معنىقوله تعالى : ( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة )
هل بوسعكمرجاء توضيح معنى الآية (195:2) : ( وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلىالتهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين ) وأنا في حيرة ، حيث قرأت في فتوى إلى أن المقصود من إلقاء النفس في التهلكة هو عدم الإنفاق في سبيل الله . ثم قرأت فتوى أخرى تقول بأن المقصود هو قتل النفس ، وهذا إذا كنت قدأحسنت فهمها ، أرجو الرد .
الحمد لله
يتفق أهل العلم من المفسرين والفقهاء وغيرهم على أن قول اللهتعالى : ( وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَىالتَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) البقرة/195
أنه وارد في سياق الأمر بالنفقة ، وأنه قد ورد في سبب نزول الآية أن بعضَالصحابة أرادوا أن يركنوا إلى ضيعاتهم وتجاراتهم ليصلحوها ويتركوا الجهاد في سبيلالله ، فحذرهم الله من ذلك في هذه الآية .
فقد روى الإمام البخاري رحمهالله (4516) عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنه قال في هذه الآية : " نزلت فيالنفقة " انتهى.
وروى الترمذي (2972) عَنْ أَسْلَمَ أَبِي عِمْرَانَ قَالَ : ( كُنَّا بِمَدِينَةِ الرُّومِ فَأَخْرَجُوا إِلَيْنَا صَفًّا عَظِيمًا مِنْالرُّومِ ، فَحَمَلَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى صَفِّ الرُّومِ حَتَّىدَخَلَ فِيهِمْ ، فَصَاحَ النَّاسُ وَقَالُوا : سُبْحَانَ اللَّهِ !
يُلْقِيبِيَدَيْهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ ! فَقَامَ أَبُو أَيُّوبَ الأَنْصَارِيُّ فَقَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّكُمْ تَتَأَوَّلُونَ هَذِهِ الآيَةَ هَذَاالتَّأْوِيلَ ، وَإِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةَ فِينَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، لَمَّا أَعَزَّ اللَّهُ الإِسْلامَ ، وَكَثُرَ نَاصِرُوهُ ، فَقَالَ بَعْضُنَالِبَعْضٍ سِرًّا دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّأَمْوَالَنَا قَدْ ضَاعَتْ ، وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعَزَّ الإِسْلامَ ، وَكَثُرَنَاصِرُوهُ ، فَلَوْ أَقَمْنَا فِي أَمْوَالِنَا فَأَصْلَحْنَا مَا ضَاعَ مِنْهَا ،فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرُدُّعَلَيْنَا مَا قُلْنَا ( وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوابِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) فَكَانَتْ التَّهْلُكَةُ الإِقَامَةَ عَلَىالأَمْوَالِ وَإِصْلاحِهَا ، وَتَرْكَنَا الْغَزْوَ . فَلَمْ يَزَلْ أَبُو أَيُّوبَيُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى دُفِنَ بِالْقُسْطَنْطِينِيَّة )
وصححهالألباني في "السلسلة الصحيحة" (13)
ومع ذلك ، فإنالعلماء - من المتقدمين والمتأخرين - يستدلون بهذه الآية أيضا على النهي عن قتلالنفس وإيذائها وإلقائها إلى التهلكة بأي طريقة من طرق التهلكة ، آخذين بعموم لفظالآية ،وبالقياس الجلي ، مقررين بذلك القاعدةالأصولية القائلة : " العبرة بعموم اللفظ ، لا بخصوص السبب "
يقول الحافظ ابنحجر رحمه الله :
" وأما قصرها عليه – يعني قصر الآية على موضوع ترك النفقة فيسبيل الله - ففيه نظر ، لأن العبرة بعموم اللفظ " انتهى.
"فتح الباري" (8/185)
ويقول الشوكاني رحمه الله :
" أي : لا تأخذوا فيما يهلككم . وللسلف في معنى الآية أقوال . والحق أن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، فكلما صدق عليه أنه تهلكة في الدين أو الدنيا فهو داخل في هذا ، وبه قال ابن جريرالطبري " انتهى.
"فتح القدير" (1/193)
ويدل على ذلك أيضا تنوعتفسيرات السلف لهذه الآية ، فقد ورد عن البراء بن عازب رضي الله عنه أنه اعتبر منيذنب الذنب ثم ييأس من رحمة الله : أنه ألقى بيده إلى التهلكة .
قال ابنحجر في "فتح الباري" (8/33): أخرجه ابن جرير وابن المنذر بإسناد صحيح.
وبهذايتبين أنه ليس بين الجوابين السابقين في موقعنا تناقض ، فالذي جاء في جواب السؤالرقم : (
46807) ، بيان لسبب نزول هذه الآية وسياقها .
والذي جاء فيجواب السؤال رقم : (21589) هو الاستدلال بعموم لفظ الآية ، وبيان أنه لا يجوزالإلقاء باليد إلى التهلكة مطلقا ، مهما كان شكل وطريقة هذه التهلكة أو الأذى .