التقى صاحبنا بتلك الفتاة التي تصغره بعشرة أعوام فكان يعاملها معاملة الأخ الأكبر ولكنها لم تكن تعامله كذلك .. كانت تلك الفتاة بحاجة إلى أب شأنها شأن كثير من الفتيات اللاتي تعانين من عقدة نفسية تسمى (الكترا) ..
ولكن صاحبنا (الحنين) لم يكن يعرف أنه بحنانه الزائد وإحاطته بمن حوله يمكن أن يتلاعب – دون قصد منه – بقلب مثل قلب تلك الفتاة ، كانت تعطي لى (رنة) على هاتفه بعد منتصف اليوم .. ترسل له (sms) - - ايه بتعمل ايه دلوقتي يا أستاذ ؟
كان يرد عليها بكل براءة غير مصطنعة ..- - مفيش بحاول أنام .. يلا نامي اللي ادك دلوقتي في سابع نومة .
فترد عليه ..- - ليه هو أنا (عيّلة) ماشي .. تصبح على خير .
ومرت الأيام .. وجمعتهما رحلة إلى بعض الأماكن السياحية .. وجلست بجواره في الأوتوبيس وهي مستندة إلى النافذة وتطيل النظر في (سي الأستاذ) وهو يرنو إليها من تحت نظارته الشمسية السوداء ، وكلما رنا إليها وجدها تحملق فيه (بتسبله) .. كان صاحبنا لا يراها إلا كما يرى الأخ أخته .. ولكنه كثيراً ما حدثته نفسه .. - - ايه يا عم الأستاذ مالك انت بترتاح ليه لما تشوفها .. اختك برضه .. عليا الكلام دا ؟
وكان لصاحبنا صديق مقرب يصغره من العمر كثيراً لكنه كان يمتلك عقلاً كبيراً وثقافة واسعة .. ووجهة نظر في الحياة .. كان صاحبنا (بيفضفض) لذلك الصديق الذي يدعى (مهند) ودار بينهما الحوار التالي ..- - انت متأكد يا أستاذ (أحمد) ان شعورك تجاه البنت دي لم يتعدَ شعور الأخ بأخته ؟
- - (مهند) انت اكتر واحد فاهمني في الدنيا دي تصدق يا وله كان نفسي تبقى مراتي زيك .. انت يا بني بتفهمني وانا ساكت ..
- - عشان حاسس بيك جداً وحاسس انك مش مرتاح في حياتك بس صدقني مفيش رومانسي مرتاح في الحياة اللي احنا عيشينها دي خد بالك عشان البنت دي اهتمامها زاد بيك .. بلاش تلعب بعواطفها من غير قصد عشان متتعذبش بدون فايدة .. ولو حبتها انت هتبقى مشكلة .. إيه اللي شدك ليها ؟
- - اللي شدني ليها ؟ عمري يا (مهند) اللي بيتسرسب مني من غير ما احس .. مخزون المشاعر اللي فاض ومش لاقي مصب .. قلمي اللي قرب ينقصف عشان مفيش حد يكتبله او يلهمه بأي كتابه .. اللي شدني ليها .. احساس الإنسان الفطري ورغبته انه يكون مرغوب فيه .. اهتمامها البالغ بيا .. فاهمني .
بالتأكيد كان (مهند) يدرك ما يقصده .. ولكنه كان يراوغه ليبعد عنه ذلك الشعور الذي لن يزيده إلا تعاسة وتعباً في الحياة فلا هو (مادياً) يستطيع أن يتزوج مرة أخرى ، ولا هو يضمن أن تكون تلك الفتاة (سعاد) حلمه الضال ، وأمله المنشود لأن (البطيخة) طالما مغلقة شكلها جميل ملفت (من بره هلا هلا ومن جوه يعلم الله)
وفي يوم من الأيام ذهب صديقه (مهند) إلى أم صاحبنا .. والتي كانت تحيا في شقة وحيدة بعد وفاة زوجها _ ابو صاحبنا _ وكانت بمثابة المهرب والمفر لصاحبنا كلما ضاقت به الأمور كلما أراد أن يشعر أن مرغوب فيه ذهب إليها ارتمى بين أحضانها . . فشملته الأمومة بمعطفها الوثير .. بمدفأتها التراثية التي تشع دفء .. ذهب إليها (مهند) - - ازيك يا أمي والله وحشتيني
- - ازيك انت يا بني والله انا بحبك زي (أحمد) بالظبط ..
- - الاستاذ (أحمد) دا اخويا والله ربنا وحده اللي يعلم انا بحبه اد ايه.
- - مالك يا بنى حاسة انك عاوز تقول حاجة .
- - لازم اقولك الاستاذ (أحمد) يا أمي ....
وسرد عليها (مهند) .. آلام (أحمد) فلم تكن الأم تعلم الكثير من حياته ، فلم يكن صاحبنا بطبعه يحب الشكوى ككثير من الرجال الذين يشكون زوجاتهم لأمهاتهم فيزرعون في النفوس الضغائن التي تؤدي إلى القطيعة .. وقررت الأم أن تتحدث مع ابنها عن حياته لتسمع منه وتفتح له بحر الصدر فيلقى ما به من هموم فيه فقد تخفف عنه وهي العاقلة التي لا ترجو من الدنيا إلا سعادة ابنها .. ليس كغيرها من (الحماوات الفاتنات) اللاتي يعملن بجد على خراب البيوت العامرة ..
وبينما كان (صاحبنا) جالساً كعادته وحيداً على شاطئ البحر بعد (معركة) زوجية حامية الوطيس بينه وبين زوجته دعت عليها بالموت فيها وقالت له صراحة .. - - يا أخي يا رب تموت وارتاح منك .
كتب صاحبنا بدمعه ...
قالتلي موت
وبعدها غرق الكلام جوه السكوت
قالتلي موت
وحضنها حسيت كأنه باب تابوت
قالت خلاص
إن الخلاص مني .. لها كل الحياة
فرشتلي شوك
في طريق ما بعرف له اتجاه
ملقتش طوق اسمه النجاة
وخلاص هموت
زي الخيول حظي انا
لو يوم سبقت ألقى سكر
وإن يوم تعبت بايد حديد
فيا تكسر
يعني لازم مهرها ..دمك يا عنتر
يا عم موت .. قالتلي موت
يا حبيبتي ..
إن كان هناكي لثانية .. موتي
وحياتك انتي
بعدي انا خايف تموتي
ورحت ابكي
ع البحر يمسح لى العيون
قالي حبيبتك
جتلي قبلك من يومين
قالت اقولك
انسى اللي كان بينا وموت
يا صاحبي موت
وبينما هو مستغرق في همومه وأحزانه جاءت له مكالمة من أمه تطلبه فيها ليأتي إليها فلم يتمهل وجمع وريقاته التي أصابها الندى .. وكأن السماء تبكي لبكائه .. وكأن البحر قد مد له ذراعيه ليحتضنه وكأن الله عز وجل قد بعث له أمه في تلك اللحظة لتحتويه في عالمها الحنون .. ذهب صاحبنا .. ودار بينهما .. ما دار .....
وإلى لقاء قريب