من حقي أن آخذ الفرصة كاملة ،
كما أخذتها (حياة) لأتحدث عن نفسي ..
سأخبركم من أنا ولكن عدوني أن تستقبلوني بود مع
خلفيتكم المسبقة عني أعطوا لي الفرصة كي أبوح بوحاً يريح
نفسي كما يريحون هم أنفسهم ولا يأبهون بتلك الآلة
التي لا تشعر – كما يظنونها – أعتقد أنكم
خمنتم من أكون ، أنا (سمية) زوجة الأستاذ الرومانسي (روميو)
أقصد (أحمد) ، دائماً يراني زوجي – حبيبي دائماً –
بأني فظة غليظة القلب لا أحمل بين جنباتي
قلباً يحس أو عيناً تدمع ، أو نفساً يضنيها الألم
ويسهدها الفراق ويصيبها اليأس والملل والإحباط
والأمل والفرحة وسائر المشاعر الإنسانية التي تصيب من
يدعون بشراً .. أنا والله منهم أنا يا بشر .. بشر .. ،
ولكن كلنا نعلم أن تربيتنا الأولى في بيوتنا تؤثر علينا
وعلى طبائعنا في المستقبل فأنا رُبيتُ بطريقة عملية
أكثر مما هي رومانسية .. أمي – رعاها الله – تحبنا لكنها
لم تظهر ذلك الحب يوماً – لا أقول أنها قاسية –
ولكنها كانت تترجم هذا الحب في أفعال
وفي مواقف وكانت تعودنا ألا ننساق
وراء مشاعرنا وألا يحكمنا الهوى ..
ولكن يجب على العقل أن يتحكم أكثر من الهوى ..
ليس هذا مجالاً لأتحدث لكم عن فترة المراهقة التي عشتها ..
لكني لا أزعم أني كنت قديسة أو ملتزمة بالمعنى التام
للكلمة .. أخطأت .. ولكن عذراً لن أتحدث عن أخطائي
فقد قلت ليس هذا مجالها .. كنت في الصف الثالث الثانوي
.. وقريناتي كلهن كن يعشن قصصاً عاطفية ..
أما أنا فلم أكن أنوي أن أحيا تلك القصص أبداً
لا لأني فظة أو لا أملك قلباً ولكن لأن أمي كانت دائماً
تشعرني بأني لست جميلة ، وأنا الآن أعرف لماذا ..
حتى لا أخدع في نفسي وأختال في مشيتي وأكون
مكمن فتنة للآخرين مع أنها – أمي – لم تنصحني مثلاً
بارتداء الحجاب فقد كان مبدأها – غفر الله لنا جميعاً –
لا حجاب إلا بعد الخطوبة ..
"لماذا يا أمي ؟ "
هكذا سألتها يوماً فأجابت علي مشيحة بوجهها
عني قائلة :
"ارتدي الحجاب عندما تخطبين ، حتى يراك الآخرون وتتعدد فرصك في الزواج"
ولم يكن وقتها قدر من الفقه الديني يحثني على معارضتها
ولكني أيقنت أن طاعتها واجبة أو – بيني وبينكم –
رميت بذنبي عليها وقلت لنفسي :
" إن كان ما تأمرني به خيراً أثيبت عليه وأثبت
على طاعتها ، وإن كان شراً عاقبها الله عليه ..
ونجوت أنا لجهلي"
إياكم أن تتخذوا هذه قاعدة .. فأنا فتاة متعلمة
وكان يجب أن أسأل وما أكثر المصادر الشرعية التي
يمكن أن أسألها وآخذ منها فتواي .. في تلك الآونة
كان هناك شاب يطاردني أينما ذهبت .. مطاردة متلهفة
يريد أن تنشأ بيننا قصة حب بأي طريقة . .
ولما يئس من ذلك ذهب لأبي وطلب خطبتي ..
كان هذا الشاب .. معه مؤهل متوسط وأنا في
الثانوية العامة وسألحق بإذن الله العام المقبل بالتعليم
الجامعي .. ورفض أبي هذا الموضوع من مبدئه ..
لأن أبي كان يرى أن هذا الموضوع سابق
لأوانه فيجب أن أنتهي من تعليمي الجامعي أولاً ..
وفي يوم من الأيام أتت لي صديقتي المقربة (نسرين) قائلة :
"يا سمية ارحمي ذلك الشاب إنه يحبك كثيراً ..
وأنت لا تبدين له أي اهتمام"
"وهل فاتحك في الموضوع" هكذا كان ردي عليها
وأنا تملؤني الدهشة فقالت :
"وقال طالما أنه تقدم لأبيك رسمياً وأبوك رفض
أو أجل الموضوع لأجل غير مسمى فهو يرى أنه ليس
من المانع أن تنشأ بينكما علاقة – بريئة – تخفف عليه
الفترة وتزيده أملاً في الارتباط منك"
(نسرين) يا لها من فتاة لها تأثير الشياطين على قلب ضعيف ..
في اليوم التالي تبعني هذا الشاب الذي لن أذكر اسمه
لأني لا أود تذكره ولا ذكره .. وتمتم ببعض الكلمات
الجميلة حقاً والتي من دورها أن تدوخ أي فتاة وتجعها
تختال وتحلق وهي تسير في الطريق ..
أكذب لو قلت أني أحببته .. لكني نفذت نصيحة صديقتي
وكان هذا الشاب يلتقي معي في الطريق ..
يخبرني الجديد في حياته وعن استعداداته منذ الآن لزواجنا
الغير محدد الموعد .. وفي يوم من الأيام .. يوم أسود يا ليت
شمسه ما طلعت ..
عرض علي هذا الشاب أن يذهب إلى بيته ليحضر لي
هدية كان قد اشتراها لي وبيته قريب من البيت
الذي آخذ فيه أحد دروسي الخاصة ..
ولما ذهبنا وقفت تحت البيت ريثما يصعد ويحضر
هديته المزعومة .. وبعد قليل نزل من البيت بهدية وقال لي :
"سمية .. أمي تود التعرف عليك .. وتقول أنها مشتاقة
لمن ستأخذ منها ابنها في المستقبل ويجب أن يطمئن
قلبها لها أولاً" وضحك ضحكة عالية كالساحر الذي يشغل
متفرجيه بأمر بينما هو يدبر لحيلة أخرى ..
وصعدت وأنا تحت تأثير ضحكاته البريئة العفوية ..
وصعدت ..
ودخلت البيت ..
وكم كان كئيباً هذا البيت ..
وكم شعرت بالاختناق أول ما وطأت قدمي داخله ..
وبعدما دخلت ..
وقع سقف البيت على رأسي ..
وغاصت بي أرضه حتى الأرض السابعة ..
وسمعت لعنات السماء تحاصرني ..
حتى كنت قاب قوسين أو أدنى من الصمم ..
من هول ما رأيت ..
وبشاعة ما حدث ...