كاد القطار أن يفوتنى .. و لحسن الحظ لحقت بهبعدما تلقيت كما هائلا من السباب ممن اصطدمت بهم أثناء محاولتى اللحاق بالقطار ... بعدها وجدت مكانا خاليا فاسرعت اليه .. و جلست أجفف عرقى و ألتقط أنفاسى ...
حتى أصاب السكون أنفاسى حين فوجئت بحسناء فىاوائل العشرينات من عمرها .. ذات شعر أسود داكن تجلس أمامى .. و دموع عينيها تسيل .. فدار فى خاطرى .. أى شئ يدمع عينى تلك الحسناء ؟ .. فجمالها لا يعرف طريقاللبكاء .. الفرح ينتظر منها نداء , و رقتها للمجروحين دواء ...
لا أعلم كيف نطقت شفتاى بتلك الكلمات الرومانسيةحين رأيت تلك الفتاة ...
بعدها لم يمنعنى فضولى من سؤالها عن سبب بكائها .. فنظرت إليها و قلت فى دعابة :
- أكيد هو اللى غلطان .. كان لازم تسيبيه من الأول ..
نظرت الىّ لكنها لم ترد .. فأصابنى الحرج والتزمت السكوت .. و فضلت أن اتأمل جمالها دون أن اتحدث ..
بعد لحظات فوجئت بها توقف بكاءها .. و تحدثنى :
- أنا أمنيتىأنى أموت ..
فوجدتها فرصةلحديث أضيع به ملل الطريق و قلت :
- تموتى .. حد يتمنى الموت .. و خاصة لو ربنا أداه الجمال ده كله؟!
هزت رأسها فىإحباط و أكملت :
- أنا ببكى لأنىاستعدت ذاكرتى مرة تانية ..
اندهشت ثم أشرت لها أن تكمل ..
أكملت :- أنا للأسف افتكرت كل حاجة حصلت لى فىحياتى .. بعدها ابتسمت ابتسامة خافتة :
- الناس كانوادايما يقولوا .. أنى جميلة الجميلات .. و فى يوم وقعت فى غرام شاب , و أصبح كلحياتى .. و أصبحت كل حياته .. تخليت عن كل حاجة فى سبيله ...
ابتسمت و قلت :
- جميل ... كمّلى ( فأنا مستمع حتى الآن )
أكملت :- أنت عارف ضعف البنت مهما كانت جميلة .. و فى يوم طلب إنه يقابلنى .. و بعد ما وافقت أصبت بحادث فى طريقى اليه .. و هنافقدت الذاكرة ..
أكملت :
- بقيت سنةفاقدة للذاكرة .. مش فاكرة أى حاجة .. و لا أى حد يعرفنى .. كانت أيام ربنا العالمبيها .. و مع ذلك كنت صابرة .. و كل ما تعدى الليالى أقول أنها عابرة ..
كانت تلك الفتاة على درجة عالية من لباقة الحديث .. حتى أكملت :
- لحد ما جهالوقت و رجعت لى ذاكرتى ..
هنا تنهدت و قلت :- الحمد لله .. عدينا الجزءالمحزن ..
أكملت : - استنى .. أنا استعدت الذاكرة .. وافتكرت كل حاجة .. و حبيت أعود لأهلى .. و هنا كانت الصدمة .. فوجئت أن الشاب اللىكنت بحبه اتجوز أختى ...
- وقتها أوحيت لأهلى أنى مش فاكرة أى شئ .. بسحسيت بصدمته لما شافنى .. و كانت نظراته لى نظرات غريبة .. فخفت أن أختى تحس .. وتفتكرنى بخونها ..
أكملت :- أصبحت قدام اختيارين .. أنى أكون طولعمرى فاقدة للذاكرة و أحافظ على حياة أختى .. أو أنى أهرب و امتلك ذاكرتى .. و هنافضلت الهروب .. ثم صمتت مجددا ..
وقتها كنت فى حيرة عندما سمعتها .. فكم هى مشكلةمعقدة لم أقابلها من قبل .. و تحتاج الى التفكير على مهل ... فأنا لا أرضى لهاالهروب .. و لا أريد لها العذاب .. حتى جاءت محطتى التى كنت أقصدها .. لكننى لمأغادر مقعدى .. و بقيت مكانى .. و فضلت أن أبقى معها .. حتى تحرك القطار مرة أخرى ..
يتبع
to be continued