رأيت حلما في يقظتي !
رأيت ..قسم الكادر رجلا ..في أوائل الستينات من عمره
وقورا.. عاقلا.. جذابا..متماسكا.. كثير الابناء
قويا ..ذا قبضة من حديد ...يصول ويجول ..ذاهبا و عائدا
يخشاه الجميع
يحبونه و يحترمونه
لم ينحن أبدا
و لم يعرف الانكسار ولا البكاء
إلا يوما واحدا
و منذ لحظات قليلة
رأيت الدموع تنهمر من عينيه كمياه السماء المتدفقة غزيرة كغزارة حزنه و ألم قلبه
هرولت نحوه في جنون
أمسكت بيده
شعرت فيها برعشة المضطرب
بثقل المثقل المتعب المحبط الحزين
سألته و عيني تملؤها اللهفة
يملؤها التعجب
الشيخ الوقور المتماسك
الذي يحسده الجميع
علي قوته ورباطة جشأه
مالك يا أبي العزيز؟
ما الذي حل بك؟
ماذا فعلت بك الأيام و الليالي؟
ما الذي فعل بك ما أري؟
و علي غير العادة
وجدت صوته متحشرجا
منحنيا مستسلما
يظهر لسمعي حرف و تتواري عن الأعين حروف و حروف
أجابني باكيا
و عينيه في الأرض
ابني
قلت له ابنك؟
ابنك من؟
قال : ابني البار الكبير مقاما في عيني
قلت و في قلبي ألم المرارة:
ماذا بابنك؟؟؟؟؟
قال لي ( والدمع يزداد) كلما تضغط أصابع الكلمات علي أوتار قلبه:
ابني البار
ابني الذي سأموت كمدا لابتعاده
انه يبتعد عني
انظر أمامك
هل تراه هناك عند الأفق؟
انه يبتعد شيئا فشيئا
ذكره يا بني
ذكره بأبيه الذي أكل الدهر عليه وشرب
هرول اليه سريعا
لا أطيق فراقه
لم أستند يوما مريضا إلا علي يديه
عزتي من عزته
قوتي من وجوده
وقوفي شامخا كسابق عهدي
لن يكون إلا بقربه مني
انصحه يابني ألا يبتعد خطوة واحدة أكثر من ذلك
لن أنتظر حتي يغيب عن ناظري
هيا اسرع بالله عليك
لا تسعفني الكلمات
قلت له مشفقا
قل لي سريعا ما اسمه لاناديه به
قال لي : قل له
يا قائد...يا خلووووق...يا معطاء..يا بار....يا كريم الخلقة والخلق..يا وسيم الروح !!....يا ... وليد عسكر
فتوجهت اليك مسرعا أخي الحبيب وليد
فلقد أحببتك من لهفة والدك عليك و بكائه عليك و وصفه لك بكل ما هو رائع ...
أتوجه إليك بكلمات بسيطة لتصل إلي قلبك دون عقلك
لا تبتعد أكثر من ذلك ...و لو خطوة واحدة..
تأكد أن أسفل قدمك لغم
سينفجر إن رفعت قدميك
جارحا أناس بريئة كثيرين
فضلا عن جرح أبيك
نداء إليك أيها الابن البار كما وصفك أبوك
ارحم أباك
و ارحم (عزيز قوم ذل)