عرض مشاركة واحدة
  #32  
قديم 12-07-2009, 03:21 AM
Khaled Soliman Khaled Soliman غير متواجد حالياً
معلم أول أ لغة إنجليزية
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
المشاركات: 9,299
معدل تقييم المستوى: 25
Khaled Soliman has a spectacular aura about
افتراضي


التشكيك في صحة الأحاديث والسنة والدعوي بالإكتفاء بالقرآن


هناك مَنْ يكتفون بالقرآن الكريم.. ويشككون فى صحة الأحاديث ،ويظهرون التناقضات بينها ، ويذكرون الحديث الذى ينص على عدم زيارة المرأة للقبول ،والحديث الذى يقول (فى معناه) أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال إننى قد أمرتكمبعدم زيارةالقبورمن قبل ، والآن أسمح لكم بزيارةالقبور.. فيشيرون إلى ذلك بأنه تناقض.. ويدللون على ذلك بأن الأمة قد فقدت الكثيرمن الأحاديث النبوية عبر الزمان ، أو أن هذه الأحاديث قد حرفت عن معانيهاالصحيحة.. (انتهى).

الرد علىالشبهة:

فى بداية الجواب عن شبهة هؤلاء الذين يشككون فى الأحاديث النبوية. ننبه على مستوى جهل كل الذين يثيرون مثل هذه الشبهات حول الحديث النبوى الشريف.. ذلك أن التدرج والتطور فى التشريع الذى يمثله حديث النهى عن زيارة القبور ثمإباحتها.. هذا التدرج والتطور فى التشريع لا علاقة له بالتناقض بأى وجه من الوجوه ،أو أى حال من الأحوال.
ثم إن التشكيك فى بعض الأحاديث النبوية ، والقول بوجود تناقضاتبين بعض هذه الأحاديث ، أو بينها وبين آيات قرآنية.. بل والتشكيك فى مجمل الأحاديثالنبوية ، والدعوة إلى إهدار السنة النبوية والاكتفاء بالقرآن الكريم.. إن هذهالدعوة قديمة وجديدة ، بل ومتجددة.. وكما حذّر رسول الله صلى الله عليه وسلم منالكذب عليه.. فلقد حذّر من إنكار سنته ، ومن الخروج عليها.

ونحن بإزاء هذه الشبهة نواجه بلونين من الغلو:

أحدهما: يهدر كل السنة النبوية ، اكتفاءبالقرآن الكريم.. ويرى أن الإسلام هو القرآن وحده.
وثانيهما: يرى فى كل المرويات المنسوبةللرسول صلى الله عليه وسلم سنة نبوية ، يكفر المتوقف فيها ، دونما فحص وبحث وتمحيصلمستويات " الرواية " و " الدراية " فى هذه المرويات. ودونما تمييز بين التوقف إزاءالراوى وبين إنكار ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم..

وبين هذين الغلوين يقف علماء السنة النبوية ، الذين وضعوا علومالضبط للرواية ، وحددوا مستويات المرويات ، بناء على مستويات الثقة فى الرواة.. ثملم يكتفوا ـ فى فرز المرويات ـ بعلم " الرواية " والجرح والتعديل للرجال ـ الرواة ـوإنما اشترطوا سلامة " الدراية " أيضًا لهذه المرويات التى رواها العدول الضابطونعن أمثالهم حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أى أن هؤلاء العلماء بالسنة قد اشترطوا " نقد المتن والنصوالمضمون " بعد أن اشترطوا " نقد الرواية والرواة " وذلك حتى يسلم المتن والمضمونمن " الشذوذ والعلة القادحة " ، فلا يكون فيه تعارض حقيقى مع حديث هو أقوى منهسندًا ، وألصق منه بمقاصد الشريعة وعقائد الإسلام ، ومن باب أولى ألا يكون الأثرالمروى متناقضًا تناقضًا حقيقيًّا مع محكم القرآن الكريم..
ولو أننا طبقناهذا المنهاج العلمى المحكم ، الذى هو خلاصة علوم السنة النبوية ومصطلح الحديث ، لماكانت هناك هذه المشكلة ـ القديمة..
المتجددة ـ.. ولكن المشكلة ـ مشكلة الغلو ، بأنواعه ودرجاته ـإنما تأتى من الغفلة أو التغافل عن تطبيق قواعد هذا المنهج الذى أبدعته الأمةالإسلامية ، والذى سبقت به حضارتنا كل الحضارات فى ميدان " النقد الخارجى والداخلىللنصوص والمرويات ".. وهذه الغفلة إنما تتجلى فى تركيز البعض على " الرواية " معإهمال " الدراية " أو العكس.. وفى عدم تمييز البعض بين مستويات المرويات ، كأن يطلبمن الأحاديث ظنية الثبوت ما هو من اختصاص النصوص قطعية الثبوت.. أو من مثل تحكيم " الهوى " أو " العقل غير الصريح " فى المرويات الصحيحة ، الخالية متونها ومضامينهامن الشذوذ والعلة القادحة..

وهناك أيضًا آفة الذين لا يميزون بين التوقف إزاء " الروايةوالرواة " ـ وهم بشر غير معصومين ، وفيهم وفى تعديلهم وقبول مروياتهم اختلف الفقهاءوعلماء الحديث والمحدثون ـ وبين التوقف إزاء " السنة " ، التى ثبتت صحة روايتهاودرايتها عن المعصوم صلى الله عليه وسلم.. فتوقف العلماء المتخصصين ـ وليس الهواةأو المتطفلين ـ إزاء " الرواية والرواة " شىء ، والتوقف إزاء " السنة " التى صحتوسلمت من الشذوذ والعلل القادحة شىء آخر.. والأول حق من حقوق علماء هذا الفن ، أماالثانى فهو تكذيب للمعصوم صلى الله عليه وسلم ، والعياذ بالله..

أما الذين يقولون إننا لا حاجة لنا إلى السنة النبوية ، اكتفاءبالبلاغ القرآنى ، الذى لم يفرط فى شىء..

فإننا نقول لهمما قاله الأقدمون ـ منأسلافنا ـ للأقدمين ـ من أسلافهم ـ:

إن السنة النبوية هى البيان النبوى للبلاغ القرآنى ، وهى التطبيقالعملى للآيات القرآنية ، التى أشارت إلى فرائض وعبادات وتكاليف وشعائر ومناسكومعاملات الإسلام.. وهذا التطبيق العملى ، الذى حوّل القرآن إلى حياة معيشة ، ودولةوأمة ومجتمع ونظام وحضارة ، أى الذى " أقام الدين " ، قد بدأ بتطبيقات الرسول صلىالله عليه وسلم للبلاغ القرآنى ، ليس تطوعًا ولا تزيّدًا من الرسول ، وإنما كانقيامًا بفريضة إلهية نص عليها القرآن الكريم

وأنزلنا إليك الذكرلتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون .
فالتطبيقات النبويةللقرآن ـ التى هى السنة العملية والبيان القولى الشارح والمفسر والمفصّل ـ هى ضرورةقرآنية ، وليست تزيّدًا على القرآن الكريم.. هى مقتضيات قرآنية ، اقتضاها القرآن.. ويستحيل أن نستغنى عنها بالقرآن.. وتأسيًا بالرسول صلى الله عليه وسلم ، وقيامًابفريضة طاعته ـ التى نص عليها القرآن الكريم: (قل أطيعوا اللهوالرسول) (2) (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) (3) (من يطع الرسول فقد أطاع الله) (4) (قل إنكنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله) (5) (إنالذينيبايعونك إنما يبايعون الله ) (6).
تأسيًا بالرسول صلى الله عليه وسلم ، وطاعة له ، كان تطبيق الأمةـ فى جيل الصحابة ومن بعده ـ لهذه العبادات والمعاملات.. فالسنة النبوية ، التى بدأتدوينها فى العهد النبوى ، والتى اكتمل تدوينها وتمحيصها فى عصر التابعين وتابعيهم، ليست إلا التدوين للتطبيقات التى جسدت البلاغ القرآنى دينًا ودنيا فى العباداتوالمعاملات.

فالقرآن الكريم هو الذى تَطَلَّبَ السنة النبوية ، وليست هىبالأمر الزائد الذى يغنى عنه ويستغنى دونه القرآن الكريم.

أما العلاقة الطبيعية بين البلاغ الإلهى ـ القرآن ـ وبين التطبيقالنبوى لهذا البلاغ الإلهى ـ السنة النبوية ـ فهى أشبه ما تكون بالعلاقة بين " الدستور " وبين " القانون ". فالدستور هو مصدر ومرجع القانون..

والقانون هو تفصيل وتطبيق الدستور ، ولا حُجة ولا دستورية لقانونيخالف أو يناقض الدستور.. ولا غناء ولا اكتفاء بالدستور عن القانون. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليس مجرد مبلّغ فقط ، وإنما هومبلّغ ، ومبين للبلاغ ، ومطبق له ، ومقيم للدين ، تحوّل القرآن على يديه إلى حياةعملية ـ أى إلى سنة وطريقة يحياها المسلمون.
وإذا كان بيان القرآن وتفسيره وتفصيله هو فريضة إسلامية دائمةوقائمة على الأمة إلى يوم الدين.. فإن هذه الفريضة قد أقامها ـ أول من أقامها ـ حامل البلاغ ، ومنجزالبيان ، ومقيم الإسلام ـ عليه الصلاة والسلام.

والذين يتصورون أن الرسول صلى الله عليه وسلم مجرد مبلِّغ إنمايضعونه فى صورة أدنى من صورتهم هم ، عندما ينكرون عليه البيان النبوى للبلاغالقرآنى ، بينما يمارسون هم القيام بهذا البيان والتفسير والتطبيق للقرآن الكريم !.. وهذا " مذهب " يستعيذ المؤمن بالله منه ومن أهله ومن الشيطان الرجيم !.

(1) النحل: 44.
(2) آل عمران: 32.
(3) النساء: 59.
(4) النساء: 80.
(5) آل عمران: 31.
(6) الفتح: 10

كتبه د. محمود حمدى زقزوق - وزير الأوقاف المصرى
رد مع اقتباس