الموضوع: (الوفاء)
عرض مشاركة واحدة
  #21  
قديم 26-09-2008, 08:45 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

وللوالدين وفاءً
أكثر الناس رفقًا بوالديهم ووفاءً لهما هم الكبار أصحاب النفوس الكبيرة، الذين لا ينسون فضل آبائهم خاصةً عندما يكبر بهم العمر، ويزدادون ضعفًا ووهنًا، ويحتاجون إلى الرعاية والاهتمام.

فالكبار هم الذين يعرفون قدر المنزلة التي منحهما الله إياها؛ حيث جعل البرَّ بهما في مرتبة بعد الإيمان به﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ (النساء: من الآية 36).

ومن الوفاء للوالدين "الشكر لهما":
البعض من أصحاب النفوس الصغيرة التي ليس لهم قدرة على حفظ الحقوق ومراعاة احتياجات الوالدين، ينسون فضلهما، وبخاصةٍ عندما تُقبل الدنيا عليهم- أي الأبناء- وتُدر عليهم الربح الوفير، وتمتلئ البطون بأشهى الطعام، والخزائن بالكثير من المال، أو حينما ينشغلون بزوجاتهم أو مشاريعهم وأعمالهم، فينسون آباءهم في وقتٍ هم أحوج ما يكونون فيه إلى الرعاية وحسن المصاحبة، فينسى هؤلاء سهر الأم في لحظات المرض والتعب، وجِدَّ الأب ونصبه لتوفير المأكل والمشرب وكافة الاحتياجات والمتطلبات.

أما الكبار فيعلمون أن ذلك من فرائض هذا الدين، بل إن حُسن المصاحبة وجميل المعاشرة تصل إلى منزلة الجهاد في سبيل الله، جاء رجل فاستأذن الرسول- صلى الله عليه وسلم- في الجهاد، فقال: "أحيٌّ والداك؟" قال: نعم، قال: "ففيهما فجاهد".

والكبار لا ينسون أبدًا فضل والديهما عليهم في الصغر وأوقات الضعف منذ الطفولة؛ فهم يستجيبون للنداء الإلهي ﴿أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾ (لقمان: من الآية 14).
بيد أن الكبار قلوبهم متصلة بالقرآن والسنة؛ فهم يقدِّمونهما على ما سواهما، وبيد أن النداء الحاني والتوجيه السامي من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد استقرَّ في سويداء قلوبهم عندما استمعوا هتاف الرسول- صلى الله عليه وسلم- : "أنت ومالك لأبيك"، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ.. إِنَّ لِي مَالاً وَوَلَدًا، وَإِنَّ أَبِي يُرِيدُ أَنْ يَجْتَاحَ مَالِي، فَقَالَ: "أَنْتَ وَمَالُكَ لأَبِيك"


وبيد أن قلوبهم قد تفتحت لهذا الهتاف، واطمأنت نفوسهم لهذا النداء، فاهتزَّ كيانهم لهذه النداءات الإلهية والتوجيهات النبوية، فإذا كل هذا ينعكس على سلوكهم فيفيض حنانًا ورعايةً، وحبًّا وعطاءً لوالديهم.

وللوالدين وفاءً بعد الممات:
الكبار دائمًا يعطوننا الدروس العملية، ويُفضلون أن تكون رسائلهم لمَن حولهم رسائلَ عمليةً واقعيةً، لا رسائلَ خطب ومواعظ لا تَمتُّ للواقع بِصِلة؛ فلا عجبَ أن يمتد أثرها لمئات السنين، وتبقى هذه الرسائل يحفظها التاريخ، وتتناقلها الأجيال، ويتدارسها طلاب العلم.

إن الكبار لا يتركون فرصةً لمعرفة المزيد من البِرِّ والوفاء لحقوق الوالدين إلا وسألوا عنها وطبَّقوها؛ فهذا رجل يسأل النبي- صلى الله عليه وسلم- فيقول: يا رسول الله.. هل بقي لي من بر أبوي شيء بعد موتهما أبرهما؟ قال: "نعم.. خصال أربع: الدعاء لهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما، وصلة الرحم التي لا رحم لك إلا من قِبَلِهما" .

يا لها من مرتبة عالية ومكانة عظيمة؛ أن تكون النفوس بهذا المستوى الأخلاقي الراقي في الأدب مع الآباء، والمبالغة المطلوبة في الوفاء لهما حتى ولو بعد الممات.

صادف عبد الله بن عمر رضي الله عنه صديقًا لوالده عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فبالغ في بِرِّه وإكرامه، فقال له بعض مَن معه: أما يكفيه أن تتصدق عليه بدرهمين؟، فقال ابن عمر: قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: "احفظ ود أبيك، لا تقطعه فيُطفئ الله نورك" .

حُقَّ لنا أن نقف اليوم مرفوعي الرأس بهذه التربية الإسلامية العظيمة على الوفاء للآباء، في الوقت الذي تجمَّدت قلوب الغربيين حين نجد أن أحدهم ينفصل عن والديه متى وصل لسن الرشد، وما أن ينفصل عنهما إلا وانقطع السؤال والاطمئنان؛ فلا نظرة تآلف أو رحمة أو رأفة للوالدين اللذين أفنيا عمرهما في تربيته حتى اشتدَّ عوده وقوي ساعده.

بيد أن هؤلاء قد نُزعت من قلوبهم الرحمة، وتربَّعت في نفوسهم القسوة، فلم يعد فيها ذرة حياة تُشعرهم بلحظة وفاء واجبة في حق والديهم، حتى امتلأت دور المسنين بالعجائز وكبار السن الذين تنكَّر لهم ذووهم، ولم يعودوا يتحمَّلوا وجودهم بجوارهم رغم أنهم في أشد لحظات الاحتياج والرعاية.
__________________