عرض مشاركة واحدة
  #13  
قديم 12-12-2016, 07:03 PM
الصورة الرمزية محمد محمود بدر
محمد محمود بدر محمد محمود بدر غير متواجد حالياً
نجم العطاء
 
تاريخ التسجيل: Nov 2009
المشاركات: 23,998
معدل تقييم المستوى: 38
محمد محمود بدر is just really nice
افتراضي

تابع

كيف تهزم السوق الحرة المضاربين؟


لا ينفي أنصار السوق الحرة، ومنظروها الذين يملكون دراية ببنية السوق الدقيقة وكيفية عملها وليس أنصارها بمعني المؤمنين بقدرتها بشكل غيبي وعصابي، وجود تجار الضوضاء في الأسواق وخصوصًا الاسواق المالية.

لكن هؤلاء الآباء المؤسسين لنظريات كفاءة الأسواق الحرة مثل يوجين فاما أو ميلتون فريدمان، يؤمنون بسهولة التغلب عليهم نظراً لوجود ما يسمى بالمُحَكِّمين أو المضاربين العقلانيين، بتعبير فريدمان. المُحَكِّمون تجار سلوكهم منضبط وبديهي للغاية، لذا يصعب أن يخسروا في الاسواق وتصعب هزيمتهم.

ويشبه سلوك المُحَكِّمين السلوك البديهي للتجار المبتدئين. يشترون السلعة من السوق الأقل سعرًا ويبيعونها في السوق الأعلى سعرًا.
وحتى في البيئات الأكثر تعقيدًا مثل الأسواق المالية، وفي النظريات التي تتبنى نماذج رياضية معقدة مثل نظرية التسعير المحكم أو نموذج تسعير الأصول الرأسمالية، يشبه سلوك المُحَكِّمين السلوك البسيط الآمن لتاجر مبتدئ.
فهم مستثمرون ومضاربون يعرفون أكثر من غيرهم القيمة الفعلية للأصول المالية. مثلاً، يعرفون بدقة ما يسمى بـ«القيمة العادلة» للجنيه مقابل الدولار، والتي تتحدد وفقاً للأساسيات الاقتصادية لمصر.
ويرتبط بيعهم وشراؤهم للدولار، أو لأي أصل مالي، بمقارنتهم بين سعره في السوق وقيمته العادلة.
يبيعون عندما ترتفع الأسعار في السوق عن القيمة العادلة، ويشترون عندما تنخفض أسعار السوق عن القيمة العادلة. فلو كانت القيمة العادلة للدولار 10 جنيهات مثلاً، سيزيدون عرضهم لبيع الدولار إذا ارتفع سعره فوق ال 10، وسيطلبونه إذا انخفض تحت الـ10. هكذا تبقى الأسعار في الأسواق الحرة قريبة من قيمتها العادلة، وهكذا يربح المُحَكِّمون.

هم فقط ينتظرون ظهور تفاؤل أو تشاؤم غير مبرر اقتصاديًا، كذلك الذي يملكه دائمًا تجار الضوضاء، الذين يشترون مع ارتفاعات الأسعار ويبيعون مع انخفاضها بغض النظر عن وضع الأساسيات الاقتصادية. يخلق هذا التفاؤل أو التشاؤم غير المبرر اقتصاديًا انحرافات سعرية عن القيمة العادلة.
وهذه الانحرافات هي بالضبط ما ينتظره المُحَكِّمون لتحقيق ارباحهم الآمنة. هم فقط ينتظرون طيش وجهل تجار الضوضاء ليبيعوا الدولار بأكثر من قيمته الفعلية ويشتروه بأقل من قيمته الفعلية.

في منتصف القرن الماضي نشر ميلتون فريدمان، وهو من هو بالنسبة لأنصار السوق الحرة، كتابه «مقالات في الاقتصاد الواقعي Essays In Positive Economics». نظر فريدمان لكلمة واقعي positive باعتبارها مضاد كلمة normative أو معياري. وكان يحاول تقديم صورة أكثر واقعية لإدارة الاقتصاد، وخالية من معايير «ما يجب أن يكون»، مثل العدل والحق.. إلخ، والتي تضعف فهمنا لطريقة عمل الآلة المعقدة التي تسمى الاقتصاد الكلي.

في المقال الخاص بتعويم أسعار الصرف، قدم فريدمان التصور الأكثر تقليدية وشيوعًا فيما يخص المعركة بين تجار الضوضاء والمُحَكِّمين.
يقول فريدمان: بالطبع سينجح المضاربون أصحاب الرشادة، أي المُحَكِّمون، في تحقيق استقرار الأسعار في سوق حرة. فالمضاربون الذين يزعزعون استقرار الأسعار، أو تجار الضوضاء، يشترون عادة عندما ترتفع الأسعار ويبيعون عندما تنخفض. وهم بذلك يخالفون البديهية الأولى للتجارة «بع عاليًا واشتري منخفضًا». وهذه الفئة غالباً ما تخسر أو يتم طردها من السوق سريعًا.
في مقابل هذا، هناك مضاربون، أو مُحَكِّمون، يحققون أرباحاً عن طريق التداول ضد المضاربين الأقل عقلانية من تجار الضوضاء، ممن يدفعون السعر بعيدًا عن الأساسيات الاقتصادية. المستثمرون أصحاب الرشادة حتمًا يلغون الانحرافات السعرية عن القيمة وفق الأساسيات، ويعملون على استقرار الأسعار.

كانت إجابة فريدمان هذه مفارقة عجيبة. فقد كانت شديدة المعيارية في كتاب فكرته الأساسية وضع تصور واقعي مقابل التصورات المعيارية. اعتبر فريدمان أن العقلاء سيهزمون غير العقلاء منتصرًا لمعيار الرشادة بدون أي دليل تجريبي أو مادي.
وقد انهالت الأدلة التجريبية في منتصف الثمانينيات لتثبت أنه، في ظروف كثيرة، العقلاء لا ينتصرون. ويؤكد كم هائل من الدراسات التجريبية، التي تؤيدها نتائج اختبارات إحصائية، إمكانية تفوق مضاربي الضوضاء على القوى التحكيمية في أسواق متعددة كأسواق الأسهم والعملات والعقارات.

وبغض النظر عن الجدل الأكاديمي حول حدود قوة المُحَكِّمين، فإن ما يهمنا في الحالة المصرية هي أنهم لا ينتصرون بصفتهم عقلاء، بل يتوقف انتصارهم على قوة مراكزهم المالية.

هل يملك المُحَكِّمون في سوق الصرف المصرية الدولارات الكافية لبيعها عندما ترتفع أسعار الدولار عن القيمة العادلة؟
وهل يستطيعون زيادة عرض الدولار بكميات لا يستطيع طلب تجار الضوضاء غير العقلاني التهامها والصعود بالأسعار بعيدًا عن الأساسيات الاقتصادية رغم أنوف المُحَكِّمين؟
من هم المُحَكِّمون في سوق الصرف المصرية أصلا؟

المركزي المصري كمُحَكِّم: سياسات تثبيت سعر الصرف من 2005 الى 2012



يتبع
رد مع اقتباس