اشتهيت البسبوسة، بمصر المحروسة، فوقفت أمام البقال، وقد ضاق بي الحال، فسألته عن العدس وجبّته، وقد جعل من الكُرّات عمامته، فذاعت بين الأسعار شهرته، فأقبل البقال وبَّرم الشنب،
وقال في ضيق وغضب إني لأعجب من حال العرب، تسألون عن الحلوي، وأهل الدويقة في بلوي، لقد هوت علي ديارهم الصخور، فاستغاثوا بالضابط والمأمور، فلم يسمع صراخهم أحد من الناس، والجميع قد فقد الإحساس، وأهل الصفوة في الحدائق، بعد أن أشعلوا بالبلاد الحرائق، واهتموا بجمع الثروات، والجري وراء الشهوات، فأنتم أس البلاء، وأساس الغلاء،
لأنكم تركتم المال المنهوب، فامتلأت به الجيوب وضاقت به البنوك، وتصايحتم كالديوك، وصوتكم ليس بمسموع، وقلتم في السكوت علي الخطأ سلامة، فأصبتم العباد بالحسرة والندامة، وتحركت الجبال من سوء الأفعال، وقبلتم زواج الثروة بالسلطة فأصبتم المجتمع بالشلل والجلطة، وتركتم الفقراء تحت الأنقاض حتي زاد عليها الهم وفاض، ففقدتم الإحساس، ولم تتأثروا بالأحداث،
وعاد لقب الباشا من تاني، حتي الأسطي والفكهاني، وهجم الغول وأظهر نابه ، وغرسه في صدور الغلابة، ووقفتم علي الصخور بعد أن صارت قبور، فأطفال كانوا يحملون الفوانيس، ولا يعلمون حظهم التعيس، ورجال طحنهم الغلاء، ونزل عليهم البلاء، فلطفك اللهم رب الأرض والسماء، ارحمنا من هؤلاء، الذين يخلفون الوعود، ولا يخافون الإله المعبود، فانصرفت دون البسبوسة، فكيف تشتهي النفس وهنا أجساد مدهوسة، في بلدة منحوسة، فأنشدت أقول:
هذا العصر مشؤوم، كما تراه غشوم، الجهل فيه عظيم، والعقل غث ملوم، والمال طيف ولكن حول اللئام يحوم!
|