بعد علمي بحادث الدويقة شرد ذهني، وتخيلت ذلك الحوار بيني وبين أحد المدفونين تحت الصخرة.. أنا من فوق الصخرة أناديه وأحاول مواساته: «ماعلهشي وربنا معاكم وهانت، حبة وتخرجوا ويتم إنقاذكم».. الرجل من تحت الصخرة بادياً علي صوته أمارات الاستنكار والتعجب والسعادة: «ماعلهشي علي إيه يا عم، ده إحنا الآن في أحسن حال، علي الأقل مسلطة علينا الأضواء، والناس افتكرتنا وعارفة إحنا فين! علي الأقل إحنا لما نطلع - لو طلعنا - سنأخذ تعويضات، ونجد أربع حوائط وسقف يضلل علينا، وصرف صحي، وماء شرب».. فقلت له: «هذا إن صدقت وعود المسؤولين»..
فرد ضاحكاً: «وإن لم تصدق فنحن لم نخسر إلا أهلنا الذين ماتوا، وهؤلاء في رأيي استراحوا مما كانوا عليه، ومما أنتم عليه الآن»، ثم صمت للحظات ظننته مات فيها ثم عاود الحديث قائلاً: «لا تظن أنكم أحسن حالاً منا، وأنتم فوق الصخرة.. كلنا تحت صخرة واحدة، الفارق الوحيد أننا نشعر بها بشكل مادي، أما أنتم فتشعرون بها بشكل معنوي، من غلاء أسعار، وضيق في مساحة الحريات، كنا نظن أن الصخرة التي نحن تحتها تحمينا، وحين كنا معكم فوق هذه الصخرة الجاثمة علينا كنا نظن أن صخرة النظام القائم قادرة علي حمايتكم وحمايتنا..
وكما خيبت الصخرة الرابضة علي صدورنا الآن آمالنا في الحماية، خيبت صخرة النظام الحالي آمالنا وآمالكم في الحماية.. فالنظام لم يحمنا ويحمكم من حريق القطارات، وغرق العبارات، وقرب الدم الملوثة، والاحتكار، وقهر أصحاب الأموال، حتي لم يستطع حماية نفسه، وحرق له واحد من أعرق المجالس النيابية في الشرق الأوسط، ووقف عاجزاً..
يا صديقي ليس هناك فارق شاسع بيننا ونحن تحت صخرة المقطم، وبيننا ونحن تحت صخرة النظام.. إلا أننا الآن لنا أمل في تغيير حالنا للأفضل، وإن لم يحدث فلن نخسر إلا فراق الأعزاء.. حاولت من غيظي ومن فلسفته هذه أن أستفزه فقلت له: «لا، هناك فارق.. أنتم تحت الصخرة تشمون رائحة الموت والعفن أما نحن فلا نشمها»، فرد ساخراً: «هذا لأن أنوفكم مزكمة، فرائحة الفساد والعفن تملأ الأنوف فوق الصخرة يا عزيزي»!!
فأفقت من شرودي مكتشفاً أن الدويقة نموذج مصغر لحال مصر للأسف.. يارب نلاقي اللي ينقذنا!!
|