باقي الحلقة التانية
 
ذهبنا ذات يوم إلى الشاطئ في رحلة ممتعة ، و لكوننا أنا و أبي و سامر الصغير ( 8 سنوات ) نجيد السباحة ، فقد قضينا معظم الوقت وسط الماء . 
أما والدتي ، فقد لاقت وقتا شاقا و مزعجا مع دانة و رغد ! 
كانت رغد تلهو و تلعب بالرمال المبللة ببراءة ، و تلوح باتجاهي أنا و سامر ، أما دانة فكانت لا تفتأ تضايقها ، تضربها أو ترميها بالرمال ! 
" وليد ، تعال إلى هنا " 
نادتني والدتي ، فيما كنت أسبح بمرح . 
" نعم أمي ؟ ماذا تريدين ؟ " 
و اقتربت منها شيئا فشيئا . قالت : 
" خذ رغد لبعض الوقت ! " 
" ماذا ؟؟؟ لا أمي ! " 
لم أكن أريد أن أقطع متعتي في السباحة من أجل رعاية هذه المخلوقة ! اعترضت :
" أريد أن أسبح ! " 
" هيا يا وليد ! لبعض الوقت ! لأرتاح قليلا " 
أذعنت للأمر كارها ... و توجهت للصغيرة و هي تعبث بالرمال ، و ناديتها : 
" هيا يا رغد ! تعالي إلي ! " 
ابتهجت كثيرا و أسرعت نحوي و عانقت رجي المبللة بذراعيها العالقة بهما حبيبات الرمل الرطب ، و بكل سرور ! 
جلست إلى جانبها و أخذت أحفر حفرة معها . كانت تبدو غاية في السعادة أما أنا فكنت متضايقا لحرماني من السباحة ! 
اقتربت أكثر من الساحل ، و رغد إلى جانبي ، و جعلتها تجلس عند طرفه و تبلل نفسها بمياه البحر المالحة الباردة 
رغد تكاد تطير من السعادة ، تلعب هنا و هناك ، ربما تكون المرة الأولى بحياتها التي تقابل فيها البحر ! 
أثناء لعبها تعثرت و وقعت في الماء على وجهها ... 
" أوه كلا ! " 
أسرعت إليها و انتشلتها من الماء ، كانت قد شربت كميه منه ، و بدأت بالسعال و البكاء معا . 
غضبت مني والدتي لأنني لم أراقبها جيدا 
" وليد كيف تركتها تغرق ؟ " 
" أمي ! إنها لم تغرق ، وقعت لثوان لا أكثر " 
" ماذا لو حدث شيء لا سمح الله ؟ يجب أن تنتبه أكثر . ابتعد عن الساحل . " 
غضبت ، فأنا جئت إلى هنا كي استمتع بالسباحة ، لا لكي أراقب الأطفال ! 
" أمي اهتمي بها و أنا سأعود للبحر " 
و حملتها إلى أمي و وضعتها في حجرها ، و استدرت مولّيا . 
في نفس اللحظة صرخت دانة معترضة و دفعت برغد جانبا ، قاصدة إبعادها عن أمي 
رغد ، و التي لم تكد تتوقف عن البكاء عاودته من جديد . 
" أرأيت ؟ " 
استدرت إلى أمي ، فوجدت الطفلة البكاءة تمد يديها إلي ... 
كأنها تستنجد بي و تطلب مني أخذها بعيدا . 
عدت فحملتها على ذراعي فتوقفت عن البكاء ، و أطلقت ضحكة جميلة ! 
يا لخبث هؤلاء الأطفال ! 
نظرت إلى أمي ، فابتسمت هي الأخرى و قالت : 
" إنها تحبك أنت َ يا وليد ! " 
قبيل عودتنا من هذه الرحلة ، أخذت أمي تنظف الأغراض ، و الأطفال . 
" وليد ، نظف أطراف الصغيرة و ألبسها هذه الملابس " 
تفاجأت من هذا الطلب ، فأنا لم أعتد على تنظيف الأطفال أو إلباسهم الملابس ! 
ربما أكون قد سمعت شيئا خطا ! 
" ماذا أمي ؟؟؟ " 
" هيا يا وليد ، نظف الرمال عنها و ألبسها هذه ، فيما اهتم أنا بدانة و بقية الأشياء " 
كنت أظن أنني أصبحت رجلا ، في نظر أمي على الأقل ... 
و لكن الظاهر أنني أصبحت أما ! 
أما جديدة لرغد ! 
نعم ... لقد كنت أما لهذه المخلوقة ... 
فأنا من كان يطعمها في كثير من الأحيان ، و ينيمها في سريره ، و يغني لها ، و يلعب معها ، و يتحمل صراخها ، و يستبدل لها ملابسها في أحيان أخرى ! 
و في الواقع ... 
كنت أستمتع بهذا الدور الجديد ... 
و في المساء ، كنت أغني لها و أتعمد أن أجعلها تنام في سريري ، و أبقى أتأمل وجهها الملائكي البريء الرائع ... و أشعر بسعادة لا توصف ! 
هكذا ، مرت الأيام ... 
و كبرنا ... شيئا فشيئا ... 
و أنا بمثابة الأم أو المربية الخاصة بالمدللة رغد ، و التي دون أن أدرك ... أو يدرك أحد ... أصبحت تعني لي ... 
أكثر من مجرد مخلوقة مزعجة اقتحمت حياتي منذ الصغر ! ....