ماهى العلامات الصغرى ؟
وعلاماتُ الساعة الصغرى :
وهي التي تتقدم الساعة بأزمان متطاولة ، وتكون من النوع المعتاد وقد يظهر بعضها مصاحبا للأشراط الكبرى ، وعلامات أَشراط الساعة الصغرى كثيرة جدا ونذكر الآن شيئا مما صح منها :
1- فمن ذلك بعثةُ النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وختمُ النبوة والرسالة به ، وموته- صلى الله عليه وسلم - ، وفتح بيت المقدس ، وظهور الفتن ، واتباع سَنَن الأمم الماضية من اليهود والنصارى ، وخروج الدجالين ، وأَدعياء النبوة .
ووضع الأَحاديث المكذوبة على رسول الله- صلى الله عليه وسلم -ورفض سُنته ، وكثرة الكذب ، وعدم التثبت في نقل الأَخبار ، ورفع العلم والتماس العلم عند الأَصاغر ، وظهور الجهل والفساد ، وذهاب الصالحين ، ونقض عُرى الإِسلام عُروة عُروة ، وتداعي الأُم على أُمة محمد - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ثم غُربةُ الإِسلامِ وأَهله .
2-وكَثرة القَتْل ، وتمنِّي الموتِ من شدة البلاء ، وغبطة أَهل القبور وتمني الرجل أَن يكون مكان الميت من شدة البلاء ، وكثرة موت الفَجْأة والموت في الزلازل والأَمراض ، وقلة عدد الرجال ، وكثرة النساء ، وظُهورهن كاسيات عاريات ، وتفشي الزنا في الطرقات ، وظهور أَعوان الظلمة من الشرطة الذين يجلدون النَّاس .
وظُهور المعازف ، والخمر ، والزِّنا ، والربا ، والحرير ، واستحلالها ، وظهور الخسف والمسخ والقذف .
3-وتضييع الأَمانة ، وإسناد الأَمر إلى غير أَهله ، وزعامةُ الأَراذل من الناس ، وارتفاع أَسافلهم على خيارهم ، وولادَة الأَمَةِ ربتها ، والتطاول في البنيان ، وتباهي الناس في زخرفة المساجد ، وتغير الزمان ؛ حتى تُعْبَد الأَوثان ، ويظهر الشرك في الأُمة .
4-والسلام على المعارف فقط ، وكثرة التجارة ، وتقارب الأَسواق ووجودُ المال الكثير في أَيدي النَّاس مع عدم الشكر ، وكثرة الشُّح ، وكثرة شهادة الزور ، وكتمان شهادة الحق ، وظهور الفحش ، والتخاصم والتباغض والتشاحن ، وقطيعة الرحم ، وسوء الجوار .
5-وتقارب الزمان وقلةُ البركة في الأَوقات ، وانتفاخُ الأَهلَة ، وحدوث الفتن كقطع الليل المظلم ، ووقوع التناكر بين الناس ، والتهاون بالسنن التي رَغَّبَ فيها الإسلام ، وتشبه الشيوخ بالشباب . وكلام السباع والجمادات للإِنس ، وحسر ماء الفرات عن جبلٍ من ذهب ، وصدق رؤيا المؤمن .
6-وما يقع من مدينة رسول الله- صلى الله عليه وسلم - حيث تنفي الخبثَ ، فلا يبقى فيها إِلَّا الأَتقياء الصَّالحون ، وعودة جزيرة العرب مروجا وأَنهارا ، وخروج رجل من قحطان يدين له الناس .
7-وكثرة الروم وقتالهم للمسلمين ، وقتال المسلمين لليهود حتى يقول الحجر والشجر : « يا مُسْلِمُ هَذا يَهُودِيّ ؛ فَتَعالَ فَاقتُلهُ » (البخاري) . وفتح روما كما فتحت القسطنطينية . . إِلى غير ذلك من علامات الساعة الصغرى الثابتة في الأَحاديث الصحيحة .
خلعت قلبى يارجل 00 هذة الصغرى فما الكبرى ؟
اما علاماتُ الساعة الكبرى : وهذه هي التي تدلُ على قرب قيام الساعة ، فإِذا ظهرت كانت الساعة على إِثرها ، وأَهل السّنة يؤمنون بها كما جاءت عن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ومنها :
1-ظهور المهدي : وهو محمَد بن عبد الله ؛ من أَهل بيت النَّبِيّ - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ويخرج من قِبَل المشرق يملك سبع سنين ، يملأ الأَرض قسطا وعدلا بعدما مُلئت ظلما وجورا ، تنعم الأُمة في عهده نعمة لم تَنْعَمْها قط ، تُخرِج الأَرض نباتها ، وتُمطِر السماء قطرها ، ويُعطي المال بغير عدد .
2-وخروج المسيح الدجال (وفتنة ظهور المسيح الدجال من أَعظم الفتن ؛ لأن الدجال هو منبع الكفر والضلال والفتن ، ومن أجل ذلك فقد حذر منه الأنبياء أقوامهم ، وكان النبي- صلى الله عليه وسلم -يستعيذ من فتنة الدجال دبر كل صلاة ، وحذر منه أمته .)
3- ونزول المسيح عيسى ابن مريم - عليه السلام- عند المنارة البيضاء شرقي دمشق الشام ، وينزل حاكما بشريعة محمد - صلى الله عليه وآله وسلم- عاملا بها ، وأَنَّه ي*** الدجال ، ويحكم في الأَرض بالإِسلام ، ويكون نزوله على الطائفة المنصورة التي تُقاتل على الحق ، وتكون مُجتمعة لقتال الدَّجَّال ، فينزل وقت إِمامة الصلاة يصلي خلف أَمير تلك الطائفة .
4-وخروج يأجوج ومأجوج ،
5- والخُسوفات الثلاثة : خَسْفٌ بالمشرق ، وخَسْف بالمغرب ، وخَسْف بجزيرة العرب ،
6- وخروج الدخان 7-، وطُلوعُ الشمس من مغرِبها
8-، وخروج دابَّة الأَرض وتكليمها للناس 9-، والنار التي تحشر الناس .
وما ذا عن الموت؟
وأَهل السُّنة والجماعة : يؤمنون بكل ما يكون من أُمور الغيب بعد الموت ، مما أَخبر به الله ورسوله- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- من سكرات الموت ، وحضور ملائكة الموت ، وفرح المؤمن بلقاء رَبِّه ، وحضور الشيطان عند الموت ، وعدم قبول إيمان الكافر عند الموت ، وعالَم البَرْزَخ ، ونعيم القبر وعذابِه وفتنتِه ، وسؤال الملكين وأَن الشهداءَ أحياء عند ربهم يُرزقون ، وأَنَ أَرواح أَهل السعادة مُنَعَّمَةٌ ، وأَرواح أهل الشقاوة مُعَذبة .
2-ويؤمنون بيوم القيامة الكبرى الذي يحيي الله فيه الموتى ، ببعث العباد من قبورهم ، ثمَ يحاسبهم .
3-ويؤمنون بالنفخ في الصور ، وهي ثلاث نفخات :
الأولى : نفخة الفزع .
الثانية : نفخة الصعق ؛ التي يتغير بها العالم المشاهد ، ويختلف نظامه ، وفيها الفناء والصعق ، وفيها هلاك من قضى الله إِهلاكه .
الثالثة : نفخة البعث والنشور والقيام لِرَبِّ العالمين .
4-ويؤمنون بالبَعْثِ والنُّشُور ، وأَنَّ الله يَبْعثُ مَن في القبور ؛ فيقوم الناس لرَبِّ العالمين حفاة عراة غُرْلا ، تدنو منهم الشمس ، ومنهم مَن يلجمه العرق ، وأَول مَن يُبْعَث وتنشق عنه الأَرض هو نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -وعلى آله وسلم .
وفي ذلك اليوم العظيم يخرج النَاس من الأَجداث كأَنَهم جراد نشر ، مسرعين مهطعين إِلى الداعي ، وقد خفتت كلُّ حركة ، وخيم الصمت الرهيب ، حيث تنشر صحف الأَعمال ؛ فيكشف المخبوء ، ويظهر المستور ، ويفتضح المكنون في الصدور ، ويكلم الله عباده يوم القيامة ليس بينه وبينهم ترجمان ، ويدعى النَّاس بأسمائهم وأسماء آبائهم .
ويؤمنون بالميزان الذي له كفتان تُوزن به أَعمال العباد .
5-ويؤمنون بما يكون من نشر الدواوين ، وهي صحائف الأَعمال ، فآخذ كتابه بيمينه ، وآخذٌ كتابه بشماله ، أَو من وراء ظهره .
والصراط منصوب على متن جهنم ، يتجاوزه الأَبرار ، ويزل عنه الفجَّار
ما هو الصراط ؟
وهو الجسر الذي يمرون عليه إِلى الجنة ، ويمر الناس على الصراط بقدر أعمالهم فمنهم مَن يمر كلمح البصر ، ومنهم من يمر كالبرق ، ومنهم من يمر كالريح المرسلة ومنهم من يمر كالفرس الجواد ، ومنهم من يمر كركاب الإبل ، ومنهم من يعدو عدوا ، ومنهم من يمشي مشيا ، ومنهم من يزحف زحفا ، ومنهم من يخطف ويلقى في جهنم ؛ كل بحسب عمله ، حتى يَطهر من ذنوبه وآثامه ومن اجتاز الصراط تهيأ لدخول الجنة ؛ فإِذا عبروا الصراط وقفرا على قنطرة بين الجنة والنار ؛ فيقتص لبعضهم من بعض فإِذا هذبوا ونُقوا أُذن لهم في دخول الجنة .
وماذا عن الجنة والنار ؟
1-والجنة والنار مخلوقتان ، وموجودتان الآن ، لا تَفْنَيان أَبدا ، وقد خلقهما الله تعالى قبل الخلق ، والجنة دار المؤمنين الموحِّدين والمتقين ، والنَّار دار الكافرين ؛ من المشركين ، واليهود ، والنصارى ، والمنافقين ، والملحدين ، والوثنيين ؛ ودار المذنبين .
2-ويؤمنون بأن أمة محمد - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أُولى الأمم محاسبة يوم القيامة ، وأُولى الأُمم في دخول الجنة ، وهم نصف أَهل الجنة ، ويدخلُ الجنَّة منهم سبعون أَلفا بغير حساب .
3-ويؤمنون بعدم خلود الموحدين في النار ، وهم الذين دخلوا النَّار بمعاص ارتكبوها غير الإِشراك بالله تعالى ، لأنَ المشركين خالدون في النَار لا يخرجون منها أَبدا ، والعيِاذ بالله .
4-ويؤمنون بأَن حوض نبيِّنا- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في ***ات القيامة ماؤه أَشَدُّ بياضا من اللبن ، وأَحلى من العسل ، وريحهُ أَطيبُ من المسك ، وآنيته عدد نجوم السماء ، وطوله شهر وعرضه شهر ، مَن شرب منه لا يظمأ أَبدا ، ويَحرم ذلك على من ابتدع في الدِّين ، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
« حَوضي مَسيرةُ شَهْرٍ ، مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ ، وَريحُهُ أَطْيَبُ مِنَ المسكِ ، وكيزانُهُ كنُجوم السَّماء ، مَنْ شَرِبَ مِنْهَا فَلاَ يَظمأ أَبدا » (البخاري)
وقال : « إِنِّي فَرَطُكُم عَلَى الحَوْضِ ، مَنْ مرّ عَلي شَرِبَ وَمَنَ شَربَ لَمْ يَظمأ أَبدا . لَيَردَنَّ عَليَّ أَقْوَامٌ أَعرِفُهُم وَيَعرفونَني ، ثم يُحَالُ بَيني وَبْينهُم » . وفي رواية : « فَأَقولُ : إِنَهُمْ منِّي ؛ فيقالُ : إنكَ لاَ تَدري مَا أَحْدَثُوا بَعدَكَ ، فَأَقولُ : سُحْقَاَ سحْقا لِمَنْ غيَّرَ بَعْدِي » (البخاري)
وماذا عن الشفاعة والمقام؟
والشفاعة والمقام المحمود لنبيِّنا محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يوم القيامة
1-، وشفاعته لأَهل الموقف لفصل القضاء بينهم هي المقام المحمود ،
2- وشفاعته لأَهل الجنة أَن يدخلوا الجنَّة ، ويكون الرسول- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أَول داخل فيها ، وشفاعته لعمه أَبي طالب أَن يُخفَّف عنه من العذاب .
وهذه الشفاعات الثلاث خاصة بالنَبِيِّ- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وليست لأَحد غيره .
3-وشفاعته- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لرفع درجات بعض أُمَّته ممن يدخلون الجنة إِلى درجات عليا ، 4-وشفاعته- صلى الله عليه وآله وسلم- لطائفة من أُمَّته يدخلون الجنة بغير حساب .
5-وشفاعته- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في أَقوام قد تساوت حسناتهم وسيئاتهم فيشفع فيهم ليدخلوا الجنة ، وفي أَقوام آخرين قد أُمِرَ بهم إِلى النَّار أَن لا يدخلوها .
6-والشفاعة في إِخراج عصاة الموحِّدين من النَار ، فيشفع لهم فيدخلون الجنَّة .
وهذه الشفاعة تُشاركه فيها الملائكة ، والنبيُّون ، والشهداء ، والصدِّيقون ، والصالحون ، والمؤمنون ، ثم يُخرِجُ الله- تبارك وتعالى- من النَار أَقواما بغير شفاعة ؛ بل بفضله ورحمته (1) فأَما الكفار فلا شفاعة لهم ، لقوله تعالى :
{ فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ }
(1) ويشترط لهذه الشفاعة شرطان : الأول : إِذن الله تعالى في الشفاعة ، لقوله : مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ . الثاني : رضا الله تعالى عن الشافع والمشفوع له ، لقوله : وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى
وعمل المؤمن يوم القيامة يشفع له أَيضا ، كما أَخبر بذلك النبِي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فقال :
« الصَيامُ وَالقرآن يَشْفَعانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ القِيامَةِ » (صحيح الجامع الصغير)
والموت يؤتى به يوم القيامة ؛ فيُذبَحُ كما أَخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : إِذَا صَارَ أَهلُ الجنةِ إِلَى الجنَّةِ ، وَصَارَ أَهلُ النارِ إِلَى النار ، أتيَ بالموْتِ حَتَى يُجْعَلَ بَيْنَ الجنةِ والنارِ ؛ ثُمَ يُذْبَحُ ، ثم يُنادِي مُناد : يَا أَهْلَ الجنة! لا مَوْتَ . وَيَا أَهْلَ النارِ! لا مَوْتَ ؛ فَيَزْدَادُ أَهْلُ الجَنّة فَرَحا إِلَى فَرَحِهِمْ ، وَيْزدَادُ أَهْل النارِ حُزْنا إِلَى حُزْنِهِم
وماذا عن الركن السادس ؟
الركن السادس الإيمان بالقدر
1-أَهل السنة والجماعة : يعتقدون اعتقادا جازما أَن كل خيرٍ وشرٍ يكون بقضاء الله وقدره ، وأَن الله فعالٌ لما يريد فكل شيء بإِرادته ولا يخرج عن مشيئته وتدبيره
2-، وعَلِمَ كل ما كان وما يكون من الأَشياء قبل أَن تكون في الأَزل ، وقَدر المقادير للكائنات حسبما سبق به علمه واقتضته حكمته ، وعَلِمَ أَحوال عباده ، وعَلِمَ أَرزاقهم وآجالهم وأَعمالهم ، وغير ذلك من شؤونهم ؛ فكل محدث صادر عن علمه وقدرته وإِرادته .
وملخصه : هو ما سبق به العلم وجرى به القلم ، مما هو كائن إِلى الأَبد ، قال تعالى :
{ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا } وقال : { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ }
وقال النَبِيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم : « لَا يُؤمِنُ عَبْدٌ حَتَى يُؤْمِنَ بالقَدَرِ خَيْرهِ وَشرِّهِ مِنَ اللهِ ، وَحَتَى يَعْلَمَ أَن مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ ليُخْطِئَهُ ، وَأَنَّ مَا أَخْطَأهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَه » (الصحيحة )
هل لة شروط ليتم الايمان بة ؟
وأَهل السنَّة يقولون : الإِيمان بالقدر لا يتم إِلا بأَربعة أُمور ، وتُسمى : مراتب القدر ، أَو أَركانه ، وهذه الأمور هي المدخل لفهم مسألة القدر ، ولا يتم الإيمان بالقدر إِلا بتحقيق جميع أَركانه ؛ لأَنَ بعضها مُرتَبِط مع بعض فمن أَقر بها جميعا اكتمل إيمانه بالقدر ، ومن انتقص واحدا منها ، أَو أكثر فقد اختلٌ إيمانه بالقدر .
ماهى مراتبة او اركانة ؟
المرتبة الأولى : العلم :
الإيمان بأَن الله تعالى عالم بكلِّ ما كانَ ، وما يكونُ ، وما لم يكنْ ، لو كانَ كيف يكون ؛ جملة وتفصيلا ، وأَنَه عَلِمَ ما الخلق عاملون قبل خلقهم ، وعَلِمَ أَرزاقهم وآجالهم وأَعمالهم وحركاتهم وسكناتهم ، وعلم منهم الشقي والسعيد ، وذلك بعلمه القديم الذي هو موصوف به أَزلا ، قال الله تعالى :
{ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }
المرتبة الثانية : الكتابة :
وهي الإِيمان بأَنَ الله كتب ما سبق به علمه من مقادير المخلوقات في اللوح المحفوظ ، وهو الكتاب الذي لم يُفرّط فيه من شيء ؛ فكلّ ما جرى وما يجري وكلَ كائن إِلى يوم القيامة ؛ فهو مكتوب عند الله تعالى في أُم الكتاب ، ويسمى : الذكر ، والإِمام ، والكتاب المبين ، قال تعالى : { وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ }
وقال النبِي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : « إِنَّ أَوَلَ ما خَلَقَ اللهُ القَلمَ فقال : اكتبْ ، قَالَ : ماَ أَكْتُب؟ قال : اكتب القَدَر ، مَا كَانَ ، وَمَا هُوَ كاَئِن إِلى الأَبَد » (الصحيحة )
المرتبة الثالثة : الإِرادة والمشيئة :
أَي : أَن كل ما يجري في هذا الكون فهو بإِرادة الله ومشيئته الدائرة بين الرحمة والحكمة ، يهدي من يشاء برحمته ، ويُضل مَن يشاء بحكمته ، لا يُسأل عمَّا يفعل لكمال حكمته وسلطانه ، وهم يُسألون ، وما وقع من ذلك ، فإِنٌه مطابق لعلمه السابق المكتوب في اللوح المحفوظ ، فمشيئة الله نافذة ، وقدرته شاملة ، ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، فلا يخرج عن إِرادته شيء .
قال تعالى : { وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }
وقال النَبِيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم : « إِن قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلهَا بَيْنَ إِصْبعيَنِ مِنْ أَصَابِع الرحمنِ ، كَقَلْب وَاحِد ؛ يُصرِّفهُ حَيْثُ يَشَاءُ » (مسلم)
المرتبة الرابعة : الخلق :
وهي الإيمان بأن الله خالقُ كل شيء ، لا خالقَ غيرُهُ ولا رب سواه ، وأَن كل ما سواهُ مخلوق ؛ فهو خالق كلِّ عاملٍ وعمله ، وكل متحرك وحركته ، قال الله تعالى : { وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا }
وأَن كل ما يجري من خير وشرٍ ، وكفر وإيمانٍ ، وطاعة ومعصيةٍ شاءهُ الله ، وقَدَرَه ، وخلقه ، قال الله تعالى :
{ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ } وقال : { قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا }
وأَن الله تعالى الخالق المتفرد بالخلق والإِيجاد ؛ فهو خالق كلِّ شيءٍ بلا استثناء ، لا خالق غيرهُ ولا رَبَّ سواهُ ، قال تعالى :{ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ }
وأَن اللهَ يُحبُ الطاعةَ ويكرهُ المعصيةَ ، ويهدي من يشاء بفضله ويُضِل مَن يشاء بعدله ، قال الله تعالى :
{ إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى }
ولا حجة لِمَنْ أَضلَه ولا عذر له ؛ لأَنَّ الله قد أَرسل الرسل لقطع الحجة ، وأَضاف عمل العبد إِليه وجعله كسبا له ، ولم يكلفه إِلا بما يستطيع ، قال الله تبارك وتعالى : { الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ }
وقال : { إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا } وقال : { لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ } (3) . وقال : { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا }
ولكن لا ينسب الشرّ إِلى الله لكمال رحمته ؛ لأَنه أَمر بالخير ونهى عن الشّر ، وإنَّما يكون الشر في مقتضياته وبحكمته .
قال تعالى : { مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ }
والله تعالى مُنزَّه عن الظلم ، ومُتصفٌ بالعدل ، فلا يظلم أَحدا مثقال ذرة ، وكل أَفعاله عدل ورحمة ، قال الله تعالى { وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ } وقال : { وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا } وقال : { إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ }
والله تعالى لا يُسأل عمَا يفعل وعماَ يشاء ، لقوله تعالى : { لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ }
فالله تعالى خلق الإنسان وأَفعاله ، وجعل له إِرادة ، وقدرة ، واختيارا ، ومشيئة وهبها الله له لتكون أَفعاله منه حقيقة لا مجازا ، ثم جعل له عقلا يُميِّز به بين الخير والشرِّ ، ولم يحاسبه إِلا على أَعماله التي هي بإِرادته واختياره
هل الانسان مجبر ومسير؟
؛ فالإنسان غير مُجبر بل له مشيئة واختيار فهو يختار أَفعاله وعقائده ؛ إِلَّا أَنَّه تابع في مشيئته لمشيئة الله ، وكل ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ، فالله تعالى هو الخالق لأَفعال العباد ، وهم الفاعلون لها ؛ فهي من الله خلقا وإيجادا وتقديرا ، ومن العبد فعلا وكسبا .
قال تعالى : { لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ }{ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }
ولقد رد الله تعالى على المشركين حين احتجُّوا بالقدر ، وقالوا : { لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ } فرد الله عليهم كذبهم ، بقوله : { قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ }
وأَهل السنة والجماعة : يعتقدون أَن القدر سر الله في خلقه ، لم يطَلع عليه مَلَكٌ مُقرَّب ولا نبي مرسل ، والتعمق والنظر في ذلك ضلالة ، لأن الله تعالى طوى علم القدر عن أَنامه ، ونهاهم عن مرامه ، قال تعالى : { لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ }
وأَهل السنة والجماعة : يُخاطبون ويحاجون من خالفهم من الفرق الضالة والمنحرفة ؛ بقول الله تبارك وتعالى : { قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا }
وهذا هو الذي آمن به السلف الصَّالح من الصحابة والتابعين ومنَ تبعهم بإِحسان ؛ رضوان الله تعالى عليهم أَجمعين
علمنا كل شئ عن الاصل الاول عند اهل السنة والجماعة فهل اخبرتنا عن الاصل الثانى؟
الأصل الثاني مسمى الإيمان عند أهل السنة والجماعة
ماهو مسمى الايمان ؟
مسمى الإيمان : من أُصول عقيدة السَّلف الصالح ، أَهل السنة والجماعة :
أَنَ الإِيمان عندهم : تصديق بالجنانِ ، وقول باللسانِ ، وعملٌ بالجوارح والأَركانِ ، يزيدُ بالطاعةِ ، وينقصُ بالمعصيةِ .
عرف لى لفضة الايمان من فضلك؟
الإيمان : لغة التصديق وإظهار الخضوع والإقرار ، وشرعا : جميع الطاعات الباطنة والظاهرة ؛ فالباطنة كأعمال القلب وهو تصديق القلب ، والظاهرة هي أفعال البدن من الواجبات والمندوبات
، وملخصه : هو ما وقر في القلب وصدقه العمل ، وبَدَت ثمراتهُ واضحة في امتثال أوامر الله والابتعاد عن نواهيه ؛ فإذا تجرد العلم عن العمل ؛ فلا فائدة فيه ، ولو كان العلم المجرد في العمل ينفعُ أحدا لنفع إِبليس ؛ فقد كان يعرف أَن الله واحد لا شريك له ، وأَن مصيره لا شك إِليه ؛ لكن حين صدر إِليه الأمر من الله تعالى : أَن اسجد لآدم ، أبى واستكبر وكان من الكافرين ، ولم يشفع له علمه بالوحدانية ؛ ذلك أَن العلم المجرد عن العمل لا وزن له عند رب العالمين ، وهكذا كان فهم السلف . والإيمان لم يأت في القرآن مجردا عن العمل ؛ بل عطف عليه العمل الصالح في كثير من الآيات .
والإِيمان : قولٌ وعمل :
* قولُ القلبِ واللسانِ . * وعملُ القلبِ واللسانِ والجوارح .
* فقول القلبِ : اعتقادهُ ، وتصديقهُ ، وإقراره ، وإيقانه .
* وقولُ اللسانِ : إقرارهُ العمل ؛ أَي النطق بالشهادتين ، والعمل بمقتضياتها .
* وعملُ القلبِ : نيَّتهُ ، وتسليمهُ ، وإخلاصهُ ، وإذعانهُ ، وحُبُّه وإرادته للأعمال الصالحة .
وعملُ اللسان والجوارح : فعلُ المأمورات ، وتركُ المنهيات .
(ولا إيمان إِلا بالعملِ ، ولا قول ولا عمل إِلا بنيَّة ، ولا قول ولا عمل ولا نيهَ إِلَّا بموافقة السنة)
وقد أَطلق الله تعالى صفة المؤمنين حقا في القرآن للذين آمنوا ، وعملوا بما آمنوا به من أُصول الدِّين وفروعه ، وظاهره وباطنه وظهرت آثار هذا الإِيمان في عقائدهم ، وأَقوالهم ، وأَعمالهم الظاهرة والباطنة ،
قال الله تبارك وتعالى :
{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ }{ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ }{ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ }
وقد قرن الله- عز وجل- الإِيمان مع العمل في كثير من الآيات في القرآن الكريم ، فقال تعالى :
{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا } . وقال : { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا } . وقال : { وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } (4) . وقال : { وَالْعَصْرِ }{ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ }{ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ }
وقال النَّبِي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : « قل آمنت بالله ؛ ثم استقم » (مسلم) وقال : « الإِيمانُ بِضْع وسَبْعونَ شُعْبَة ؛ فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ : لاَ إِلَهَ إِلا اللهُ ، وَأَدْناهَا إمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ ، وَالحَيَاءُ شعبة مِنَ الإِيمانِ » (البخاري )
فالعلم والعمل متلازمان لا ينفك أَحدهما عن الآخر ، والعمل صورة العلم وجوهره .
هل الايمان ثابت ام يزيد وينقص؟
قد وردت أَدلة كثيرة من الآيات والأحاديث على أَنَّ الإِيمان درجات وشعب ، يزيد وينقص ، وأَنَّ أهله يتفاضلون فيه قال الله تعالى : { وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا } وقال : { أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا } . وقال : { وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } . وقال : { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ } .
وقال النبِيُ صلى الله عليه وعلى آله وسلم : « مَنْ أَحَبَّ للّهِ ، وَأبْغَضَ للّه فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الإِيمان » (الصحيحة)
وقال : « مَنْ رَأى مِنْكُمْ منْكَرا فَلْيُغَيِّرهُ بِيَدِه ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبلِسَانِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِه ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمان » (مسلم)
وهكذا تَعلَم الصَّحابة وفَهِمُوا - رضوان الله تعالى عليهم- من رسول الله- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أَن الإٍيمان اعتقاد ، وقول ، وعمل ، يزيد بالطاعة ، وينقص بالمعصية .
قال أَمير المؤمنين عليّ بن أَبي طالب رضي الله عنه : (الصَّبْرُ مِن الإِيمان بِمَنْزِلَة الرَأْسِ مِن الجَسَد ، مَنْ لا صَبْرَ لَهُ لا إِيمانَ لَه) (بأسانيد صحيحة)
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : (اللَهُمّ زِدْنا إِيمانا ، ويَقينا ، وفِقْها)
وكانَ عبدُ الله بن عباس ، وأَبو هريرة ، وأَبو الدرداء - رضي الله عنهم- يقولون : (الإِيمانُ يَزيدُ ويَنْقُص)
وقال وكيعُ بن الجرَّاح رحمه الله تعالى : (أَهْلُ السُّنَة يقولون : الإِيمانُ قولٌ وعمل)
وقال إِمام أَهل السُّنَّة أَحمد بن حنبل رحمه الله تعالى : (الإِيمانُ يَزيدُ وَيَنْقُص ؛ فَزِيادَتُهُ بالعَمَلِ ، ونُقْصَانُهُ بِتَرْكِ العَمَل)
وقال الحسن البصري رحمه الله تعالى : ( لَيْسَ الإِيمانُ بالتَحلي وَلا بالتَمَنّي ، وَلَكِنْ مَا وَقَرَ في القُلوب وَصدقَتْهُ الأَعْمالُ) (1)
وقال الإِمام الشافعي رحمه الله تعالى : (الإِيمانُ قولٌ وعمل ، يزيدُ وينقص ، يزيدُ بالطاعة وينقص بالمعصية ، ثم تلا : { وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا }
وقال الحافظ أَبو عمر بن عبد البر ، في " التمهيد " : (أَجْمَعَ أَهْلُ الِفقهِ وَالحَديثِ عَلَى أَن الإِيمانَ قَولٌ وَعَمَل ، وَلا عَمَلَ إِلا بنية ، والإِيمانُ عِنْدَهُمْ يَزيدُ بالطاعَة ، ويَنْقُص بالمعْصيَة ، وَالطَاعَاتُ كلها عِنْدَهُمْ إِيمان) (3)
وعلى هذا كان جميع الصحابة والتابعين ومَن تبعهم بإِحسان من المحدِّثين والفقهاء وأَئمة الدِّين ومَن تبعهم ، ولم يخالفهم أَحد من السَّلف والخلف ؛ إِلا الذين مالوا عن الحقِ في هذا الجانب .
وماذا يقول اهل السنة فيمن اخرج العمل عن الايمان ؟
1-وأَهلُ السنَّة يقولون : من أَخرج العمل عن الإِيمان فهو مرجئ مبتدع ضال .
2- ومن يُقِر بالشهادتين بلسانه ويعتقد وحدانية الله بقلبه ، ولكن قصر في أَداء بعض أَركان الإِسلام بجوارحه لم يكتمل إيمانه ،
3- ومن لم يُقر بالشهادتين أَصلا لا يثبتُ له اسم الإِيمان ولا الإِسلام .
وماذا عن الاستثناء فى الايمان ؟
1-وأَهل السُّنَّة والجماعة :
يَرون الاستثناء في الإِيمان ، أَي القول " أَنا مؤمن إِن شاء الله " ولا يجزمون لأنفسهم بالإِيمان ، وذلك من شدة خوفهم من الله ، وإثباتهم للقدر ، ونفيهم لتزكيةِ النَّفس ؛ لأَن الإِيمان المطلق يشمل فعل جميع الطاعات ، وترك جميع المنهيات ، ويمنعون الاستثناء إِذا كان على وجه الشك في الإيمان .
وهل من ذلك من دليل ؟
والأَدلة على ذلك كثيرة في الكتاب والسنة وآثار السلف ، وأَقوال العلماء ، قال الله تعالى : { وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا }{ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ }
وقال : { فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى }
وكان النَّبِي- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول حين يدخل المقبرة : « السلاَمُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الديارِ مِنَ المُؤْمِنينَ وَالمُسْلِمين وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لاَحِقُون ، أَسْأَلُ اللهَ لَنَا وَلَكُمُ العافِية » (مسلم)
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : (مَنْ شَهدَ عَلَى نَفْسِه أَنهُ مُؤمن ؛ فَلْيَشْهَد أَنَّهُ في الجَنةِ)
وكان التابعين : (يَسْتَثْنُونَ في الإِيمانِ ، ويَعيبُونَ عَلَى مَنْ لا يَسْتَثْنِي)
2-وسُئلَ الإِمام أَحمد بن حنبل عن الإِيمان ؛ فقال : (قَوْلٌ وَعَمَل وَنِية) . قيل له : فإِذا قال الرجل : مؤمن أَنت ؟ قال : (هَذه بِدْعَة) . قيل له : فما يَرد عليه؟ قال : يقول : (مُؤْمِن إِنْ شَاءَ اللهُ )
3-والعبد- عند أَهل السّنَّةِ والجماعة- لا يُسلب وصف الإِيمان منه بفعل ما لا يكفر فاعله من المحذورات ، أَو ترك ما لا يكفر تاركه من الواجبات ، والعبد لا يخرج من الإِيمان إِلا بفعل ناقض من نواقضه .
وماذا عن مرتكب الكبيرة ؟
ومرتكب الكبيرة لا يخرج من الإِيمان ، فهو في الدُّنيا مؤمن ناقص الإِيمان ؛ مؤمن بإِيمانه فاسق بكبيرته ، وفي الآخرة تحت مشيئة الله ، إِن شاء غفر له ، وإن شاء عذَّبه .
هل عندكم الايمان يقبل التبعيض؟
والإِيمان يقبل التبعيض والتجزئة ، وبقليله يُخرج الله مِن النار مَن دخلها ، قال النَّبِيُ صلى الله عليه وعلى آله وسلم : « لا يَدْخُل النار مَنْ كَانَ في قَلْبهِ مِثْقالُ حَبَّة مِنْ خَرْدَل مِنْ إِيمان » (1)
ولذلك فأَهل السنَّة والجماعة لا يُكفِّرونَ أَحدا من أَهل القبلة بكل ذنب إِلا بذنب يزول به أَصل الإِيمان ، قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } (مسلم)
وقال النَبِيَ صلى الله عليه وعلى آله وسلم : « أَتَانِي جِبْريل- عليه السَّلام- فَبَشرنِي أَنَهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أمَّتِك لا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئا دَخَلَ الجَنّة ، قُلْتُ : وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَق ؛ قَالَ : وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سرَقَ » (متفق علية )
وقال أَبو هريرة رضي الله عنه : (الإِيمانُ نَزَه ؛ فَمَنْ زَنَا فَارَقَهُ الإِيمانُ ، فَإِنْ لامَ نَفْسَهُ وَراجَعَ ؛ راجعَه الإِيمان)
وقال أَبو الدرداء رضي الله عنه : (مَا الإِيمانُ ؛ إِلَّا كَقَمِيصِ أَحَدكُمْ يَخْلَعُهُ مرة وَيَلْبَسُهُ أخرى ، وَاللهِ مَا أَمِنَ عَبد عَلَى إِيمانهِ إِلَّا سُلِبَهُ فَوجدَ فَقْدَه) (5)
(5) . يقول الإمام البخاري رحمه الله : ( لقيت أكثر من ألف رجل من أَهل العلم ؛ أَهل الحجاز ومكة والمدينة والكوفة والبصرة وواسط وبغداد والشام ومصر : لقيتهم كرات قرنا بعد قرن ثم قرنا بعد قرن ، أَدركتهم وهم متوافرون منذ أكثر من ست وأَربعين سنة- ويذكر أَسماء العلماء وهم أكثر من خمسين عالما ثم يقول : - واكتفينا بتسمية هؤلاء كي يكون مختصرا وأن لا يطول ذلك ، فما رأيت واحدا منهم يختلف في هذه الأَشياء : أن الدين قول وعمل ، لقول الله : وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [ سورة البينة : 5 ] . . . ثم يسرد بقية اعتقادهم) . .
وقد ثبت عن ابن عباس - رضي الله عنه- أَنه كان يدعو غلمانه غلاما غلاما ، فيقول : (أَلا أزوجك؟ ما من عبد يزني ؛ إِلا نزع الله منه نور الإِيمان) (انظر : « فتح الباري » ج 12 ، ص 59 )
وسأَله عكرمة ، كيف ينزع منه الإِيمان ؛ قال : (هكذا- وشبك بين أَصابعه ثمَ أَخرجها- فإِن تاب عاد إِليه هكذا- وشبك بين أَصابعه) (البخاري)
والان من فضلك شوقتنا عن الاصل الثالث 00 وما بة من درر ؟
الأصل الثالث : موقف أهل السنة من مسألة التكفير
ومن أُصول عقيدة السَّلف الصالح ؛ أَهل السنة والجماعة :
أنهم لا يكفرون أَحدا بعينه من المسلمين ارتكب مكفِّرا إِلا بعد إِقامة الحجة التي يكفر بموجبها ؛ فتتوافر الشروط ، وتنتفي الموانع ، وتزول الشبهة عن الجاهل والمتأول ، ومعلوم أَن ذلك يكون في الأُمور الخفية التي تحتاج إِلى كشف وبيان ، بخلاف الأَشياء الظاهرة ؛ مثل جَحْد وجودِ الله ، وتكذيب الرسول- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وجحدِ عموم رسالته ، وختمهِ للنبوة .
2-وأَهل السنة لا يكفرون المكره إِذا كان قلبه مطمئنا بالإِيمان .
3- ولا يكفِّرون أَحدا من المسلمين بكلِّ ذنب ، ولو كان من كبائر الذنوب التي هي دون الشرك ؛ فإِنَهم لا يحكمون على مرتكبها بالكفر ، وإنمَا يحكمون عليه بالفسق ونقص الإيمان ، ما لم يستحل ذنبه ؛ لأنَّ الله- تبارك وتعالى- يقول : { إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا } (سورة النساء : الآية ، 48 .)
ويقول سبحانه : { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } (1)
4-وإذا مات العبد على ذنب- دون الشرك- لم يستحله ؛ فَأَمرُه إِلى الله تعالى ، إِن شاء عذَّبه ، وإن شاء غفر له ؛ خلافا للفرق الضالة التي تَحْكُمُ على مرتكب الكبيرة بالكفر ، أَو بالمنزلة بين المنزلتين .
5-وقد حذر النبي- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أَن يكفر أَحد أَحدا دون برهان ، قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم : « أَيما امْرِئٍ قَالَ لأَخِيه : يَا كَافِر ، فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا ، إِنْ كَانَ كَمَا قال ، وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْه » (مسلم)
وقال : « مَنْ دعَا رَجُلا بِالكفْر ، أَوْ قَالَ : عَدُوُّ اللهِ ، وَلَيْسَ كَذلِك إِلَّا حَارَ عَلَيْهِ » (مسلم )
وقال : « لا يَرْمِي رَجُل رَجُلا بالفُسُوق ، وَلا يَرْميهِ بِالكُفْر ، إِلَّا ارْتدتْ عَلَيْهِ ، إِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهُ كَذلِك » (البخاري)
وقال : « ومَنْ رَمى مُؤْمِنا بِكُفْر ، فَهُوَ كَقَتْله » (البخاري ) وقال : « إِذَا قَالَ الرجلُ لأَخِيه : يَا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهِ أَحَدُهُمَا » (البخاري)