الموضوع: (الوفاء)
عرض مشاركة واحدة
  #27  
قديم 26-09-2008, 08:55 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 37
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

وللدعوة أوفياء
الكبار يُعطون الدعوة حقَّها من العطاء والبذل والتضحية، ولا يبخسونها مكانتها التي شرَّفها الله ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ﴾ (فصلت: 33).
الكبار قد وهبوا حياتهم لأداء أعباء الدعوة، حتى شغلت عليهم فكرهم، وتمثَّلت في سلوكهم، وأصبحت لازمةً من لوازمهم؛ يمارسونها في سفرهم وإقامتهم، في حِلِّهم وترحالهم.


الكبار يتشبَّهون برسول الله- صلى الله عليه وسلم- في حرصه على أداء واجب الدعوة، حتى لكأنه يموت من شدة الحرص على الدعوة والخوف على الناس من عدم الاستجابة ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا﴾ (الكهف: 6) وقوله تعالى: ﴿لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ (الشعراء: 3).

الكبار يمارسون الدعوة وهم حريصون على هداية من يدعوهم رأفةً ورحمةً بهم، لا للشماتة فيهم أو الاستعلاء عليهم أو إحراجهم والتشهير بهم، مقتدين بذلك بالنبي- صلى الله عليه وسلم- الذي قال الله فيه ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ﴾ (التوبة: من الآية 128).

الكبار من أجل دعوتهم يضحون بالغالي والنفيس، كما فعل صحابة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عندما تركوا أرضهم وأموالهم وهاجروا من مكة إلى المدينة، كما كان الحال مع صهيب أبا يحيى: "هَلْ لَكُمْ أَنْ أُعْطِيَكُمْ أَوَاقًا مِنْ ذَهَبٍ وَسِيَرَا لِي بِمَكَّةَ وَتُخَلُّونَ سَبِيلِي، وَتَوْثُقُونَ لِي"، فَفَعَلُوا، فَتَبِعْتُهُمْ إِلَى مَكَّةَ، فَقُلْتُ: احْفُرُوا تَحْتَ أُسْكُفَّةِ الْبَابِ، فَإِنَّ تَحْتَهَا الأَوَاقِ، فَاذْهَبُوا إِلَى فُلانَةَ بِآيَةِ كَذَا وَكَذَا، فَخُذُوا الْحُلْيَتَيْنِ، وَخَرَجْتُ حَتَّى قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ- قُبَاءَ قَبْلَ أَنْ يَتَحَوَّلَ مِنْهَا، فَلَمَّا رَآنِي، قَالَ: "يَا أَبَا يَحْيَى.. رَبِحَ الْبَيْعُ" ثَلاثًا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله.. مَا سَبَقَنِي إِلَيْكَ أَحَدٌ، وَمَا أَخْبَرَكَ إِلا جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَلامْ" .

الكبار هم الذين يؤدون تكاليف الدعوة إلى الله ومهامها بنفوس راضية مطمئنة، ولو كان الثمن هو أرواحهم. جاء في الحديث أَنَّ رَجُلاً مِنْ الأَعْرَابِ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَآمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ، ثُمَّ قَالَ: أُهَاجِرُ مَعَكَ، فَأَوْصَى بِهِ النَّبِيُّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْضَ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا كَانَتْ غَزْوَةٌ غَنِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْيًا، فَقَسَمَ وَقَسَمَ لَهُ، فَأَعْطَى أَصْحَابَهُ مَا قَسَمَ لَهُ، وَكَانَ يَرْعَى ظَهْرَهُمْ، فَلَمَّا جَاءَ دَفَعُوهُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا قِسْمٌ قَسَمَهُ لَكَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخَذَهُ فَجَاءَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَ: "قَسَمْتُهُ لَكَ"، قَالَ: مَا عَلَى هَذَا اتَّبَعْتُكَ، وَلَكِنِّي اتَّبَعْتُكَ عَلَى أَنْ أُرْمَى إِلَى هَاهُنَا- وَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ- بِسَهْمٍ فَأَمُوتَ فَأَدْخُلَ الْجَنَّةَ، فَقَالَ: "إِنْ تَصْدُقْ اللهَ يَصْدُقْكَ" فَلَبِثُوا قَلِيلا ثُمَّ نَهَضُوا فِي قِتَالِ الْعَدُوِّ فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيُّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحْمَلُ قَدْ أَصَابَهُ سَهْمٌ حَيْثُ أَشَارَ، فَقَالَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَهُوَ هُوَ؟" قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: "صَدَقَ اللهَ فَصَدَقَهُ" ثُمَّ كَفَّنَهُ النَّبِيُّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي جُبَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَدَّمَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ، فَكَانَ فِيمَا ظَهَرَ مِنْ صَلاتِهِ: "اللَّهُمَّ هَذَا عَبْدُكَ؛ خَرَجَ مُهَاجِرًا فِي سَبِيلِكَ فَقُتِلَ شَهِيدًا.. أَنَا شَهِيدٌ عَلَى ذَلِكَ ".
__________________