يقول أحمد شوقي:
قم في فم الدنيا وحيّ الأزهرا وانثر على سمع الزمان الجوهرا
واجعل مكان الدرّ إن فصّلته في مدحه خرز السماء النيّرا
واخشع مليّا واقض حقّ أئمّة طلعوا به زهرا وماجوا أبحرا
كانوا أجلّ من الملوك جلالة وأعزّ سلطانا وأفخم مظهرا
زمن المخاوف كان فيه جنابهم حرم الأمان وكان ظلّهم الذرا
من كلّ بحر في الشريعة زاخر ويريكه الخلق العظيم غضنفرا
يا معهدا أفنى القرون جداره وطوى الليالي ركنه والأعصرا
وأتى الزمان عليه يحمي سنّة ويذود عن نسك ويمنع مشعرا
المعهد القدسيّ كان نديّه قطبا لدائرة البلاد ومحورا
ولدت قضيّتها على محرابه وحبت به طفلا وشبّت معصرا
هزّوا القرى من كهفها ورقيمها أنتم لعمر الله أعصاب القرى
الصارخون إذا أسيء إلى الحمى والزائرون إذا أغير على الشرى
لا الجاهلون العاجزون ولا الألى يمشون في ذهب القيود تبخترا
* في الأبيات التي ذكرتم يقول شوقي:
هزّوا القرى من كهفها ورقيمها أنتم لعمر الله أعصاب القرى
فكأنه يشير إلى الأثر الخطير لعلماء الأزهر في الأمة والمسلمين.
- نعم. ولأجل هذا حرص الاستعمار البريطاني والحكومات من بعده على تحويل الأزهر لمؤسسة حكومية. بل وصدر قانونٌ أخيرٌ بمنع التظاهر في دور العبادة، والمقصود به الأزهر، الذي كان المتنفس التاريخي للتجمع والاحتجاج ضد جرائم الصليبيين واليهود وعملائهم في بلادنا
* وهل الحكومة في مصر تعامل المسيحيين مثلا كما تعامل علماء الأزهر؟
- الحكومة لا تستطيع أن تتدخل في اختيار البابا ولا المجلس الملي، ولكنها تعين شيخ الأزهر وأعضاء مجمع البحوث الإسلامية والمفتي ووزير الأوقاف. ومن قبل ذلك صادرت أوقاف الأزهر، وفرضت عليه سلسلة من القوانين، التي تشله وتعجّزه.
* فماذا كانت النتيجة؟
- النتيجة أن الأزهر تحول لهيئة حكومية. والنتيجة أن تولى رئاسته أشخاصٌ مهتزون مثل الشيخ طنطاوي، الذي استقبل السفير الإسرائيلي والحاخام الأكبر لإسرائيل في الأزهر، والذي سلم وفاء قسطنطين لسجون الأديرة. وفي مأساة وفاء قسطنطين كان شيخ الأزهر ومعاونوه يتراجعون ويسلمون وفاء قسطنطين، بينما كان البابا وقساوسته يتشددون ويصعدون ويضغطون.
فمن الأكثرية؟ ومن الأقلية؟
* على ذكر وفاء قسطنطين فقد وردت أخبارٌ في بعض الصحف المصرية بأن وفاء قسطنطين قد قتلت في دير وادي النطرون.
- إذا ثبتت صحة الخبر فهي مصيبةٌ وكارثةٌ، وما تتعرض له هذه المجاهدة من تعذيب وتنكيل واضطهاد، وتبعة دمها -إن قتلت- يحمل شيخ الأزهر كفلا منه. فهو الذي سلمها لزبانية التعذيب في أقبية الأديرة.
* ولكن كيف يمكن أن يختفي شخصٌ ولا تتحرك الشرطة والنيابة للتحقيق بشأنه؟
- من مضحكات مصر المبكيات أن النيابة العامة قد تلقت العديد من الشكاوى والإخطارات بطلب التفتيش والبحث عن وفاء قسطنطين، والتأكد من سلامتها. ولكن النيابة العامة الخائنة للإسلام والشرطة المصرية الجبانة، تستأسدان على ضعاف الناس، وعلى كل من يعترض على فحش وفساد الحكومة وخروجها على الإسلام. بينما تقفان عاجزتين خانعتين أمام سلطان الكهنوت القبطي، الذي يحتمي بالصليبية الأمريكية. فلا يجرؤ أحدٌ في مصر بدء من حسني مبارك إلى أصغر ضابط أن يقترب من الكنيسة القبطية أو أحد أديرتها.
* وما السبب في ذلك؟
- لأن الكنيسة القبطية دولةٌ مستقلةٌ تحت حماية الصليب الأمريكي.
وأمريكا التي تزعم حماية الحرية الدينية، وتحارب من أجل منع الاضطهاد الديني، هي التي أجبرت الحكومة المصرية على تسليم وفاء قسطنطين للكنيسة، وهي التي تحمي الكنيسة وأديرتها من أي تفتيش أو ملاحقة قانونية.
وفي مصر المعذبة كم من المساجد اقتحمت، وكم من الأئمة أهينوا واعتقلوا وعذبوا، بينما لا تجرؤ الشرطة أن تقتحم كنيسة، ولا أن تمس قسيسا.
* ليس فقط في مصر بل أيد بوش اقتحام المسجد الأحمر في إسلام آباد وجامعة حفصة وتدميرهما وقتل طلابهما.
* حسنا لنعد لموضوع العلماء مرة أخرى.
- تفضل.
* أنتم تدعون لأن يكون للعلماء تجمعٌ يتحدث باسمهم، ولكن الحكومات يمكنٌ أن تلتف على هذا التجمع، بأن تنشأ جماعة حكومية، وتفرضها على العلماء، مثلا هناك هيئة كبار العلماء في الجزيرة التي أجازت دخول قوات الكفار لبلاد المسلمين.
- لا. هيئة كبار العلماء في الجزيرة ومجْمع البحوث الإسلامية في مصر وغيرها تمثل من عيّنها، وهي الحكومات الفاسدة المفسدة. وهؤلاء أنا لا أتكلم عنهم.
* إذن عمن تتكلمون؟
- أنا أتكلم عن العلماء الصادقين، الذين تحترمهم الأمة، وتقدر مواقفهم في مواجهة فساد حكامنا وعمالتهم. والذين اعترضوا على دخول قوات الكفار لبلاد المسلمين عامة ولبلاد الحرمين خاصة.
* مثل من؟
- مثل الشيخ حمود العقلاء رحمه الله. الذي كتب كتابه القيم الشجاع (القول المختار في حكم الاستعانة بالكفار) ،
ومثل العالم المجاهد الشيخ عمر عبد الرحمن فك الله أسره،
الشيخ عمر عبد الرحمان:
وكيف يقيمون بعد ذلك مؤتمرات هنا وهناك يتحدثون عن حمايتهم للإسلام أنهم الذين يدافعون عن الإسلام وينافحون عن الحرمين الشريفين ظهر الكذب على حقيقته وظهر الخداع وأن ذلك كان درا للرماد في العيون أنهم كان يدارون أنفسهم فأصبح ذلك أمرا صريحا فقد ابتعدوا عن الإسلام إنهم يهدمون الإسلام إنهم يخربون في الإسلام إنهم يطرحون الشريعة وراء ظهورهم فلم يعد لهم حق في أن يتكلموا أن دولتهم تطبق الشريعة أو أنهم يحمون الحرمين أمريكا ستحمي مكة والمدينة؟! أرأيتم سخرية أكثر من هذا أمريكا التي ستحمي الحرمين وستدافع عن الإسلام يا لسخافة العقول يا للضلال الذي ملأ السهل والجبل ثم يسكت الناس ولا يتكلمون.
الشيخ أيمن:
ومثل الشيخين الشهيدين -كما نحسبهما- عبد الله الرشود وعمر السيف رحمهما الله.
* حسنا. وما الضمان أن لا تحوّل الحكومة أي تجمع للعلماء إلى هيئة حكومية تابعة لها؟
- الضمان هو أن يصر العلماء على استقلال هيئتهم ماليا وإداريا عن تدخل الحكومة.
* تتكلمون عن الاستقلال المالي والإداري؟ ماذا تقصدون أولا بالاستقلال المالي؟
- أقصد بالاستقلال المالي أن تكون لهذه الهيئة أو ذلك التجمع مصادره المالية الخاصة من أموال المسلمين وزكواتهم وأوقافهم.
* وهل هناك أوقافٌ مرصودةٌ للعلماء؟
- هناك أوقافٌ ضخمةٌ مرصودةٌ لعلماء الأزهر، أوقفها المسلمون عبر التاريخ، ولكن ابتلعتها الحكومة. ولذا لا بد من عودة أوقاف الأزهر للأزهر، لتدار بأيدي علماء الأزهر، ضمانا لاستقلال الأزهر وعلمائه، حتى يستطيعوا أن يقولوا الحق في وجه الحكومة، ويدافعوا عن حقوق الأمة.
أما في جزيرة العرب فالمال متوفرٌ بحمد الله، ولكن أين العلماء الذين يطالبون باستقلالهم؟ ألا ترى إلى استقلال علماء الشيعة في الجزيرة ماليا عن الحكومة؟ ألا ترى لمطالباتهم الجريئة للحكومة، وآخرها مطالبات نمر النمر؟ لماذا لا يكون علماء الأكثرية على الأقل في استقلال وجرأة علماء الأقلية؟
* خيرا. وماذا تقصدون بالاستقلال الإداري؟
- أقصد به أن يكون للعلماء حريتهم التامة في انتخاب تشكيلات تجمعهم أو هيئتهم. ليس هذا فقط. بل لا بد أن يكون اختيار شيخ الأزهر باختيار علمائه، ولا بد من عودة هيئة كبار العلماء، التي ألغاها عبد الناصر.
* ألا ترون أنكم بذلك تطالبون العلماء بأن يدخلوا في صراع مع حكوماتهم، قد ينالهم منه النكال والأذى.
- أولا: لا بد أن يضرب العلماء المثل لبقية الأمة.
ثانيا: أنا أطلب من العلماء ما هو أهون من حمل السلاح، وإن كان حمل السلاح اليوم فريضة على كل مسلم، يستطيع حمله، أطالبهم بأن يدافعوا عن استقلالهم وعن أزهرهم، وألا يسمحوا بتحويله لإدارة تسبح بحمد الحكومة. أطالبهم بأن يعزلوا عن تجمعهم العلماء المرتعشين، الذين فرضتهم الحكومات عليهم من أمثال طنطاوي وعلي جمعة وعبد العزيز آل الشيخ وأمثالهم.
* الشيخ طنطاوي صار ملكيا أكثر من الملوك، فقد طالب بجلد الصحافيين، الذين تكلموا عن صحة حسني مبارك.
- نعم. بينما يسبح بحمد الجلادين، الذين ينهشون في لحم الشعب ليل نهار، ويسلمون البلاد للصليبيين واليهود، ويمنعون القوت والدواء عن أهلنا في غزة.
* ولكن ألا ترون أن هذه الدعوة قد تلقى معارضة من كبار المشايخ؟
- أولا دعني أقص عليك حادثة تاريخية. لما وصلت الحملة الفرنسية للقاهرة بقيادة نابليون بونابرت أمر بتشكيل ديوان من عشرة من كبار العلماء ليحكم باسمهم مصر، ويمتص بهم غضب الأمة المسلمة، أي مثل الحكومتين العميلتين الآن في العراق وأفغانستان.
وقد عرض الأمر على عدد من كبار المشايخ، فرفض ثلاثةٌ، وهم الشيخ السادات والشيخ محمد الأمير والسيد عمر مكرم نقيب الأشراف رحمهم الله. ولكن وافق آخرون وشكل المجلس، وكان برئاسة شيخ الأزهر الشيخ الشرقاوي رحمه الله.
ولكن الأمة المسلمة في مصر رفضت هذا المجلس، ورفض شباب العلماء وطلاب العلم تنازل كبار المشايخ، واتّبعتهم الأمة، ولم تتبعْ كبار المشايخ المستسلمين لنابليون، واندلعت ثورة القاهرة الأولى بعد ثلاثة أشهر من دخول نابليون لمصر، رغم معارضة كبار المشايخ لها، ثم بعد أن أخمدها الفرنسيون بوحشية، بواسطة القصف المدفعي للقاهرة والأزهر، ثم اقتحام الأزهر بخيولهم والاعتداء على حرمته وتدنيسه، لم يلبثْ أن انقض أحد طلاب العلم من الشام، وهو الشهيد -كما نحسبه- سليمان الحلبي -رحمه الله- على كليبر القائد الثاني للحملة بعد فرار نابليون، فقتله، ثم اندلعت ثورة القاهرة الثانية بالإضافة لثورات الأقاليم، رغم معارضة كبار المشايخ، وكانت تلك الثورات أحد أهم الأسباب في رحيل الفرنسيين عن مصر.
ولو تابعت الأمة المسلمة كبار مشايخ مجلس نابليون لتحولت مصر لجزائر أخرى.
* طيب. هذا أولا.
- نعم. وثانيا: نحن والحمد لله ليس لدينا بابا ولا وليٌ فقيهٌ يتحدث باسم الإمام الغائب, ولكن الجميع يتحاكم للقرآن والسنة. فإذا عارض أحدٌ أو تردد فإن الأمة بخير، وفيها من الشرفاء الأحرار من يمكن أن يزلزلوا أنظمة الفساد والعمالة، ولكن يجب تجميع القوى وتنظيمها.
* هل يعني هذا أنكم تخاطبون هذه الطليعة من الشرفاء الأحرار ليتحركوا؟
- أخاطب العلماء عامة، وأخاطب أهل الشجاعة والعزة خاصة خارج الأزهر وداخله، أن يتحركوا وينظموا صفوف العلماء، فإن الحملة الصليبية الصهيونية في غاية الشراسة، وإذا لم نتصد لها فلن تبقي ولن تذر.
* الشيخ أسامة بن لادن –حفظه الله- كانت له مساع في هذا التوجه.
- نعم. وقد حدثني –حفظه الله- أنه بعد نهاية الجهاد الأفغاني، عرض على كثير من الدعاة النشطين فكرة خروج مجموعة من العلماء لخارج الجزيرة لمواصلة الدعوة للإصلاح والتغيير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكن ترددهم أضاع الفرصة، ثم اعتقل الكثيرون، وكان ما كان مما تعلمه من تحولات وانتكاسات داخل السجن وبعده.