الموضوع: السيره حياه
عرض مشاركة واحدة
  #77  
قديم 14-06-2018, 08:43 AM
الصورة الرمزية عزة عثمان
عزة عثمان عزة عثمان غير متواجد حالياً
مشرف عام الجغرافيا للمرحلة الثانوية
 
تاريخ التسجيل: Sep 2012
المشاركات: 4,966
معدل تقييم المستوى: 16
عزة عثمان will become famous soon enough
افتراضي




حجة الوداع وعلامات اقتراب أجل الرسول


في أواخر العام العاشر من الهجرة،
كان واضحًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم،
ولصحابته أن أجل الحبيب عليه الصلاة والسلام قد اقترب،
ومن رحمة رب العالمين أنه مهد لهذا
الموت بأحداث ومواقف وعبارات،
وذلك ليهوّن على المسلمين مصابهم الفادح، وأزمتهم الطاحنة.



** كان فتح مكة نفسه، وإسلام هوازن وثقيف،
وقدوم الوفود تلو الوفود على المدينة المنورة لتعلن إسلامها،
كانت هذه الأمور نفسها علامة من علامات اقتراب الأجل؛
لأن المهمة - كما ذكرنا - قاربت على الانتهاء.



** ثم إنه في شهر رمضان من السنة العاشرة من الهجرة
اعتكف عليه الصلاة والسلام عشرين يومًا
بدلاً من عشرة أيام فقط، كما كان معتادًا،
وكان هذا وكأنه تمهيد لأمته أنه يعتزلها،
ويبعد عنها مدة أطول من المدة المعتادة،
وسيأتي وقت يبعد عنها بجسده تمامًا، وإن كان سيظل بروحه،
وسنته، وأقواله، وأفعاله، وتوجيهاته معهم إلى يوم القيامة.



** وفي شهر رمضان أيضًا راجعه جبريل عليه السلام
القرآن مرتين، بدلاً من مرة واحدة كما كان معتادًا،
وكأنه يؤكد قبل موت الرسول عليه الصلاة والسلام
على الدستور الذي سيبقى للأمة، وإلى يوم القيامة.
كان هذا في شهر رمضان،
وفي شهر شوال تُوُفِّي ابنه إبراهيم ،
ومع أن البعض كان يتمنى أن لو بقي شيء من عقبه.

جاء في مسند أحمد عن معاذ بن جبل
أنه بعثه إلى اليمن وقال له:
"يَا مُعَاذُ، إِنَّكَ عَسَى أَنْ لا تَلْقَانِي بَعْدَ عَامِي هَذَا،
أَوْ لَعَلَّكَ أَنْ تَمُرَّ بِمَسْجِدِي هَذَا أَوْ قَبْرِي".




وفي شهر ذي القعدة من السنة العاشرة بدأ الرسول
عليه الصلاة والسلام في الاستعداد للقيام بالحج
للمرة الأولى في حياته ،
والتي عُرفت في التاريخ بحجة الوداع،
ودعا إليها القبائل المختلفة من كل أنحاء الجزيرة العربية،
وتوافدت فعلاً القوافل متجهة إلى المدينة لصحبة الرسول
عليه الصلاة والسلام في طريقه من المدينة إلى مكة،
ومنهم من توجه مباشرة إلى مكة المكرمة،
وقد تجاوز المسلمون الذين حضروا هذه الحجة مائة ألف مسلم،
وذكر بعض الرواة أن عددهم كان يزيد على مائة ألف
وأربعة وأربعين ألفًا من المسلمين.



"أيها الناس، افسحوا وتباعدوا عن الطرقات،
ألا ترون ذلكم الركب المبارك، في يوم السبت لأربع
بقين من ذي القعدة سنة عشر من الهجرة المباركة"
،
هكذا نادى منادي رسول الله "صلى الله عليه وسلم".
نادى منادي رسول الله "صلى الله عليه وسلم" بقصده الحج
لهذا العام، فاجتمع حوله مائة وأربعة وأربعون ألفًا من الناس
في مشهد عظيم، فيه معان العزة والتمكين،
ألقى الرعب والفزع في قلوب أعداء الدعوة ومحاربيها،
وكان غصة في حلوق الكفرة والملحدين.


قبل ثلاثٍ وعشرين سنة من ذلكم الوقت،
كان هناك فرد وحيد، يعرض الإسلام على الناس فيردوه،
ويدعوهم فيكذبوه، في ذلكم الحين كان المؤمن لا يأمن
على نفسه أن يصلي في بيت الله وحرم الله.

ها هم اليوم مائة وأربعة وأربعون ألفًا يلتفون حول
الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم في مشهدٍ يوحي
بأكمل معان النصر والظفر، ويجسد صورة رائعة،
تحكي بأن الزمن وإن طال، فإن الغلبة لأولياء الله وجنده،
مهما حوربت الدعوة وضيق عليها،
وسامها الأعداء ألوان العداء والاضطهاد،
فإن العاقبة للحق ولأهل الحق العاملين المصلحين:
(وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم
مَّسَّتْهُمُ ٱلْبَأْسَاء وَٱلضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ
ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ
أَلا إِنَّ نَصْرَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ)

[البقرة:214].



سار ذلكم الركب المبارك يدوس الأرض،
التي عُذّب من عُذّب فيها، وسحب على رمضائها مَنْ سُحِب،
ساروا يمرّون على مواضع لم تزل عالقة في ذكراهم،
ذاقوا فيها ألوان العذاب والقهر والعنت،
سار "صلى الله عليه وسلم" ليدخل المسجد الحرام
الذي لطالما استقسم فيه بالأزلام، وعبدت فيه الأصنام،
دخله طاهرًا نقيًا، تردد أركانه وجنباته لا إله إلا الله،
ورجع الصدى من جبال بكة ينادي: لبيك اللهم لبيك.

رد مع اقتباس