قَد مزَّق البدرُ سِنَار الظلامْ
فاغنمْ صفَا الوقت وهات المُدامْ
واطرب فإنَّ البدر مِن بعدنا
يسري علينا في طباقِ الرّغامْ
***
سأنتحي الموتَ حثيث الورودْ
ويَنمحي اسمي مِن سجِلِّ الوجودْ
هات اسقنيها يا مُنى خاطري
فغايةُ الأيام طول الهجودْ
***
هات اسْقنيها أيهذا النديمْ
أخضب مِن الوجهِ اصِفرار الهمومْ
وإن أمُتْ فاجعَل غسولي الطِّلى
وقُدَّ نعشيَ مِن فروعِ الكرومْ
***
إن تُقتلَع مِن أصلِها سرحتي
وتصبحُ الأغصان قَد جفَّتِ
فصغْ وعاء الخمر مِن طينتي
واملأهُ تسرِِِ الروحُ في جثتي
***
لَبستُ ثوبَ العيش لم أُستشَرْ
وحرتُ فيه بين شتّى الفِكَر
وسوفَ أنضو الثوبَ عنّي ولم
أُدرك لماذا جئتُ ، أينَ المقرْ!
***
نمضي وتبقى العيشةُ الراضيةْ
وتنمحي آثارُنا الماضيةْ
فقَبل أن نَحيا ومِن بعدِنا
وهذه الدُنيا علَى ما هيهْ
***
طَوت يدُ الأقدار سِفْرَ الشبابْ
وصوَّحتْ تلكَ الغصونَ الرِّطابْ
وقَد شدا طيرُ الصِّبا واختفى
متى أتى . يا لهفي . أينَ غابْ؟!!
***
الدهرُ لا يعطي الَّذي نأملُ
وفي سبيلِ اليأس ما نَعمَلُ
ونحنُ في الدُنيا علَى همّها
يسُوقنا حادي الردى المُعجّلُ
***
أفق خفيفَ الظَّل هذا السّحَرْ
وهاتها صِرفاً ونَاغِ الوترْ
فما أطاَل النّومُ عُمراً ولا
قصَّرَ في الأعمارِِ طولُ السهَرْ
***
اشرب فمثواكََ التراب المهيلِ
بلا حبيب مؤنسٍ أو خليلِ
وانشق عبير العيش في فجرهِ
فليسَ يزهو الورد بعدَ الذبولِ
***
كم آلم الدهر فؤاداً طعينْ
وأسلم الروح ظعين حزينْ
وليسَ ممَن فاتَنا عائدٌ
أسألهُ عن حالةِ الراحلينْ!!!
***
يا دهرُ،أكثرتَ البلى والخرابْ
وَسُمْتَ كُلّ الناس سوءَ العذابْ
ويا ثرى كم فيكَ مِن جوهرٍ
يبينْ لو يُنبَش هذا التراب!!!
***
وكم توالى الليل بعدَ النهارْ
وطالَ بالأنجمِ هذا المدارْ
فامشِ الهوينى إنَّ هذا الثرى
مِن أعينٍ ساحرةِ الأحورارْ
***
أينَ النديم السمح أينَ الصبوحْ!
فقد أمضَّ الهمّ قلبي الجريحْ
ثلاثةٌ هنّ أحبُّ المُنى
كأسٌ وأنغامٌ ووجهٌ صبيحْ
***
نفُوسنا ترضى احتِكام الشرابْ
أرواحنا تفدى الثنايا العِذابْ
وروح هذا الدنِّ نستّلهُ
ونستقيهِ سائِغاً مُستطَابْ
***
يا نفسُ ،ماهذا الأسى والكدرْ!
قَد وقعَ الإثم وضاع الحذرْ
هَل ذاقَ حلو العفوَ إلاّ الَّذي
أذنبَ والله عفَا واغتفرْ
***
نلبسُ بينَ الناس ثوب الرياءْ
ونحنُ في قبضةِ كفّ القضاءْ
وكم سعينا نرتجي مهرباً
فكانَ مسعَانَا جميعاً هباءْ
***
لم تَفتحِ الأنفسُ بابَ الغيوبْ
حتى تَرى كيفَ تسأم القلوبْ
ما أتعس القلبَ الَّذي لم يَكَدْ
يلتأم حتى أنكأتهُ الخطوبْ!!
***
عامل كاهليكَ الغريب الوفيّْ
واقطع مِن الأهلِ الَّذي لا يفيْ
وعِف زلالاً ليسَ فيه الشفا
واشرب زعافَ السمّ لو تشتفيْ
***
أحسن إلى الأعداء والأصدقاءْ
فإنَّما أُنسُ القلوب الصفَاءْ
واغفر لأصحابكَ زلاّتهمْ
وسامح الأعداء تَمْحُ العِداءْ
***
عاشرْ مِن الناسِ كبارَ العقولْ
وجانبِ الجُّهّال أهلَ الفضولْ
واشربْ نقيعَ السمّ مِن عاقلٍ
واسكب علَى الأرضِ دواء الجَهولْ
***
يا تاركَ الخمرِ، لماذا تلومْ!
دعني إلى ربي الغفور الرحيمْ
ولا تُفاخرني بهجرِ الطلى
فأنتَ جانِ في سوِاها أثيمْ
******
أطفىء لظَى القلبِ ببرد الشرابْ
فإنَّما الأيامُ مثلُ السحَابْ
وعيشُنا طيف خيالٍ ، فَنلْ
حظّكَ منهُ قبلَ فَوتِ الشبابْ
***
بستانُ أيامك نامي الشجَرْ
فكيفَ لا تقطفُ غَضَّ الثَّمَرْ
اشرب فهذا اليوم إن أدبرتْ
به اللَّيالي لم يعِدهُ القدرْ
***
جادت بساط الروض كفُّ السحَابْ
فنزّهِ الطرفَ وهاتِ الشرابْ
فهذه الخضرةُ مِن بِعدنا
تنمو علَى أجسادِنا في الترابْ
***
وإن توافِ العشب عندَ الغديرْ
وقَد كسَا الأرضَ بساطاً نضيرْ
فامشِ الهوينى فوقهُ ؛ إنه
غذّتهُ أوصالُ حبيبٍ طريرْ
***
يا نَفسُ، قَد هدَّكِ حملُ الحزنْ
يا روح،مقدورٌ فُراقُ البدنْ
اقطف أزاهير المُنى قبلَ أنْ
يجفَّ مِن عيشك غضّ الفننْ
***
يحلو ارتشافُ الخمرِ عندَ الربيعْ
ونشرُ أزهار الروابي يضوعْ
وتعذّب الشكوى إلى فاتنٍ
علَى شفا الوادي الخصيب الينيعْ
***
فلا تَتبْ عن حسوِِ هذا الشرابْ
فإنَّما تَندمُ بعدَ المتَابْ
وكيفَ تصحو وطيور الرًّبى
صدّاحةٌ والروض غضّ الجنابْ
***
زخارفُ الدُنيا أساس الألمْ
وطالبُ الدُنيا نديم الندمْ
فكن خليَّ البال مِن أمرها
فكلُّ ما فيها شقاءٌ وهَمّْ
***
وأسعدُ الخلق قليل الفضولْ
مَن يهجرُ الناسَ ويرضى القليلْ
كأنهُ عنقاء عندَ السّهى
لا بومةٌ تنعبُ بينَ الطلولْ
***
مَن يحسبُ المالَ أحبَّ المُنى
ويزرع الأرضَ يريد الغِنى
يفارق الدُنيا ولم يُختَبرْ
في كدَّهِ أحوال هذى الدُّنى
***
سرى بجسمي الغض ِّماءُ الفناءْ
وسار في روحي لهيبُ الشقاءْ
وهمتُ مثلَ الريحِ حتى ذرَتْ
تُرابَ جسمي عاصفاتُ القضاءْ
***
يامَن يَحارُ الفَهمُ في قدرتكْ
وتطلبُ النَفسُ حمى طاعتكْ
أسكرَني الإثمُ ولكنّني
صحوتُ بالآمال في رحمتكْ
***
لم أشرب الخمَر ابتغاء الطرَبْ
ولا دعتني قلّةٌ في الأدبْ
لكنَّ إحساسي نزّاعٌ إلى
إطلاق نفسي كانَ كلَّ السببْ
***
أفنيتُ عمري في اكتناهِ القضاءْ
وكشفُ ما يحجبهُ في الخفاءْ
فلم أجد أسرارَهُ وانقضى
عمري وأحسستُ دبيب الفناءْ
***
أطاَل أهل الأنَفس الباصرةْ
تفكيرهم في ذاتِك القادرةْ
ولم تزلْ ،يا ربّ، أفهامُهمْ
حيرى كهذى الأنجمِ الحائرةْ
***
لم يجنِ شيئاً مِن حياتي الوجودْ
ولن يضير الكون أنَّي أَبيدْ
وا حيرتي ما قالَ لي قائلٌ
ماذا اشتعالُ الروح ! كيفَ الخمودْ!!!
***
إذا انطوى عيشي وحانَ الأجلْ
وسُدَّ في وجهيَ بابُ الأملْ
قَرَّ حبَاب العمر في كأسهِ
فَصَّبها للموتِ ساقي الأزلْ
***
إن لم أكنْ أخلصتُ في طاعتكْ
فإنّني أطمعُ في رحمتكْ
وإنَّما يشفعُ لي أنّني
قَد عشتُ لا أُشرك في وحدتكْ
***
يا ربّ هيىء سببَ الرزق لي
ولا تذقني منّةَ المُفضلِ
وأبقنِ نشوانَ كيما أرى
روحي نَجتْ مِن دائِها المعضلِ
***
أفنيت عمري في ارتقابِ المُنى
ولم أذق في العيشِ طعم الهنا
وإنَّني أُشفقَُ أن يَنقَضي
عمري وما فارقتُ هذا العَنا
***
لم يبرحِ الداء فؤادِي العليلْ
ولم أنل قصدي وحانَ الرحيلْ
وفات عمري وأنا جاهلٌ
كتابَ هذا الدهر جمَّ الفصولْ
***
صفَا لكَ اليوم ورقَّ النسيمْ
وجالَ في الأزهارِ دمع الغيومْ
ورجّعَ البلبل ألحانهُ
يقول:هيّا اطرب وخلّ الهمومْ
***
الدرع لا تمنعُ سهمَ الأجلْ
والمال لا يدفعهُ إن نزلْ
وكلُّ ما في عيشنا زائلٌ
لا شىءَ يبقى غيرَ طيب العملْ
***
اللهُ يدري كلُّ ما تُضمرُ
يعلمُ ما تُخفي وما تُظهرُ
وإن خدعتَ الناس لم تستطعْ
خدِاع مَن يَطوي ومَن يَنشرُ
***
وإنَّما بالموت كلُّ رهينْ
فاطرب فما أنتَ مِنَ الخالدينْ
واشرب ولا تَحمل أسىً فادحاً
وخلّ حملَ الهمِّ للاحقينْ
***
رأيت خزّافاً رحاهُ تَدورْ
يجدُّ في صوغِ دنانِ الخمورْ
كأنهُ يخلطُ في طينها
جمجمة الشاهِ بساق الفقيرْ
***
تملَّكَ الناس الهوى والغرورْ
وفتنةُ الغيدِ وسُكنى القصورْ
ولو تُزال الحُجْبُ بانت لهمْ
زخارفُ الدُنيا وعُقبى الأمورْ
***
إن الَّذي تأنس فيه الوفاءْ
لا يحفظ الودَّ وعهدَ الإخاء
فعاشرِ الناسَ علَى ريبةٍ
منهم ولا تُكثر مِن الأصدقاءْ
***
زاد الندى في الزهرِِ حتى غدا
مُنحنياً مِن حملِ قطر الندى
والكُم قَد جمعَ أوراقَهُ
فظلَّ في زهرِ الربى سيّدا
***
وأسعد الخلق الَّذي يُرزقُ
وبابهُ دونَ الورى مُطلقُ
لا سيَّدَ فيهم ولا خادمٌ
لهم ولكن وادعٌ مُطلق
***
قلبي في صدري أسيرٌ سجينْ
تُخجلهُ عِشرةُ ماءٍ وطينْ
وكم جرى عزمي بتحطيمهِ
فكانَ يَنهاني نداءُ اليقينْ
***
مصباحُ قلبي يستمدُ الضياءْ
مِن طلعةِ الغيدِ ذوات البهاءْ
لكنّني مثلُ الفراشِ الَّذيْ
يسعى إلى النّورِِ وفيهِ الفناءْ
****
طبعي ائتناسي بالوجوه الحِسانْ
وديدني شرِبُ عِتاق الدِنانْ
فاجمع شتات الحظَّ وانعم بها
مِن قبلِ أن تطويكَ كفّ الزمانْ
***
تَعاقُبُ الأيام يُدني الأجلْ
ومرّها يطويكَ طيّ السجِلْ
وسوف تَفنى وهي في كرّهِا
فقَضّ ما تغنمهُ في جذلْ
***
لا تَشغل البَال بماضي الزمانْ
ولا يؤاتى العيش قبلَ الأوانْ
واغنم مِن الحاضرِ لذّاتهِ
فليسَ في طبعِ اللَّيالي الأمانْ
***
قيلَ لدى الحشر يكون الحسابْ
فيغضب الله الشديدُ العقابْ
وما انطوى الرحمن إلاّ علَى
إنالةِ الخير ومنح الثوابْ
***
كانَ الَّذي صوّرني يعلمُ
في الغيبِ ما أجني وما آثمُ
فكيفَ يجزيني علَى أنّني
أجرمتُ والجرمُ قضًى مبرمُ
***
هات اسقني كأس الطلى السلسلِِ
وغنّني لحناً مع البُلبلِِ
فإنَّما الإبريق في صبِّهِ
يَحكي خرير الماء في الجدولِ
***
الخمرُ في الكأسِ خيالٌ ظريفْ
وهي بجوفِ الدنّ روحٌ لطيفْ
أبعد ثقيل الظَّل عن مجلسي
فإنَّما للخمَر ظِلٌّ خفيفْ
***
بابُ نديمي ذو الثنايا الوضاحْ
وبيننا زهرٌ أنيقٌ وراحْ
وافتضَّ مِن لؤلؤِ أصدافها
فافترَّ في الآفاقِ ثغرُ الصباحْ
***
نارُ الهوى تمنعُ طيب المنامْ
وراحةُ النفس ولذُّ الطعامْ
وفاتر الحبُّ ضعيف اللّظى
منطفىء الشعلةَ خابي الضرامْ
***
القلبُ قَد أضناهُ عِشق الجمالْ
والصدرُ قَد ضاقَ بما لا يُقالْ
يا ربّ، هل يُرضيك هذا الظما
والماءُ ينساب أمامي زُلالْ!
***
خلقتني يا ربّ ماءً وطينْ
وصغتني ما شئتَ عزاً وهَونْ
فما احتيالي والَّذي قَد جرى
كتبتَهُ يا ربّ فوقَ الجبينْ
***
ويا فؤادي تلكَ دُنيا الخيالْ
فلا تنؤ تحتَ الهمومِ الثِّقالْ
وسلّم الأمرَ فمَحوُ الَّذي
خطّت يدُ المقدار أمرٌ مُحالْ
***
وإنَّما نحنُ رخاخُ القضاءْ
ينقلنا في اللوحِ أنّى يشاءْ
وكلُّ مَن يفرغ مِن دورهِ
يُلقَى به في مستقّرِ الفناءْ
***
رأيتُ صفّاً مِن دنانٍ سرى
ما بينها همسُ حديثٍ جرى
كأنّها تسألُ : أينَ الَّذي
قَد صاغَنا أوباعَنا أو شرى
***
سطا البلى فاغتالَ أهلَ القبورْ
حتى غدوا فيها رُفاتاً نَثيرْ
أينَ الطلى تتركني غائباً
أجهلُ أمر العيشِ حتى النشورْ
****
إذا سقاني الموت كأس الحِمامْ
وضمَّكم بعدي مجال المُدامْ
فأفردوا لي موضعي واشربوا
في ذكرِ مَن أضحى رهينَ الرِّجامْ
***
عن وجنة الأزهار شفَّ النقابْ
وفي فؤادي راحةٌ للشرابْ
فلا تَنمْ فالشمس لَمّا يزلْ
ضياؤها فوقَ الربى والهضابْ
***
فكم علَى ظهرِ الثرى مِن نيامْ
وكم مِن الثاوينِ تحت الرغامْ
وأينما أرمي بعيني أرى
مشيّعاً أو لَهزةً للحِمامْ
***
يا ربّ، في فهمك حَار البشرْ
وقصَّر العاجزُ والمقتدرْ
تَبعثُ نجواكَ وتبدو لهم
وهُمْ بلا سمعٍ يعي أو بصَرْ
***
بيني وبينَ النفس حربٌ سجَالْ
وأنتَ يا ربي شديدَ المحُالْ
أنتظر العفو ولكنّني
خَجلانُ مِن علمك سوءَ الفعالْ
***
شقَّت يدُ الفجر سِتارَ الظلامْ
فانهض وناولني صبوحَ المُدامْ
فكم تُحيّينا لهُ طلعةٌ
ونحنُ لا نملكُ ردَّ السلامْ
***
معاقرو الكأس وهم سادرونْ
وقائمو اللَّيل وهم ساجدونْ
غرقى حيارى في بحارِ الُنّهى
والله صاحٍ والورى غافلونْ
***
كُنّا فَصِرنا قطرةً في عُبابْ
عشنا وعُدنا ذرّةً في الترابْ
جئنا إلى الأرضِ ورحنا كما
دبَّ عليها النملُ حيناً وغابْ
***
لا أفضح السرّ لعالٍ ودونْ
ولا أطيل القول حتى يبَينْ
حالي لا أقوى علَى شرحها
وفي حنايا الصدر سرّي دفينْ
***
أولى بهذي الأعين الهاجدةْ
أن تغتدي في أُنسها ساهدةْ
تَنَّفَس الصبحُ فقم قبلَ أنْ
تحرمهُ أنَفَاسنا الهامدةْ
***
هل في مجالِ السكون شىءٌ بديعْ
أحلى مِن الكأسِ وزهر الربيعْ
عجبتُ للخمّار هل يشترى
بمالهِ أحسنَ مما يبيعْ !
***
هوى فؤادي في الطلى والحبابْ
وشجو أذني في سماعِ الربابْ
إن يَصغِ الخزّافُ مِن طينتي
كوباً فأترعها ببرد الشرابْ
***
يا مدَّعي الزهدِ أنا أكرمُ
مِنكَ ، وعقلي ثَمِلاً أحكَمُ
تَستنزفُ الخلقَ وما أستقي
إلاّ دمُ الكرم فمَن آثمُ؟!!
***
الخمرُ كالوردِ وكأس الشرابْ
شفّت فكانت مثل وردٍ مُذابْ
كأنَّما البدر َثنا ضوءهِ
فكان حول الشّمس منهُ نقابْ
***
لا تَحسبوا أنّي أخاف الزمانْ
أو أرهب الموت إذا الموت حانْ
الموت حقٌ ؛لَستُ أخشى الردى
وإنَّما أخشى فوات الأوانْ
***
لا طيبَ في الدُنيا بغيرِ الشرابْ
ولا شجيَّ فيها بغيرِ الربابْ
فكّرتُ في أحوالهِا لم أجدْ
أمتعُ فيها مِن لقاءِ الصحابْ
***
عش راضياً واهجر دواعي الألمْ
واعدل مع الظَالم مهما ظلَمْ
نهايةُ الدُنيا فناءٌ فَعشْ
فيها طليقاً واعتبرها عدمْ
***
لا تأمل الخلَّ المقيم الوفاءْ
فإنَّما أنتَ بدنيا الرياءْ
تحمَّل الداء ولا تلتمسْ
لهُ دواءٌ وانفردْ بالشقاءْ
***
اليوم قَد طابَ زمان الشبابْ
وطابتِ النفسُ ولذَّ الشرابْ
فلا تَقُلْ كأس الطلى مُرّةٌ
فإنَّما فيها مِن العيشِ صابْ
***
وليسَ هذا العيش خلداً مقيمْ
فما اهتمامي مُحدثٌ أم قديمْ
سنَترك الدُنيا فما بالنا
نضيّعُ منها لحظَات النعيمْ
***
حتَّامَ يُغري النفسَ برقُ الرجاءْ؟!!
ويُفزع الخاطَرَ طيف الشقاءْ
هات اسقنيها لَستُ أدري إذا
صعَّدتُ أنفاسي رددتُ الهواءْ
***
دنياكَ ساعاتٌ سِراع الزوالْ
وإنَّما العُقبى خلود المآلْ
فهل تَبيع الخُلدَ يا غافلاً
وتشتري دنيا المُنى والضّلالْ
***
يامَن نسيتَ النار يوم الحسابْ
وعِفَتَ أن تشربَ ماء المتَابْ،
أخافُ إن هبَّت رياحُ الردى
عليكَ أن يأنفَ مِنكَ الترابْ
***
يا قلبُ،كم تشقى بهذا الوجودْ!
وكلّ يومٍ لك همٌّ جديدْ
وأنتِ يا روحي ماذا جنَتْ
نفسي وأُخراكِ رحيلٌ بَعيدْ
***
تناثرتْ أيام هذا العمرْ
تنَاثُرَ الأوراق حول الشجرْ
فانعم مِن الدُنيا بلذّاتها
مِن قبلِ أن تسفيكَ كفّ القدرْ
***
لا توحشِ النفسَ بخوف الظّنونْ
واغنم مِن الحاضرِِ أمنَ اليقينْ
فقد تساوى في الثرى راحلٌ
غداً وماضٍ مِن أُلوف السنينْ
***
مررتُ بالخزّاف في ضحوةٍ
يصوغُ كوبَ الخمرِ مِن طينةٍ
أوسعَها دعّاً فقاَلت لهُ
هل أقفرَتْ نَفسُكَ مِن رحمةٍ
***
لو أنّني خُيَّرت أو كانَ لي
مفتاحُ باب القدر المقفلِ
لاخترتَ عن دنيا الأسى أنّني
لم أهبطَ الدُنيا ولم أرحلِ
***
هبطتُ هذا العيش في الآخرينْ
وعشتُ فيه عيشةَ الخاملينْ
ولا يوافيني بما أبتغي
فأينَ منّي عاصفات المَنونْ!!!
***
حكمكِ يا أقدار عين الضّلالْ
فأطلقيني هدّ نفسي العقالْ
إن تُقصري النّعمى علَى جاهلٍ
فلست مِن أهل الحِجا والكمَالْ
***
إذا سقاكَ الدهر كأس العذابْ
فلا تُبنْ للناس وقعَ المصابْ
واشرب علَى الأوتارِ رنّانةً
مِن قبلِ أن تُحطّمَ كأس الشرابْ
***
لا بدَّ للعاشق مِن نشوةٍ
أو خفّةٍ في الطبعِ أو جنّةٍ
والصحو بابُ الحزن فاشرب تكنْ
عن حــــالةِ الأيام في غفـــــلــــــةٍ
***
أنا الَّذي عشتُ صريع العُقارْ
في مجلسٍ تحييهِ كأسٌ تُدَارْ
فَعُد عن نصحي ؛ لقد أصبحَتْ
هذى الطلى كلّ المُنى والخيَارْ
***
أعلمُ مِن أمري الَّذي قَد ظهَرْ
واسْتَشِفَّ الباطن المستترْ
عدمتُ فهمي أن تكنْ نشوتي
وراءها منزلةٌ تُنتَظَرْ
***
طارتْ بي الخمرُ إلى منزلٍ
فوق السِّماك الشاهق الأعزلِ
فأصبحَتْ روحي في نجوةٍ
مِن طينِ هذا الجسد الأرذلِ
***
سئمتُ يا ربي حياةَ الألمْ
وزاد همّي الفقرُ لَمّا ألمّْ
ربي انتشلْني مِن وجودي فقدْ
جعلتَ في الدُنيا وجودي عدَمْ
***
لم يخلُ قلبي مِن دواعي الهمومْ
أو تَرضَ نفسي عن وجودي الأليمْ
وكم تأدبتُ بأحداثهِ
ولم أزل في ليلِ جهلٍ بهيمْ
***
اللهُ قَد قدّر رزق العبادْ
فلا تؤمّل نيلَ كلّ المرادْ
ولا تُذِق نفسكَ مُرّ الأسى
فإنَّما أعمارنا للنفادْ
***
إن الَّذي يعرف سرّ القضاءْ
يرى سواء سعده والشقاءْ
العيشُ فانٍ فلندع أمرَهُ
أكانَ داءً مسَّناً أم دواءْ
***
يا طالبَ الدُنيا وُقِيتَ العثَارْ
دع أمل الربح وخوف الخسَارْ
واشرب عتيق الخمَر فهي التي
تفكَّ عن نفسك قيد الإسارْ
***
الكأس جسم روحهِ الساريةْْ
هذى السُّلافُ المزّةَ الصافيةْْ
زجاجُها قَد شفَّ حتى غدا
ماءً حوى نيرانها الجاريةْْ
***
قَد ردّد الروضُ غناءَ الهزارْ
وارتاحتِ النفسُ لكأس العُقارْ
تبّسمَ النّورُ فقمْ هاتِها
نثأرُ مِن الأيامِ قبلَ الدمارْ
***
بي مِن جفاءِ الدهر هَمٌ طويلْ
ومِن شقاءِ العيش حزنٌ دخيلْ
قلبي كدنٍّ الخمرِ يجري دماً
ومقلتي بالدمعِ كأسٌ تسيلْ
***
وكلّما راقبتُ حال الزمنْ
رأيتهُ يحرمُ أهلَ الفطنْ
سُبحان ربي ؛ كلّما لاحَ لي
نجمٌ طوتْهُ ظُلماتُ المِحَنْ
***
ماذا جنينا مِن متاعِ البقاءْ ؟!!
ماذا لقينا في سبيلِ الفناءْ ؟!!
هل تُبصر العين دُخان الأُلى
صاروا رماداً في أَتونِ القضاءْ!
***
تلكَ القصورُ الشاهقاتُ البناءْ
منازلُ العزِّ ومجلى السناءْ
قَد نعَبَ البومُ علَى رسمِها
يصيحُ : أينَ المجد ، أينَ الثراء!
***
هوّنْ علَى النفسِ احتمَال الهمومْ
واغنم صفَا العيش الَّذي لا يَدومْ
لو كانتِ الدُنيا وفَتْ للأُلى
راحوا لمّا جاءكَ دور النعيمْ
***
وإنَّما الدهرُ مُذيق الكروبْ
نعيمهُ رهنٌ بكفّ الخطوبْ
ولو درى الهمّ الَّذي لم يجىءْ
دنيا الأسى لاختار دارَ الغيوبْ
***
صُبَّتْ علينا وابلاتُ البلاءْ
كأنّنا أعداءُ هذا القضاءْ
بينا تَرى الإبريق والكأس قَدْ
تَبادلا التقبيل حَول الدماءْ
***
تفتّح النوَّار صبّ المدامْ
واخلَع ثيابَ الزهدِ بينَ الأنامْ
وهاتِها مِن قبلِ سطوِ الردى
في مجلسٍ ضمَّ الطلى والغرامْ
***
حَارَ الورى ما بين كفرٍ ودينْ
وأمعنوا في الشكِّ أو في اليقينْ
وسوف يدعوهم مُنادي الردى
يقولُ ليسَ الحق ما تسلكونْ
***
نَصبتَ في الدُنيا شِرِاكَ الهوى
وقلت أجزي كلّ قلبٍ غوى
أتنصب الفخَّ لصيدي وإن
وقعتُ فيه قلتَ غاصٍ هوى
***
أنا الَّذي أبدعتُ مِن قدرتكْ
فعشتُ أرعى في حمى نعمتكْ
دعني إلى الآثامِ حتى أرى
كيفَ يذوب الإثمُ في رحمتكْ!!!
***
إن تُفصل القطرةُ في بحرها
ففي مَداهُ منتهى أمرها
تقاربتْ يا ربّ ما بيننا
مسافةَُ البُعد علَى قدرها
***
وإنَّما الدُنيا خيالٍ يزولْ
وأمرنا فيها حديثٌ يطولْ
مشرقها بحرٌ بعيد المدى
وفي مداهُ سيكون الأفولْ
***
جهلتِ ،يا نفسي،سرّ الوجودْ
وغبتِ في غورِ القضاء البعيدْ
فصوَّري مِن نشوتي جنّةً
فربما أُجزَ دارَ الخلودْ
***
يا ورد أشبَهتَ خدود الحِسانْ
ويا طلى حاكيتَ ذوب الجُمانْ
وأنتَ ،يا حظَّي، تَنكَّرْتَ لي
وكُنتَ مِن قبلُ الأخَ المستعانْ
***
أولى بكَ العشق وحسوِ الشرابْ
وحَنَّةُ النّاي ونوح الربابْ
فأطلق النفسْ ولا تتصلْ
بزخرُف الدُنيا الوشيك الذهابْ
***
لا تَشغل البَال بأمر القدَرْ
واسمع حديثي يا قصير النظَرْ
تنحَّ واجلسْ قانعاً وادعاً
وانظر إلى لعبِ القضاء بالبشرْ
***
يا قلبُ إن ألقيتَ ثوب العناءْ
غدوتَ روحاً طاهراً في السماءْ
مقامك العرش ترى حطَّةً
أنكَ في الأرضِ أطلتَ البقاءْ
***
إن الَّذي يَذبل زهر الربيعْ
ينثر أوراقَ وجودي الجميعْ
والهمُّ مثل السمّ ترياقهُ
في الخمرِ فاشرب قدر ما تستطيعْ
***
زجاجةُ الخمر ونصف الرغيفْ
وما حوى ديوان شعرٍ طريفْْ
أحبُّ لي إن كُنتَ لي مُؤنساً
في بلقعٍ مِن كلّ مُلكٍ منيفْ
***
أتَسمع الديكَ أطاَل الصياحْ
وقَد بدا في الأفقِ نور الصباحْ
ما صاحَ إلاّ نادباً ليلةً
ولَّتْ مِن العمرِ السريع الرواَحْ
***
علامَ تشقى في سبيلِ الألمْ
ما دمتَ تدري أنكَ ابنُ العدمْ
الدهرُ لا تجري مقاديرهُ
بأمرنا فارضَ بما قَد حكَمْ
***
تحملُ الداء كبير الرجاءْ
أنكَ يوماً ستنال الشفاءْ
واشكرْ علَى الفقر الَّذي إن يُردْ
أصبحتَ موفور الغِنى والثراءْ
***
ليتك يا ربي تُبيد الوجودْ
وتَخلق الأكوان خَلقاً جديدْ
فتُغفلَ اسمي أو تزيد الَّذي
قدّرتَ لي في الرزقِ بين العبيدْ
***
وصلتني بالنفس منذُ القدمْ
فكيفَ تفري شملَنا الملتئمْ
وكُنتَ ترعاني فماذا دعا
إلى اطراحي للأسى والألمْ
***
هات الطلى فالنفس عمّا قليلْ
توشكُ مِن فرطِ الأسى أن تسيلْ
عساي أنسى الهمَّ في نشوتي
مِن بعدِ رشفي كأسها السلسبيلْ
***
يا ساقيَ الخمرِ، أفق هاتها
ثمَّ اسقني سائلَ ياقوتها
فإنَّها تبعثُ مِن روحها
نفسي وتحيي ميّتَ لذّاتها
***
صُبَّ مِن الإبريقِ صافي الدماءْ
واشرب وهاتِ الكأسَ ذات النقاءْ
فليسَ بين الناس مَن ينطويْ
علَى الَّذي في صدرها مِن صفَاءْ
***
أينَ طهور النفس عفُّ اليمينْ
وكيفَ كانتْ عيشةَ الصالحينْ
إن كُنتَ لا تَغفر ذنبي فما
فضلُكَ يا ربي علَى العالمينْ!!!
***
أبدعتَ فينا بيَّنات العِبَرْ
وصغتنا يا ربّ شتّى الصورْ
فهل أطيق اليوم محوَ الَّذي
تركتهُ في خلقتي مِن أثرْ!
***
طبائعُ الأنفس ركّبتَها
فكيفَ تجزي أنفساً صغتَها
وكيفَ تُفني كاملاً أو ترى
نقصاً بنفسٍ أنتَ صوّرتها
***
تُخفي عن الناس سنَا طلعتكْ
وكلُّ مافي الكون مِن صنعتكْ
فأنتَ مجلاهُ وأنتَ الَّذي
تَرى بديع الصُنع في آيتكْ
***
يا ربّ، مهّد لي سبيلَ الرشادْ
واكتب لي الراحةَ بعدَ الجهادْ
وأحييِ في نفسي المُنى مثلما
يُحيي مواتَ الأرض صوبُ العهادْ
***
لن يرجعَ المقدار فيما حكَمْ
وحملُكَ الهمّ يُزيد الألمْ
ولو حزنتَ العمر لن يَنمَحيْ
ما خطّهُ في اللوحِ مُرّ القلمْ
***
ولّى الدجى .قم هات كأسَ الشرابْ
كأنَّما الياقوت فيها مُذابْ
واحرق مِن العودِ بخوراً وخذْ
مِن غصنهِ المعطار واصنع ربابْ
***
الخمرُ توليكَ نعيم الخلودْ
ولذّة الدُنيا وأُنس الوجودْ
تُحرقُ مثل النار لكنّها
تجعلُ نار الحزن ماءً برودْ
***
عيشيَ مِن أجلِ الطلى مستحيلْ
فإنَّها تشفي فؤاديْ العليلْ
ما أعذب الساقي إذا قالَ لي:
تناولِ الكأس،ورأسي يميلْ!
***
أولى بهذا القلب أن يخفقا
وفي ضرامِ الحبّ أن يُحرَقا
ما أضيعَ اليوم الَّذي مَرّ بي
مِن غيرِ أن أهوى وأن أعشقا!
***
سارعْ إلى الّلذات قبل المَنونْ
فالعمر يطويهِ مرور السنينْ
ولَستُ كالأشجار إن قُلّمتْ
فروعها عادت رطاب الغصونْ
***
إنَّ الأُلى ذاقوا حياةَ الرغدْ
وأنجزَ الدهرُ لهم ما وعَدْ
قَد عصفَ الموت بهم فانطووا
واحتُِضنوا تحتَ تراب الأبدْ
***
نفسي خلت مِن أُنسِ تلكَ الصحابْ
لما غدوا ثاوينَ تحتَ الترابْ
في مجلس العمر شربْنا الطلى
فلم يفقْ منّا صَريعُ الشرابْ
***
ولَستُ مهما عشتُ أخشى العدَمْ
وإنَّما أخشى حياةَ الألمْ
أعارني الله حياتي وعنْ
حقوقهِ استرداد هذا النسَمْ
***
قالوا امتنعْ عن شُربِ بنت الكرومْ
فإنّها تورثُ نارَ الجحيمْ
ولذّتي في شربِها ساعةً
تعدلُ في عينيّ جِنان النعيمْ
***
إن دارتْ الكأسُ ولذَّ الشرابْ
فكنْ رضيَّ النفس بين الصحابْ
واشرب فما يجدُ بكَ هجرُ الطِّلى
إن كانَ مقدوراً عليكَ العذابْ
***
شيئان في الدُنيا هما أفضلُ
في كلّ ما تنوي وما تعملُ
لا تتّخذ كلَّ الورى صاحباً
ولا تنل مِن كل ما يؤكلُ
***
لو كانَ لي قدرةَ ربٌ مجيدْ
خَلَقتَ هذا الكون خَلقاً جديدْ
يكون فيهِ غير دُنيا الأسى
دُنيا يعيشُ الحر فيها سعيدْ
***
إذا بلغتَ المجد قالوا زنيمْ
وإن لزمتَ الدار قالوا لئيمْ
فجانب الناس ولا تلتمسْ
معرفةً تُورث حَمل الهمومْ
***
خيرٌ لي العشق وكأس المدامْ
مِن ادعاءِ الزهد والاحتشامْ
لو كانت النار لمثلي خلَتْ
جنّات عدن مِن جميعِ الأنامْ
***
عبدكَ عاصٍ أينَ مِنكَ الرضاءْ
وقلبهُ داجٍ فأينَ الضياءْ
إن كانت الجنّةُ مقصورةً
علَى المطيعين فأينَ العطاءْ!!!
***
أهل الحِجا والفضل هذى العقولْ
قَد حاولوا فهَم القضاء الجليلْ
فحدّثونا بعض أوهامهمْ
ثم احتواهمْ ليلُ نومٍ طويل
***
يا عالمَ الأسرار علمَ اليقينْ
يا كاشف الضّرَ عن البائسينْ
يا قابل الأعذار فِئِنا إلى
ظلّك فاقبلْ توبةَ التائبينْ
مع تحياتى
(طالب ادبى)
اولى اداب لغة فرنسية