِّ شياطينِ الإنس. قال:
: فى ما يقوله ويفعله مَن اشتد غضبه
1-أمره- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يُطفئ عَنْهُ جَمْرَةَ الغضب بالوُضُوءِ، والقعودِ إنْ كَانَ قَائِمَاً، والاضطِجَاع إن كَانَ قَاعِدَاً، والاستعاذةِ بالله مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجيمِ.
2-ولما كان الغضبُ والشهوةُ جمرتين مِن نارٍ فى قلبِ ابن آدم، أمر أن يُطفئهما بالوضوء، والصلاة، والاستعاذةِ من الشيطان الرجيم، كما قال تعالى: {أتَأْمُرُونَ النَّاسَ بالبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: 44]... الآية. وهذا إنما يحمل عليه شدَّة الشهوةِ، فأمرهم بما يُطفئون بها جمرتها، وهو الاستعانةُ بالصبرِ والصلاة، وأمر تعالى بالاستعاذةِ من الشيطان عند نزغاته،
3- ولما كانت المعاصى كلها تتولد مِن الغضب والشهوة، وكان نهايةُ قوةِ الغضبِ ال***، ونهايةُ قوةِ الشهوة الزِّنى، جمع الله تعالى بين ال*** والزِّنى، وجعلهما قرينين فى سورة الأنعام، وسورة الإسراء، وسورة الفرقان، وسورة الممتحنة.
والمقصودُ: أنه سبحانه أرشد عباده إلى ما يدفعون به شرَّ قوتَى الغضب والشهوة من الصلاة والاستعاذة.
وكان- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا رَأَى مَا يُحِبُّ، قال:
1- "الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ". وَإذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ، قال: "الحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ".
لِمَن تقرَّب إليه بما يُحِبُّ
1-وكان- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يدعو لِمَن تقرَّب إليه بما يُحِبُّ وبما يُنَاسِبُ، فلما وَضَعَ لهُ ابن عبَّاس وَضُوءَهُ قال: "اللهُمَّ فَقِّهْهُ فى الدِّين، وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ".
ولمَّا دَعَّمَهُ أبو قَتَادَة فى مَسيرِهِ بالليل لمَّا مالَ عن راحِلته، قال: "حَفِظَكَ الله بِما حَفِظَتَ بِهِ نَبِيَّه".
2-وقال: "مَنْ صُنِعَ إليهِ مَعْرُوفٌ، فَقَالَ لِفَاعِلِهِ: جَزَاكَ الله خَيْرَاً، فَقَدْ أَبْلَغَ فى الثَّنَاءِ
3-واستقرض من عبد الله بن أبى ربيعة مالاً، ثم وفَّاه إياه، وقال: "بَارَكَ الله لَكَ فى أهْلِكَ وَمالِكَ، إنَّمَا جَزَاءُ السَّلَفِ الحَمْدُ والأدَاءُ".
4-ولمَّا أرَاحَهُ جَرِيرُ بن عبد الله البَجَلِى مِن ذِى الخَلَصَةِ: صَنَمِ دَوْس، بَرَّكَ عَلَى خَيْلِ قَبِيلَتِهِ أَحْمس وَرِجَالِهَا خَمْسَ مَرَّاتٍ.
5-وكان- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا أُهديت إليه هديةٌ فقبلها، كافأ عليها بأكثر منها، وإن ردّهَا اعتذَرَ إلى مُهْدِيهَا، كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلصَّعْبِ ابن جَثَّامةَ لما أَهْدَى إلَيْهِ لَحْمَ الصَّيْدِ: "إنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إلاَّ أنَّا حُرُمٌ" والله أعلمُ.
نهيق الحمار00 وصياح الديكة 000 ورؤية الحريق
1-وأمر- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُمَّته إذا سَمِعُوا نَهِيقَ الحِمَارِ أن يتعوَّذُوا باللهِ منَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم، وإذَا سَمِعُوا صِيَاحَ الدِّيَكَةِ، أَنْ يَسْأَلُوا الله مِنْ فَضْلِهِ.
2-ويُروى عنه- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه أَمَرَهُم بالتَّكْبِيرِ عِنْدَ رؤية الحَرِيق، فَإنَّ التَّكْبِيرَ يُطْفِئُه.
كفارة المجلس
1-وكره- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَهل المجلسِ أن يُخْلُوا مَجْلِسَهُم مِنْ ذِكْرِ الله عَزَّ وجَلَّ، وقال: " مَا مِنْ قَوْمٍ يقومُونَ مِنْ مَجْلِسٍ لا يَذْكُرونَ الله فيهِ إلاَّ قَامُوا عَنْ مِثْلِ جِيفةِ الحِمارِ".
2-وقال: "مَنْ قَعَدَ مَقعَداً لم يَذكُرِ الله فِيهِ كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ الله تِرَةٌ، ومَنِ اضطجع مضجعاً لا يذكرُ الله فيه، كانت عليه من الله تِرَةٌ". والتِّرَةُ: الحسرة.وفى لفظ: " وما سَلَكَ أَحَدٌ طَرِيقاً لَمْ يَذْكُرِ الله فِيهِ، إلاَّ كَانَتْ عَلَيْهِ تِرَةٌ".
3-وقالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ جَلَسَ فى مَجْلسٍ، فَكَثُرَ فيهِ لَغَطُهُ، فقال قبل أن يقوم من مجلسه: سُبْحَانَكَ اللهُمَّ وبحَمْدِكَ، أشْهَدُ أنْ لا إله إلاَّ أنْتَ، أسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إلَيْكَ، إلا غُفِرَ لَهُ ما كانَ فى مَجْلِسه ذَلِكَ ".
4-وفى "سنن أبى داود" و"مستدرك الحاكم" أنه- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يقُولُ ذلِكَ إذَا أرَادَ أنْ يَقُومَ مِنَ الْمَجْلِسِ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ الله ؛ إنَّكَ لَتَقُولُ قَوْلاً مَا كُنْتَ تَقُولُه فِيمَا مَضَى. قال: "ذَلِكَ كَفَّارةٌ لِمَا يَكُونُ فى المَجْلِسِ".
هدية فى الارق
1-وشكى إليه خالدُ بنُ الوليد الأرقَ بالليل، فقال له: "إذَا أوَيْتَ إلى فِرَاشِكَ فقل: اللهُمَّ رَبِّ السماوات السَّبْعِ وَما أَظَلَّتْ، وَرَبَّ الأَرْضِينَ السَّبْعِ وَمَا أَقَلَّتْ، وَرَبَّ الشَّيَاطِين وَمَا أَضَلَّتْ، كُنْ لى جَاراً مِنْ شَرِّ خَلْقكَ كُلِّهِم جَميعاً مِنْ أنْ يَفْرُطَ أَحَدٌ مِنْهُم عَلَىَّ، أَوْ أَنْ يَطْغى عَلَىَّ،عَزَّ جَارُكَ، وَجَلَّ ثَناؤُكَ، ولاَ إلهَ إلاَّ أنْتَ".
هدية فى الفزع00 والكوابيس000
1-وكان- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعَلِّمُ أصحابَه من الفزع: " أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ الله التَامَّة مِنْ غَضَبِهِ وَمِنْ شَرِّ عباده، ومن شرِّ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِين، وأنْ يَحْضُرُون".
2-ويُذكر أن رجلاً شَكَى إلَيْهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه يفزع فى مَنَامِه، فقال: "إذَا أوَيْتَ إلى فِرَاشِكَ فقل أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ الله التَامَّة مِنْ غَضَبِهِ وَمِنْ شَرِّ عباده، ومن شرِّ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِين، وأنْ يَحْضُرُون".
..." ثم ذكرها، فقالها فذهب عنه.
: فى ألفاظ كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَكْرَهُ أن تُقَال
1-فَمِنْهَا: أن يقول: خَبُثَتْ نَفْسِى، أَوْ جَاشَتْ نَفْسِى، وَلْيَقُلْ: لَقِسَتْ.
2-ومنها: أن يُسَمِّى شَجَرَ العِنَبِ كَرْماً، نَهَى عَنْ ذلِكَ، وقال: "لا تَقُولُوا: الكَرْمَ، وَلَكِنْ قُولُوا: العِنْبُ والحَبَلةُ ".
3-وكرِه أن يقولَ الرجلُ: هلكَ النَّاسُ. وقال: "إذَا قَالَ ذلِكَ، فَهُوَ أهْلَكُهُمْ". وفى معنى هذا: فسد الناسُ، وفسد الزمانُ ونحوهُ.
4-ونهى أن يُقَالَ: ما شَاءَ الله، وَشَاءَ فُلانٌ، بَلْ يُقَالُ: مَا شَاءَ الله، ثُمَّ شَاءَ فُلانٌ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: مَا شَاءَ الله وَشِئْتَ، فَقَالَ: "أَجَعَلْتَنِى للهِ نِدّاً؟، قل: مَا شَاءَ الله وَحْدَهُ".
5-وفى معنى هذَا: لولا الله وفلانٌ، لما كانَ كذا، بل هو أقبحُ وأنكر، وكذلك: أنا باللهِ وبفُلان، وأعوذُ باللهِ وبفُلان، وأنا فى حَسْبِ الله وحَسْبِ فلان، وأنا متَّكِل على الله وعلى فلان، فقائلُ هذا، قد جعل فلاناً نِدَّاً للهِ عَزَّ وجَلَّ.
6-ومنها: أن يُقال: مُطِرْنا بَنَوْءِ كَذَا وَكَذَا، بل يقُولُ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ الله وَرَحْمتهِ.
7-ومنها: أن يحلِفَ بغير الله. صحَّ عنه- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: "مَنْ حَلَفَبِغَيْرِ الله فَقَدْ أَشْرَكَ".
8-ومنها: أن يقول فى حَلِفِهِ: هو يَهُودِى، أو نصرانى، أو كافر، إن فعل كذا.
9-ومنها: أن يقولَ لِمسلمٍ: يا كَافِرُ.
10-ومنها: أن يقولَ للسلطان: مَلِكُ المُلُوكِ. وعلى قياسه: قاضى القضاة.
11-ومنها: أن يقول السَّيِّدُ لِغلامه وجارِيته: عَبْدِى، وأمَتِى، ويقول الغلامُ لسيده: ربى، وليقُل السَّيِّدُ: فَتَاى وفتاتى، وليَقُلِ الغلامُ: سيِّدى وسيِّدتى.
12-ومنها: سبُّ الرِّيحِ إذَا هبَّتْ، بل يسألُ الله خَيْرَهَا، وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ، ويَعُوذُ باللهِ مِنْ شرِّهَا وشر ما أُرسلت به.
13-ومنها: سبُّ الحُمَّى، نهى عنه، وقال: "إنَّهَا تُذْهِبُ خَطَايَا بَنِى آدَمَ، كمَا يُذْهِبُ الكِيْرُ خَبَثَ الحَدِيدِ".
14-ومنها: النَّهىُ عن سب الدِّيكِ، صحَّ عنه- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: "لا تَسُبُّوا الدِّيكَ، فَإنَّهُ يُوقِظُ للصَّلاةِ".
15-ومنها: الدعاء بدعوى الجاهلية، والتَّعَزِّى بعزائهم، كالدُّعَاء إلى القبائل والعَصبِيَّة لها وللأنساب، ومثلهُ التعصبُ لِلمذاهب، والطرائِقِ، والمشايخ، وتفضيلُ بعضها على بعض بالهوى والعصبية، وكونُهُ منتسباً إليه، فيدعو إلى ذلك، ويُوالى عليه، ويُعادِى عليه، وَيزِنُ الناس به، كُلُّ هذا مِن دعوى الجاهلية.
16-ومنها: تسميةُ العِشَاء بِالعَتَمَةِ تسمية غالبة يُهجَرُ فيها لفظُ العِشَاء.
17-ومنها: النهىُ عَن سِبَابِ المُسْلِم، وأن يتناجى اثنَانِ دُونَالثَّالِث. وأن تُخْبِرَ المرأةُ زَوْجَها بِمَحَاسِنِ امرأةٍ أُخْرَى.
18-ومنها: أن يقولَ فى دُعائه: "اللهُمَّ اغْفِرْ لى إنْ شِئْتَ، وارْحَمْنِى إنْ شِئْتَ".
19-ومنها: الإكثارُ مِنَ الحَلِفِ.
20-ومنها: كراهةُ أن يقول: قَوْسُ قُزَح، لِهذَا الذى يُرى فى السَمَاء.
21-ومنها: أن يسأل أحَداً بِوَجهِ الله.
22-ومنها: أن يسمِّىَ المدينة بيثرب.
23-ومنها: أن يُسألَ الرجلُ فيم ضرَبَ امرأته، إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك.
24-ومنها: أنْ يقول: صُمْتُ رمضانَ كُلَّهُ، أو قمتُ اللَّيْلَ كُلَّهُ.
25-ومن الألفاظِ المكروهَةِ الإفصاحُ عَنِ الأشياءِ التى ينبغى الكنايةُ عنها بأسمائها الصَّريحة:
26-ومنها: أن يقولَ: أطالَ الله بقاءَك، وأدامَ أيَّامَكَ، وعِشتَ ألفَ سنة... ونحو ذلك.
27-ومنها: أن يقول الصائِمُ: وحقِّ الذى خَاتِمه على فمِ الكافر.
28-ومنها: أن يقول للمُكُوس: حقوقاً. وأن يقول لِمَا يُنْفِقُهُ فى طاعةِ الله: غَرِمْتُ أو خَسِرْتُ كَذَا وَكَذَا، وأن يقولَ: أنفقتُ فى هذه الدنيا مالاً كثيراً.
29-ومنها: أن يقولَ المفتى: أحلَّ اللهُ كذَا، وحرّم الله كذا فى المسائل الاجتهادية، وإنما يقولُه فيما ورد النصُّ بتحريمه.
30-ومنها: أن يُسَمِّىَ أدلةَ القرآن والسُّنَّة ظواهِرَ لفظية ومجازاتٍ، فإن هذه التسمية تُسْقِطُ حُرمتَها مِن القلوب، ولا سيما إذا أضَافَ إلى ذلك تسمية شُبَهِ المتكلمينَ والفلاسفة قَواطِعَ عَقلية، فلا إله إلا الله، كم حَصَلَ بهاتين التسميتين مِن فساد فى العقول والأديان، والدنيا والدين.
31-ومنها: أن يُحدِّث الرجلُ بجِمَاع أهله، وما يكونُ بينه وبينها، كما يفعله السَّفَلَةُ.
ومما يُكره من الألفاظ: زعموا، وذكروا، وقالوا... ونحوه.
32-ومما يُكره منها أن يقول للسلطان: خليفةُ الله، أو نائِبُ الله فى أرضه، فإن الخليفة والنائبَ إنما يكونُ عن غائب، واللهُ سبحانهوتعالى خليفةُ الغَائِبِ فى أهلهِ، ووكيلُ عبده المؤمن.
33-وليحذر كُلَّ الحذر من طغيان "أنا"، و"لى"، و"عندى"، فإن هذه الألفاظَ الثلاثةَ ابتُلى بها إبليسُ، وفرعون، وقارون: ف {أنَا خَيْرٌ مِنْهُ} [الأعراف: 12] [ص: 76] لإبليس، و{لِى مُلْكُ مِصْرَ} [الزخرف: 51] لفرعون، و{إنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِى} [القصص: 78] لقارون. وأحسنُ ما وُضِعَت "أنا" فى قول العبد: أنا العبدُ المذنب، المخطئ، المستغفر، المعترِف... ونحوه. و"لى"، فى قوله: لى الذنب، ولى الجُرم، ولى المسكنةُ، ولى الفقرُ والذل. و"عندى" فى قوله: "اغْفِرْ لى جِدِّي، وَهَزْلِي، وخَطَئِي، وَعَمْدِي، وَكُلُّ ذلِكَ عِنْدِي".
يتبع ان شاء الله تعالى
|